أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - صلاح الداودي - المترجم كساعي بريد: من تقديم ترجمة كتاب طوني ناغري -الفن والجمهور-















المزيد.....

المترجم كساعي بريد: من تقديم ترجمة كتاب طوني ناغري -الفن والجمهور-


صلاح الداودي

الحوار المتمدن-العدد: 4318 - 2013 / 12 / 27 - 09:08
المحور: سيرة ذاتية
    


من يكون المترجِم؟ م نتكون البيو- ترجمة؟

المترجم لاعب قدر.‬-;- ساعي مصير.‬-;-ساعي لغات بطوعه.‬-;- هو ساعٍ بَعيد المعانى.‬-;- ولكنه ساعي بريد القريب.‬-;- ساعي يريد الوجود في شكل بريد أو يريد الكيانات مطبوعة وطابعة في نفس الوقت.‬-;- لعله يريدها طوابع .‬-;- وليس بمجرد الإرادة بل بالوريد.‬-;- انه ساعي بريد الكينونة أوساعي بريد الوجود.‬-;- ساعي بريد المستقبل.‬-;- والترجمة تُور بابل.‬-;- ولذلك فالمترجم بابلي أو لا يكون.‬-;- هوساعي بابل، ساعي بريد بابل.‬-;- فالترجمة بريد المشترك الغلوبالي.‬-;- المَدْرج العالمي للّغات.‬-;- واللغة جماهير.‬-;- الترجمة هي الملعب الغلوبالي أو حتى الإقليم الأقصى الذي تلتقي فيه جماهير الكِتاب مع الكُتّاب في لحظة واحدة عابرة لكل العصور.‬-;- هي أو هو ألف مقام ومقام وألف مكان ومكان وألف مَقسَم ومقسم. إذ كيف سنشهد صروف أو صنوف قصة العالم كلها من دون مترجم.‬-;- الأمر ليس مختزلا في كتاب وكتّاب. فلَمّا تصبح الإنسانية كلها القارئ والكاتب ، تصبح الإنسانية كلها مترجما أو ترجمة خلقا وصنعا في نفس الوقت.‬-;- تصبح بالأحرى مُترجَمة ترجمة ذاتية.‬-;- تصير الحياة كلها كتابا أو مكتوبا على إثر ذلك.‬-;- يصير العالم يومئذ وثيقة نفسه ويكتب نفسه بنفسه في المَطاف.‬-;- ذلك يوم من أيام الإعلان الجماهيري العالمي قاطبة.‬-;- دون أن يكون مجرد أيام للترجمة أو إعلانا عالميا للّغات.‬-;- إن ترجمة هذا الكتاب هي نفسها رسالة فضلا عن كونها ترجمة لرسائل.‬-;- هي ترجمة ذاتية إذن أو ترجمة حب أو ترجمة عن حب.‬-;- والمترجم هنا ليس فقط ساعي بريد واقعي ورمزي وخيالي بل هو ساعي بريد المجرّد أو ساعي البريد المجرّد.
في هذا الكتاب تداخل/تقابل/توازٍ/تواتر/ديالكتيك/عوْدٌ/استئناف/تلاق/تراسل/أنتارمازّو/لايتموتيف…الخ. في هذا الكتاب عمل الكتاب كاملا، فطوني يُقدّم ويعيد المترجَم إلى غير المترجَم ويستعيد الكتابة من جديد ويعيد المترجِم إلى الترجمة من جديد. وهو لا يجمع زهره إلا وهو يزهر من جديد. هو الناقد والمنظّر والفيلسوف والايسْتاطْ والاستيطيقي والمشاهد أو القارئ الجمهور تفرّدا وتجمهرا. في هذا الكتاب معارض وعُروض ومقامات ولعب. المترجم هنا رسالة وصاحب رسالة أو هو صحبة رسالة أو من صحابة أو صحب الرسالات. المترجم راعٍ ورجل جماعة حياة بمعنى رجل علاقة بين البشر وما فوقهم وما فيهم ومن بعدهم والذين من قبلهم. وخاصة الذين معهم أي عصرهم رغم أن العصر هو بدوره علاقة أكثر من كونه زمن. هنا أيضا تيولوجيا استيطيقية للترجمة. لا يهم إذا كانت أو لم تكن دينية ولا ندري هل يعترف المترجمون بذلك أمل لا إلى هذا الحد. المهم أن الترجمة هي مرحلة من مراحل الإيمان بالنصوص وبغيرية المشترك أو بمشترك الغيرية على الأصح. ذلك أن فتح الكتاب وغلقه ليس أيّ كلام. قد أطيل على أيوب هنا وهو أدرى. ولكن نواحي أخرى ليست أقل أهمية من هذا المعنى. المترجم أيضا حصن أو حضن وهو هزيمة أو قبول وضمانة أو تعويل أنطولوجي مُسْتَحق حقيق. نصر واستبشار. المترجم طبيب اللغة. المترجم قارئ للجبين وكشاف وأفّاق وراصد وملاّح وحمامة وبلّور أو لوح مرمي في البحر. إنه قائد الأزل إلى الضفاف القريب بحساب هذا الأزل. بعض المعاني التي يتداولها التلقاء، الملأ، الناس، الجمهور، كلّ مَن، أيّ كان، كائن من يكون. لابد من أن نحملها محمل الجد وإلا لماذا ترافقنا إلى هذا الحد من العمر. غير أن من يريد أن ينحطّ بالمعاني هو مُعادٍ للمعاني جميعها. وإلا كيف يصبح القارئ والكاتب على حدّ السواء على قدر ذلك البؤس المعنوي بينما يعترف بمعناه من خالط ضربا من التفكير يتوفر على كمّ هائل من معاني الإبداع قد نجمِعه في معنى التطلّع والتقرّب إلى المعاني التي لم ينحط بها إلا من انحطّ من باب غير البشري. ومنها التوقع والانتظار والنية الحسنة وعقد الأمل على كلمة…الخ. المترجم صديق الموج وحبل النجاة. المترجم فنان المشترك والترجمة فن المشترك. هو قائد السفينة والعدو والقرصان. لَكَم ينظر بعين صادقة في كل ما يقول الحسّ المشترك ويعتقد دون أن يكون مضطرا إلى الإيمان معه بنفس الطريقة. الترجمة على ذلك إصغاء وتعلّم للنطق وتدرب على الإلقاء وعلى اللقاء واللُّقية والعَلَق والشجيّة. وما كان هذا الرقص إلا لأن الجمال يذبح ذبحا. أما المَهيب فهو يقتل أصلا. إذ لا يمكن لأحد أن يرقص داخل بركان لتجريب سعادته الحارّة. وما عدا مجرد تشغيل للحواس أمام هول وهوج مصنع الطبيعة الشامل، هو تذرّع لامع وذهول عاجز يدّعي التأمل. وأما الإحساس العظمة أمام هذه المحطات النووية الطبيعية أو أمام هذه التفجيرات الإبداعية فهو مجرد الاستسلام لآفة الجمال وبوارج الإبداع التي تعيد الإنسان إلى حجمه الحقيقي. في الاستسلام كذلك قوة جبارة سوبليميسية دقيقة عن الوصف. من هنا وصاعدا ليس على أحد أن يقسّم الإبداع إلى مقولات إلا لأسباب غير إبداعية بالمرة. وليس عليه أن يفرق بين المرء وقلبه وبين المرء والطيعة والله فذلك إجحاف مُشط. ومن هنا فإن الترجمة اتقاء شرّ العقل الذي يدعي فهم وتفسير كل شيء بصفة تمامية عنيفة مثلما هو تعريف العقل في اللغات الأخرى، ودونما حاجة إلى أي مصدر من مصادر التصديق الأخرى. ‬-;-
الترجمة تواضع أمام العقل المشترك حتى لا يصدّق لعبة الطائفية العقلانية الوثنية السامية والشوفينية والفاشية الرأسمالية التي تقسّم الناس إلى عام وخاص وأكثر. الترجمة بهذا المعنى عطيّة أو "يد إلهية" ولا تدّعي أنها خفية. الترجمة رحمة. إنها مادية إبداعية لا شك ولكنها تخترع روحها من لحمها كلما اقتضى واقتضت وبلا تصنّع. المترجم بهذا الدم وهذه الروح حب خالص حتى إذا ظلّ نظريا، لا بأس، وحب المترجم مشترك فعلي. لا تصوف هنا ولا بورنوغرافيا. المترجم جمهور والمترجم مشترك والمشترك جمهور والجمهور مشترك. على أي حال، لا توجد كلمة لها نفس المعنى في كل لغات العالم أكثر من كلمة مشترك دون أن توجد في اللحم مثل اليد أو توجد في السماء مثل الشمس أو توجد كاسم مشترك مثل النار أو توجد في المخيلة مثل الصورة أو توجد في القلب مثل الاسم…الخ. هكذا بعض نواحي ترجمة المشترك التي ننظر من خلالها إلى عملية الترجمة. وهكذا يصبح المشترك مجردا وملموسا ويوجد في الأقاصي التي ذكرنا دون أن يتحول إلى مجرد كلمة. يبدع أو يستكشف أو يبتكر أو ينتظر، ليس ذلك هو السؤال. كل السؤال هو كيف سوف نحرر هذا المشترك المُكَوْلن أو المحتل المستعمَر الكولونيزي والمُكَوْنَنْ والمخوصص والمُكَلْيَن والمُكَلكل. المحرر مترجم والمترجم عاشق. المترجم رحالة وعابر سبيل وطير مهاجر ولاجئ وكل ذلك على معنى المشترك الصائر بعدُ والذي سوف يصير. الترجمة وسيلة وغاية وسبيل. يسعى المترجم تمام السعي إلى كل شيء. هو ساعي طريق يسير ويسأل وساعي نجوم يعدّ ولا يعدّ. الترجمة عقد لغوي مع الغائب والحاضر وعقيدة مفهومية وعاطفية. إنها التزام والمترجم ساعي قيام أو قيامة . كل ذلك يجعل من الترجمة فلسفة ولاشيء آخر:هرمونيطيقا ومنطق لغة وسياسة وايطيقا واستيطيقا وأنطولوجيا وتاريخ. ولكنها شعر مهما حاولتَ. وانه لا تجربة واحدة تستحق التقدير في الحياة بأسرها ومنها الترجمة، لا تجربة واحدة تستحق التقدير إذا لم تحمل الشعر في قلبها. إن كل الكتاب الذي ترجمنا لاشيء دون شعرية. لا يعني أننا ترجمناه شعريا، لا. يعني أن الشعرية هي كلّ شيء. إن قلب فلسفة الترجمة يكمن في البيوترجمة. المترجم عودة وديوان وخريطة. هنا لا فرق:المترجم هو الترجمة والترجمة هي المترجم ونحن نجهد هنا لا نلعب، حاشى اللعب من حقد الحاقدين عليه. المترجم مؤلف وراو والمترجم شتات ومبعوث بلا أي هوية حصرية ونائب خارق لكل تمثيل حصري ضيّق، واو زمان ونثر وجود . بالنسبة إلى المترجم لا يوجد أفق كفاية لأن كل أفق مغلق من حيث هو لغة ولكنه عمل لا ينتهي من الناحية الإجرائية. وعلى هذا النحو يظل المترجم نسّاجا إلى الأبد فكلنا عراة اللغة أبدا. الترجمة مهمة لا مهنة وسر وجهر وشهادة وغيب لاشك ولا تحفظ ولا مبالغة ولا حرج. نتكلم بعامة هنا ونحن مرتعبون إذا ما واصلنا التفكير هكذا يصبح الخلاص الصعب أمرا غير منتظر إلا على صيغة الأمل المُعَطّل. المترجم شاعر نحَات روحاني وتأملي ولغوي لساني، عدا ذلك ليست ترجمات بل مجرد نقل لبرامج تنمية ومناويل استيطان تنويري وكذا من تلك الأشياء التي لها على أيّ حال جمهورها المخدوع. إذ كيف يسمح لنفسه بأن لا يتعلم شيئا بدعوى أنه لا يعرف. أما إذا كان الأمر من أجل شعرية رُفع الحرج كله وأصبحت الغاية من التيسير مقبولة أخلاقيا وضرورية أما إذا كان الأمر كله استهلاكا بلا أيّ نشاط آخر فلا يوجد قرض حسن من هذه العملية وربما يُرفع القلم أو لا يرفع إلا من فرط هذا الكسل الميتافيزيقي المرضي. الترجمة ثقة تحتفظ بأسرارها مادام كل شيء يمر على القلب والذهن. هو مُتقن متفنن مرح متألم. هو ساعي ضيافة، بريد كرم، أمانة بريدية، مسعى أمل وعطف على خيبة المسعى وفضل. إن بريد الابتغاء، كل الابتغاء، إرسال مشترك من الأرض من أجل المشترك والإرسالية الشعرية هي نفسها ترجمة لكل من يصله شيء قاله إنسان على هذه الأرض الأرض وخارج نطاق الإنسان أيضا. ما يصل إلى كل إنسان وأكثر، ما في ذلك من لا يقرأ ومن لا ينطق ومن لا يكتب. ذلك أن كل إنسان هو في الأصل إنسان المشترك.


‬-;-
‬-;-
كيف ترجمنا هذا الكتاب؟‬-;-
أو‬-;-
الميكانيزم السينماتوغرافي للترجمة‬-;-
‬-;-
إن في هذا الكتاب ترجمة هذا الكتاب وإن في ترجمة هذا الكتاب تراجم هذا الكتاب. ليس الأمر فقط تراجم تراجم بل ترجمة في ترجمة مثل رسم في رسم أو فيلم في فيلم…الخ. هنالك سيناريو وهنالك حوار ومونولوغ. هنالك تقطيع سينارسطيقي وتقني. هنالك في نفس الوقت فضاء دييجيطيقي للقَصص وفضاء فيلمي يخصّه. هنالك فصلات ووصلات وفواصل وفسحات واستراحات. هنالك أدوات تركيب ومرور لا تحصى وهنالك ما قبل الإنتاج وما بعده وهنالك زمن للتصوير وزمنية للمَشاهد. هنالك أصوات من كل نوع: أصوات لوحدها، أصوات مركبة، أصوات مباشرة، أصوات مسجّلة، أصوات إينْ وأوفْ وأُوفارْ. هنالك نغمية جرسية ورنات وطوابع وإيقاع وتوقيع. ثمة خلفية صوتية وضجيج وأمبيتوس وحفيف هدير جميل مهيب رهيب وهسهسة وهسيس. أما الكليماكس والنهايات وغير ذلك من الاتاهات والألعاب فكل على هواه. هنالك مناخ/محيط/بيئة/جو/طقس/خفقان/نبضحي/وشوشة/صراخ/آلات/تصميم/سينوغرافيا/ديكورطبيعي وغير طبيعي/ضحك وصمت/نظرات وحركات/وحتى الملابس والتصفيفات…الخ. ثمة في هذه الرسائل وفي ترجمتها أبعاد أرشيفية وأخرى متخيلة. ثمة ذاكرة في الاتجاهين وسِيَر ومحو وحجب حينا وتوثيق حينا آخر. ثمة كذلك بيوغرافيا وأوتو- بيوغرافيا في نفس الوقت…الخ. ثمة ألبوم أميكوروم في الرسائل وثمة أتوغرافات وهولوغرافات وسنتوغرافات…ماذا نفعل؟ ثمة في النص المترجم إضاءة /صناعة للشخوص/تمثيل وإدارة للممثلين وارتجال. والقصة واقعية. هذه الميكانيزمات والدياغرامات والكياسمات والكاووسموزات والسمبيوزات والريزومات، كلها شوق وفيض وتوحّد وتشرّك. بالأحرى، كيف ترجمنا هذا النهر إلى بحر؟ أي كيف تحول هذا البحر إلى نهر أو حتى إلى العكس؟ مرة ومرات وإلى ما لا نهاية. ربما كنا نفس التيار السابح في مياه الحب. في مياه الحب ثمة بصورة فريدة عودة مختلفة وطوفات أبدية في نفس مياه الحب المحرّمة المقدسة. النار وحدها تستطيع أن تثبت تلك الحقيقة المجرّدة والملموسة. هذا الكتاب كرونولوجيا وكرونوغرافيا وكرونومتريا، ولكن ربما على ساعة غير الساعة، ساعة سلفادور دالي ربما أو مياه غاستون باشلار أو قبلة رودان. (وهذه أول وآخر مرة نعود فيها إلى أسماء أخرى غير الأسماء الموجودة في هذا‬-;- الكتاب لأن عدم ورود صور من الثقافة العربية على ذهننا أمرنا يؤلمنا اللحظة والأسباب معروفة ومن أهمها الاحتلال الذاتي أو الاحتلال الداخلي الذي تعاني منه هذه الثقافة ). عندما كنا نترجم هذا الكتاب. عوضنا في كل مرة كلمة عزيزي بكلمة حبيبي على شرف الحب الصداقة والمعاشرة. واستعملنا المناداة كثيرا والمخاطبة المباشرة كالمناجاة أحيانا. لطالما نادينا مستعملين كل الضمائر المتناثرة في أصوات الكاتب.
عندما كنا نترجم، لم نكن نقرأ الشعر، بل كنا بالتوازي والتصادي نكتب الحب ساعة بعد ساعة. ورما يكون ذلك خيارنا الوحيد من أجل مداواة هذا الجرح النابع من حضارتنا ومن لغتنا. لم نكن نقرأ الرسالة التي تصل، كنا نقرأ الرسالة التي سوف تُكتب. كما لو أننا كنا نترجم النصوص قبل صدورها بعملية متخيلة طبعا. إن خط الزمان أو زاوية الزمان أو مدار الزمان يتغير في كل حين. وما أصعب ضبط ذلك الإيقاع لولا الحب. حتى ذلك الحب كان ما بعد مُحدث. لم نقرأ الرسالة التي سوف تقرأ، كنا نقرأ الرسالة التي قُرأت لا التي بُعثت ولا التي وصلت. لم يكن المترجم ساعي البريد الذي وصلته رسالة ولا ساعي البريد الذي سلّم رسالة. لاساعي البريد الذي سلّم الرسالة ولا ساعي البريد الذي كتب الرسالة لباعثها. أيّ جُرف،أيّ برزخ، أيّ مُذنّب، أي ميزك، ولا عحب. لم نكن من سلّم البريد لمتلقيه ولم نذهب إلى من يستحق البريد من الجهتين. وما أتى إلينا أصحاب البريد من الجهتين ولم نكن مركز البريد من الجهتين. ولكن ذلك لا ينفي أن المترجم ساعي بريد يصل ولا يصل، ساعي بريد المشترك. ساعي المشترك باختصار. لا، ربما لم نكن بصدد بريد المبدعين بل بصدد إبداعية البريد. إذ لا إبداع للبريد قبل ابتكار الساعي شخصية ومفهوما ومرافقة فعلية ولا وساطة في الأمر. لا ندري لماذا نتذكر اللحظة سانتايكزوبيري (كأنّا تراجعنا عن ذلك الوعد). لانتكلم هنا عن المترجم إطلاقا بقدر ما نحاول فهم الأوتوبوياز الذي رافق هذه الترجمة-القراءة-الكتابة…الخ. هو عمل سمعي بصري مثلما هو عمل بيوسْبوييزيسي.
لم يكن المترجم ساعي بريد أدب السجون ولا ساعي بريد أدب المنافي ولا أدب الثورات ولا أدب التحرر ولا أدب المواجهة ولا ساعي بريد أدب الحب. إن المترجم ساعي بريد المجهول والنبيل وفي نفس الوقت، ساعي بريد الشاعر والفيلسوف والمناضل. المترجم ساعي المفهوم والقلب وساعي الكتاب إن لم يكن ساعي سلاح. إنه ساعي العقول وساعي الوصول وساعي الخطوط التي ما بين الخطوط وساعي الابتسامة وساعي الدموع. إنه ساعي المصباح الذي تقرأ عليه الرسائل وساعي الشاشة الديجيتالية التي يصل عليها البريد في أيامنا هذه وهو خاصية من خصائص اللوحة الفنية في العصر القديم، كان وبقي يسمى إيمايل. المترجم ظرف أكثر من كونه عنوان، وفي أحيان أخرى، هو عنوان فقط وهو، هو نفسه، الرسالة وأحيانا أخرى يصبح كل شيء ولاشيء أي يُطلب منه كل شيء وبلا عناوين. يتحول كذلك أحيانا إلى قضية لغز. المترجم ساعي المفاجئة وساعي المخاطرة. وهو ليس ساعي القارئ والكاتب في نفس الوقت بل قارئ القارئ وكاتب الكاتب في ذات الحين أو هو قارئ مع القارئ وكاتب مع الكاتب. هو ساعي الحقيقة وساعي المساعدة وساعي السعادة إذا أتت ودافع للبؤس إن أمكن. ثمة مع الترادوكتولوجيا فينومينولوجيا وسياسة وايطيقا. ثمة مع الترادوكتولوجيا كما قلنا تيولوجيا الرسالة إلى جانب فن الرسالة وعاطفية الرسالة وشعريتها ونضاليتها. ثم الحضور والغياب ثم الشهادة والاختفاء. ثم التقصّي والبحث والتعرّف والاعتراف. ثم الإمضاء والتسليم، تسليم الروح للروح والعقل للعقل والقلب للقلب والأمل للأمل. الترجمة إذن من أمر الكاتب وهي شأن إبداعي والمشترك هنا حاسم بين الكاتب والمترجم. ثمة روح مسافرة وأحلام يقظة، ثمة كلام وصمت وصِلات أرحام بين اللغات وثمة قصص حب بين هذه اللغات وخصام وهجر كذلك. ثمة آلام وثقل وارتياح وخفة. ثمة إيحاءات ووحي وثمة في كل الحالات معنى يصل أو معنى يَرِدُ وثمة ردّ وإجابة. ثمة تجوال وحضر وحديث خاص أو عام. ثمة مسؤولية وأسئلة وحرج وفرج أو توتر. ثمة رفع للوزر والذِكر وشرح للصدر وعسر ويسر وفتح وغمض وهوان وسرعة أزل.

البطاقة التقنية لترجمة هذا الكتاب



#صلاح_الداودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لايْف لافْ، هذا ليس سلاحا روسيا
- شكرا لأمّي، شجرة الشمال العالية
- فكرة حول كتاب الصندوق الأسود، بم يحلم الشهداء؟-2005-2013
- برولوغ كتاب: ثلاثة وثمانون يوما من القرنفل أربعون ديسمبر من ...
- تصدير كتاب (دفتر) نكحلة: سبعة أرهاط بنفسجية في المُفكّرة الس ...
- خاتمة كتاب (دفتر) نكحلة: سبعة أرهاط بنفسجية في المُفكّرة الس ...
- -حوماني- - أمانه يو .. أمانه يا ...-
- أوبْسْ على شفاهك/أُوبْلاَ
- كانابيسة
- سْتْرومايْ
- حمراء سِيْ- آرْ -كَا
- قُرُنْفُلُومْ: ستون يوما من القرنفل
- اسقاط حكم المال والسلاح والاعلام بناء المشترك
- حمّى ديسمبر
- رسالة الى رصاصة النار، رصاصة 17 ديسمبر
- ..بلاوى الاهية...
- بمناسبة الشهادة الثالثة في الزمن الأوتونومي للحركة الثورية ا ...
- اشعِلُوها، انه 17 ديسمبر، طوني ناغري ومايكل هارت
- على شرف الحب/ad honores
- كْلوبان-كلوبُن /clopin-clopant


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - صلاح الداودي - المترجم كساعي بريد: من تقديم ترجمة كتاب طوني ناغري -الفن والجمهور-