|
تونس : الأحزاب الشمولية وحيل الذئب
حاتم بن رجيبة
الحوار المتمدن-العدد: 4318 - 2013 / 12 / 27 - 14:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا ريب أن جلنا قد سمع في طفولته بقصة العنزات السبعة للإخوة غريم حين عزمت العنزة الأم على الخروج محذرة أبناءها من فتح الباب لأي غريب خاصة للذئب المفترس . عندما سألتها إحداها عن كيفية التعرف على هذا الذئب أجابتها أمها :،،بصوته الخشن وساقه السوداء ذات المخالب الحادة ،،. لذلك التجأ الذئب إلى أكل الطباشير ليصير صوته حادا و كساء رجليه بالعجينة حتى يحاكي العنزة الأم في صوتها وأطرافها .انطلت الحيلة وفتح الباب لينقض الذئب الداهية على العنزات ويفترسها.
تماما كما فعل الذئب بالعنزات السبع هاهما حزبان شموليان ودكتاتوريان ومتحصلان على التأشيرة القانونية أخذا من حيل الذئب المفترس مثالا يحتذى به للإنقضاض على الدولة العلمانية والمنفتحة وعلى الديمقراطية الناشئة في تونس .
الحزب الشمولي والدكتاتوري الأول هو حزب النهضة . نجح هذا الحزب نجاحا باهرا بما جعله يعتلي سدة الحكم ويتمكن بمحاكاته للأحزاب الديمقراطية ببرنامج ليبرالي أن يتحصل على التأشيرة القانونية وينشط في العلن ويسخر المئات من المساجد والدعاة و الأموال الطائلة للدعاية واستمالة المعوزين وذوي القلوب الضعيفة .
نظيره لم يحالفه نفس النجاح الباهر لكنه لم يفشل تماما بل حقق هو أيضا خطوات صغيرة لكن ذات شأن على درب الإنقضاض على السلطة ومن ثمة وضع اللبنات الأولى في صرح الدولة الشمولية الشيوعية . المقصود هنا حزب العمال لمؤسسه حمة الهمامي الذي تمكن من أن يتلحف بتحالف الجبهة الشعبية وجبهة الإنقاذ ليواري عوراته التي أفزعت الناخبين من وضع قاطع ومقطوع في خانته في انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011 .
الديمقراطية الناشئة في تونس والدولة الحديثة يتعرضان إلى هجوم شرس من قبل هذين الفيروسين الفتاكين . التشبيه بالفيروس ليس اعتباطيا وللثلب المجاني بل نظرا للتشابه الكبير بين تكتيك كل منهما . فالمعروف عن الفيروسات أنها تمرر في مرحلة أولى جيناتها إلى جينات الخلية المخترقة وتسخر بذلك كل طاقات الخلية الضحية لتتكاثر هي على حسابها وتحطم الخلية المريضة في آخر خطوة .
حزب النهضة وحزب العمال الشيوعي يسعيان إلى السلطة بالطرق الديمقراطية الحديثة حتى يسخران أجهزة الدولة الحديثة ( إطارات و مفكرين و مربين و معاهد و مدارس و مساجد و جامعات و دور نشر و إعلام و جيش و أمن و بنية تحتية و مال الضرائب ألخ )لنشر فكرهم الشمولي المنغلق والرافض للتعددية والإختلاف والتداول السلمي على السلطة كما تنص على ذلك مبادئ الديمقراطية الليبرالية الحديثة .
بينما كان حزب العمال قد تسلح بتكتيك الدهاء والتخفي والمغالطة والنفاق منذ نشأة الفكر الشيوعي على يد ماركس وإنجلز فإن حزب النهضة قد تعلم هذا التكتيك من خلال تجارب عديدة مريرة وخيبات أمل تعرض لها أو اختبرتها أحزاب مماثلة في العالم الإسلامي عامة .
حزب العمال هو قد ،، رضع،، هذه الخطة الإختراقية والإنتهازية من ينابيع الإيديولوجيا الماركسية . ذلك أن ماركس وانجلز ولينين قد حرضوا بصريح العبارة وفي مواقع وتآليف عديدة على التحالف مع الأحزاب البرجوازية الليبرالية و الأحزاب الديمقراطية بصفة عامة للوصول إلى الحكم ومن ثمة الإنتقال إلى فرض سلطة الأغلبية العمالية على الأقلية الثرية والمالكة لوسائل الإنتاج وتحقيق دكتاتورية البروليتاريا وإنشاء الدولة الشيوعية الشمولية التي تتعدى الدولة الدكتاتورية المتسلطة إلى التدخل في كل الحيثيات الحياتية حتى الأكثر خصوصية وفردية كتربية الأطفال والموسيقى واللباس و الترفيه . وهي أبشع أنواع التسلط .إذاً فما يبدو لغير العارف بالفكر الشيوعي تنازلا وتضحية من الحزب الشيوعي التونسي بالمشاركة في تحالفات ديمقراطية كالجبهة الشعبية وجبهة الإنقاذ هو في الواقع من أبجاديات الإيديولوجيا الماركسية .
الشيء مختلف تماما فيما يخص الإتجاه الإسلامي سابقا وحزب النهضة حاليا . فهذا الحزب قد لقي العديد من اللكمات والكدمات والصفعات كما شاهد إخوانه في الفكر الإسلامي الشمولي في العديد من الأقطار الإسلامية يتجرعون ويلات الهزيمة بعد أن حققوا انتصارات باهرة مثل ما حصل في الجزائر بعد فوز الإسلاميين في الإنتخابات البلدية والتشريعية لينزل الجيش وتبدأ الملاحقة والتشرد والقتل أو ما حصل في هذه الصائفة في مصر عندما أطاح الجيش بالإخوان من على قمة السلطة وإعلان جمعية الإخوان المسلمين كمنظمة ارهابية بحجة رفض الملايين من الشعب لسياستهم. حزب التحرير في تونس لم يتعظ كما اتعظ ،، النهضاويون ،، بل أعلن عداءه الصريح للديمقراطية وللعلمانية واصفا إياها بالكفر ولو لم تكن النهضة صاحبة القرار لما تحصل أبدا على التأشيرة .
لكن لسائل أن يسأل لماذا اختار الفكر الشيوعي أسلوب المراوغة وتبنى حيل الذئب الداهية منذ نشأته وقبل البدء في النشاط والحراك بينما لم يلبث الإخوان يرمون بأنفسهم في التهلكة فيجهرون بنواياهم الشمولية والعدوانية للحداثة والأنظمة السياسية التعددية والعلمانية ولم يعتبروا من نجاعة تكتيك النفاق والمراوغة إلى حين التملك الكامل بمفاصل الدولة ؟ حتى حزب النهضة الذي يعتبر إلى جانب نظيره التركي التلميذ الممتاز والقدوة المثلى في هذا المجال مازال يتعثر ويقوم بالعديد من الهفوات الجسيمة . فمن العجيب أن تسمع راشد الغنوشي يلعن العلمانية ويقول بالحرف الواحد ،، على كل حال أعوذ بالله من العلمانية ،، في حملته الإنتخابية في مدينة الحمامات أو عندما يشرح تكتيكه ،،السري ،، لإخوانه السلفيين أمام الكامرا فيصف الجيش والأمن والإدارة بأنهم ما زالوا ،، غير مضمونين ،، ووجوب التكثيف من العمل الدعوي والإختراقي أو شرحه كيفية تطبيق الشريعة حتى في ظل النظام العلماني والديمقراطي الليبرالي في الهاتف لتتفرج وتستمع الملايين، ومن ضمنها الأحزاب العلمانية المتحالفة معه ، على هذه الدروس وتطلع على المناهج والتكتيكات ،، السرية ،،. إضافة إلى عدم صبر النواب ،، النهضاويين ،،على المطالبة بتطبيق الشريعة من خلال النص عليها في الدستور الجديد أو رفض المساواة بين الجنسين والنص على أن ،، المرأة مكملة للرجل ،، فاضحة قبل الأوان لصوت الحزب الخشن وسيقانه السوداء ذات المخالب الحادة .
هذا الإصرار على الحماقة وعدم القدرة أو الصعوبة الكبيرة على محاكاة الذئب من جهة الإخوان المسلمين من جهة وقدرة الشيوعيين ،، بالفطرة ،، على المخاتلة والمراوغة يرجع ، حسب اعتقادي ، بالأساس إلى طبيعة كلا الفكرين .
فرغم تشابه الفكرين في النزعة الشمولية والدكتاتورية والعداء للحرية وللإنفتاح ولليبرالية ورفض الإعتراف بحق الإختلاف ونسبية الحقيقة وبقانون التغير والتطور فإنهما يختلفان تماما في طريقة التفكير .
فبينما تعتبر الشيوعية مولودة متطرفة لفلسفة الأنوار التي جعلت من العقل والتحليل المنطقي الأساس للوصول إلى الحقيقة آمن الإخوان بقدسية نظرية قديمة تاريخية فأودعوا عقولهم المثلجات لتنام في أمن وسلام وليتعصبوا لفكر صبغ نفسه بطابع القدسية و ادعى تملك الحقيقة المطلقة الصالحة لكل زمان ومكان .
كلاهما يدعي تملك الحقيقة المطلقة . الفرق هو أن الشيوعي قد وصل إليها عن طريق العقل (لكنه أصر على التمسك بها ، رغم أن التجربة أثبتت خورها) بينما تسلمها الإخواني مسلمة رغم غياب المنطق في الكثير من الأحكام أو تصديقه ما لا يصدق أو ما دحضه العلم الحديث تماما .
الشيوعيون العقلانيون حللوا مسبقا كل العقبات الممكنة وكل المناهج التي يمكن أن تساعدهم على النجاح لإدراكهم طبقا للمنطق والقدرة التحليلية الرزينة بعداء البرجوازية لكل من يسعى إلى إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج أي وسائل الثراء و وعيهم الكبير بمراكز القوة في المجتمع و بحجمهم الحقيقي في كل مرحلة كما اعتمادهم على كل الدراسات العلمية الحديثة المتاحة في تحليلهم وفلسفتهم. بينما يقتصر دول العقل عند الإخوان على الإيمان بدل التفكير .هذا الإيمان العاطفي وغير العقلاني أعمى بصائرهم عن طبيعة القوى السائدة في المجتمع وقوانين الديناميكية الإجتماعية .
هذا التحجر الإخواني و عدم الإعتماد على العقل و التفكير المنطقي يفسر ، حسب رأيي ، السلوك الأخرق لجل الحركات الإسلامية والنجاح النسبي للقلة منها فقط في اعتماد تكتيك المراوغة والنفاق والجهر بما يناقض ما يؤمنون به . المثل الفرنسي يقول بما معناه ،، العدو الحذر يكون بقوة اثنان،، لذلك يحرص حزب النهضة الاخواني وحزب العمال (الشيوعي ) كل الحرص على أن لا يعلم العدو المجسد في الدولة التعددية والليبرالية الحديثة بنواياهما العدائية الرهيبة والمستبدة .
مسكين كل من يصدق الواجهة التي يعرضها هذان الحزبان ببرامج ديمقراطية وخطاب ليبرالي وكلام معسول عن الدولة المدنية والتعددية وحق الإختلاف وحتى حلق الذقون من جانب بعض قيادي النهضة وارتداء البدلات العصرية وربطات العنق الفاخرة للتمويه وتسويق لفكر حداثي بينما يبطنان فكراً قبيحا وعطشا شديدا للإستبداد و العنف والدم والتسلط و،، الدكترة ،، و عداء كبيرا للمجتمع المفتوح والتعددي والليبرالي والديموقراطي .
على القوى العلمانية السعي بكل قوة إلى حظر هذين الحزبين وحزب التحرير وكل الأحزاب التي تجهر أو تبطن العداء للديمقراطية في أقرب فرصة سانحة .
#حاتم_بن_رجيبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشروع الدستور التونسي
-
الحل لأم القضايا : القضية الفلسطينية
-
مسودة دستور الجمهورية التونسية : البابان 1 و 2
-
مسودة الدستور التونسي : التوطئة
-
الزعيم الدكتور المنصف المرزوقي
-
آليات حماية الديمقراطية من خلال المثال الألماني
-
ماهية الفن
-
تعريب المواد العلمية ؟ ضرورة ؟
-
الإنسان عاش جل حياته حيواناً
-
أسباب تشبث الإنسان المعاصر بالدين
-
اليسار التونسي وعقدة التدخل الأجنبي
-
الإنقلاب على الشرعية ونتائجه
المزيد.....
-
-حزب الله ما زال موجودا-.. محلل سياسي يعلق لـCNN عن وقف إطلا
...
-
روسيا تجهّز صاروخ -سويوز- لإطلاق قمر Condor-FKA
-
عائدون إلى جنوب لبنان: -نريد أن نشمّ رائحة الأرض-
-
كشف المزيد من -الأثر الأوكراني- في المقابر الأمريكية (صور)
-
زوكربيرغ يتقرب من ترامب
-
ثعبان ضخم يبتلع رجلا بالكامل في إندونيسيا (صور)
-
الجيش الروسي يعبر نهر أوسكول ويخترق الدفاعات الأوكرانية قرب
...
-
-هآرتس-: شركات الطيران الأجنبية لن تعود إلى إسرائيل حتى عام
...
-
Xiaomi تطلق أجهزة تلفاز مدعومة بالذكاء الاصطناعي
-
مخبأة بطريقة احترافية.. الجهات الأمنية في اليمن تضبط شحنة مخ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|