أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - عن الله و الشيطان – وصف ُالمشهد















المزيد.....

عن الله و الشيطان – وصف ُالمشهد


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4318 - 2013 / 12 / 27 - 18:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عن الله و الشيطان – وصف ُالمشهد

قامت الديانات الإبراهيمية على فكرة التوحيد لعبادة رب واحد هو سبب الخلق بيده المصائر، و هو كائن كلي الحب و الرحمة و الرأفة جامع للصفات الإيجابية باعتباره مصدرها، و الإخلاص له و لعالمه الملئ بمخلوقات نورانية اسمها الملائكة وظيفتها مدحه و الإشادة به بدون توقف فيما يُعرف بالتسبيح، و تنفيذ أوامره و طاعته بدون مناقشة. و لازمت ْ هذه الديانات بين التوحيد للرب الأوحد و بين الإقرار بوجود كائن آخر مُتمرد كلي الشر يرفض التبعية للرب و يستقل بذاته و يعاديه و ملائكته و خلقه. و تطلب هذه الديانات من أتباعها أن تعتنق العبادة و الولاء للرب و تسميه الإيمان بالله، و أن تُجاهر بالرفض للكائن المعادي و تسميه الكفر بالشيطان، فيكون معنى الكفر هنا هو عدواة الشيطان مع الإقرار بوجوده، و لا تعني إنكار الوجود.

إن أبرز خاصية للإيمان هي القبول بالمشيئة الإلهية التي نقلها للبشرعن طريق كتبه و أنبيائه و رجاله الذين خصهم بالدعوة و بالرسالة و اتــّـِباع تلك الإرادة بممارسة عبادات مثل الصوم و الصلاة و تلاوة كلمات و قراءات نصية تذكر مشيئة الإله و تروي قصص اتصاله مع البشر و تصف عالمه الذي يعيش فيه مع المخلوقات النورانية الخيرة الطائعة له، و التزام طقوس معينة في تأديتها بوضعيات جسدية مختلفة من وقوف و جلوس و ركوع و سجود و تبخير و طواف و سعي و إحرام و تقديم قرابين.

كما يطلب الإيمان بالضرورة التزاما ً بنهج حياة يُحدد ما يمكن إتيانه فيما يُعرف باسم الحلال، و فيما يجب الامتناع عنه و هو الحرام، و يصيغ للمرء نظرته الشاملة نحو الحياة و معاني الأحداث و قيمها الموجودة فيها، بحيث يُصبح كل حدث أو فرد أو مشهد يجمع الأحداث و الأفراد و الأفكار هو موضع حكم نابع من الإيمان بالله و الالتزام بمشيئته، فيتخذ الفرد المؤمن موقفه من المشهد و مكوناته في ضوء ما يعلنه له إيمانه إما بواسطة نص صريح وواضح أو نص يتم تأويله بالقياس أو بواسطة الحكم بروح الديانة نفسها أو بمذهب منها أو برأي لأحد آبائها أو قديسيها أو كهنتها أو علمائها أو فقهائها أو شيوخها أو رابيها.

و يفرض الإيمان على المؤمن الانشغال الدائم بـ "المشيئة الإلهية"، و يزرع في عقله ساعة ً بندولها القياسي دائم التأرجح بين طرفي الحكم بالحق و حلاليته و وجوب التزامه و إتيان ما ينسجم معه، و الباطل و حرامه ووجوب الامتناع عنه، و تحل الطاعة للمشيئة الإلهية مكان التقرير الشخصي عن علاقة المشهد بمكوناته بهوية الفرد و خصائصه الفردية تمهيدا ً لاستصدار حكم ٍ فردي عليه، لا يأتي أبدا ً.

لماذا تطلب الديانات الإبراهيمية هذا السلوك التسلطي الاستبدادي الاستعبادي من أفرادها؟

لا يمكننا الإجابة على هذا السؤال دون أن نعود للجذور الفلسفية المؤسِسة للديانات الإبراهيمية، فكلما اقتربنا منها أكثر و أكثر و على عكس المُتوقع، و بدلا ً من أن تبدأ الحدود التعريفية لكائن الله بالظهور وحيدة ً نجد بكثير ٍ من الدهشة أن هالتين مختلفتين تتخذان حدودا ً تشكيلية، إحداهما و هناك في قلب تلك الديانات و عند جذرها تتكون ببهاء ٍلتصبح "الله"، و بجانبها مُلتصقا ً بها مُبتعدا ً عنها في آن ٍ معا ً يظهر الشيطان.

في الحديث عن الشيطان يبرز وصف ٌ فريد للإستقلال و الإرادة الحرة التي ترفض التبعية و الخضوع، هذا الاستقلال النابع من السعي نحو المعرفة و من المعرفة نفسها و استحقاقات الفهم الوجودي و الروابط بين الكائنات، و القوانين الكونية و إتقان الإنجازات المختلفة المُتأتي من هذه الاستحقاقات و من الشعور بالاستقلال و التميز و الثقة بالنفس دون أثقال الارتباط بالغيبيات و الكائنات النورانية و النصوص و رجالها.

يُمثل الشيطان كل رغبات النفس التي يكتمها الإيمان، فالأول لا يطلب الخوف من الفعل و السلبية في المشهد و إنكار الواقع لكنه يحض بشكل واضح على الإعتراف به و بالزمن الآني و الاندفاع للانغماس في الحياة و العمل بإملاء المشهد نفسه لا بحكم القيمة الإلهي المُرتبط بالعالم الغيبي و التابع للزمان الأول و المُقيد بسلاسل النصوص.

إن لاهوت الإيمان يقبل الأرضي بمقياس غير الأرضي، و يعطيه قيمته حسبما يراها العالم الآخروي و يعترف بالواقع فقط كأساس للقادم الملكوتي، و يندمج مع الحاضر كتمهيد لتحويله إلى القادم الغيبي، و يحض على الفعل بمقدار ما يتوافق مع صفات العالم الإلهي و بمقدار ما يُسهل للفرد من ارتقاء في مستويات الإيمان تمهيدا ً لوصوله نحو ذاك العالم. إنه العالم الآخر يُستحضر في العالم الآني، إنها الأبدية تتجسد في مشهد من الزمان و المكان و الحضور المادي، إنه الملكوت القادم يتم اقتباس ُ وميض ٍ لحظي ٍ له يخدم كختم ٍ للمشهد يُعلن موافقته عليه و يمهره بالقبول و التوافق مع ما سيأتي، إنه اللاموجود يحل ُّ في الموجود، و اللازمن يشم الزمن، إنه العدم الوجودي حين يقتحم الحي َالموجودَ نفسه، إنها نزعة الموت، نزعة استكمال دورة الحياة تحل قبل الموت نفسه تـُـذكــّـِر به، إنه الخوف من الحياة، الرغبة الدفينة في قاع الإنسان للموت، تُعلن عن نفسها في كل مشهد كشكل ٍ من أشكال الانسجام مع المشيئة الإلهية، إنه الموت مرات ٍ و مرات ٍ و مرات قبل أن يأتي حقيقة ً.

أما الشيطان فهو شعار "اليوم و الأن" و في هذه اللحظة، إنه قبول الواقع و احتضانه و تحليله بحسب ما هو لا بحسب واقع افتراضي غيبي آخر، إنه نزع النظارات الشمسية و استقبال موجة الضوء الدافقة بكل زخمها كما هي إلى العين، إنها المعرفة و الواقع و البراغماتية و الزخم و الحقيقة كما هي بدون اتصال بغير المرئي و غير المسموع، إنها كسر قيد النص و تحيد الأب و القديس و الكاهن و الشيخ و الرابي، إنها الواقع كما هو في ذات الحدث و في هذه اللحظة، إنه إعطاء القيمة بحسب الحاجة و بحسب الحياة نفسها و بحسب المشهد و بحسب المادة و استحقاقاتها، بحسب المنطق و العقل و الرغبة و الطبيعة البشرية، إنها البراغماتية الإنسانية و الاندفاع الصاخب لمعانقة الحياة و تحدي الواقع و عقلانية الموجود.

في هذا التعريف يتحول الشيطان إلى تجسيد ٍ لمعاني الثقة بالنفس و بالبشرية و بالقدرة على اتخاذ القرار دون الحاجة لله و ملائكته و كتبه و رسله و رجاله و قديسيه و شيوخه و كهنته و رابيه، إلى متعة اللحظة و احتضان المستقبل المجهول و القدرة على صياغة و تشكيل المجتمع بحسب الحاجة التي تظهر للمجتمع و التي يُقرها أفرادها و يُشرعون على أساسها، إنه الجسد البشري و العقل البشري و الشوق نحو المعرفة و الصعود بقوة نحو المستوى الآخر القادم للإنسان، إنه عرض ٌ للممكن و تأكيد ٌ للخيار، إنه استعادة ٌ للسلطة على العقل و القلب و الجسد و النفس و المصير، إنه صرخة الرفض في وجه لذة الاستكانه و مهانة القنوع و حيرة الطاعة و مرارتها.

ثنائية "الله و الشيطان" هي الإنسان في خيره و شره، في خوفه و ثقته، في استكانته و خضوعه و تنازله و تواضعه و في تمرده و ثورته و كبريائه و جبروته، إنه الطاقة العاملة في شعوره و لا شعوره، في عقله و قلبه و مشاعره و نفسه، إنه المعلوم و المجهول، الممكن و غير الممكن، رغبة الحياة و الخوف من استحقاقاتها و الخوف من الموت و استدعاؤه في آن ٍ معاً، إنه الوجود و اللاوجود، إنه الصمت و الصَخب.

ثنائية "الله و الشيطان" هي كينونة الذات البشرية.



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من سفر التطور – أين ذهب الشعر؟
- من سفر الله - في مشكلة التسليم – إن شاء الله و ألف ألف مبروك
- الفصح الميلادي – تأمل
- عشتار – 1- الله و الشيطان، مُلحق إغنائي
- انخماد الوهج – مسيحيو الشرق بين عدم اكتراث الأكثرية المعتدلة ...
- أبون دبشمايو ، نثقدش شماخ – إلى قلب الله
- عن يوسف النجار – في زمن الميلاد
- اليونسيف، الميلاد و العطاء – أنت أيضا ً تستطيع!
- أشعياء النبي - في التحضير النفسي للميلاد – صبي ٌّ صغير ٌ يسو ...
- تسعة أيام قبل الميلاد – المسيحيون، ما زلنا هنا!
- مُصالَحة ُ الإيمان مع العقل – الممكن الضروري.
- قيمة الإنجيل الحقيقية – لماذا المسيحية كخيار؟
- حوار مع الله – محاولة للفهم
- من سفر الإنسان – سيد السبت
- قراءة في التجديد الديني – حتميته من بواعثه.
- عن نلسون مانديلا – من سجن جزيرة روبين
- عشتار – 3 - القَيُّومة
- متى يذوب ذاك الثلج في بركاني
- عشتار – 2 – ثتنائية جوهر الألوهة
- عشتار – 1 - الله و الشيطان.


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - عن الله و الشيطان – وصف ُالمشهد