|
مصيبتنا عويصة حقا
إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)
الحوار المتمدن-العدد: 4316 - 2013 / 12 / 25 - 18:10
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
فساد مستطير ومعضلات مستعصية الحل في مختلف القطاعات، هذا أصبح الناس لا يعرفون قبيلا من دبر أمام استفحال هذا الفساد المستطير واحتداد آلياته نخب متكلسة ودهاء القائمين على الأمور في ابتداع آليات جديدة تتماشى مع العصر وتتقمّص أثوابا جديدة توهم بالإصلاح والتغيير، وفي العمق تظل لقمان على حالها، ويبقى الفساد ينخر المجتمع، وبذلك تظل مصالحهم ومواقعهم محفوظة. بل الأدهى والأمر، هو ملاحظة تقعيد الفساد أكثر بدعوى الاستجابة لمطالب الشعب، وفي كل مرّة يتم بها تقعيد آليات الفساد باسم "الإصلاح والتغيير"، يزداد الفساد قوّة وتمكُنا في المنظومات السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، وبذلك يطمئن القائمون على الأمور على مصالحهم وجشعهم أكثر من السابق. وهكذا يمكن ملاحظة كيف صفّق المغاربة على ثلّة من الإجراءات في السنوات الأخيرة، إذ اعتبروها تقدما وإنجازا غير مسبوق، علما أنها ساهمت من حيث لا يدرون في تقعيد آليات الفساد بشكل أقوى وأضمن على الاستمرار. لذلك لاحظنا وعاينا أن "جهابذة" الفساد والإفساد سارعوا وتألقوا أحيانا في أخذ المبادرة ليستبقوا الأحداث ويحبسوا مدّ المطالبة بتغيير حقيقي، فيعلنون عن تغييرات هنا وهناك علما أنها كانت موضوع مطالبة مستمرة في السابق لكن تم تجاهلها وعندما "سخن الطرح" – كما يُقال- هم الذين أخذوا المبادرة. لكن الغريب في الأمر هو أنه كلّما تمّ تحقيق خطوة على درب ما يسمى بــ "الإصلاح والتغيير" ، نعاين بروز المزيد من الإسفاف وإخلاد الأقلية المترفة إلى ترف أكثر وتملق أوسع، وازدادت الهوّة السحيقة بين الثراء الأقصى والفقر الأقصى، وبذلك يتجلى وهم التغيير الفعلي. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، بالرغم مما يقال عن المفهوم الجديد للسلة منذ 1999، فمازالت وزارة الداخلية ، في واقع الأمر، هي الدولة والدولة هي الداخلية، ولا أدلّ على ذلك أن رئيس الحكومة كثيرا ما صرّح أنّ لا علم له –نهائيا وقطعا- بخصوص صناعة القرار المرتبط بتفعيل هراوات الأمن ضد المحتجين العاطلين في كل فترة وحين. فما زالت الداخلية هي "دار المخزن" وليست وزارة ضمن الوزارات الأخرى المشكلة للحكومة، والتي من المفروض أن تكون تحت إمرة رئيس الحكومة، وليس خارج دائرته وبعيدة عن أنظاره. الداخلية مازالت، في جوهرها، هي هي، وبالتالي فإن جوهر ولبّ المفهوم الجديد للسلطة قد سقط في الماء، أراد من أراد وكره من كره، وهذا ما يبرهن عليه بجلاء الواقع اليومي المعيش. إن وزارة الداخلية اليوم هي مجال محفوظ للمخزن، وأن الوزراء السياسين، الذين مرّوا منها، كانوا في العموم، مجرد "كومبارس" ليس إلا. فجوهر "عقيدة" الداخلية لم تتغيّر، إنها "عقيدة" السلطة المطلقة، وسلطة القهر، وسلطة القمع، وسلطة قطع الأرزاق، وسلطة تضييق الخناق، وسلطة الاستعمال المفرط للقوة للتصدي لكل مشروع تغيير حقيقي. مازال هذا هو جوهر "عقيدة" وزارة الداخلية. وبلغة النخبة، إنها عقيدة "هيمنة" الدولة على المجتمع، وهيمنة الإدارة الترابية على كل القطاعات الأخرى، ولن تتغير "عقيدة" وزارة الداخلية القائمة حاليا إلا بسيادة دعائم سيادة الحق والقانون، وهذا أمر مازال غالبا عن العقلية المتحكمة في وزارة الداخلية. وذلك رغم جلوس أكثر من وزير على كرسي الداخلية بعد إدريس البصري الذي التصقت مؤخرته بذلك الكرسي دون أن يتزحزح. لقد جلس بعده على ذلك الكرسي، سبعة وزراء، ضمنهم واحد حزبي لا غير، امحند العنصر الأمين العام للحركة الشعبية، لكن في مرحلته قاسم الكرسي مع الشرقي الضريس. ولعل أوّل خطوة وجب القيام بها على درب فطم وزارة الداخلية عن "عقيدتها" الحالية، تكمن في إعفائها من مهمة السهر على الانتخابات. ومن شأن هذه الخطوة أن تسهل تحقيق خطوات أخرى تليها لجعل وزارة الداخلية ككل الوزارات. لكن هذا الأمر لازال مستبعدا – إن لم يكن من قبيل المستحيل- ويبدو أن "المخزن" و"جنوده في الخفاء" لم ولن يسمحوا بهذا إلا مضطرين اضطرارا. ولنقولها بصراحة، إن إعفاء وزارة الداخلية من مهمة السهر على الانتخابات وتدبيرها، هو في حقيقة الأمر، سحب بساط التحكم من تحت أقدامها، وهذا ما لم يرد المخزن الوصول إليه مهما كان الأمر. وبالتالي على القوى السياسية الحية النضال بقوة واستماتة من أجل تحقيق هذا المطلب، وعليها الآن رفع شعار "سحب مهمة السهر على الانتخابات من يد وزارة الداخلية"، لأن التغيير يتحقق فعليا خطوة خطوة وليس دفعة واحدة، وهذا يحيلنا إلى القول بوجوب تفتيت شعار "التغيير" إلى شعارات جزئية محددة لا توفر للقائمين على الأمور إمكانية الاختباء وراء عمومية الشعار، وإنما تجعلهم أمام واقع الأمر، إما القبول أو الرفض دون أي هامش للمناورة ، وهذا من شأنه أن يسقط الأقنعة. هذا هو النهج الأنجع للتصدي لــ "طابو" وزارات السيادة. فكل ما يتعلق بالأمن العام والنظام العام، والحقل الديني، وكل هذا مازال ضمن المجال السيادي، وكذلك العدل رغم توافد الوزراء الحزبيين عليه، باعتبار ارتباط إمارة المؤمنين بالعدل، وكذا وزارة الخارجية التي ظلت خاضعة لخريطة عمل لا يمكن الخروج عنها - قيد أنملة – ولو كان الوزير حزبيا. فمادامت وزارة الداخلية تعتبر العلبة السوداء للمخزن، ليس هناك أمل قريب في تغيير حقيقي وفعلي في "عقيدتها" وعقليتها ونهجها. ولن يمكن انتظار تغيير إلا بحضور الإرادة الفعلية بضرورة الجمع بين "الأمني" و"التنموي"، وهذا ما ظلت تفتقر رؤية وزارة الداخلية للأمور وظل غائبا كليا في عقلية رجال السلطة. وفي ظل هذا الغياب لا يمكن أن تستقيم وظيفة رجل السلطة في ظل جوهر ولبّ المفهوم الجديد للسلطة، والذي يقوم على القرب والمواطنة وعلى تحريك عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية.
#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)
Driss_Ould_El_Kabla#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللاجؤون بالمغرب قضية ظل يحوم حولها الضباب الكثيف
-
فاضل بنعيش السفير الملكي بالمملكة الإسبانية
-
هل تصبح الجزائر قوة الفضائية في عام 2014؟ هل قمرها الصناعي ا
...
-
المغرب و-الناتو- أوّل -شريك- إفريقي ومغاربي
-
لا نكذب على أنفسنا الأوضاع الاجتماعية والمعيشية ليست على ما
...
-
بنكيران يستعين بأربعة حراس شخصيين هل أضحى الوزير الأول يخشى
...
-
نحصد ما زرعناه
-
تحريف التاريخ طريق مسدود الشباب الجزائري يتفاءلون بقرب سقوط
...
-
معضلة زواج المال والسياسة ومصيبة الجمع بين الحكم والاقتصاد
-
اتساع مقلق لمد التشيع لكن وزير الأوقاف اختار الصمت
-
-عداء مستدام- استراتيجية الاختراق الجزائرية
-
في خضم ماراطون السباق نحو التسلح لحفظ التوازن البحرية الملكي
...
-
ميزانية الجيش من التمرير مرّ الكرام إلى المطالبة بضرورة الزي
...
-
انتهت جولة -كريستوفر روس- الثالثة في الصحراء و لا مخرج واضح
...
-
السفير الأمريكي -دوايت ل. بوش-: -يجب أن نكون خائفين من الشبا
...
-
المغرب يغادر مجلس الأمن والسعودية ترفض كرسيّها به
-
قضية الصحراء الغربية: هل عزمت إسبانيا على كشف أنيابها وإسقاط
...
-
خطب الحسن الثاني النارية
-
قضية المدينتين السليبتين: سبتة ومليلية بين صمت الحكومة المغر
...
-
-من أجل مصلحة الوطن- مقولة حق أريد بها الباطل المستطير
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|