|
شهور اكتوبر نوفمبر ديسمبر ويناير على الابواب
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4318 - 2013 / 12 / 27 - 18:41
المحور:
حقوق الانسان
ان هذه الشهور المتتابعة تحمل دلالات وذكريات اليمة سواء في سجل العائلات المكلومة من فقدان فلذات اكبادها ، او في سجل الجلاد القاتل الذي لم تزعزعه رأفة ولا شفقة ، وهو يرتكب جرائمه السادية بمنتهى البرودة والإدراك العلمي والعملي ، وهو الامر الذي يجعل منه مجرما عن سبق الاسرار والترصد ، و تجب محاكمته على ما اقترفته ايديه من جرائم هزت الرأي العام الحقوقي الدولي قبل الوطني . واذا كنا قد ركزنا على هذه الشهور من حيث المآسي المسجلة في سجل حقوق الانسان ، فإن هذا لا يعني ان بقية الشهور الاخرى كانت نظيفة في ميدان حقوق الانسان ، لكن تركيزنا على هذه الشهور ، هو فقط لتتابعها ، حيث لم يخل شهر من شهور السنة دون تسجيل خروقات فظيعة من قبل القمعيين في ميدان حقوق الانسان . بالرجوع الى شهر اكتوبر من كل سنة ، يتذكر الديمقراطيون والحقوقيون العاملون في ميدان حقوق الانسان ذكرى اختطاف واغتيال المهدي بن بركة من قلب العاصمة الفرنسية باريس ، بسبب افكار سياسية لم تكن تعجب الماسكين السلطويين بزمام الحكم ، وعلى رأسهم الجنرال محمد افقير والكلونيل احمد الدليمي . لقد امتدت يد الغدر الى المهدي للحيلولة دون عودته الى المغرب التي كان قد اقترحها عليه الملك الحسن الثاني بواسطة صهره مولاي الحسن بن المهدي ، وحتى لا يسبب رجوعه مزاحمة للسلطويين الذين كانوا يحضرون للانقلاب على المشروعية التي تجسدت في الانقلاب العسكري في سنة ، 1971 وفي انقلاب الطائرة الذي كان من تدبير افقير في سنة 1972 ، وهي نفس المحاولة كاد ان يقودها الجنرال احمد الدليمي في سنة 1982 ، لولا افتضاح امره على يد احد الاشخاص المقربين اليه الذي ابلغ شخصا كان يعمل بمديرية الشؤون العامة والولاة طالبا اياه بإخبار المسئولين المقربين من سلطة القرار ، وهو ما افضى الى مقتله في حادثة ( سير ) وحضور ولي العهد آنذاك والأمير مولاي عبدالله مراسيم الجنازة . وللتذكير فان زوجة الجنرال ، وخوفا من ان تتعرض الى نفس المصير المظلم اللاقانوني الذي تعرضت له زوجة الجنرال محمد افقير وأبناءها ، فإنها هرعت الى القصر وطالبت الحماية الملكية بعد ان ادانة زوجها ، ولم تحزن عليه بلباس الحداد ، اي لم ترتدي اللباس الابيض . اما اخوته ووالده فقد تعرضوا الى التنكيل والإذلال ، حيث طرد اخاه من العمل حيث كان يعمل كاتبا عاما بعمالة القنيطرة ، كما صودرت منه العديد من الاراضي والأملاك العقارية التي منها من توجد عليه اليوم اكاديمية المملكة المغربية بطريق زعير . لقد تمت تصفية المهدي في اطار الصراع بين الطامحين للاستيلاء على الحكم ، من جهة بعض ضباط الجيش المسيسين من خلال تقلدهم وزارة الداخلية ( افقير ) وتقلدهم الادارة العامة للأمن الوطني (الدليمي ) ، ومن جهة قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذين كانوا يطمحون الى تأسيس جمهورية برلمانية على الطريقة العربية . ان هذا التقابل بين جمهورية العسكر وجمهورية السياسيين البلانكيين التي وصلت ذروتها بحركة 16 يوليوز 1963 ، وبحركة 3 مارس 1973 ، لم يمنع الطرفين من التعاون والتنسيق بينهما ، وهو الامر الذي كشفته رسالة الفقيه محمد البصري التي نشرها عمر السغروشني في جريدة ( لوجورنال ) الموقوفة ، ونشرتها جريدة ( دومان ) الموقوفة كذلك من مشاركة عناصر من الاتحاد ، الجنرال افقير في انقلاب الطائرة في سنة 1972 ، وقد صدر الحكم بالإعدام على الفقيه محمد البصري من قبل المحكمة العسكرية بالقنيطرة . لقد اغتيل المهدي بسبب الصراع على الحكم ، كما اغتيل العملاء الفرنسيون الذين ’وظفوا في هذه الجريمة بالمعتقل السري الثابت رقم 3 لمحو آثار الجريمة التي كانت ثابتة في حق الجنرال الدليمي بعد مقتل الجنرال محمد افقير . واذا كان حزب الاتحاد يخلد تلك الذكرى في كل سنة ضاربا الموعد مع الحدث حتى لا يتحول الى ارخبيل من النسيان ، فان ( الاتحاد ) الجديد منذ دخوله الحكومة التي سميت خطأ بحكومة عبدالرحمان اليوسفي ، حيث تولى وزيران " اتحاديان " وزارة العدل ( بوزوبع والراضي ) مع رئاسة الحكومة من قبل اليوسفي ، ارخت بظلالها العكسية على القضية التي رفض الاتحاد معالجتها بالطرق القانونية رغم تحرك القضاء الفرنسي الذي كان بدافع احراجي ايام ساركوزي ، وهو التغيير الذي تمثل في كف الاتحاد عن احياء ذكرى الاختطاف والقتل وكأن لا شيء حصل لزعمائه التاريخيين ، وهو النهج الذي تكرس جليا بعد تعيين ادريس لشكر على رأس حزب يتاجر بعنوان الاتحاد كعلامة تجارية محتكرة ، بل الادهى من هذا فان قضية المهدي بن بركة وعمر بنجلون ومحمد كرينة ... لخ اضحت مدارا للمتاجرة وللبيع والشراء ، حيث يوظف هؤلاء المنسيون في الاستغلال السياسي المدر للريع الحكومي والبرلماني ، لاستمرار نفس القبضة التي طلقت النضال الاتحادي الستيني والسبعيني ، واندمجت ضمن الموجة الجديدة التي ربطت بين التحرر والديمقراطية ، قبل ان يتحول الحزب الآن الى فرع من فروع حزب الاصالة والمعاصرة . وما يثير الشفقة ، انه باستثناء اليساريين الماركسيين المنتمين الى الجمعية المغربية لحقوق الانسان الذين احيوا هذه السنة ذكرى الاختطاف ، حيث لم يتجاوز عددهم عشرين نفرا ، وبعضهم كان يحمل راية كبيرة مرسوم عليها المطرقة والمنجل ، رغم ان المهدي لم يكن ماركسيا لينينيا ، فان لا احد ممن يدعون تمثيلهم استمرارية الحركة الاتحادية الاصيلة حظر الوقفة التضامنية التي كانت امام البرلمان . يلاحظ ان نفس العدد القليل الذي لم يتجاوز العشرين نفرا يساريا احيى اليوم العالمي للإعلام ، وفي نفس اللحظة وعلى بعد امتار احيى حوالي خمسون نفرا من الاسلاميين المنتمين الى جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية يوم القدس . ان السؤال هنا : ماذا يعني حضور حوالي عشرين نفرا فقط ذكرى اختطاف المهدي ، وإحياء اليوم العالمي للإعلام ؟ دائما في نفس شهر اكتوبر من كل سنة تحل ذكرى غياب احد ابرز اطر منظمة 23 مارس المرحوم عبدالسلام المودن الذي ساهم في تأسيس منظمة العمل الديمقراطي الشعبي . ومنذ انتقاله في 15 اكتوبر 1992 الى الرفيق الاعلى جراء حادثة سير مشكوك فيها ، لا احد من رفاق ( الدرب ) تفضل بطلب الكشف عن سبب الوفاة ، ولا تفضل بإحياء ذكراه التي طالها النسيان ، بل ان العديد من ( رفاق الدرب ) تقطعت بهم السبل في اتجاهات عديدة ، منهم من انفصل عن منظمة العمل ليؤسس للحزب الاشتراكي بأوامر من ادريس البصري ، كعقاب لموقف المنظمة من دستور 1996 ، ومنهم من باع ارث المنظمة ولينخرط في تجربة لا تزال تجتر مخلفات الصراع التنظيمي والإيديولوجي بين اليساريين المتمركسين بعضهم بعضا ، وبينهم وبين تيار الوفاء للديمقراطية المنفصل عن الاتحاد الاشتراكي . وبالرجوع الى تلك الفترة المليئة بالزخم السياسي ، سنجد ان عبدالسلام المودن كان محسوبا على صف الاطر المدافعة عن مبدأ اقامة نظام ديمقراطي بالمغرب يحرره من سيطرة العقلية البصروية الاستبدادية التي تمثلها اليوم زمرة العصبية القبلية المافيوزية ( التاريخ يعيد نفسه في المرة الاولى بشكل مأساوي ، ويعيد نفسه في المرة الثانية في شكل تراجيديا ) المرتكنة لسلطة التعليمات الاستبدادية والأساليب القروسطوية في تدبير الشأن العام . ومن المعلوم ان عبدالسلام المودن كان قد اعتقل في بداية السبعينات وقضى خمسة عشر سجنا بالسجن المركزي بالقنيطرة ، بتهمة الانتماء الى منظمة محظورة هي منظمة 23 مارس ، وبتهمة المس بالأمن العام الداخلي ، ولم يبرح السجن إلاّ في سنة 1989 ليواصل نشاطه السياسي والفكري المعارض ، حيث تعرض في صيف سنة 1992 الى عملية اختطاف من طرف عناصر تنتمي الى مديرية مراقبة التراب الوطني بتعليمات الجلاد المجرم حفيظ بنهاشم والجلاد المجرم محمد العشعاشي ، ليتم رميه في الشارع بعد يومين من الترهيب والتعذيب النفسي ، بل والتهديد بالتصفية الجسدية . وفي هذا الصدد يتذكر السياسيون والأمنيون اراءه الجريئة حول مشروع الدستور الذي كان مطروحا على الاستفتاء ، تلك الآراء التي عكستها سلسلة مقالات نشرتها جريدة انوال التي كان عضوا في هيئة تحريرها . ان عملية الاختطاف التي تعرض لها ، والضغط الذي مورس عليه ، والذي وصل الى التهديد بالتصفية الجسدية ، لم تثني من عزائمه ، ولم تؤثر فيه ، فواصل نضاله طبقا لقناعته السياسية والفكرية والإيديولوجية سواء داخل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ،او داخل قسم التحرير بجريدة انوال ، الى ان جاء خبر موته المفاجئ الذي يطرح اكثر من علامة استفهام . وهنا لا بد من الاشارة الى ان المرحوم عبدالرزاق لمروري وزوجته تعرضا لحادثة سير مصطنعة اشرف عليها ادريس البصري والطاقم المحيط به ، وعلى رأسه المجرم عبد العزيز علابوش ، المجرم نور الدين بن ابراهيم مستشار الشرقي ضريس في القضايا الرديئة الوسخة الحقيرة والخسيسة ، المجرم محمد العشعاشي ، المجرم حفيظ بنهاشم ، حسين بنحربيط ...بسبب مقالة سب وقذف في حق الملك الراحل . وللعلم فان الحسن الثاني لا علاقة له بهذه الجريمة التي اشرف عليها هؤلاء المجرمون ، لأنه في تلك الفترة كان يعاني من مرض " لونفيزيم " وهو مرض يسبب ثقب في الرئة ، فينتج عنه ان الهواء الذي يستنشقه المصاب يؤدي الى انكماش الرئة ، ويحجب وصول الاكسجين الى المخ ، والمريض المصاب بهذا المرض تبدو عليه اعراض فقدان الذاكرة والنسيان وينتهي بصاحبه الى الموت . انه نفس المرض توفي به مستشار الملك احمد رضى اجديرة ، وتوفي به غير المأسوف عن ذهابه المجرم عبدالسلام الزيادي . عند حلول شهر نوفمبر من كل سنة تحل ذكرتان اليمتان ، الاولى هي ذكرى تصفية عبد اللطيف زروال في سنة 1974 على يد الجلاد في المعتقل الرهيب درب مولاي الشريف ، والذكرى الثانية هي تصفية المهندس امين التهاني في سنة 1985 على يد نفس الجلاد وبنفس المعتقل ، حيث كانت المسافة الزمنية الفاصلة بين التصفيتين عشر سنوات . لقد مر الى اليوم اكثر من تسعة وثلاثين سنة على تصفية عبداللطيف زروال ، والى اليوم لا تزال لجنة كل الحقيقة حول مصير الرجل لم تتوصل الى نتائج ملموسة في ازاحة اللثام عن قضيته والكشف عن رفاته رغم ان الجلاد الذي صفاه ( قدور اليوسفي ، بوبكر الحسوني ... لخ ) لا يزال حيا ويعرف بالتفصيل المآل الذي انتهى اليه رفاته . ان عبداللطيف زروال الحاصل على الاجازة في الفلسفة من كلية الآداب بالرباط ، والمزاول لمهنة استاذ الفلسفة لم يكن شخصا عاديا ، بل كل من عاشره وناضل معه او قاوم لن ينسى خصاله الانسانية العميقة ، وليونته في النقاش والتعامل مع من لا يشاطره الرأي ، لكنه كان شديد التشبث بالمبادئ ، لين في اتخاذ المواقف ، وصارم صنديد عند التطبيق ، ولعل هذه الخاصية الفريدة هي التي جعلت منه يتحدى سوط الجلاد ويستميت في الصبر حتى لفظ انفاسه الاخيرة دون او يوشي برفاق الدرب ، فهو فضل الموت من ان يكشف اسرار التنظيم للأجهزة التي كان يطبعها الامية والجهل ، لأنها كانت تتكون من اشخاص لا مؤهلات علمية لهم . ان عبداللطيف زروال وبخلاف يساريي آخر زمان لم يكن يتسابق نحو المسؤوليات ، ونحو المنابر ، كان يعلم جيدا ، وعن حق ، ان طبيعة الاجهزة البوليسية وبطشها تفرض على النواة الثورية منظمة الى الامام ، ازدواجية العمل : --- التواجد العلني في المنظمات الجماهيرية ( الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، الاتحاد المغربي للشغل ، النوادي الثقافية والسينمائية التلاميذ الفلاحون ، الاستاذة... لخ ) لمشاركتها في نضالاتها وتأطيرها ، ورفع مستوى وعيها ، وهذا العمل يتطلب نوعا خاصا من المناضلين المتمرسين . --- بناء نواة ثورية صلبة سرية تعمل من اجل بناء الاداة الثورية القادرة على قيادة مسلسل التغيير المنشود . ان هذا البناء يتطلب نوعية خاصة من المناضلين الذين يخصصون جل اوقاتهم للبناء التنظيمي وفي سرية تامة عن الاجهزة البوليسية السرية والعلنية . ان هذا الاختيار الصعب هو الذي سار عليه عبداللطيف زروال ، حيث اعطى الكثير في الميدان التنظيمي والإيديولوجي ، و لأنه كان يشكل خطرا على الاجهزة التي لم تكن تفهم مضمون ما كان يصدر من ادبيات ، وعندما اختطفته ، وأمام صموده وتشبثه بالمبادئ والقيم التي آمن بها ، لم تتردد تلك الاجهزة في تصفيته . اذا كانت هذه الحقيقة هي ارشيف عبداللطيف زروال ، فان المؤسف له ان تمر هذه السنة ذكراه التي حلت بحلول شهر نوفمبر ( 1974 – 2013 ) في اجواء خافتة . لقد نظم نفر من اليساريين لم يتجاوز عددهم العشرين يوم 14 نوفمبر 2013 وعلى الساعة الخامسة مساء ، ( لجنة الحقيقة حول مصير عبداللطيف زروال ) ، وتحت عنوان " الحقيقة الكاملة وعدم الافلات من العقاب في الجرائم السياسية " وقفة امام وزارة العدل وأمام المديرية العامة للأمن الوطني ، رددوا خلالها شعارات لم يسمعها غير مردديها . فماذا يعني حضور عشرين نفرا احياء ذكرى اطار من اطر اليسار الماركسي ؟ يوم 6 من شهر نوفمبر 1985 حملت الاخبار انباء غير سارة بسقوط المهندس امين التهاني صريعا على يد الجلاد القاسي بالمعتقل الرهيب المسمى درب مولاي الشريف ، والتهمة دائما الانتماء الى منظمة غير مرخص لها هي منظمة الى الامام ، والمس بأمن الدولة الداخلي . وهنا نطرح السؤال : هل كان حقا امين التهاني ورفاقه يهددون الامن القومي للدولة ، وهل كانوا يهددون الامن العام ؟ وعلى منوال هذا التساؤل ، هل مجموعة 26 رفاق امين التهاني يهددون الامن العام للدولة ؟ اي هل الدولة دولة موز ورخاوة حتى يهدد امنها مجموعة من 26 نفرا ؟ يعتبر امين التهاني من الجيل الثاني لمنظمة الى الامام ، وبعد ان امضى تعليمه الابتدائي والثانوي حيث كان يشارك في جميع الاضرابات التي كان يقوم بها التلاميذ ، التحق بالمدرسة المحمدية للمهندسين سنة 1974 التي كانت تعتبر بحق عش التنظيمات الماركسية اللينينية خاصة منظمة الى الامام ، التي كان له شرف ترؤس جمعيتها الطلابية اكثر من مرة . من هذا المنطلق وكمناضل ماركسي صنديد ساهم في تأسيس مجالس النضال في السرية سنة 1974 ، وفي توزيع نشرة 4 مايو السرية التي كانت تصدرها المنظمة . ساهم كذلك في تأسيس فصيل الطلبة الديمقراطيين سنة 1975 وفي توزيع نشرة 24 يناير ذكرى الحظر على المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، وهو الفصيل الذي سيحمل منذ المؤتمر الوطني 16 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب في سنة 1979 اسم " الطلبة القاعديون " . خلال هذه الفترة ، و بالإضافة الى نشاطه السياسي والتنظيمي داخل منظمة الى الامام ، لعب دورا كبيرا في النشاط الجماهيري الطلابي ، حيث ساهم في ادارة وتنشيط لجنة فلسطين ، وفي ادارة وتنشيط الاسابيع الفلسطينية التي كانت تنظمها لجنة فلسطين التي اعتبرها المؤتمر الوطني 13 والمؤتمر الوطني 15 قضية وطنية . وإضافة الى هذا النشاط ترأس ادارة الاسابيع الثقافية التي كانت تنظمها جمعية المدرسة المحمدية للمهندسين في اطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب . وفي ظل الحظر الذي تعرضت له المنظمة في 24 يناير 1973 ، تحمل مسؤولية الكتابة العامة ثم رئاسة جمعية المدرسة المحمدية للمهندسين ، وساهم في تأسيس وإدارة التنسيق الطلابي بين المدارس والمعاهد العليا ، وبينها وبين الكليات المتوفرة على تمثيلية الفصيل القاعدي . كل هذا كان ابّان الحظر ، ومن اجل رفع الحظر عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب . بعد رفع الحظر ساهم امين التهاني في عملية التنسيق من اجل التهييء للمؤتمر الوطني 16 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي انعقد بكلية العلوم في صيف 1979 . بعد تخرجه كمهندس دولة من المدرسة المحمدية للمهندسين سنة 1980 ضمن الفوج 17 الذي لم ’يطلق عليه اسم بخلاف الافواج التي سبقته بسبب عدم رضى السلطة عليه ، وللتذكير في هذا الوقت بالذات تم عسكرة المدرسة المحمدية للمهندسين سنة 1981 ، وتم حظر نشاط جمعيتها . وبعد تخرجه تم ابعاده الى مدينة الراشيدية في اطار الخدمة المدنية ، لكن صلابته حولت هذا الابعاد المقصود الى مكسب ، حيث تابع نشاطه السياسي وعمله التنظيمي والجماهيري بتلك المنطقة ، بالإضافة الى مسؤوليته السياسية بارتباط مع مناطق اخرى ، وهو ما كان يفرض عليه التنقل بين الراشيدية ومدن الشمال . ورغم كل الصعاب ، ورغم وضعه الصحي حيث كان مصابا بمرض الربو ، كان يؤدي مهامه بثبات وصبر وتحد وإخلاص . في سنة 1982 التحق المهندس امين التهاني بشركة لاسمير لتكرير البترول بالمحمدية ، هناك عزز العمل النقابي في اطار ( ك د ش )، وفي نفس الوقت تابع نشاطه السياسي ضمن منظمة الى الامام ، حيث ساهم في التحضير للندوة الوطنية للمنظمة في فبراير 1983 ، وانتخب عضوا في قيادتها . تابع نشاطه السياسي وعمله الجماهيري بهذه المدينة الى ان اعتقل سنة 1985 وسيق الى المعتقل الرهيب درب مولاي الشريف ، وبه باشر قدور اليوسفي مع جلاديه وهم معروفين ولا يزالون على قيد الحياة ، تعذيبه بالسوط والكهرباء والجفّاف والصفع والضرب في المناطق الحساسة ، بل وصلت بهم ساديتهم الهمجية في التعذيب الى حرمانه من الرشاشة المضادة لازمات الربو . وعندما استفحل وضعه الصحي نقله القتلة المجرمون الى المستشفى حيث لفظ انفاسه الاخيرة في 5/6 نوفمبر 1985 . لقد مات امين التهاني وابنه ايمن لم يتجاوز بضعة شهور من ازدياده . ان السؤال : إذا كانت لجنة الحقيقة حول مصير عبداللطيف زروال قد احيت الذكرى 39 لوفاته على يد الجلاد اليوسفي وأعوانه ، وهي الذكرى التي حضرها حوالي عشرون نفرا ، لماذا لم تتم احياء ذكرى تصفية امين التهاني على يد جلاديه ؟ ماذا عن شهر ديسمبر ؟ في 18 ديسمبر 1975 ، وبينما نحن نحظر محاضرة للأستاذ محمد المرغيني في القانون الاداري بكلية الحقوق بالرباط ، دخل الى المدرج طلبة اتحاديون ( اتحاد ذاك الزمان وليس اتحاد الآن ) يزفّون خبر تصفية عمر بن جلون القيادي البارز في حزب زمان وليس حزب الآن الذي اصبح رافدا من روافد حزب الاصالة والمعاصرة . سقط الخبر كالصاعقة على الجماهير الطلابية التي خرجت في مظاهرات منددة بالجريمة ومطالبين بالكشف عن القتلة ومن يقف وراءهم. ولم يمض وقت قصير حتى تأكدت مسؤولية المنظمة الارهابية " الشبيبة الاسلامية " التي اسستها الدولة في بداية السبعينات لمحاربة الموجة اليسارية من ماركسية وقومية بالجامعة وبالساحة الثقافية . لقد كان عمر بن جلون الى جانب محمد عابد الجابري مهندسي التقرير الايديولوجي للمؤتمر الاستثنائي لسنة 1975 ، معارضا صلبا حيث تم الحكم عليه عدة مرات بالإعدام ، خاصة بسبب دوره كمهندس بإدارة البريد ، في اعداد خريطة القصر الملكي في احداث 16 يوليوز 1963 ، وهي المحاولة التي كشفها العميل السوري قنوط والدكتور عبد الكريم الخطيب الى الجهات العليا . فهل تصرفت الشبيبة الاسلامية من تلقاء نفسها ام انها كانت مدفوعة من قبل جهاز امني بواسطة اشخاص عملاء اخترقوا المنظمة وكانوا يتصرفون طبقا للتعليمات الخارجية وليس طبقا لما كان تحدده اجهزة التنظيم ؟ الكل يعلم ان الاعتراف بالشبيبة الاسلامية كتنظيم اسلاموي كان بفضل عمر بهاء الدين الاميري الذي كان عضوا بالديوان الملكي لمواجهة المد القومي والماركسي المنتشر بكثافة بالجامعة المغربية . ومن هذا المنطلق فان عبدالكريم مطيع تفضل بوضع ملف الشبيبة مباشرة بيد وزير الداخلية آنذاك حدو الشيكر الذي خصص للجمعية مساعدات مالية ، اضافة الى المساعدات السخية التي كانت تفد الى التنظيم من المملكة العربية السعودية ومن قبل تنظيمات الاخوان والسلفية من الشرق العربي . وبعد ان تقوى عودها ، وأصبحت مزعجة بخططها وبرامجها المهددة للأمن والنظام العام ، تم التفكير في تلغيمها واختراقها من قبل عملاء وذلك لتفجيرها من الداخل ، و خلق مشاكل بينها وبين الدولة تمهيدا للإجهاز عليها وعلى برامجها ومخططاتها النقيض لطبيعة وفلسفة الدولة التي تقوم على التزاوج بين الاصالة والمعاصرة . هكذا سيعتبر فريق من الشبيبة ان النظام الملكي لا علاقة له بالإسلام اطلاقا ، وان شرع الله يقتضي ازالته وتعويضه بنظام اسلامي على شاكلة الخلافة . ان اول الخطوات التي تم التفكير فيها ، هو البدء بضرب معاول النظام من احزاب لائكية وماركسية وقومية بدعوى الزندقة والكفر . في هذا الاثناء سيتم اغتيال عمر بنجلون ، وكاد الامر ان يتكرر مع الاستاذ الميناوي من حزب التقدم والاشتراكية . فهل اغتيال عمر كان امرا قياديا من قبل عبدالكريم مطيع الذي وجد نفسه امام الامر الواقع ، ام كان بإيعاز من الاجهزة التي لغمت واخترقت التنظيم بعملاء من قبيل عبدالعزيزالنعماني الذي اسس تنظيم الجهاد من بعد ؟ . وما علاقة الدكتور الخطيب بهذه الجريمة التي ادت الى تعقيد علاقة الشبيبة الاسلامية بالأجهزة الامنية ؟ وهل فعلا كان للخطيب دور فعال في تسهيل تهريب المجرمين الى خارج المغرب ؟ للحقيقة لا بد من الاقرار بشيء يجهله العديد ممن يعملون على الملف . ان عبدالكريم مطيع والدكتور الخطيب لا علم لهما بمخطط الاغتيال ، فبعد حصول الجريمة وجدا نفسيهما امام الامر الواقع ، كما ان تصرف العميل عبد العزيز النعماني لم يكن بفعل قرار الخطيب ولا بفعل قرار مطيع ، بل ان الشخص تصرف بتعليمات الجهة التي اخترقت التنظيم ، حتى يسهل الاجهاز عليها وبالسرعة المطلوبة . ومثل ما خرج الفقيه محمد البصري وعبدالرحمان اليوسفي بعد خروجهما من السجن بعفو ملكي في سنة 1963 من المطار وأمام انظار الاجهزة الامنية التي كانت تنفد تعليمات الجنرال محمد افقير ، خرج عبد العزيز النعماني ومجموعته بغطاء الاجهزة الامنية التي كانت تنفد تعليمات ادريس البصري وبدون مضايقة او حرج . كما تمكن عبدالكريم مطيع من مغادرة المغرب الى المملكة العربية السعودية التي حل بها ضيفا يقام له ويقعد . واذا كان الدكتور الخطيب قد آوى بعض الاطر ببيته بحسن نية ، فانه لم يلعب اي دور في تهريبهم الى خارج البلاد رغم الاتهامات التي سددت له في هذا المجال . لقد اختلطت الاوراق وأصبحت الشبيبة التي انشأتها الاجهزة عدوة لها ، وادى هذا الوضع الى حصول شرخ في صفوف التنظيم بالخارج . فبينما واصل عبدالكريم مطيع اشرافه على تنظيم الشبيبة في خارج المغرب ومن داخله ، وأصدر بفرنسا جريدة المجاهد التي كانت مقالاتها سبا وقذفا في حق الملك الراحل رحمه الله ، اسس عبدالعزيز النعماني تنظيم الجهاد – فرع المغرب – واشرف على اصدار مجلة ( السرايا ) التي كانت مقالاتها كذلك كلها سبا وقذفا في حق الحسن الثاني وفي حق الدولة المغربية بجميع مؤسساتها . سيلتجأ مطيع الى الجزائر ليلتحق مع مجموعة من المجرمين بمعسكرات التدريب على الاسلحة ، وسيحاولون في سنة 1985 الدخول مسلحين الى المغرب من الجزائر لإشعال ( الجهاد ) في حق الدولة ، لكن يقظة الاجهزة الامنية المغربية وكفاءاتها العالية اجهضت المخطط في المهد ، والقي القبض على المجرمين الذي قدموا الى المحاكمات التي انتهت بتوزيع عشرا السنين عليهم . اما مصير عبد العزيز النعماني فكان كما ارادت الاجهزة التي اخترقت به تنظيم الشبيبة الاسلامية ، وحتى يتم طمس حقائق جريمة الاغتيال ومن يقف وراءها ، بعث له ادريس البصري وطاقمه الخاص من يتولى معالجة قضيته بفرنسا . هكذا و بعد حضوره اجتماع لخلية بباريس ، تم اغتياله لما كان عائدا ليلا على متن القطار الرابط بين باريس ومدينة فلانس . ومثل ان عملية اختطاف وتصفية المهدي بنبركة حصلت بمشاركة رجال امن فرنسيين اغتالهم الجنرال احمد الدليمي بالمعتقل الثابت رقم 3 لإخفاء وطمس كل الدلائل على تورطه في عملية الاختطاف ، فان تصفية عبدالعزيز النعماني تمت بغطاء عناصر من مديرية الاستعلامات العامة الفرنسية ( ليس مديرية مراقبة التراب الوطني ) التي كانت تراقب العملية عن قرب . وللإشارة فان هذه الاجهزة كانت تربطها علاقات خاصة مع جهاز ادريس البصري ، فهي لم تكن تتردد في تقديم معلومات عن معارضين مغاربة بفرنسا ، وفي المقابل فان عطل اطر تلك الاجهزة كانت تتم بالمجان في افخم الفنادق مثل المامونية بمراكش ، وبالفيلات بمنطقة السويسي الراقية ، اضافة الى الهدايا المختلفة من منتجات الصناعة التقليدية المغربية . الآن ما هو نبأ شهري ديسمبر ويناير القادم ، وما ادراكم ما ديسمبر ويناير فاتحة كل سنة ميلادية : في هذين الشهرين تجتمع الذكريات والأحداث العظيمة والمؤلمة في نفس الوقت . ففي 8 ديسمبر 1952 قامت الطبقة العاملة المغربية بالتعبير عن احتجاجها وتنديدها باغتيال المناضل النقابي التونسي فرحات حشاد . في يوم 10 ديسمبر من كل عام يخلد المغرب الاعلان العالمي لحقوق الانسان . ان هذا اليوم هو مناسبة تطالب فيها الحركة الحقوقية المغربية والدولية باحترام حقوق الانسان وممارستها فعلا وقولا . وفي يوم 14 ديسمبر 1990 حلت ذكرى اضراب فاس وطنجة التي ووجهت بقمع دموي لا زالت آثاره قائمة الى الآن . وفي يوم 10 و 11 ديسمبر ايضا اضربت جماهير رجال التعليم والصحة وعمال وموظفو الوكالات المستقلة للنقل الحضري . في نفس الشهر خاض المعتقلون السياسيون في كل من وجدة والدارالبيضاء والقنيطرة والحسيمة اضرابا لا محدودا عن الطعام دفاعا عن ابسط الحقوق التي كانوا يتمتعون بها ، او ينبغي ان يتمتعوا بها داخل السجون . وخلال نفس الشهر اعتصمت عائلات معتقلي عكاشة بالمقر المركزي للاتحاد المغربي للشغل تضامنا مع ابناءها ، اعتصاما اجبر المسئولين على الرضوخ لمطالب المضربين ، وهو ايضا شهر اثقال كاهل الفقراء والمواطنين المغلوب على امرهم بضرائب جديدة اقرها البرلمان بتوصية من الطاقم الحكومي . في 11 يناير 1944 قدم الوطنيون وثيقة المطالبة بالاستقلال التي حررها القصر الملكي مستغلين ظروف الحرب العالمية الثانية للمطالبة بتقرير مصير الشعوب المستعمرة ، وهي الوثيقة الملكية التي ستطبع عمل الحركة الوطنية تحت اشراف القصر الى حدود الاعلان عن استقلال المغرب السياسي . في 24 يناير 1973 تم حظر المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب قصد ايقاف المد النضالي الذي عرفته الساحة الطلابية وعموم الشرائح المناضلة بعد النجاح الباهر للمؤتمر الوطني الخامس عشر بوصول جبهة الطلبة التقدميين ( منظمة الى الامام ومنظمة 23 مارس ) الى قيادة المنظمة . في هذا الشهر كذلك تحل ذكرى انتفاضة يناير 1984 التي عمت مدنا مغربية في الشمال والجنوب احتجاجا على السياسة الاقتصادية والتجويعية المتبعة من قبل الحكومة والمفروضة من طرف المؤسسات المالية الدولية ، وووجهت تلك المظاهرات بأساليب قمع فاقت تلك التي استعملت في يونيو 1981 في الدارالبيضاء ، استعملت فيها الاسلحة الثقيلة ، وخلفت المئات من الضحايا بين قتلى وجرحى ومعتقلين . ان ما تم تسطيره من ذكريات شهور اكتوبر نوفمبر ديسمبر ويناير ، تبقى محطات اساسية في تاريخ الحركة السياسية المغربية ، وان تركيزنا على هذه الشهور ، فقط لأنها جاءت مسترسلة ومتتابعة ، وهذا لا يعني ان الشهور الاخرى من السنة لم تعرف هزات جماهيرية ضد الظلم والفساد والنهب المستشري من قبل النافدين في اجهزة السلطة . ان ما قام به ادريس البصري والعصابة المحيطة به ، والتي لا يزال العديد من اعضاءها يزاولون ويتموقعون في مناصب حساسة ب ( الداخلية ) والأجهزة الامنية المختلفة سوف لن يطوى الا بتقديم الحساب عن من سقط في 23 مارس 1965 و يونيو 1981 بالدارالبيضاء ، ويناير 1984 في مدن الشمال وبالجنوب المغربي .
شهور اكتوبر نوفمبر ديسمبر ويناير على الابواب ان هذه الشهور المتتابعة تحمل دلالات وذكريات اليمة سواء في سجل العائلات المكلومة من فقدان فلذات اكبادها ، او في سجل الجلاد القاتل الذي لم تزعزعه رأفة ولا شفقة ، وهو يرتكب جرائمه السادية بمنتهى البرودة والإدراك العلمي والعملي ، وهو الامر الذي يجعل منه مجرما عن سبق الاسرار والترصد ، و تجب محاكمته على ما اقترفته ايديه من جرائم هزت الرأي العام الحقوقي الدولي قبل الوطني . واذا كنا قد ركزنا على هذه الشهور من حيث المآسي المسجلة في سجل حقوق الانسان ، فإن هذا لا يعني ان بقية الشهور الاخرى كانت نظيفة في ميدان حقوق الانسان ، لكن تركيزنا على هذه الشهور ، هو فقط لتتابعها ، حيث لم يخل شهر من شهور السنة دون تسجيل خروقات فظيعة من قبل القمعيين في ميدان حقوق الانسان . بالرجوع الى شهر اكتوبر من كل سنة ، يتذكر الديمقراطيون والحقوقيون العاملون في ميدان حقوق الانسان ذكرى اختطاف واغتيال المهدي بن بركة من قلب العاصمة الفرنسية باريس ، بسبب افكار سياسية لم تكن تعجب الماسكين السلطويين بزمام الحكم ، وعلى رأسهم الجنرال محمد افقير والكلونيل احمد الدليمي . لقد امتدت يد الغدر الى المهدي للحيلولة دون عودته الى المغرب التي كان قد اقترحها عليه الملك الحسن الثاني بواسطة صهره مولاي الحسن بن المهدي ، وحتى لا يسبب رجوعه مزاحمة للسلطويين الذين كانوا يحضرون للانقلاب على المشروعية التي تجسدت في الانقلاب العسكري في سنة ، 1971 وفي انقلاب الطائرة الذي كان من تدبير افقير في سنة 1972 ، وهي نفس المحاولة كاد ان يقودها الجنرال احمد الدليمي في سنة 1982 ، لولا افتضاح امره على يد احد الاشخاص المقربين اليه الذي ابلغ شخصا كان يعمل بمديرية الشؤون العامة والولاة طالبا اياه بإخبار المسئولين المقربين من سلطة القرار ، وهو ما افضى الى مقتله في حادثة ( سير ) وحضور ولي العهد آنذاك والأمير مولاي عبدالله مراسيم الجنازة . وللتذكير فان زوجة الجنرال ، وخوفا من ان تتعرض الى نفس المصير المظلم اللاقانوني الذي تعرضت له زوجة الجنرال محمد افقير وأبناءها ، فإنها هرعت الى القصر وطالبت الحماية الملكية بعد ان ادانة زوجها ، ولم تحزن عليه بلباس الحداد ، اي لم ترتدي اللباس الابيض . اما اخوته ووالده فقد تعرضوا الى التنكيل والإذلال ، حيث طرد اخاه من العمل حيث كان يعمل كاتبا عاما بعمالة القنيطرة ، كما صودرت منه العديد من الاراضي والأملاك العقارية التي منها من توجد عليه اليوم اكاديمية المملكة المغربية بطريق زعير . لقد تمت تصفية المهدي في اطار الصراع بين الطامحين للاستيلاء على الحكم ، من جهة بعض ضباط الجيش المسيسين من خلال تقلدهم وزارة الداخلية ( افقير ) وتقلدهم الادارة العامة للأمن الوطني (الدليمي ) ، ومن جهة قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذين كانوا يطمحون الى تأسيس جمهورية برلمانية على الطريقة العربية . ان هذا التقابل بين جمهورية العسكر وجمهورية السياسيين البلانكيين التي وصلت ذروتها بحركة 16 يوليوز 1963 ، وبحركة 3 مارس 1973 ، لم يمنع الطرفين من التعاون والتنسيق بينهما ، وهو الامر الذي كشفته رسالة الفقيه محمد البصري التي نشرها عمر السغروشني في جريدة ( لوجورنال ) الموقوفة ، ونشرتها جريدة ( دومان ) الموقوفة كذلك من مشاركة عناصر من الاتحاد ، الجنرال افقير في انقلاب الطائرة في سنة 1972 ، وقد صدر الحكم بالإعدام على الفقيه محمد البصري من قبل المحكمة العسكرية بالقنيطرة . لقد اغتيل المهدي بسبب الصراع على الحكم ، كما اغتيل العملاء الفرنسيون الذين ’وظفوا في هذه الجريمة بالمعتقل السري الثابت رقم 3 لمحو آثار الجريمة التي كانت ثابتة في حق الجنرال الدليمي بعد مقتل الجنرال محمد افقير . واذا كان حزب الاتحاد يخلد تلك الذكرى في كل سنة ضاربا الموعد مع الحدث حتى لا يتحول الى ارخبيل من النسيان ، فان ( الاتحاد ) الجديد منذ دخوله الحكومة التي سميت خطأ بحكومة عبدالرحمان اليوسفي ، حيث تولى وزيران " اتحاديان " وزارة العدل ( بوزوبع والراضي ) مع رئاسة الحكومة من قبل اليوسفي ، ارخت بظلالها العكسية على القضية التي رفض الاتحاد معالجتها بالطرق القانونية رغم تحرك القضاء الفرنسي الذي كان بدافع احراجي ايام ساركوزي ، وهو التغيير الذي تمثل في كف الاتحاد عن احياء ذكرى الاختطاف والقتل وكأن لا شيء حصل لزعمائه التاريخيين ، وهو النهج الذي تكرس جليا بعد تعيين ادريس لشكر على رأس حزب يتاجر بعنوان الاتحاد كعلامة تجارية محتكرة ، بل الادهى من هذا فان قضية المهدي بن بركة وعمر بنجلون ومحمد كرينة ... لخ اضحت مدارا للمتاجرة وللبيع والشراء ، حيث يوظف هؤلاء المنسيون في الاستغلال السياسي المدر للريع الحكومي والبرلماني ، لاستمرار نفس القبضة التي طلقت النضال الاتحادي الستيني والسبعيني ، واندمجت ضمن الموجة الجديدة التي ربطت بين التحرر والديمقراطية ، قبل ان يتحول الحزب الآن الى فرع من فروع حزب الاصالة والمعاصرة . وما يثير الشفقة ، انه باستثناء اليساريين الماركسيين المنتمين الى الجمعية المغربية لحقوق الانسان الذين احيوا هذه السنة ذكرى الاختطاف ، حيث لم يتجاوز عددهم عشرين نفرا ، وبعضهم كان يحمل راية كبيرة مرسوم عليها المطرقة والمنجل ، رغم ان المهدي لم يكن ماركسيا لينينيا ، فان لا احد ممن يدعون تمثيلهم استمرارية الحركة الاتحادية الاصيلة حظر الوقفة التضامنية التي كانت امام البرلمان . يلاحظ ان نفس العدد القليل الذي لم يتجاوز العشرين نفرا يساريا احيى اليوم العالمي للإعلام ، وفي نفس اللحظة وعلى بعد امتار احيى حوالي خمسون نفرا من الاسلاميين المنتمين الى جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية يوم القدس . ان السؤال هنا : ماذا يعني حضور حوالي عشرين نفرا فقط ذكرى اختطاف المهدي ، وإحياء اليوم العالمي للإعلام ؟ دائما في نفس شهر اكتوبر من كل سنة تحل ذكرى غياب احد ابرز اطر منظمة 23 مارس المرحوم عبدالسلام المودن الذي ساهم في تأسيس منظمة العمل الديمقراطي الشعبي . ومنذ انتقاله في 15 اكتوبر 1992 الى الرفيق الاعلى جراء حادثة سير مشكوك فيها ، لا احد من رفاق ( الدرب ) تفضل بطلب الكشف عن سبب الوفاة ، ولا تفضل بإحياء ذكراه التي طالها النسيان ، بل ان العديد من ( رفاق الدرب ) تقطعت بهم السبل في اتجاهات عديدة ، منهم من انفصل عن منظمة العمل ليؤسس للحزب الاشتراكي بأوامر من ادريس البصري ، كعقاب لموقف المنظمة من دستور 1996 ، ومنهم من باع ارث المنظمة ولينخرط في تجربة لا تزال تجتر مخلفات الصراع التنظيمي والإيديولوجي بين اليساريين المتمركسين بعضهم بعضا ، وبينهم وبين تيار الوفاء للديمقراطية المنفصل عن الاتحاد الاشتراكي . وبالرجوع الى تلك الفترة المليئة بالزخم السياسي ، سنجد ان عبدالسلام المودن كان محسوبا على صف الاطر المدافعة عن مبدأ اقامة نظام ديمقراطي بالمغرب يحرره من سيطرة العقلية البصروية الاستبدادية التي تمثلها اليوم زمرة العصبية القبلية المافيوزية ( التاريخ يعيد نفسه في المرة الاولى بشكل مأساوي ، ويعيد نفسه في المرة الثانية في شكل تراجيديا ) المرتكنة لسلطة التعليمات الاستبدادية والأساليب القروسطوية في تدبير الشأن العام . ومن المعلوم ان عبدالسلام المودن كان قد اعتقل في بداية السبعينات وقضى خمسة عشر سجنا بالسجن المركزي بالقنيطرة ، بتهمة الانتماء الى منظمة محظورة هي منظمة 23 مارس ، وبتهمة المس بالأمن العام الداخلي ، ولم يبرح السجن إلاّ في سنة 1989 ليواصل نشاطه السياسي والفكري المعارض ، حيث تعرض في صيف سنة 1992 الى عملية اختطاف من طرف عناصر تنتمي الى مديرية مراقبة التراب الوطني بتعليمات الجلاد المجرم حفيظ بنهاشم والجلاد المجرم محمد العشعاشي ، ليتم رميه في الشارع بعد يومين من الترهيب والتعذيب النفسي ، بل والتهديد بالتصفية الجسدية . وفي هذا الصدد يتذكر السياسيون والأمنيون اراءه الجريئة حول مشروع الدستور الذي كان مطروحا على الاستفتاء ، تلك الآراء التي عكستها سلسلة مقالات نشرتها جريدة انوال التي كان عضوا في هيئة تحريرها . ان عملية الاختطاف التي تعرض لها ، والضغط الذي مورس عليه ، والذي وصل الى التهديد بالتصفية الجسدية ، لم تثني من عزائمه ، ولم تؤثر فيه ، فواصل نضاله طبقا لقناعته السياسية والفكرية والإيديولوجية سواء داخل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ،او داخل قسم التحرير بجريدة انوال ، الى ان جاء خبر موته المفاجئ الذي يطرح اكثر من علامة استفهام . وهنا لا بد من الاشارة الى ان المرحوم عبدالرزاق لمروري وزوجته تعرضا لحادثة سير مصطنعة اشرف عليها ادريس البصري والطاقم المحيط به ، وعلى رأسه المجرم عبد العزيز علابوش ، المجرم نور الدين بن ابراهيم مستشار الشرقي ضريس في القضايا الرديئة الوسخة الحقيرة والخسيسة ، المجرم محمد العشعاشي ، المجرم حفيظ بنهاشم ، حسين بنحربيط ...بسبب مقالة سب وقذف في حق الملك الراحل . وللعلم فان الحسن الثاني لا علاقة له بهذه الجريمة التي اشرف عليها هؤلاء المجرمون ، لأنه في تلك الفترة كان يعاني من مرض " لونفيزيم " وهو مرض يسبب ثقب في الرئة ، فينتج عنه ان الهواء الذي يستنشقه المصاب يؤدي الى انكماش الرئة ، ويحجب وصول الاكسجين الى المخ ، والمريض المصاب بهذا المرض تبدو عليه اعراض فقدان الذاكرة والنسيان وينتهي بصاحبه الى الموت . انه نفس المرض توفي به مستشار الملك احمد رضى اجديرة ، وتوفي به غير المأسوف عن ذهابه المجرم عبدالسلام الزيادي . عند حلول شهر نوفمبر من كل سنة تحل ذكرتان اليمتان ، الاولى هي ذكرى تصفية عبد اللطيف زروال في سنة 1974 على يد الجلاد في المعتقل الرهيب درب مولاي الشريف ، والذكرى الثانية هي تصفية المهندس امين التهاني في سنة 1985 على يد نفس الجلاد وبنفس المعتقل ، حيث كانت المسافة الزمنية الفاصلة بين التصفيتين عشر سنوات . لقد مر الى اليوم اكثر من تسعة وثلاثين سنة على تصفية عبداللطيف زروال ، والى اليوم لا تزال لجنة كل الحقيقة حول مصير الرجل لم تتوصل الى نتائج ملموسة في ازاحة اللثام عن قضيته والكشف عن رفاته رغم ان الجلاد الذي صفاه ( قدور اليوسفي ، بوبكر الحسوني ... لخ ) لا يزال حيا ويعرف بالتفصيل المآل الذي انتهى اليه رفاته . ان عبداللطيف زروال الحاصل على الاجازة في الفلسفة من كلية الآداب بالرباط ، والمزاول لمهنة استاذ الفلسفة لم يكن شخصا عاديا ، بل كل من عاشره وناضل معه او قاوم لن ينسى خصاله الانسانية العميقة ، وليونته في النقاش والتعامل مع من لا يشاطره الرأي ، لكنه كان شديد التشبث بالمبادئ ، لين في اتخاذ المواقف ، وصارم صنديد عند التطبيق ، ولعل هذه الخاصية الفريدة هي التي جعلت منه يتحدى سوط الجلاد ويستميت في الصبر حتى لفظ انفاسه الاخيرة دون او يوشي برفاق الدرب ، فهو فضل الموت من ان يكشف اسرار التنظيم للأجهزة التي كان يطبعها الامية والجهل ، لأنها كانت تتكون من اشخاص لا مؤهلات علمية لهم . ان عبداللطيف زروال وبخلاف يساريي آخر زمان لم يكن يتسابق نحو المسؤوليات ، ونحو المنابر ، كان يعلم جيدا ، وعن حق ، ان طبيعة الاجهزة البوليسية وبطشها تفرض على النواة الثورية منظمة الى الامام ، ازدواجية العمل : --- التواجد العلني في المنظمات الجماهيرية ( الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، الاتحاد المغربي للشغل ، النوادي الثقافية والسينمائية التلاميذ الفلاحون ، الاستاذة... لخ ) لمشاركتها في نضالاتها وتأطيرها ، ورفع مستوى وعيها ، وهذا العمل يتطلب نوعا خاصا من المناضلين المتمرسين . --- بناء نواة ثورية صلبة سرية تعمل من اجل بناء الاداة الثورية القادرة على قيادة مسلسل التغيير المنشود . ان هذا البناء يتطلب نوعية خاصة من المناضلين الذين يخصصون جل اوقاتهم للبناء التنظيمي وفي سرية تامة عن الاجهزة البوليسية السرية والعلنية . ان هذا الاختيار الصعب هو الذي سار عليه عبداللطيف زروال ، حيث اعطى الكثير في الميدان التنظيمي والإيديولوجي ، و لأنه كان يشكل خطرا على الاجهزة التي لم تكن تفهم مضمون ما كان يصدر من ادبيات ، وعندما اختطفته ، وأمام صموده وتشبثه بالمبادئ والقيم التي آمن بها ، لم تتردد تلك الاجهزة في تصفيته . اذا كانت هذه الحقيقة هي ارشيف عبداللطيف زروال ، فان المؤسف له ان تمر هذه السنة ذكراه التي حلت بحلول شهر نوفمبر ( 1974 – 2013 ) في اجواء خافتة . لقد نظم نفر من اليساريين لم يتجاوز عددهم العشرين يوم 14 نوفمبر 2013 وعلى الساعة الخامسة مساء ، ( لجنة الحقيقة حول مصير عبداللطيف زروال ) ، وتحت عنوان " الحقيقة الكاملة وعدم الافلات من العقاب في الجرائم السياسية " وقفة امام وزارة العدل وأمام المديرية العامة للأمن الوطني ، رددوا خلالها شعارات لم يسمعها غير مردديها . فماذا يعني حضور عشرين نفرا احياء ذكرى اطار من اطر اليسار الماركسي ؟ يوم 6 من شهر نوفمبر 1985 حملت الاخبار انباء غير سارة بسقوط المهندس امين التهاني صريعا على يد الجلاد القاسي بالمعتقل الرهيب المسمى درب مولاي الشريف ، والتهمة دائما الانتماء الى منظمة غير مرخص لها هي منظمة الى الامام ، والمس بأمن الدولة الداخلي . وهنا نطرح السؤال : هل كان حقا امين التهاني ورفاقه يهددون الامن القومي للدولة ، وهل كانوا يهددون الامن العام ؟ وعلى منوال هذا التساؤل ، هل مجموعة 26 رفاق امين التهاني يهددون الامن العام للدولة ؟ اي هل الدولة دولة موز ورخاوة حتى يهدد امنها مجموعة من 26 نفرا ؟ يعتبر امين التهاني من الجيل الثاني لمنظمة الى الامام ، وبعد ان امضى تعليمه الابتدائي والثانوي حيث كان يشارك في جميع الاضرابات التي كان يقوم بها التلاميذ ، التحق بالمدرسة المحمدية للمهندسين سنة 1974 التي كانت تعتبر بحق عش التنظيمات الماركسية اللينينية خاصة منظمة الى الامام ، التي كان له شرف ترؤس جمعيتها الطلابية اكثر من مرة . من هذا المنطلق وكمناضل ماركسي صنديد ساهم في تأسيس مجالس النضال في السرية سنة 1974 ، وفي توزيع نشرة 4 مايو السرية التي كانت تصدرها المنظمة . ساهم كذلك في تأسيس فصيل الطلبة الديمقراطيين سنة 1975 وفي توزيع نشرة 24 يناير ذكرى الحظر على المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، وهو الفصيل الذي سيحمل منذ المؤتمر الوطني 16 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب في سنة 1979 اسم " الطلبة القاعديون " . خلال هذه الفترة ، و بالإضافة الى نشاطه السياسي والتنظيمي داخل منظمة الى الامام ، لعب دورا كبيرا في النشاط الجماهيري الطلابي ، حيث ساهم في ادارة وتنشيط لجنة فلسطين ، وفي ادارة وتنشيط الاسابيع الفلسطينية التي كانت تنظمها لجنة فلسطين التي اعتبرها المؤتمر الوطني 13 والمؤتمر الوطني 15 قضية وطنية . وإضافة الى هذا النشاط ترأس ادارة الاسابيع الثقافية التي كانت تنظمها جمعية المدرسة المحمدية للمهندسين في اطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب . وفي ظل الحظر الذي تعرضت له المنظمة في 24 يناير 1973 ، تحمل مسؤولية الكتابة العامة ثم رئاسة جمعية المدرسة المحمدية للمهندسين ، وساهم في تأسيس وإدارة التنسيق الطلابي بين المدارس والمعاهد العليا ، وبينها وبين الكليات المتوفرة على تمثيلية الفصيل القاعدي . كل هذا كان ابّان الحظر ، ومن اجل رفع الحظر عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب . بعد رفع الحظر ساهم امين التهاني في عملية التنسيق من اجل التهييء للمؤتمر الوطني 16 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي انعقد بكلية العلوم في صيف 1979 . بعد تخرجه كمهندس دولة من المدرسة المحمدية للمهندسين سنة 1980 ضمن الفوج 17 الذي لم ’يطلق عليه اسم بخلاف الافواج التي سبقته بسبب عدم رضى السلطة عليه ، وللتذكير في هذا الوقت بالذات تم عسكرة المدرسة المحمدية للمهندسين سنة 1981 ، وتم حظر نشاط جمعيتها . وبعد تخرجه تم ابعاده الى مدينة الراشيدية في اطار الخدمة المدنية ، لكن صلابته حولت هذا الابعاد المقصود الى مكسب ، حيث تابع نشاطه السياسي وعمله التنظيمي والجماهيري بتلك المنطقة ، بالإضافة الى مسؤوليته السياسية بارتباط مع مناطق اخرى ، وهو ما كان يفرض عليه التنقل بين الراشيدية ومدن الشمال . ورغم كل الصعاب ، ورغم وضعه الصحي حيث كان مصابا بمرض الربو ، كان يؤدي مهامه بثبات وصبر وتحد وإخلاص . في سنة 1982 التحق المهندس امين التهاني بشركة لاسمير لتكرير البترول بالمحمدية ، هناك عزز العمل النقابي في اطار ( ك د ش )، وفي نفس الوقت تابع نشاطه السياسي ضمن منظمة الى الامام ، حيث ساهم في التحضير للندوة الوطنية للمنظمة في فبراير 1983 ، وانتخب عضوا في قيادتها . تابع نشاطه السياسي وعمله الجماهيري بهذه المدينة الى ان اعتقل سنة 1985 وسيق الى المعتقل الرهيب درب مولاي الشريف ، وبه باشر قدور اليوسفي مع جلاديه وهم معروفين ولا يزالون على قيد الحياة ، تعذيبه بالسوط والكهرباء والجفّاف والصفع والضرب في المناطق الحساسة ، بل وصلت بهم ساديتهم الهمجية في التعذيب الى حرمانه من الرشاشة المضادة لازمات الربو . وعندما استفحل وضعه الصحي نقله القتلة المجرمون الى المستشفى حيث لفظ انفاسه الاخيرة في 5/6 نوفمبر 1985 . لقد مات امين التهاني وابنه ايمن لم يتجاوز بضعة شهور من ازدياده . ان السؤال : إذا كانت لجنة الحقيقة حول مصير عبداللطيف زروال قد احيت الذكرى 39 لوفاته على يد الجلاد اليوسفي وأعوانه ، وهي الذكرى التي حضرها حوالي عشرون نفرا ، لماذا لم تتم احياء ذكرى تصفية امين التهاني على يد جلاديه ؟ ماذا عن شهر ديسمبر ؟ في 18 ديسمبر 1975 ، وبينما نحن نحظر محاضرة للأستاذ محمد المرغيني في القانون الاداري بكلية الحقوق بالرباط ، دخل الى المدرج طلبة اتحاديون ( اتحاد ذاك الزمان وليس اتحاد الآن ) يزفّون خبر تصفية عمر بن جلون القيادي البارز في حزب زمان وليس حزب الآن الذي اصبح رافدا من روافد حزب الاصالة والمعاصرة . سقط الخبر كالصاعقة على الجماهير الطلابية التي خرجت في مظاهرات منددة بالجريمة ومطالبين بالكشف عن القتلة ومن يقف وراءهم. ولم يمض وقت قصير حتى تأكدت مسؤولية المنظمة الارهابية " الشبيبة الاسلامية " التي اسستها الدولة في بداية السبعينات لمحاربة الموجة اليسارية من ماركسية وقومية بالجامعة وبالساحة الثقافية . لقد كان عمر بن جلون الى جانب محمد عابد الجابري مهندسي التقرير الايديولوجي للمؤتمر الاستثنائي لسنة 1975 ، معارضا صلبا حيث تم الحكم عليه عدة مرات بالإعدام ، خاصة بسبب دوره كمهندس بإدارة البريد ، في اعداد خريطة القصر الملكي في احداث 16 يوليوز 1963 ، وهي المحاولة التي كشفها العميل السوري قنوط والدكتور عبد الكريم الخطيب الى الجهات العليا . فهل تصرفت الشبيبة الاسلامية من تلقاء نفسها ام انها كانت مدفوعة من قبل جهاز امني بواسطة اشخاص عملاء اخترقوا المنظمة وكانوا يتصرفون طبقا للتعليمات الخارجية وليس طبقا لما كان تحدده اجهزة التنظيم ؟ الكل يعلم ان الاعتراف بالشبيبة الاسلامية كتنظيم اسلاموي كان بفضل عمر بهاء الدين الاميري الذي كان عضوا بالديوان الملكي لمواجهة المد القومي والماركسي المنتشر بكثافة بالجامعة المغربية . ومن هذا المنطلق فان عبدالكريم مطيع تفضل بوضع ملف الشبيبة مباشرة بيد وزير الداخلية آنذاك حدو الشيكر الذي خصص للجمعية مساعدات مالية ، اضافة الى المساعدات السخية التي كانت تفد الى التنظيم من المملكة العربية السعودية ومن قبل تنظيمات الاخوان والسلفية من الشرق العربي . وبعد ان تقوى عودها ، وأصبحت مزعجة بخططها وبرامجها المهددة للأمن والنظام العام ، تم التفكير في تلغيمها واختراقها من قبل عملاء وذلك لتفجيرها من الداخل ، و خلق مشاكل بينها وبين الدولة تمهيدا للإجهاز عليها وعلى برامجها ومخططاتها النقيض لطبيعة وفلسفة الدولة التي تقوم على التزاوج بين الاصالة والمعاصرة . هكذا سيعتبر فريق من الشبيبة ان النظام الملكي لا علاقة له بالإسلام اطلاقا ، وان شرع الله يقتضي ازالته وتعويضه بنظام اسلامي على شاكلة الخلافة . ان اول الخطوات التي تم التفكير فيها ، هو البدء بضرب معاول النظام من احزاب لائكية وماركسية وقومية بدعوى الزندقة والكفر . في هذا الاثناء سيتم اغتيال عمر بنجلون ، وكاد الامر ان يتكرر مع الاستاذ الميناوي من حزب التقدم والاشتراكية . فهل اغتيال عمر كان امرا قياديا من قبل عبدالكريم مطيع الذي وجد نفسه امام الامر الواقع ، ام كان بإيعاز من الاجهزة التي لغمت واخترقت التنظيم بعملاء من قبيل عبدالعزيزالنعماني الذي اسس تنظيم الجهاد من بعد ؟ . وما علاقة الدكتور الخطيب بهذه الجريمة التي ادت الى تعقيد علاقة الشبيبة الاسلامية بالأجهزة الامنية ؟ وهل فعلا كان للخطيب دور فعال في تسهيل تهريب المجرمين الى خارج المغرب ؟ للحقيقة لا بد من الاقرار بشيء يجهله العديد ممن يعملون على الملف . ان عبدالكريم مطيع والدكتور الخطيب لا علم لهما بمخطط الاغتيال ، فبعد حصول الجريمة وجدا نفسيهما امام الامر الواقع ، كما ان تصرف العميل عبد العزيز النعماني لم يكن بفعل قرار الخطيب ولا بفعل قرار مطيع ، بل ان الشخص تصرف بتعليمات الجهة التي اخترقت التنظيم ، حتى يسهل الاجهاز عليها وبالسرعة المطلوبة . ومثل ما خرج الفقيه محمد البصري وعبدالرحمان اليوسفي بعد خروجهما من السجن بعفو ملكي في سنة 1963 من المطار وأمام انظار الاجهزة الامنية التي كانت تنفد تعليمات الجنرال محمد افقير ، خرج عبد العزيز النعماني ومجموعته بغطاء الاجهزة الامنية التي كانت تنفد تعليمات ادريس البصري وبدون مضايقة او حرج . كما تمكن عبدالكريم مطيع من مغادرة المغرب الى المملكة العربية السعودية التي حل بها ضيفا يقام له ويقعد . واذا كان الدكتور الخطيب قد آوى بعض الاطر ببيته بحسن نية ، فانه لم يلعب اي دور في تهريبهم الى خارج البلاد رغم الاتهامات التي سددت له في هذا المجال . لقد اختلطت الاوراق وأصبحت الشبيبة التي انشأتها الاجهزة عدوة لها ، وادى هذا الوضع الى حصول شرخ في صفوف التنظيم بالخارج . فبينما واصل عبدالكريم مطيع اشرافه على تنظيم الشبيبة في خارج المغرب ومن داخله ، وأصدر بفرنسا جريدة المجاهد التي كانت مقالاتها سبا وقذفا في حق الملك الراحل رحمه الله ، اسس عبدالعزيز النعماني تنظيم الجهاد – فرع المغرب – واشرف على اصدار مجلة ( السرايا ) التي كانت مقالاتها كذلك كلها سبا وقذفا في حق الحسن الثاني وفي حق الدولة المغربية بجميع مؤسساتها . سيلتجأ مطيع الى الجزائر ليلتحق مع مجموعة من المجرمين بمعسكرات التدريب على الاسلحة ، وسيحاولون في سنة 1985 الدخول مسلحين الى المغرب من الجزائر لإشعال ( الجهاد ) في حق الدولة ، لكن يقظة الاجهزة الامنية المغربية وكفاءاتها العالية اجهضت المخطط في المهد ، والقي القبض على المجرمين الذي قدموا الى المحاكمات التي انتهت بتوزيع عشرا السنين عليهم . اما مصير عبد العزيز النعماني فكان كما ارادت الاجهزة التي اخترقت به تنظيم الشبيبة الاسلامية ، وحتى يتم طمس حقائق جريمة الاغتيال ومن يقف وراءها ، بعث له ادريس البصري وطاقمه الخاص من يتولى معالجة قضيته بفرنسا . هكذا و بعد حضوره اجتماع لخلية بباريس ، تم اغتياله لما كان عائدا ليلا على متن القطار الرابط بين باريس ومدينة فلانس . ومثل ان عملية اختطاف وتصفية المهدي بنبركة حصلت بمشاركة رجال امن فرنسيين اغتالهم الجنرال احمد الدليمي بالمعتقل الثابت رقم 3 لإخفاء وطمس كل الدلائل على تورطه في عملية الاختطاف ، فان تصفية عبدالعزيز النعماني تمت بغطاء عناصر من مديرية الاستعلامات العامة الفرنسية ( ليس مديرية مراقبة التراب الوطني ) التي كانت تراقب العملية عن قرب . وللإشارة فان هذه الاجهزة كانت تربطها علاقات خاصة مع جهاز ادريس البصري ، فهي لم تكن تتردد في تقديم معلومات عن معارضين مغاربة بفرنسا ، وفي المقابل فان عطل اطر تلك الاجهزة كانت تتم بالمجان في افخم الفنادق مثل المامونية بمراكش ، وبالفيلات بمنطقة السويسي الراقية ، اضافة الى الهدايا المختلفة من منتجات الصناعة التقليدية المغربية . الآن ما هو نبأ شهري ديسمبر ويناير القادم ، وما ادراكم ما ديسمبر ويناير فاتحة كل سنة ميلادية : في هذين الشهرين تجتمع الذكريات والأحداث العظيمة والمؤلمة في نفس الوقت . ففي 8 ديسمبر 1952 قامت الطبقة العاملة المغربية بالتعبير عن احتجاجها وتنديدها باغتيال المناضل النقابي التونسي فرحات حشاد . في يوم 10 ديسمبر من كل عام يخلد المغرب الاعلان العالمي لحقوق الانسان . ان هذا اليوم هو مناسبة تطالب فيها الحركة الحقوقية المغربية والدولية باحترام حقوق الانسان وممارستها فعلا وقولا . وفي يوم 14 ديسمبر 1990 حلت ذكرى اضراب فاس وطنجة التي ووجهت بقمع دموي لا زالت آثاره قائمة الى الآن . وفي يوم 10 و 11 ديسمبر ايضا اضربت جماهير رجال التعليم والصحة وعمال وموظفو الوكالات المستقلة للنقل الحضري . في نفس الشهر خاض المعتقلون السياسيون في كل من وجدة والدارالبيضاء والقنيطرة والحسيمة اضرابا لا محدودا عن الطعام دفاعا عن ابسط الحقوق التي كانوا يتمتعون بها ، او ينبغي ان يتمتعوا بها داخل السجون . وخلال نفس الشهر اعتصمت عائلات معتقلي عكاشة بالمقر المركزي للاتحاد المغربي للشغل تضامنا مع ابناءها ، اعتصاما اجبر المسئولين على الرضوخ لمطالب المضربين ، وهو ايضا شهر اثقال كاهل الفقراء والمواطنين المغلوب على امرهم بضرائب جديدة اقرها البرلمان بتوصية من الطاقم الحكومي . في 11 يناير 1944 قدم الوطنيون وثيقة المطالبة بالاستقلال التي حررها القصر الملكي مستغلين ظروف الحرب العالمية الثانية للمطالبة بتقرير مصير الشعوب المستعمرة ، وهي الوثيقة الملكية التي ستطبع عمل الحركة الوطنية تحت اشراف القصر الى حدود الاعلان عن استقلال المغرب السياسي . في 24 يناير 1973 تم حظر المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب قصد ايقاف المد النضالي الذي عرفته الساحة الطلابية وعموم الشرائح المناضلة بعد النجاح الباهر للمؤتمر الوطني الخامس عشر بوصول جبهة الطلبة التقدميين ( منظمة الى الامام ومنظمة 23 مارس ) الى قيادة المنظمة . في هذا الشهر كذلك تحل ذكرى انتفاضة يناير 1984 التي عمت مدنا مغربية في الشمال والجنوب احتجاجا على السياسة الاقتصادية والتجويعية المتبعة من قبل الحكومة والمفروضة من طرف المؤسسات المالية الدولية ، وووجهت تلك المظاهرات بأساليب قمع فاقت تلك التي استعملت في يونيو 1981 في الدارالبيضاء ، استعملت فيها الاسلحة الثقيلة ، وخلفت المئات من الضحايا بين قتلى وجرحى ومعتقلين . ان ما تم تسطيره من ذكريات شهور اكتوبر نوفمبر ديسمبر ويناير ، تبقى محطات اساسية في تاريخ الحركة السياسية المغربية ، وان تركيزنا على هذه الشهور ، فقط لأنها جاءت مسترسلة ومتتابعة ، وهذا لا يعني ان الشهور الاخرى من السنة لم تعرف هزات جماهيرية ضد الظلم والفساد والنهب المستشري من قبل النافدين في اجهزة السلطة . ان ما قام به ادريس البصري والعصابة المحيطة به ، والتي لا يزال العديد من اعضاءها يزاولون ويتموقعون في مناصب حساسة ب ( الداخلية ) والأجهزة الامنية المختلفة سوف لن يطوى الا بتقديم الحساب عن من سقط في 23 مارس 1965 و يونيو 1981 بالدارالبيضاء ، ويناير 1984 في مدن الشمال وبالجنوب المغربي .
شهور اكتوبر نوفمبر ديسمبر ويناير على الابواب ان هذه الشهور المتتابعة تحمل دلالات وذكريات اليمة سواء في سجل العائلات المكلومة من فقدان فلذات اكبادها ، او في سجل الجلاد القاتل الذي لم تزعزعه رأفة ولا شفقة ، وهو يرتكب جرائمه السادية بمنتهى البرودة والإدراك العلمي والعملي ، وهو الامر الذي يجعل منه مجرما عن سبق الاسرار والترصد ، و تجب محاكمته على ما اقترفته ايديه من جرائم هزت الرأي العام الحقوقي الدولي قبل الوطني . واذا كنا قد ركزنا على هذه الشهور من حيث المآسي المسجلة في سجل حقوق الانسان ، فإن هذا لا يعني ان بقية الشهور الاخرى كانت نظيفة في ميدان حقوق الانسان ، لكن تركيزنا على هذه الشهور ، هو فقط لتتابعها ، حيث لم يخل شهر من شهور السنة دون تسجيل خروقات فظيعة من قبل القمعيين في ميدان حقوق الانسان . بالرجوع الى شهر اكتوبر من كل سنة ، يتذكر الديمقراطيون والحقوقيون العاملون في ميدان حقوق الانسان ذكرى اختطاف واغتيال المهدي بن بركة من قلب العاصمة الفرنسية باريس ، بسبب افكار سياسية لم تكن تعجب الماسكين السلطويين بزمام الحكم ، وعلى رأسهم الجنرال محمد افقير والكلونيل احمد الدليمي . لقد امتدت يد الغدر الى المهدي للحيلولة دون عودته الى المغرب التي كان قد اقترحها عليه الملك الحسن الثاني بواسطة صهره مولاي الحسن بن المهدي ، وحتى لا يسبب رجوعه مزاحمة للسلطويين الذين كانوا يحضرون للانقلاب على المشروعية التي تجسدت في الانقلاب العسكري في سنة ، 1971 وفي انقلاب الطائرة الذي كان من تدبير افقير في سنة 1972 ، وهي نفس المحاولة كاد ان يقودها الجنرال احمد الدليمي في سنة 1982 ، لولا افتضاح امره على يد احد الاشخاص المقربين اليه الذي ابلغ شخصا كان يعمل بمديرية الشؤون العامة والولاة طالبا اياه بإخبار المسئولين المقربين من سلطة القرار ، وهو ما افضى الى مقتله في حادثة ( سير ) وحضور ولي العهد آنذاك والأمير مولاي عبدالله مراسيم الجنازة . وللتذكير فان زوجة الجنرال ، وخوفا من ان تتعرض الى نفس المصير المظلم اللاقانوني الذي تعرضت له زوجة الجنرال محمد افقير وأبناءها ، فإنها هرعت الى القصر وطالبت الحماية الملكية بعد ان ادانة زوجها ، ولم تحزن عليه بلباس الحداد ، اي لم ترتدي اللباس الابيض . اما اخوته ووالده فقد تعرضوا الى التنكيل والإذلال ، حيث طرد اخاه من العمل حيث كان يعمل كاتبا عاما بعمالة القنيطرة ، كما صودرت منه العديد من الاراضي والأملاك العقارية التي منها من توجد عليه اليوم اكاديمية المملكة المغربية بطريق زعير . لقد تمت تصفية المهدي في اطار الصراع بين الطامحين للاستيلاء على الحكم ، من جهة بعض ضباط الجيش المسيسين من خلال تقلدهم وزارة الداخلية ( افقير ) وتقلدهم الادارة العامة للأمن الوطني (الدليمي ) ، ومن جهة قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذين كانوا يطمحون الى تأسيس جمهورية برلمانية على الطريقة العربية . ان هذا التقابل بين جمهورية العسكر وجمهورية السياسيين البلانكيين التي وصلت ذروتها بحركة 16 يوليوز 1963 ، وبحركة 3 مارس 1973 ، لم يمنع الطرفين من التعاون والتنسيق بينهما ، وهو الامر الذي كشفته رسالة الفقيه محمد البصري التي نشرها عمر السغروشني في جريدة ( لوجورنال ) الموقوفة ، ونشرتها جريدة ( دومان ) الموقوفة كذلك من مشاركة عناصر من الاتحاد ، الجنرال افقير في انقلاب الطائرة في سنة 1972 ، وقد صدر الحكم بالإعدام على الفقيه محمد البصري من قبل المحكمة العسكرية بالقنيطرة . لقد اغتيل المهدي بسبب الصراع على الحكم ، كما اغتيل العملاء الفرنسيون الذين ’وظفوا في هذه الجريمة بالمعتقل السري الثابت رقم 3 لمحو آثار الجريمة التي كانت ثابتة في حق الجنرال الدليمي بعد مقتل الجنرال محمد افقير . واذا كان حزب الاتحاد يخلد تلك الذكرى في كل سنة ضاربا الموعد مع الحدث حتى لا يتحول الى ارخبيل من النسيان ، فان ( الاتحاد ) الجديد منذ دخوله الحكومة التي سميت خطأ بحكومة عبدالرحمان اليوسفي ، حيث تولى وزيران " اتحاديان " وزارة العدل ( بوزوبع والراضي ) مع رئاسة الحكومة من قبل اليوسفي ، ارخت بظلالها العكسية على القضية التي رفض الاتحاد معالجتها بالطرق القانونية رغم تحرك القضاء الفرنسي الذي كان بدافع احراجي ايام ساركوزي ، وهو التغيير الذي تمثل في كف الاتحاد عن احياء ذكرى الاختطاف والقتل وكأن لا شيء حصل لزعمائه التاريخيين ، وهو النهج الذي تكرس جليا بعد تعيين ادريس لشكر على رأس حزب يتاجر بعنوان الاتحاد كعلامة تجارية محتكرة ، بل الادهى من هذا فان قضية المهدي بن بركة وعمر بنجلون ومحمد كرينة ... لخ اضحت مدارا للمتاجرة وللبيع والشراء ، حيث يوظف هؤلاء المنسيون في الاستغلال السياسي المدر للريع الحكومي والبرلماني ، لاستمرار نفس القبضة التي طلقت النضال الاتحادي الستيني والسبعيني ، واندمجت ضمن الموجة الجديدة التي ربطت بين التحرر والديمقراطية ، قبل ان يتحول الحزب الآن الى فرع من فروع حزب الاصالة والمعاصرة . وما يثير الشفقة ، انه باستثناء اليساريين الماركسيين المنتمين الى الجمعية المغربية لحقوق الانسان الذين احيوا هذه السنة ذكرى الاختطاف ، حيث لم يتجاوز عددهم عشرين نفرا ، وبعضهم كان يحمل راية كبيرة مرسوم عليها المطرقة والمنجل ، رغم ان المهدي لم يكن ماركسيا لينينيا ، فان لا احد ممن يدعون تمثيلهم استمرارية الحركة الاتحادية الاصيلة حظر الوقفة التضامنية التي كانت امام البرلمان . يلاحظ ان نفس العدد القليل الذي لم يتجاوز العشرين نفرا يساريا احيى اليوم العالمي للإعلام ، وفي نفس اللحظة وعلى بعد امتار احيى حوالي خمسون نفرا من الاسلاميين المنتمين الى جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية يوم القدس . ان السؤال هنا : ماذا يعني حضور حوالي عشرين نفرا فقط ذكرى اختطاف المهدي ، وإحياء اليوم العالمي للإعلام ؟ دائما في نفس شهر اكتوبر من كل سنة تحل ذكرى غياب احد ابرز اطر منظمة 23 مارس المرحوم عبدالسلام المودن الذي ساهم في تأسيس منظمة العمل الديمقراطي الشعبي . ومنذ انتقاله في 15 اكتوبر 1992 الى الرفيق الاعلى جراء حادثة سير مشكوك فيها ، لا احد من رفاق ( الدرب ) تفضل بطلب الكشف عن سبب الوفاة ، ولا تفضل بإحياء ذكراه التي طالها النسيان ، بل ان العديد من ( رفاق الدرب ) تقطعت بهم السبل في اتجاهات عديدة ، منهم من انفصل عن منظمة العمل ليؤسس للحزب الاشتراكي بأوامر من ادريس البصري ، كعقاب لموقف المنظمة من دستور 1996 ، ومنهم من باع ارث المنظمة ولينخرط في تجربة لا تزال تجتر مخلفات الصراع التنظيمي والإيديولوجي بين اليساريين المتمركسين بعضهم بعضا ، وبينهم وبين تيار الوفاء للديمقراطية المنفصل عن الاتحاد الاشتراكي . وبالرجوع الى تلك الفترة المليئة بالزخم السياسي ، سنجد ان عبدالسلام المودن كان محسوبا على صف الاطر المدافعة عن مبدأ اقامة نظام ديمقراطي بالمغرب يحرره من سيطرة العقلية البصروية الاستبدادية التي تمثلها اليوم زمرة العصبية القبلية المافيوزية ( التاريخ يعيد نفسه في المرة الاولى بشكل مأساوي ، ويعيد نفسه في المرة الثانية في شكل تراجيديا ) المرتكنة لسلطة التعليمات الاستبدادية والأساليب القروسطوية في تدبير الشأن العام . ومن المعلوم ان عبدالسلام المودن كان قد اعتقل في بداية السبعينات وقضى خمسة عشر سجنا بالسجن المركزي بالقنيطرة ، بتهمة الانتماء الى منظمة محظورة هي منظمة 23 مارس ، وبتهمة المس بالأمن العام الداخلي ، ولم يبرح السجن إلاّ في سنة 1989 ليواصل نشاطه السياسي والفكري المعارض ، حيث تعرض في صيف سنة 1992 الى عملية اختطاف من طرف عناصر تنتمي الى مديرية مراقبة التراب الوطني بتعليمات الجلاد المجرم حفيظ بنهاشم والجلاد المجرم محمد العشعاشي ، ليتم رميه في الشارع بعد يومين من الترهيب والتعذيب النفسي ، بل والتهديد بالتصفية الجسدية . وفي هذا الصدد يتذكر السياسيون والأمنيون اراءه الجريئة حول مشروع الدستور الذي كان مطروحا على الاستفتاء ، تلك الآراء التي عكستها سلسلة مقالات نشرتها جريدة انوال التي كان عضوا في هيئة تحريرها . ان عملية الاختطاف التي تعرض لها ، والضغط الذي مورس عليه ، والذي وصل الى التهديد بالتصفية الجسدية ، لم تثني من عزائمه ، ولم تؤثر فيه ، فواصل نضاله طبقا لقناعته السياسية والفكرية والإيديولوجية سواء داخل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ،او داخل قسم التحرير بجريدة انوال ، الى ان جاء خبر موته المفاجئ الذي يطرح اكثر من علامة استفهام . وهنا لا بد من الاشارة الى ان المرحوم عبدالرزاق لمروري وزوجته تعرضا لحادثة سير مصطنعة اشرف عليها ادريس البصري والطاقم المحيط به ، وعلى رأسه المجرم عبد العزيز علابوش ، المجرم نور الدين بن ابراهيم مستشار الشرقي ضريس في القضايا الرديئة الوسخة الحقيرة والخسيسة ، المجرم محمد العشعاشي ، المجرم حفيظ بنهاشم ، حسين بنحربيط ...بسبب مقالة سب وقذف في حق الملك الراحل . وللعلم فان الحسن الثاني لا علاقة له بهذه الجريمة التي اشرف عليها هؤلاء المجرمون ، لأنه في تلك الفترة كان يعاني من مرض " لونفيزيم " وهو مرض يسبب ثقب في الرئة ، فينتج عنه ان الهواء الذي يستنشقه المصاب يؤدي الى انكماش الرئة ، ويحجب وصول الاكسجين الى المخ ، والمريض المصاب بهذا المرض تبدو عليه اعراض فقدان الذاكرة والنسيان وينتهي بصاحبه الى الموت . انه نفس المرض توفي به مستشار الملك احمد رضى اجديرة ، وتوفي به غير المأسوف عن ذهابه المجرم عبدالسلام الزيادي . عند حلول شهر نوفمبر من كل سنة تحل ذكرتان اليمتان ، الاولى هي ذكرى تصفية عبد اللطيف زروال في سنة 1974 على يد الجلاد في المعتقل الرهيب درب مولاي الشريف ، والذكرى الثانية هي تصفية المهندس امين التهاني في سنة 1985 على يد نفس الجلاد وبنفس المعتقل ، حيث كانت المسافة الزمنية الفاصلة بين التصفيتين عشر سنوات . لقد مر الى اليوم اكثر من تسعة وثلاثين سنة على تصفية عبداللطيف زروال ، والى اليوم لا تزال لجنة كل الحقيقة حول مصير الرجل لم تتوصل الى نتائج ملموسة في ازاحة اللثام عن قضيته والكشف عن رفاته رغم ان الجلاد الذي صفاه ( قدور اليوسفي ، بوبكر الحسوني ... لخ ) لا يزال حيا ويعرف بالتفصيل المآل الذي انتهى اليه رفاته . ان عبداللطيف زروال الحاصل على الاجازة في الفلسفة من كلية الآداب بالرباط ، والمزاول لمهنة استاذ الفلسفة لم يكن شخصا عاديا ، بل كل من عاشره وناضل معه او قاوم لن ينسى خصاله الانسانية العميقة ، وليونته في النقاش والتعامل مع من لا يشاطره الرأي ، لكنه كان شديد التشبث بالمبادئ ، لين في اتخاذ المواقف ، وصارم صنديد عند التطبيق ، ولعل هذه الخاصية الفريدة هي التي جعلت منه يتحدى سوط الجلاد ويستميت في الصبر حتى لفظ انفاسه الاخيرة دون او يوشي برفاق الدرب ، فهو فضل الموت من ان يكشف اسرار التنظيم للأجهزة التي كان يطبعها الامية والجهل ، لأنها كانت تتكون من اشخاص لا مؤهلات علمية لهم . ان عبداللطيف زروال وبخلاف يساريي آخر زمان لم يكن يتسابق نحو المسؤوليات ، ونحو المنابر ، كان يعلم جيدا ، وعن حق ، ان طبيعة الاجهزة البوليسية وبطشها تفرض على النواة الثورية منظمة الى الامام ، ازدواجية العمل : --- التواجد العلني في المنظمات الجماهيرية ( الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، الاتحاد المغربي للشغل ، النوادي الثقافية والسينمائية التلاميذ الفلاحون ، الاستاذة... لخ ) لمشاركتها في نضالاتها وتأطيرها ، ورفع مستوى وعيها ، وهذا العمل يتطلب نوعا خاصا من المناضلين المتمرسين . --- بناء نواة ثورية صلبة سرية تعمل من اجل بناء الاداة الثورية القادرة على قيادة مسلسل التغيير المنشود . ان هذا البناء يتطلب نوعية خاصة من المناضلين الذين يخصصون جل اوقاتهم للبناء التنظيمي وفي سرية تامة عن الاجهزة البوليسية السرية والعلنية . ان هذا الاختيار الصعب هو الذي سار عليه عبداللطيف زروال ، حيث اعطى الكثير في الميدان التنظيمي والإيديولوجي ، و لأنه كان يشكل خطرا على الاجهزة التي لم تكن تفهم مضمون ما كان يصدر من ادبيات ، وعندما اختطفته ، وأمام صموده وتشبثه بالمبادئ والقيم التي آمن بها ، لم تتردد تلك الاجهزة في تصفيته . اذا كانت هذه الحقيقة هي ارشيف عبداللطيف زروال ، فان المؤسف له ان تمر هذه السنة ذكراه التي حلت بحلول شهر نوفمبر ( 1974 – 2013 ) في اجواء خافتة . لقد نظم نفر من اليساريين لم يتجاوز عددهم العشرين يوم 14 نوفمبر 2013 وعلى الساعة الخامسة مساء ، ( لجنة الحقيقة حول مصير عبداللطيف زروال ) ، وتحت عنوان " الحقيقة الكاملة وعدم الافلات من العقاب في الجرائم السياسية " وقفة امام وزارة العدل وأمام المديرية العامة للأمن الوطني ، رددوا خلالها شعارات لم يسمعها غير مردديها . فماذا يعني حضور عشرين نفرا احياء ذكرى اطار من اطر اليسار الماركسي ؟ يوم 6 من شهر نوفمبر 1985 حملت الاخبار انباء غير سارة بسقوط المهندس امين التهاني صريعا على يد الجلاد القاسي بالمعتقل الرهيب المسمى درب مولاي الشريف ، والتهمة دائما الانتماء الى منظمة غير مرخص لها هي منظمة الى الامام ، والمس بأمن الدولة الداخلي . وهنا نطرح السؤال : هل كان حقا امين التهاني ورفاقه يهددون الامن القومي للدولة ، وهل كانوا يهددون الامن العام ؟ وعلى منوال هذا التساؤل ، هل مجموعة 26 رفاق امين التهاني يهددون الامن العام للدولة ؟ اي هل الدولة دولة موز ورخاوة حتى يهدد امنها مجموعة من 26 نفرا ؟ يعتبر امين التهاني من الجيل الثاني لمنظمة الى الامام ، وبعد ان امضى تعليمه الابتدائي والثانوي حيث كان يشارك في جميع الاضرابات التي كان يقوم بها التلاميذ ، التحق بالمدرسة المحمدية للمهندسين سنة 1974 التي كانت تعتبر بحق عش التنظيمات الماركسية اللينينية خاصة منظمة الى الامام ، التي كان له شرف ترؤس جمعيتها الطلابية اكثر من مرة . من هذا المنطلق وكمناضل ماركسي صنديد ساهم في تأسيس مجالس النضال في السرية سنة 1974 ، وفي توزيع نشرة 4 مايو السرية التي كانت تصدرها المنظمة . ساهم كذلك في تأسيس فصيل الطلبة الديمقراطيين سنة 1975 وفي توزيع نشرة 24 يناير ذكرى الحظر على المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، وهو الفصيل الذي سيحمل منذ المؤتمر الوطني 16 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب في سنة 1979 اسم " الطلبة القاعديون " . خلال هذه الفترة ، و بالإضافة الى نشاطه السياسي والتنظيمي داخل منظمة الى الامام ، لعب دورا كبيرا في النشاط الجماهيري الطلابي ، حيث ساهم في ادارة وتنشيط لجنة فلسطين ، وفي ادارة وتنشيط الاسابيع الفلسطينية التي كانت تنظمها لجنة فلسطين التي اعتبرها المؤتمر الوطني 13 والمؤتمر الوطني 15 قضية وطنية . وإضافة الى هذا النشاط ترأس ادارة الاسابيع الثقافية التي كانت تنظمها جمعية المدرسة المحمدية للمهندسين في اطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب . وفي ظل الحظر الذي تعرضت له المنظمة في 24 يناير 1973 ، تحمل مسؤولية الكتابة العامة ثم رئاسة جمعية المدرسة المحمدية للمهندسين ، وساهم في تأسيس وإدارة التنسيق الطلابي بين المدارس والمعاهد العليا ، وبينها وبين الكليات المتوفرة على تمثيلية الفصيل القاعدي . كل هذا كان ابّان الحظر ، ومن اجل رفع الحظر عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب . بعد رفع الحظر ساهم امين التهاني في عملية التنسيق من اجل التهييء للمؤتمر الوطني 16 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي انعقد بكلية العلوم في صيف 1979 . بعد تخرجه كمهندس دولة من المدرسة المحمدية للمهندسين سنة 1980 ضمن الفوج 17 الذي لم ’يطلق عليه اسم بخلاف الافواج التي سبقته بسبب عدم رضى السلطة عليه ، وللتذكير في هذا الوقت بالذات تم عسكرة المدرسة المحمدية للمهندسين سنة 1981 ، وتم حظر نشاط جمعيتها . وبعد تخرجه تم ابعاده الى مدينة الراشيدية في اطار الخدمة المدنية ، لكن صلابته حولت هذا الابعاد المقصود الى مكسب ، حيث تابع نشاطه السياسي وعمله التنظيمي والجماهيري بتلك المنطقة ، بالإضافة الى مسؤوليته السياسية بارتباط مع مناطق اخرى ، وهو ما كان يفرض عليه التنقل بين الراشيدية ومدن الشمال . ورغم كل الصعاب ، ورغم وضعه الصحي حيث كان مصابا بمرض الربو ، كان يؤدي مهامه بثبات وصبر وتحد وإخلاص . في سنة 1982 التحق المهندس امين التهاني بشركة لاسمير لتكرير البترول بالمحمدية ، هناك عزز العمل النقابي في اطار ( ك د ش )، وفي نفس الوقت تابع نشاطه السياسي ضمن منظمة الى الامام ، حيث ساهم في التحضير للندوة الوطنية للمنظمة في فبراير 1983 ، وانتخب عضوا في قيادتها . تابع نشاطه السياسي وعمله الجماهيري بهذه المدينة الى ان اعتقل سنة 1985 وسيق الى المعتقل الرهيب درب مولاي الشريف ، وبه باشر قدور اليوسفي مع جلاديه وهم معروفين ولا يزالون على قيد الحياة ، تعذيبه بالسوط والكهرباء والجفّاف والصفع والضرب في المناطق الحساسة ، بل وصلت بهم ساديتهم الهمجية في التعذيب الى حرمانه من الرشاشة المضادة لازمات الربو . وعندما استفحل وضعه الصحي نقله القتلة المجرمون الى المستشفى حيث لفظ انفاسه الاخيرة في 5/6 نوفمبر 1985 . لقد مات امين التهاني وابنه ايمن لم يتجاوز بضعة شهور من ازدياده . ان السؤال : إذا كانت لجنة الحقيقة حول مصير عبداللطيف زروال قد احيت الذكرى 39 لوفاته على يد الجلاد اليوسفي وأعوانه ، وهي الذكرى التي حضرها حوالي عشرون نفرا ، لماذا لم تتم احياء ذكرى تصفية امين التهاني على يد جلاديه ؟ ماذا عن شهر ديسمبر ؟ في 18 ديسمبر 1975 ، وبينما نحن نحظر محاضرة للأستاذ محمد المرغيني في القانون الاداري بكلية الحقوق بالرباط ، دخل الى المدرج طلبة اتحاديون ( اتحاد ذاك الزمان وليس اتحاد الآن ) يزفّون خبر تصفية عمر بن جلون القيادي البارز في حزب زمان وليس حزب الآن الذي اصبح رافدا من روافد حزب الاصالة والمعاصرة . سقط الخبر كالصاعقة على الجماهير الطلابية التي خرجت في مظاهرات منددة بالجريمة ومطالبين بالكشف عن القتلة ومن يقف وراءهم. ولم يمض وقت قصير حتى تأكدت مسؤولية المنظمة الارهابية " الشبيبة الاسلامية " التي اسستها الدولة في بداية السبعينات لمحاربة الموجة اليسارية من ماركسية وقومية بالجامعة وبالساحة الثقافية . لقد كان عمر بن جلون الى جانب محمد عابد الجابري مهندسي التقرير الايديولوجي للمؤتمر الاستثنائي لسنة 1975 ، معارضا صلبا حيث تم الحكم عليه عدة مرات بالإعدام ، خاصة بسبب دوره كمهندس بإدارة البريد ، في اعداد خريطة القصر الملكي في احداث 16 يوليوز 1963 ، وهي المحاولة التي كشفها العميل السوري قنوط والدكتور عبد الكريم الخطيب الى الجهات العليا . فهل تصرفت الشبيبة الاسلامية من تلقاء نفسها ام انها كانت مدفوعة من قبل جهاز امني بواسطة اشخاص عملاء اخترقوا المنظمة وكانوا يتصرفون طبقا للتعليمات الخارجية وليس طبقا لما كان تحدده اجهزة التنظيم ؟ الكل يعلم ان الاعتراف بالشبيبة الاسلامية كتنظيم اسلاموي كان بفضل عمر بهاء الدين الاميري الذي كان عضوا بالديوان الملكي لمواجهة المد القومي والماركسي المنتشر بكثافة بالجامعة المغربية . ومن هذا المنطلق فان عبدالكريم مطيع تفضل بوضع ملف الشبيبة مباشرة بيد وزير الداخلية آنذاك حدو الشيكر الذي خصص للجمعية مساعدات مالية ، اضافة الى المساعدات السخية التي كانت تفد الى التنظيم من المملكة العربية السعودية ومن قبل تنظيمات الاخوان والسلفية من الشرق العربي . وبعد ان تقوى عودها ، وأصبحت مزعجة بخططها وبرامجها المهددة للأمن والنظام العام ، تم التفكير في تلغيمها واختراقها من قبل عملاء وذلك لتفجيرها من الداخل ، و خلق مشاكل بينها وبين الدولة تمهيدا للإجهاز عليها وعلى برامجها ومخططاتها النقيض لطبيعة وفلسفة الدولة التي تقوم على التزاوج بين الاصالة والمعاصرة . هكذا سيعتبر فريق من الشبيبة ان النظام الملكي لا علاقة له بالإسلام اطلاقا ، وان شرع الله يقتضي ازالته وتعويضه بنظام اسلامي على شاكلة الخلافة . ان اول الخطوات التي تم التفكير فيها ، هو البدء بضرب معاول النظام من احزاب لائكية وماركسية وقومية بدعوى الزندقة والكفر . في هذا الاثناء سيتم اغتيال عمر بنجلون ، وكاد الامر ان يتكرر مع الاستاذ الميناوي من حزب التقدم والاشتراكية . فهل اغتيال عمر كان امرا قياديا من قبل عبدالكريم مطيع الذي وجد نفسه امام الامر الواقع ، ام كان بإيعاز من الاجهزة التي لغمت واخترقت التنظيم بعملاء من قبيل عبدالعزيزالنعماني الذي اسس تنظيم الجهاد من بعد ؟ . وما علاقة الدكتور الخطيب بهذه الجريمة التي ادت الى تعقيد علاقة الشبيبة الاسلامية بالأجهزة الامنية ؟ وهل فعلا كان للخطيب دور فعال في تسهيل تهريب المجرمين الى خارج المغرب ؟ للحقيقة لا بد من الاقرار بشيء يجهله العديد ممن يعملون على الملف . ان عبدالكريم مطيع والدكتور الخطيب لا علم لهما بمخطط الاغتيال ، فبعد حصول الجريمة وجدا نفسيهما امام الامر الواقع ، كما ان تصرف العميل عبد العزيز النعماني لم يكن بفعل قرار الخطيب ولا بفعل قرار مطيع ، بل ان الشخص تصرف بتعليمات الجهة التي اخترقت التنظيم ، حتى يسهل الاجهاز عليها وبالسرعة المطلوبة . ومثل ما خرج الفقيه محمد البصري وعبدالرحمان اليوسفي بعد خروجهما من السجن بعفو ملكي في سنة 1963 من المطار وأمام انظار الاجهزة الامنية التي كانت تنفد تعليمات الجنرال محمد افقير ، خرج عبد العزيز النعماني ومجموعته بغطاء الاجهزة الامنية التي كانت تنفد تعليمات ادريس البصري وبدون مضايقة او حرج . كما تمكن عبدالكريم مطيع من مغادرة المغرب الى المملكة العربية السعودية التي حل بها ضيفا يقام له ويقعد . واذا كان الدكتور الخطيب قد آوى بعض الاطر ببيته بحسن نية ، فانه لم يلعب اي دور في تهريبهم الى خارج البلاد رغم الاتهامات التي سددت له في هذا المجال . لقد اختلطت الاوراق وأصبحت الشبيبة التي انشأتها الاجهزة عدوة لها ، وادى هذا الوضع الى حصول شرخ في صفوف التنظيم بالخارج . فبينما واصل عبدالكريم مطيع اشرافه على تنظيم الشبيبة في خارج المغرب ومن داخله ، وأصدر بفرنسا جريدة المجاهد التي كانت مقالاتها سبا وقذفا في حق الملك الراحل رحمه الله ، اسس عبدالعزيز النعماني تنظيم الجهاد – فرع المغرب – واشرف على اصدار مجلة ( السرايا ) التي كانت مقالاتها كذلك كلها سبا وقذفا في حق الحسن الثاني وفي حق الدولة المغربية بجميع مؤسساتها . سيلتجأ مطيع الى الجزائر ليلتحق مع مجموعة من المجرمين بمعسكرات التدريب على الاسلحة ، وسيحاولون في سنة 1985 الدخول مسلحين الى المغرب من الجزائر لإشعال ( الجهاد ) في حق الدولة ، لكن يقظة الاجهزة الامنية المغربية وكفاءاتها العالية اجهضت المخطط في المهد ، والقي القبض على المجرمين الذي قدموا الى المحاكمات التي انتهت بتوزيع عشرا السنين عليهم . اما مصير عبد العزيز النعماني فكان كما ارادت الاجهزة التي اخترقت به تنظيم الشبيبة الاسلامية ، وحتى يتم طمس حقائق جريمة الاغتيال ومن يقف وراءها ، بعث له ادريس البصري وطاقمه الخاص من يتولى معالجة قضيته بفرنسا . هكذا و بعد حضوره اجتماع لخلية بباريس ، تم اغتياله لما كان عائدا ليلا على متن القطار الرابط بين باريس ومدينة فلانس . ومثل ان عملية اختطاف وتصفية المهدي بنبركة حصلت بمشاركة رجال امن فرنسيين اغتالهم الجنرال احمد الدليمي بالمعتقل الثابت رقم 3 لإخفاء وطمس كل الدلائل على تورطه في عملية الاختطاف ، فان تصفية عبدالعزيز النعماني تمت بغطاء عناصر من مديرية الاستعلامات العامة الفرنسية ( ليس مديرية مراقبة التراب الوطني ) التي كانت تراقب العملية عن قرب . وللإشارة فان هذه الاجهزة كانت تربطها علاقات خاصة مع جهاز ادريس البصري ، فهي لم تكن تتردد في تقديم معلومات عن معارضين مغاربة بفرنسا ، وفي المقابل فان عطل اطر تلك الاجهزة كانت تتم بالمجان في افخم الفنادق مثل المامونية بمراكش ، وبالفيلات بمنطقة السويسي الراقية ، اضافة الى الهدايا المختلفة من منتجات الصناعة التقليدية المغربية . الآن ما هو نبأ شهري ديسمبر ويناير القادم ، وما ادراكم ما ديسمبر ويناير فاتحة كل سنة ميلادية : في هذين الشهرين تجتمع الذكريات والأحداث العظيمة والمؤلمة في نفس الوقت . ففي 8 ديسمبر 1952 قامت الطبقة العاملة المغربية بالتعبير عن احتجاجها وتنديدها باغتيال المناضل النقابي التونسي فرحات حشاد . في يوم 10 ديسمبر من كل عام يخلد المغرب الاعلان العالمي لحقوق الانسان . ان هذا اليوم هو مناسبة تطالب فيها الحركة الحقوقية المغربية والدولية باحترام حقوق الانسان وممارستها فعلا وقولا . وفي يوم 14 ديسمبر 1990 حلت ذكرى اضراب فاس وطنجة التي ووجهت بقمع دموي لا زالت آثاره قائمة الى الآن . وفي يوم 10 و 11 ديسمبر ايضا اضربت جماهير رجال التعليم والصحة وعمال وموظفو الوكالات المستقلة للنقل الحضري . في نفس الشهر خاض المعتقلون السياسيون في كل من وجدة والدارالبيضاء والقنيطرة والحسيمة اضرابا لا محدودا عن الطعام دفاعا عن ابسط الحقوق التي كانوا يتمتعون بها ، او ينبغي ان يتمتعوا بها داخل السجون . وخلال نفس الشهر اعتصمت عائلات معتقلي عكاشة بالمقر المركزي للاتحاد المغربي للشغل تضامنا مع ابناءها ، اعتصاما اجبر المسئولين على الرضوخ لمطالب المضربين ، وهو ايضا شهر اثقال كاهل الفقراء والمواطنين المغلوب على امرهم بضرائب جديدة اقرها البرلمان بتوصية من الطاقم الحكومي . في 11 يناير 1944 قدم الوطنيون وثيقة المطالبة بالاستقلال التي حررها القصر الملكي مستغلين ظروف الحرب العالمية الثانية للمطالبة بتقرير مصير الشعوب المستعمرة ، وهي الوثيقة الملكية التي ستطبع عمل الحركة الوطنية تحت اشراف القصر الى حدود الاعلان عن استقلال المغرب السياسي . في 24 يناير 1973 تم حظر المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب قصد ايقاف المد النضالي الذي عرفته الساحة الطلابية وعموم الشرائح المناضلة بعد النجاح الباهر للمؤتمر الوطني الخامس عشر بوصول جبهة الطلبة التقدميين ( منظمة الى الامام ومنظمة 23 مارس ) الى قيادة المنظمة . في هذا الشهر كذلك تحل ذكرى انتفاضة يناير 1984 التي عمت مدنا مغربية في الشمال والجنوب احتجاجا على السياسة الاقتصادية والتجويعية المتبعة من قبل الحكومة والمفروضة من طرف المؤسسات المالية الدولية ، وووجهت تلك المظاهرات بأساليب قمع فاقت تلك التي استعملت في يونيو 1981 في الدارالبيضاء ، استعملت فيها الاسلحة الثقيلة ، وخلفت المئات من الضحايا بين قتلى وجرحى ومعتقلين . ان ما تم تسطيره من ذكريات شهور اكتوبر نوفمبر ديسمبر ويناير ، تبقى محطات اساسية في تاريخ الحركة السياسية المغربية ، وان تركيزنا على هذه الشهور ، فقط لأنها جاءت مسترسلة ومتتابعة ، وهذا لا يعني ان الشهور الاخرى من السنة لم تعرف هزات جماهيرية ضد الظلم والفساد والنهب المستشري من قبل النافدين في اجهزة السلطة . ان ما قام به ادريس البصري والعصابة المحيطة به ، والتي لا يزال العديد من اعضاءها يزاولون ويتموقعون في مناصب حساسة ب ( الداخلية ) والأجهزة الامنية المختلفة سوف لن يطوى الا بتقديم الحساب عن من سقط في 23 مارس 1965 و يونيو 1981 بالدارالبيضاء ، ويناير 1984 في مدن الشمال وبالجنوب المغربي .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل فهمتم شيئا ؟ خديجة الرياضي -- (الدولة مجازا ) زمرة العصبي
...
-
الاعتقال السياسي بين سلطة القانون وسلطة الامر الواقع
-
الدولة الحكومة المجتمع -- طبائع الاستبداد --
-
قوة المغرب في تنوعه الثقافي
-
اللغة العربية والركب الحضاري -- خسئت ياعيوش --
-
الوحدة العربية بين الحلم والغبار
-
خواطر ومستملحات انتخابية
-
ما العمل في حل قضية الصحراء المغربية ؟ بين السيناريوهات المف
...
-
فقدان الأمل وانتشار الخوف -- اسباب ظهور التطرف الاسلاموي
-
تردي الوضع العربي - نزاع الصحراء مسمار في نعش المغرب العربي
-
الاساطير وما ادراك من الاساطير
-
المحور الثالث : حوار مع نوبير الاموي بعد احداث 14 دجنبر 1990
-
حوار مع نوبير الاموي مباشرة بعد احداث 14 دجنب 1990 ( المحور
...
-
حوار مع نوبير الاموي مباشرة بعد احداث 14 دجنبر 1991
-
الكنفدرالية الديمقراطية للشغل
-
الوعي لا يحدد وضعية الانسان - قوة الاشياء وقوة الافكار -
-
تمريغ حقوق الانسان في وحل الصراعات السياسية الداخلية والخارج
...
-
التقنية والسياسة
-
المدرسة والمسألة المعرفية
-
نحو المحافظة على الهوية الثقافية والاصالة الحضارية
المزيد.....
-
الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
-
بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة
...
-
بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
-
قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا
...
-
إمكانية اعتقال نتنياهو.. خبير شؤون جرائم حرب لـCNN: أتصور حد
...
-
مخاوف للكيان المحتل من أوامر اعتقال سرية دولية ضد قادته
-
مقررة أممية لحقوق الانسان:ستضغط واشنطن لمنع تنفيذ قرار المحك
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|