محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 4317 - 2013 / 12 / 26 - 00:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كم هم أسري لتصوراتهم الهزيلة , وأفكارهم المعتلة , ورؤاهم المخبولة ؛ وكم هم بؤساء مساكين لايعرفون للسعادة سبيل , ولا للفرح طريق .. يعتقدون إعتقاداً جازماً , لايحيد أبداً عن أن آلهتهم لاتفرح أبداً إلا إذا سالت دماء المخالفين" للآلهة "و " لهم " , من طلقة من مسدس سماوي , أو بندقية أو قنبلة أو شحنة ناسفة , مقروء عليها بعض من الآيات المقدسة , ولن تسعد آلهتهم , إلا إذا تطايرت الروؤس أو تم جزها بسكين , أو سيف بتار من سيوف التراث المقدسة ..
هكذا هم يؤمنون بأن لآلهتهم , لن تسعد إلا إذا صارات الأمهات حزاني , والزوجات أرامل , والأطفال أيتام ..
كل هذه الجرائم تتم إرضاء لآلهتهم التي تسعد بهم , وبعبواتهم الناسفة شديدة الإنفجار حين تبدأ في تدمير مبني أو مؤسسة أو وزارة أو مركز من مراكز الشرطة أو أقسام البوليس , أو وحدة من الوحدات العسكرية ..
بالفعل , وحسب منطوق إيمانهم هم , وحسب مقروء معتقدهم هم , وحسب تفسيراتهم , وتأويلاتهم , هم , فإن آلهتهم تحرضهم علي الدم والقتل والإرهاب لكل من خالفهم , وخالف دينهم ؛ وكأن آلهتهم لا تهنأ إلا بذلك , وكأنها لاتسعد إلا بالدماء والتشهي برؤيتها , فهكذا هم , وهكذا آلهتهم , ترفض كل الآلهة الأخري , وتري أنها آلهة مزيفة مزورة , مصنوعة من عجينة الكذب , ومخلوطة بماء الزيف , وأن أتباعها لايستحقون إلا القتل , أو النفي , أو السبي , أو إتخاذهم عبيداً يباعوا ويشتروا ..
هكذا آلهتهم , دوماً في صراع مع الأغيار , منذ أن وجدت , وحتي نهاية الحياة , فالدم والأشلاء والتفجيرات والقتل أسلوب حياة متبع لعقيدة أتباع هذه الآلهة التي لاتعرف السلام أو المحبة أو العدل إلا داخل داوائر أتباعها وفقط , وحتي دوائر أتباعها , تغيب عنهم هذه المفاهيم , لأنها اختلفت فيما بينها حتي في حقيقة آلهتها , وفي حقيقة معتقدها الإيماني , وصارت فيما بينهم العداوة والبغضاء والكراهية والقتل والتفجيرات يومياً , لدرجة أن دور العبادة لم تبرأ ولم تنجو من التفجير , والسبب معلوم بالحتم والأكيد ..
في منطقة الشرق الأوسط , وتحديداً المنطقة العربية التي وعدت بالديانات الإبراهيمة الثلاث , لم تهنأ أبداً بالأمن والسكينة والسلام , ولم يتحقق في ربوعها العدل والمساواة والكرامة الإنسانية إلا لحظات تمثل ومضات في عمر التاريخ الإنساني , حيث الإستبداد الديني , والحروب الدينية , والصراعات السياسية المغموسة في حبر المقدس الديني , وجرائم القتل والحرق والإتلاف ,والحروب وجرائم الإبادة الجماعية , كانت شاهدة , ومازالت تشهد , علي منطقة الشرق الأوسط , وفي القلب منها المنطقة العربية , والتي لم تهدأ فيها الصراعات يوماً واحداً من الأيام , وكأن الديانات الإبراهيمية الثلاث , بمثابة وقود لا ينتهي لهذه الصراعات والحروب , سواء بين الديانات الإبراهيمية الثلاث , أو بين الطوائف والمذاهب والفرق المتفرعة منها, والتي مازالت مشتعلة بنفس الوقود الديني المقدس لديهم حتي الأن ..
والسؤال : لماذ منطقة الشرق الأوسط التي لم تنطفيء فيها شعلة الصراعات الدينية بخلفيات سياسية , أو الصراعات السياسية بخلفيات دينية , حتي الأن , وهل الديانات الإبراهيمية لها دور في ذلك ؟!
مازلت أسير الحزن والألم لما يحدث في مصر , والمنطقة العربية من جرائم تحتمي بالمقدس الديني , والتي تؤمن بالمبررات لها عبر سطور مقدسة يتم إجتزاؤها , وتوظيفها توظيفات إرهابية مؤمنة بالقتل والحرق والإتلاف والتبديد , ورافضة لكل الأغيار للمعتقد الديني , والأغيار في الطائفة والمذهب والفرقة داخل دائرة الدين الواحد ..
مازال المنتمين للجماعات الدينية يؤمنوا بأن العدل هو الله , وأن الحق هو الله , ولكنهم , يبدون , وكأنهم لايؤمنون بأن السلام هو الله !!
فمازالت قيم الحق والعدل والمساواة بترجماتها الحديثة المتمثلة في المواطنة , والمساواة في المواطنة , وتكافوء الفرص , والعدالة الإجتماعية , لايمكن لها أن تتحقق من غير الديمقراطية , والعلمانية , والمجتمع المدني الذي تبني علي قواعده الدولة المدنية , فمن غير المقبول في القرن الــ 21 , أن تكون هناك مفاهيم تحاول هدم أو إزاحة أو إقصاء هذه المفاهيم , سواء علي المستوي المحلي الوطني , أو الإقليمي أو الدولي ..
الباحثون دوماً عن آلهتهم , ويبتغون لها أن تتسيد علي الإنسان والكون والحياة والأشياء واهمون حقاً , ولن يكون لآلهتهم ما أرادوا لها , أو ماتريده آلهتهم , فمعني سيطرة إله من الآلهة علي الإنسان والكون والأشياء , بمثابة الوصول إلي نهاية المطاف لمنظومة العقل والقيم والأخلاق , وهذا معناه , وببساطة شديدة , نهاية الإنسان والكون والحياة والأشياء , وهذا مايسمي في المعتقد والمفهوم الديني " القيامة " !
والإيمان بالقيامة , يتساوي مع الإيمان بالحياة لديهم , بل وفي الغالب يكون الإيمان بالقيامة أعلي وأسمي هدف وغاية من الممكن أن ينالها الباحثون عن تسيد آلهتهم , التي من أجلها يسهل وتهون أرواحهم كفداء من أجل الآلهة , وسرعة الإلتقاء والتماس علي خط القيامة , إنتظاراً للثواب المؤجل في القيامة , وهذا مايتغياه أصحاب تسيد الآلهة علي الإنسان والكون والحياة والأشياء !
ولذلك فإن الأرواح تهون , والأجساد تفني وتباد, من أجل الآلهة , ومن أجل القيامة , وهذا كله من أجل إفناء وتدمير المختلف أو المغاير في الدين والمعتقد والطائفة والمذهب أو حتي الجماعة ..
في هذه الحالة يتم السير بإتجاه الفناء , حيث ينعدم الإيمان بالحق في الحياة , وتنعدم حرياته , وكرامته , ويستباح دمه وماله وعرضه وشرفه العقلي والأخلاقي , وكل هذا يكون للمخالف في الدين , والمغاير في المعتقد , وتستمر مرحلة الصراعات , من أجل الحفاظ والإبقاء علي التراث , والنظر بعين الشك والريبة لكل ماهو جديد وعصري , بإعتباره مضاد ومتناقض مع القديم أو التراث , إمتثالاً لقاعدة : ليس في الإمكان أبدع مما كان , وقاعدة كل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار , والكثير من المرويات في هذا الشأن تدلل علي دحض الجديد والحديث , ليس في فنون التفسير والتأويل الديني فحسب , ولكن في شتي مناحي الحياة بعلومها وفنونها الحديثة , وأظن أننا مازلنا في أسر هذا المنطق الظلامي الرجعي المتشائم من الحداثة , بل والكافر بها وبكافة علوم وفنون العصر الحديث ..
بمعني أننا وحسب رؤية فريدريك نيتشة , مازلنا في المرحلة المظلمة , ويتبقي لدينا مراحل أخري لم نتجاوزها بعد .. بالرغم من أننا نتماس مع باقي المراحل في جزئيات تتشابه مع واقعنا المزري المنحط , الذي يعلق كل الأخطاء والخطايا , وكذلك المخاطر والأخطار بأسباب تأصيلها يعود للإبتعاد عن القديم , وعن التراث , أو بمعني أشد صراحة , الإبتعاد عن المقدس السماوي المتماس مع المقدس الأرضي عبر الأنبياء والرسل والكتب الإبراهيمية المقدسة , ولذلك وحسب رؤية المدافعين عن الآلهة , وحماتها , فإن البؤس والشقاء والفقر والمرض والكوارث والنكبات مرجعيتها كامنة في إقصاء تلك المقدسات ..
وإذا كانت أوروبا سبقت منطقتنا العربية بتخومها الإعتقادية الإبراهيمية , وأننا مازلنا في الخلف والمؤخرة الحضارية , بالقياس لأوروبا من ناحية المراحل التي مرت بها وصولاً إلي ماهي عليه الأن ..
وحتي التأريخ للعدمية الأوروبية , كان مثار للعديد من التناقضات التي أثرت العقل الأوروبي بما يتمتع به من مناخ الحريات الفردية التي صنعت عقل أوروبا المنتمي للإنسان وجغرافية المكان , وليس العقل المنتمي للغة أو دين , وهذا هو الفارق الأساسي أو الموضوعي بين أوروبا , وبين المنطقة العربية , والتي يصل في مرحلته الرابعة من تاريخ العدمية الأوروبية إلي مرحلة الكارثة , والتي قصد منها , ظهور عقيدة تغربل الناس , وتدفع الضعفاء والأقوياء إلي إتخاذ القرارات ..
وهذه القرارات أراها تؤثر في القوة والضعف , والفقر والثراء , والعدل والعدالة , والحرية الفردية والحريات الإجتماعية في مواجهة التراث , والمقدس , بما يحملانه من كافة أسانيد الوصاية علي العقل , بل , والوصاية علي الجسد كذلك , بجملة من المحرمات العقلية الإعتقادية المتعلقة بالإيمان , وجملة من المحرمات اللصيقة الصلة بالجسد في الطعام والشراب واللباس , وأعلاها الأمور الجنسية ! , حيث الجزاء المؤجل متعلق بالتمتع بالطعام والشراب وممارسة الجنس مع الحوريات , و يتم حرمان المخالفين والأغيار من هذه المتع المؤجلة للقيامة والحساب !
حيث يري فريدريك نيتشة أن تاريخ العدمية الأوروبية مر بأربعة مراحل , أولها المرحلة المظلمة , وجرت فيها محاولات شتي للمحافظة علي القديم , ولعدم ترك الجديد يفلت .
ومرحلة الوضوح , وتم إدراك أن القديم والجديد نقيضان أساسيان : فقد تولدت القيم القديمة عن الحياة الهابطة , والقيم الجديدة عن الحياة الصاعدة _ من المفهوم أن المثل الأعلي القديم نقيض الحياة ( جاء نتيجة الإنحطاط , وهو يحتم الإنحطاط , وإن كان مزيناً ببهارج الأخلاق ) . إننا نفهم الأمور القديمة , وقوتنا أبعد من أن تكون كافية من أجل الأمور الجديدة .
مرحلة الأهواء الثلاثة الكبيرة : الإحتقار , والشفقة , والتدمير .
مرحلة الكارثة : ظهور عقيدة تغربل الناس ... وتدفع الضعفاء إلي إتخاذ القرارات , وكذلك الأقوياء (1)
غالباً الأقوياء يحاولوا السيطرة علي الضعفاء بمفاهيم دينية ملتبسة بأمور سياسية يتم الترويج لها عبر وضاعة المفاهيم وسلسلتها اللاأخلاقية حتي الوصول بوضاعتها إلي حالة المعتقد لتتساوي تلك المفاهيم السياسية , وتبدو وكأنها دينية , ومن يخالفها يستحق الجزاء الدنيوي الآني عبر الأوصياء, وفي إنتظار الجزاء الأخروي المؤجل عبر تسيد المقدس السماوي ..
ولذلك صارت العلمانية المؤسسة علي المواطنة والمدنية والديمقراطية وثقافة الصندوق الإنتخابي حيث التقييم علي أساس المواطنة والمساواة بين المواطنين وتكافوء الفرص , والحريات الفردية والإجتماعية , من أشد أعداء نظم الإستبداد الديني والسياسي علي حد سواء ..
إذ أن كافة الأنظمة السياسية لاتخلو من وجودها واستمرارها علي أجنحة دينية تؤسس للإستبداد , وتجرم مجابهة الأنظمة الإستبدادية , ورموزها , وهذا مانراه في المنطقة العربية , منذ زمن بعيد وحتي الأن , وهذه الأنظمة وحسب ماترمي إليه من أسباب لإستمراها في الوجود تؤسس علي مفاهيم دينية , تسعي للإنتصار لعقيدة دينية وحيدة , علي أشلاء العقائد الدينية الأخري , وهذا يتم في السر عبر الأجنحة الدينية لأنظمة الإستبداد , أما في العلن فتظهر معاني أخري متسمة بالسماحة وقبول الأخر , ورفض التمييز الديني والطائفي , وهذه قمة في الحقارة والوضاعة اللأخلاقية ..
وهذه الأمور تتم عبر الفرز الطائفي والغربلة الطائفية لأنصار العقيدة الواحدة عبر الطائفة أو المذهب أو الجماعة الدينية , ليتم إنتاج القوانين والدساتير , بل والنظم واللوائح , لتكون خادمة في النهاية للإستبداد السياسي بجناحه الآخر الديني !
والغربلة أو الفرز الطائفي بمثابة كارثة , ومازلنا نعيش البؤس والشقاء والدم والقتل والحرائق والإتلاف والتبديد , علي خلفيات العنف والإرهاب الديني , الذي أراه بمثابة أقسي وأسفل وأحقر أنواع الإرهاب علي الإطلاق , لأن غايته تنتسب للمقدس السماوي , بما له من أوامر نافذة علي الروح والجسد , وهذه الإرادة حسب التراث الديني ومفاهيم المقدس السماوي , تؤسس لحياة أخري أبهي وأروع وأجمل في حالة تنفيذ أوامر ه , بقتل أو إرهاب الأغيار والمخالفين في الدين والمعتقد , و تتعداها إلي قتل وإرهاب المؤمنين داخل دائرة الدين الواحد , ويرجع ذلك للإختلاف في الطائفة والمذهب والجماعة الدينية داخل إطار الدين الواحد , فكيف بالأغيار والمخالفين من الأديان الأخري !
والسؤال : كم تكون النسبة بمقارنة المنطقة العربية جغرافياًَ , بباقي أركان المسكونة , من حيث الإرهاب الديني , والإستبداد , والطغيان والفساد , ومايتبعهم من فقر وجهل ومرض , وحتي بالنسبة للجرائم الأخلاقية !
(1)إرادة القوة _ صـ 18 , ترجمة محمد الناجي _ الناشر أفريقيا الشرق 2011_ الدار البيضاء _ المغرب _ نسخة إليكترونية
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟