|
واقعية أم ذرائعية : محاولة في فهم السلوك السياسي لليسار التقليدي في تونس
توفيق السالمي
الحوار المتمدن-العدد: 4316 - 2013 / 12 / 25 - 20:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
واقعية أم ذرائعية ؟ محاولة لفهم سلوك اليساريين . يطرح الكثيرون من المنتسبين فكريا وسياسيا إلى المجموعات اليسارية، بشكل تبريري، السلوك المتلحف بلحاف الواقعية ويعتبرون ذلك سلوكا سياسيا واقعيا يقطع مع الجمود العقائدي والانعزالية والعمل الحلقي وربما نزلوه ضمن تكتيكات العمل العلني أو نصف العلني أو ما شابه ذلك من التخريجات . يتمثل الطرح في أن ضعف اليسار العددي وعدم قدرته، تبعا لذلك، على إنجاز حلمه في الثورة يستوجب منه على قاعدة الواقعية أن يوسع الجبهة الديمقراطية في مواجهة المشروع الديني الذي لا يتردد أغلبهم في وصفه بطريقة بباغوية بالمشروع الفاشي ويذكرون في سياق تقديم هذا الطرح العبقري أنهم، هم وأحزابهم، لا يجمعهم باليمين الليبرالي شيء وأن هذا اليمين يمكن الاتفاق معه في الحد الأدنى، بل يمكن، وهذا هو المهم، التفاهم معه، في مقابل استحالة التعامل مع اليمين الديني لأن مشروعه ظلامي قروسطي فاشي متخلف، هكذا ضمن سلسلة من النعوت المتهافتة والتي لا تدل إلا على صبيانية سياسية وفكرية قل نظيرها. وسنحاول في هذا النص تناول هذا الطرح بالشرح كما بالرد. تمثل الواقعية أول رافعات هذا الطرح . والواقعية عند أصحاب هذا الطرح تترجمها خمس مستويات هي : الوضع العالمي. الوضع الداخلي. ضعف اليسار. فاشية العدو. القدرة على التفاهم مع العدو. ينظر الرفاق إلى العالم من خلال حالة الاهتياج التي تعتريهم وهم يستهلكون أنواع الخدر الدعائي الامبريالي، هذه الدعاية التي مثلت إلى حد كبير جدا مصدر تمثلهم للعالم، بدل ما يدعونه من امتلاكهم لآليات التحليل المادي الجدلي. والمقصود بالعالم هو الامبريالية تحديدا. تقوم الدعاية الامبريالية على دك حصون الأمل بالتغيير وهدم الوعي التاريخي الذي يؤكد دائما على أن الرأسمالية سائرة إلى حتفها ونهايتها وأن ذلك حتمية تاريخية تماما مثلما انهار الاقطاع وانهارت من قبله العبودية. وفي مقابل هذا الهدم فإن الدعاية الامبريالية تؤكد دائما على أن دولها هي من القوة بحيث يستحيل الانتصار عليها، بل إنها تتعدى ذلك ساعية نحو ترسيخ فكرة أن الشعوب لا تستطيع أن تعيش خارج العلاقة مع المراكز الامبريالية العالمية لأنها بدون هذه العلاقة ستجد نفسها على عتبات الجوع وفي مستنقعات الفوضى والانهيار الاقتصادي والتقهقر نحو البدائية وحياة الغاب. تتكئ واقعية الرفاق العالمية على عدم القدرة على إنجاز الثورة بسبب جبروت الامبريالية وقوتها التي لا تقهر فهي قادرة في رأيهم على الوقوف سدا منيعا بما لها من قدرات في وجه أي تغيير ثوري. تعتبر حجة الوضع العالمي الذي يمنع من انجاز الثورة حجة عالية الضعف ويستغرب المرء كيف يمكن لعاقل أن يلجأ لاستعمالها. إن أول ملامح سخف هذه الحجة هو أن الوضع العالمي لن يتغير من تلقاء نفسه، فلن يرق قلب الامبريالية فتغير شروط وجودها فتضعف من أجهزة استخباراتها وجيوشها وتدير ظهرها لعملائها وتقطع معهم حبل الود والحماية حتى يتمكن يساريونا من إنجاز ثورتهم. إن شروط وجود الامبريالية هي شروط موضوعية لن تتغير بل إنها ماضية في تحصين هذا الوجود عبر تطوير قدراتها الاستخباراتية والدعائية والعسكرية والوضع مرشح مستقبلا لمزيد من الشدة والتصلب، وعليه فليس في وسع الرفاق غير التحول عن سبيل الثورة المستحيل والاتجاه نحو التظلل بظل الاشتراكية الديمقراطية الفاسدة . ينضاف إلى ما تقدم ما حصل من ثورات وتغييرات في العالم لم يتمكن هذا الوضع العالمي من منع حصولها. لقد مثلت الثورة الكوبية على مدى سنوات شوكة في حلق الامبريالية الأمريكية ولم تتمكن هذه الامبريالية من الإطاحة بها سواء قبل تفكك الاتحاد السوفياتي أو بعده . فرغم الحصار الاقتصادي والتهديد العسكري المتواصل فقد ظلت كوبا بلدا خارج سيطرة الامبريالية العالمية. كما أن التغيير الذي حصل في إيران سنة 1979 والذي هز عرش وكالة الاستخبارات الأمريكية لما كانت تمثله إيران من دور حيوي في استراتيجية التجسس الأمريكي على الاتحاد السوفياتي قد أثبت عجز الامبريالية العالمية عن إيقاف التغييرات السياسية . فلقد احتل الطلبة الإيرانيون بعيد الثورة سفارة الولايات المتحدة الأمريكية وتم القبض على أعضاء السفارة وإيقافهم لمدة 444 يوما لم تستطع الولايات المتحدة خلالها غير تشغيل أجهزة مفاوضاتها. كما مثلت الثورة الشعبية في فينيزويلا بقيادة هوغو شافيز مثالا واضحا عن إمكانية التغيير في هذا الوضع العالمي إضافة إلى التغييرات الحاصلة في بوليفيا والبرازيل ونيكراغوا... ولسنا في حاجة إلى التذكير بأن الثورتين الروسية والصينية لم تنجزا في المكاتب الفخمة وعلى البسط الناعمة . سيسارع الرفاق، بكل تأكيد، إلى قذفنا بسهام واقعيتهم فيوقظون غفوتنا بتذكيرنا بأن إيران وفينيزويلا بلدان بتروليان وسينسون بقية الأمثلة. ولكن ليكن ذلك ولننس معهم بقية الأمثلة ولنحلل الحجة البترولية. نعم يمكن أن يمثل البترول بما هو مادة ثمينة فرصة للمساعدة على صمود التغيير ولكنه ليس سوى عامل من جملة العوامل. وإذا كانت الثورات تنجز بالبترول والجغرافيا، فهم سيذكرون لا محالة عمق روسيا والصين الجغرافي، فالأولى برفاقنا أن يدرسوا الجغرافيا البشرية والطبيعية بدل المادية الجدلية والمادية التاريخية. إن العامل الإرادي عامل مركزي في كل تغيير وما بقية العوامل سوى مساعدات أو معطلات. وما الحديث عن البترول والمساحات الشاسعة سوى تبرير لدرجة التقهقر الذي تعرفه هذه الأحزاب في استراتيجات عملها. ويضيف الرفاق إلى واقعيتهم العالمية واقعية محلية ذات خصوصية فلكلورية تذكر بالجبة والمشموم. وقوام هذه الواقعية أن الشعب التونسي لا يتقبل الخطاب الثوري وهو شعب متدين منساق وراء الأحزاب الدينية بحسب طبيعة ثقافته. إضافة إلى عدم وجود طبقة عاملة فضلا عن انعدام وجود الطبقات المفقرة ضمن أحزاب اليسار. يا للرعونة !!! كم يجب من قول ؟؟ عندما لا يفهمك الشخص الأول فيمكنك من باب التجوز أن تعتبره مسؤولا عن عدم فهمه ولكن عندما يتكرر معك الأمر فما عليك إلا أن تبادر إلى مراجعة نفسك بدل أن تلقي التهم على الآخرين ... ذلك هو حال الذين يتهمون الشعب بعدم تقبل الخطاب الثوري. فهل سألوا أنفسهم: هل أن خطابهم ثوري فعلا أم هو مجرد كلام لا معنى له؟ الخطاب الثوري هو الخطاب الذي يجتمع حوله الشعب. وللعلم فإن الشعب مجتمع ومجمع حول الخطاب الثوري . فهل طالب الشعب بغير المساواة بين أفراده مساواة تامة في شروط الحياة؟ وهل طالب الشعب بغير الشغل والماء والكهرباء والبنية الأساسية وتعليم أبنائه ورعاية صحته وشيخوخة الشيوخ؟ أوليس هذا خطابا ثوريا يستدعي من المثقفين والأحزاب تنظيمه وترتيبه وبيان طرق تحقيقه؟ وهل من طرق لتحقيق ذلك غير التنظّم الثوري ونشر برامج التغيير؟ ماذا تريدون من الشعب؟ لعلكم تنتظرون منه أن ينجز الدراسات الضرورية ثم يبني التنظيم الثوري ويهجم على معاقل السلطة ثم يسلمكم إياها؟ الحقيقة أن الثوريين ليسوا ثوريين وأن خطابهم الديمقراطي والوطني وتداخل رؤاهم هي المسؤولة عن عدم فهم الشعب لهذا الخطاب وليس الشعب هو المسؤول. المعضلة الثانية في نظر رفاقنا هي معضلة تدين الشعب التونسي وانجراره بسهولة إلى الخطاب الديني. في هذا المستوى يتوجب التذكير بأن نضال الشيوعيين لا يتوجه إلى الدين في حد ذاته بل إن هدف الشيوعيين كان ولا يزال هدم علاقات الانتاج القائمة على الاستغلال والتي تحتاج إلى مبررات وملطفات لعملية الاستغلال عادة ما تجدها في تطويع الدين لقراءات السلطة فتجعله وسيلة لإقناع الناس بعبوديتهم وقبول انتهاك حقوقهم من قبل الآخرين بتعلة أن ذلك قدر من السماء. ولو توجه الثوريون مباشرة ،متخطين خطاباتهم الديمقراطية، إلى استهداف علاقات الانتاج القائمة ووعدوا بهدمها وشرحوا بديلهم لالتف حولهم الشعب، غير أن شيئا من ذلك لم يحصل وظل الرفاق غارقين في قراءاتهم الذاتية وصراعاتهم الكتبية عقودا وعقودا ثم يلومون الشعب. إن تدين الشعب لا علاقة له بفشل الثوريين كما أن عمل الثوريين لا علاقة له بالدين في ذاته. وعليه فلا مندوحة للرفاق سوى الاعتراف بأن ما يقولونه ليس سوى قضية مغلوطة من الأصل وأن خطابهم الأعرج هو المسؤول وحده عما لحق بهم ويلحق من إخفاقات. ثالث أضلاع المثلث عدم وجود الطبقة العاملة وعدم وجود العمال في الأحزاب الثورية؟؟؟ رب عذر أقبح من ذنب. ما الذي تتكلمون باسمه منذ سنوات؟ أليس العمال؟ حتى أن فريقا منكم سمى نفسه بذلك الاسم. فإذا لم تكن طبقة العمال موجودة فلماذا تتعبون أنفسكم بالحديث عنها؟ الحقيقة أن طبقة البروليتاريا قد تغيرت من حيث طبيعة وجودها لا من حيث وظيفتها، فقد اتسعت وشملت شرائح لم تكن منها في الأصل وهذا ما يسمى في العلم الماركسي اللينيني بالتبلتر. لقد حدث ذلك منذ عقود أي منذ أن انتقلت الرأسمالية من رأسمالية إلى امبريالية وانتقل محور الصراع من الصراع بين البروليتاريا الصناعية والبورجوازية إلى الصراع بين رأس المال المالي العالمي وبين الشعوب المتخلفة . فقد اتسعت الطبقة العاملة لتشمل كل الشرائح المجتمعية في المجتمعات المتخلفة عدا طبقة البورجوازية العميلة المأجورة التي تؤدي دورها الزبوني في سياق التقسيم العالمي للعمل. إن وجود طبقة العمال من حيث هي وظيفة في عملية الانتاج الرأسمالي أمر لا شك فيه. وعليه فعلى الرفاق البحث عن تعلة غير هذه تساعدهم على ستر عورات ذاتيتهم . القضية الرابعة التي دفعت برفاقنا إلى طاحونة الواقعية التي لن تبقي لهم على أثر أنهم يلهجون بضعف اليسار. إن مقولة ضعف اليسار لعلى درجة كبيرة من التهافت والسطحية . فمتى كان الثوريون يتحدثون عن اليسار واليمين؟ لقد تعلم الثوريون الدقة والوضوح وأهم ما تعلموه على الإطلاق مقولة الصراع الطبقي. لقد كان الثوريون يتحدثون دائما، ولا يزالون، عن الطبقة العاملة وعن مقابلها الجدلي طبقة البورجوازيين، ولم تكن في حساب مفاهيمهم الخاصة مفاهيم الشعب والوطن واليمين واليسار إلا إذا اتخذت بعدا طبقيا.لقد عجز الرفاق عن تحديد أحداثيات وجود الطبقة العاملة نظريا وانفلتت منهم ومن تنظيماتهم سياسيا وواقعيا فقالوا إنها لاتوجد وإن كانت موجودة فلا يجب التعويل عليها بل يجب التعويل على الإخوة البورجوازيين والبورجوازيين الصغار لتحقيق أهداف الطبقة العاملة ؟؟؟؟ إن مقولة ضعف اليسار هي مقولة كاذبة لأن اليسار لا يخوض صراعه بالأفراد المنتمين إليه سياسيا وثقافيا، بل إنه يخوضها باعتباره طليعة الطبقة العاملة وقيادتها وكل الشرائح الاجتماعية الملحقة بها. ولذلك فالضعف العددي للمنتمين إلى اليسار انتماءا فكريا وسياسيا لا يمثل أي عقبة وأي إشكال إلا إذا اجترحنا فهما عدديا للطبقات الاجتماعية وللصراع بينها ينزلنا ضمن موجة التوبة عن مقولة الصراع الطبقي والانبهار بأضواء الديمقراطية الغربية الامبريالية التي دشنت عصر العرب الجديد من سجن "أبو غريب" بالعراق. تمثل مقولة ضعف اليسار في الحقيقة ستارا يخفي ضعف "اليساريين" الذين يرفعونه. لقد عجزت المجموعات اليسارية التقليدية وخاصة مجموعات الوطد ومعهم حزب العمال عن الارتقاء إلى مرتبة الحزب الثوري لما يتطلبه ذلك، لا فقط من نضال وتنظيم، بل، وهو الأهم، إنجاز التخصيص النظري للنظرية العلمية على الواقع العيني والاكتفاء بالاستهلاك السلبي للكتب وترديد ما فيها دون وعي ولا تدبّر. ولهذا آن أوان الالتفات إلى التجاوز بما هو القراءة التاريخية التي تحدد طبائع المرحلة والدولة والمجتمع والثورة وترسم البرامج السياسية المناسبة لذلك وتضع التنظيم القادر على استيعاب المهمات التاريخية في الثورة ضد الامبريالية وبناء الاشتراكية. إن معركة العدد هي معركة الصناديق الديمقراطية التي سيظل اليسار فيها ضعيفا ولن يفرح بالفوز. فهل يعقل أن نتصور يسارا يرفع شعار التأميم وإعادة صياغة علاقات الدولة الخارجية على قاعدة التقدم نحو بناء الاشتراكية فائزا على أحزاب البورجوازية في امتحان ديمقراطي يعدونه بأنفسهم تصورا وتنفيذا؟ لذلك فمعركتنا ليست معركة عدد صغير ضد عدد أكبر منه يرجع إلى تمثل صورة عراك قبائل العرب في صحرائهم، بل هي طبقة ضد طبقة. ولأن المعركة هي كذلك فضعف اليسار نكتة وكذبة يحسن بكم ترديدها أمام الأغبياء فقط. المسألة الرابعة في واقعية الرفاق قولهم: إن السلطة القائمة هي سلطة فاشية لا يصلح معها غير توسيع القاعدة الديمقراطية والتقدمية في مواجهتها مع تأجيل حسم المسائل الطبقية إلى وقت لاحق. لقد كان أولى وأحرى بهذه العبقريات أن تساند بورقيبة وبن علي بدل معارضته لأن الواقع الذي يبررون به سلوكهم كان قائما ماثلا أمامهم. ألم يكن اليمين الديني يتربص بهم في كل آن وفي كل مكان؟ لقد كانت مقولاته وهو في المعارضة أشد تصلبا وأكثر تطرفا مما هي عليه اليوم، وكان صراعه على السلطة مع بورقيبة وبن علي من أجل مشروعه "الفاشي" أوضح من أن يتم توضيحها وشرحها. فلماذا لم تُستعمل هذه العبقرية في بناء موقف مساند لنظام قادر على خنق المشروع الظلامي فيكون ذلك أفضل من مساندة يمين ليبرالي لا يعدو أن يكون لاعبا احتياطيا ضمن لاعبين آخرين لسلطة عميلة؟ كما أن مساندة شق اليوم والوقوف ضد شق آخر ليس له ما يبرره . فإذا كانوا واقعيين سابقا كما هو حالهم اليوم غير حالمين يسراويين بورجوازيين صغارا فهم اليوم وقد تغير حالهم ليسوا سوى انتهازيين مرتدين عن مبادئ الصراع الطبقي. وإذا كانوا غير واقعيين سابقا فقد كان عليهم تقديم نقد ذاتي يرفعون بمقتضاه تهمة الفاشية عن بن علي وترسيمه على جدول الوطنيين المخلصين مع الاعتذار له خصوصا وأن صفة الفاشية قد فقدها وصار موصوفا سياسيا بلا صفة عندما انتقلت هذه الصفة إلى التيار الديني. ثم متى كانت أشكال الدعاية والتنظيم والارتداد الفكري للبورجوازية نحو مقولات الهوية الوطنية والتمترس وراء الصراع العرقي والتلويح بالعنف وحسم القضايا السياسية بواسطة الحرب، وهي السمات العامة للفاشية، دافعا للشيوعيين نحو تغيير استراتيجياتهم الثورية. إن التيار الديني المرتقي توا إلى السلطة ليس سوى وجها من وجوه البورجوازية العميلة التي ترعى مصالح الامبريالية وإذا كانت تتفق مع الفاشية في بعض القواسم فإنها تختلف معها جوهريا. فالفاشية حركة قومية ذات نزعة تسلطية دكتاتورية في الداخل استعمارية في الخارج. وشتان بين من يبحث عن المجال الحيوي لتصريف بضاعته ورأس ماله عبر السعي لاحتكار الأسواق، وبين من يسعى لتمهيد أرضه لتغزوها سلع الغير ورساميله وقواعده العسكرية. إن نعت التيار الديني بالفاشي نعت ضعيف جدا من الناحية العلمية إلا متى كان ذلك في سياق التعبئة الشعبية التي لا يجب أن تؤثر على فهم مجريات الأمور في الواقع. آخر الحجج لطرق سبيل الواقعية عند الرفاق الواقعيين ومن اقترب من رأيهم القول بالقدرة على التفاهم مع العدو الأقل شراسة وذي الطبع الديمقراطي والبرنامج غير الفاشي الذي يمكن أن نلتقي معه حول ما يسمونه الحد الأدنى. واقع هذه الحجة أنها حجة ضدهم بالكامل. فالعدو الذي قلتم أنه لا تجمعكم به صلة لا يمكن على هذه القاعدة أن تجتمعوا معه في معركة كبرى مثل المعركة التي تزعمون أنكم تخوضونها. وهذا العرض المهتز يذكر بإنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية بالتحالف مع البورجوازية الوطنية، ضد من؟ نحن لا نعرف. ولجماعة هذا الطرح أن يفهمونا ضد من ستنجز الطبقة العاملة ثورتها إذا كانت البورجوازية ستكون في معسكرها. لا بد أنهم سيقولون إن هذه الثورة ستكون ضد كبار الملاكين العقاريين المرتبطين بنمط الانتاج الإقطاعي. غير أن هذا القول يشبه قولك إنني سأغسل وجهي بالماء لأجففه بالتراب. فالطبقة العاملة هي حجر الزاوية في أي حديث عن نمط الانتاج الرأسمالي ومهمتها التاريخية هي قبر البورجوازية من خلال القضاء على نمط الانتاج الرأسمالي . إن الحديث عن إمكانية التفاهم مع اليمين الليبرالي على مواجهة "فاشية اليمين الديني" هو كالحلم بالتحالف مع الأبناء لقتل أبيهم. فاليمين الليبرالي الذي ظل على مدى عقود يقدم خدماته لفائدة الامبريالية من جهة ويمارس قمعه على أبناء شعبنا لا يمكن لوطنيته ورقة مشاعره أن تستيقظ فجأة لتصبح معبرا لهذا الشعب نحو تقدمه ورفاهيته. كما أن برامج هذا اليمين لا يمكنها أن تمثل رافعة لأهداف هذا الشعب فصناديق الإقراض العالمي هي حجر الركن في برامجه الاقتصادية ولن تكون سياسته العامة غير مواصلة نهج الخضوع من جهة وسبيل القمع من جهة ثانية. فكيف يمكن مبدئيا التفاهم معه لاحقا؟ سيقولون إنه الصراع معه عندئذ على قاعدة البرامج. ولكن لماذا لا تصارعون الآن على قاعدة البرامج؟ خاصة وأن الوضع شديد التأزم وهو عامل مساعد على خوض النضال "الديمقراطي" الذي وعدتم به منذ سنين. فهل تتصورون وضعا ديمقراطيا تصارعون فيه نمورا ورقية يمكنه أن يحدث في أي لحظة من التاريخ؟ إذا كان هذا تفكيركم فنحن نعتذر عن تصديق هذا الوهم المحض. لكل ذلك فإن شعار الواقعية هو شعار زائف لم يرفع إلا للتغطية عن العيوب الجوهرية التي إما هي مجهولة عند رافعي الشعار أو هي مطموسة عندهم لأنها إن أثيرت على الوجه الصحيح ستعصف بكياناتهم السياسية المتهالكة والآيلة للسقوط ولا تنتظر إلا من يدفعها لتنهار، وهي تشبه سلطة القياصرة التي شبهها لينين بالجدار القديم الذي لا ينتظر غير دفعه لكي يسقط .
توفيق السالمي باحث في الحضارة القيروان
#توفيق_السالمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السيستام هو المشكل
-
مأساة الطرح الديني بين الأسس المتعالية ومأزق النزول الأرضي .
-
الإخوان والعسكر يفسدون الثورة
المزيد.....
-
أوكرانيا تعلن إسقاط 50 طائرة مسيرة من أصل 73 أطلقتها روسيا ل
...
-
الجيش اللبناني يعلن مقتل جندي في هجوم إسرائيلي على موقع عسكر
...
-
الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات ب
...
-
اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
-
الجيش اللبناني: مقتل جندي وإصابة 18 في ضربة إسرائيلية
-
بوريل يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتطبيق مباشر للقرار 1701
...
-
فائزون بنوبل الآداب يدعون للإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صن
...
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
مصر تبعد 3 سوريين وتحرم لبنانية من الجنسية لدواع أمنية
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|