|
مسار قضية الصحراء المغربية في الدائرة الإفريقية .ج 2
محمد مزيان
الحوار المتمدن-العدد: 4316 - 2013 / 12 / 25 - 01:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ثانيا: انعكاسات انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية. طرح انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية ضرورة تدبير أفضل لعلاقات الرباط القارية بالشكل الذي يتخطى هفوات الماضي وانتكاساته الإفريقية. فواقع الحال أثبت أن المسار الإفريقي للمملكة قد ظل – منذ الاستقلال – محكوما بثوابت وقناعات سياسية لم تكن لتتوافق – في الغالب – وقناعات بقية المجموعة الإفريقية. فعلى مر العصور فقد كان المغرب فاعلا ومتفاعلا مع الأحداث الدولية خاصة مع إفريقيا جنوب الصحراء التي ظلت مستمرة مكرسة العمق الإفريقي لهذا البلد . وتجلت بشكل خاص خلال العصر الوسيط واستمر الوضع خلال العصر الحديث ليعرف بعض الخلل على عهد الاستعمار. لكن ما لبثت فكرة التضامن الإفريقي أن عاودت كل إفريقي، من خلال العديد من المؤتمرات التي ساهمت في فك العزلة على دول جنوب الصحراء . كما عمل المغرب على تأسيس علاقات ذات طابع سياسي مع عدد من دول إفريقيا جنوب الصحراء. والتي كانت تحكمها في أغلب الأحيان المصلحة السياسية، التي ارتبطت بقضية استكمال الوحدة الترابية؛ بدْءا بالقضية الموريتانية مرورا بالمطالبة بالأقاليم الصحراوية خلال حقبة السبعينات وانتهاء إلى نزاع الصحراء وتفاعلاته التي مازالت مخيمة على أجواء العلاقات السياسية بعد أن أخذ النزاع طابع التسوية الدولية عن طريق تنظيم الاستفتاء لتقرير المصير تحت إشراف الأمم المتحدة في مطلع التسعينات من القرن الماضي . وصولا إلى مقترح الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية الذي اقترحه الملك محمد السادس. غير أن قضية الصحراء و الاعتراف بجبهة البوليزاريو من طرف منظمة الوحدة الإفريقية كانت السبب المباشر لسحب المغرب لعضويته من المنظمة، لكن دون أن يغفل التحالفات السياسة والعلاقات الثنائية مع حلفائه الإستراتيجيين داخل إفريقيا جنوب الصحراء وهو ما ستتم مناولته بالتفصيل في هذا الفصل محاولين تحديد معالم السياسة الخارجية الإفريقية للمغرب، ومدى حرصها على إبراز دورها الإفريقي في دعم قضاياه وإنجاح مساعيه. يرى المتتبع للدبلوماسية المغربية أن المملكة لم تكن أكثر إفريقية، أكثر فاعلية على الواجهة القارية إلا بعد انسحابها من منظمة الوحدة الإفريقية غير أن هذا الانسحاب لم يكن دون تبعات ودون انعكاسات. فالنتيجة المباشرة تجلت في عزل المغرب عن محيطه القاري. يقول الحسن الثاني " لقد عبر لي بعض الزملاء الأفارقة أن الوحدة الإفريقية غير مكتملة بدون المغرب، نحن كذلك نعبر لهم عن أسفنا لهذا الغياب الاضطراري الذي أبعدنا عن محيطنا القاري نتيجة اعتراف المنظمة الجمهورية الصحراوية آمل أن نأخذ مقعدنا داخل المنظمة لكن، قبل ذلك علينا أن نتفق مسبقا حول عدد الدول الأعضاء بها" لتعويض هذا الفراغ كان على الخارجية المغربية أن تعيد النظر في قناعات وتوجهات سياستها الإفريقية ومن تم إعادة رسم امتداداتها قـاريا بالشكل الذي تظهر أكثر حسما، أكثر براغماتية أكثر مرونة . لذلك سارع المغرب إلى إعادة تطبيع علاقاته مع الدول التي سبق لها أن اعترفت بالجمهورية الصحراوية بعد أن كانت قد أغلقت سفاراتها كما حل رئيس الرأس الأخضر أرستيد ماريا بريرا بالمملكة في فبراير من العام 1987 . بينما صرح وزير خارجية ليبيريا بالنيابة خلال زيارته للرباط في ديسمبر 1986 أن حضور المغرب بأقاليمه الصحراوية قوي وفعال . أما تصريح وزير خارجية نيجيريا عند حلوله بالمملكة نونبر من العام 1986 فأكد أن على الرباط مراجعة قرارها بالانسحاب من المنظمة الإفريقية لأن حضورها سيذر نفعا عميقا على كامل إفريقيا رئيس الكونغو زار هو الآخر البلاد في فبراير 1987. زار الرباط رئيس حكومة سيراليون جوزيف موموه سنة 1987. كما قررت أنغولا والمغرب إعادة علاقتهما الدبلوماسية، ليزور الرئيس الأنغولي خوسي إدواردو سانتوس الرباط في نونبر من العام 1988 . وفي شتنبر من نفس السنة، زار موديبوكايتا وزير خارجية مالي، المغرب ويؤكد أن العلاقات بين البلدين واعدة لتعقبها زيارة دولة للرئيس المالي موسى تراوري إلى الرباط في يناير 1989 مؤكدا خلالها أن علاقات البلدين ستعرف دفعة جديدة، بالإضافة إلى زيارة رئيس النيجر علي صايبو سنة 1988. هذا وتوجت الفترة المتراوحة بين 1985 و 1988 بإضافة الرباط أزيد من عشر دول إفريقية إلى رصيد علاقاتها الدبلوماسية القارية وهي السيشل، جزر الموريس، بوركينا فاصو، زمبابوي، زامبيا، موزمبيق، تنزانيا، الصومال، إثيوبيا، والطوغو . وعليه، فخلال أربع سنوات عن انسحابها من المنظمة الإفريقية تمكنت الدبلوماسية المغربية بواقعية سياسية، بحزم وبمراهنة على علاقات التعاون الثنائي من تأكيد العمق الإفريقي للمملكة مجددا. على صعيد آخر نجحت الدبلوماسية المغربية سنة 1988 في احتضان أشغال القمة الفرنكو إفريقية بمدينة الدار البيضاء تلتها تحركات دبلوماسية أكثر إصرارا ومراهنة على استدراك ما خسرته الرباط على الواجهة الإفريقية توجت بزيارة "لماثيو كريكو" رئيس جمهورية البنين الشعبية للمغرب في يناير 1991 أعادت الدفء لعلاقات البلدين . تم كان التدخل المغربي في النزاع التشادي الليـبـي من خلال قمة مصالحة ثلاثية احتضنتها الرباط صيف 1990 تقرر خلالها لجوء الطرفين المتخاصمين إلى محكمة العدل الدولية للفصل في قضية شريط أوزو، وكان المغرب قد تدخل قبل ذلك للوساطة دائما بين سلطة الحكم المركزي في أنغولا وحركة أونيتا U.N.I.T.A . ثم بالصومال في إطار العملية الأممية لغوث الشعب الصومالي سنة 1990 والذي شردته الحرب الأهلية . وفي السنة ذاتها، استقبل الراحل الحسن الثاني رئيس حكومة جنوب إفريقيا فريدريك دوكليرك بعد الإصلاحات التي عصفت بالنظام العنصري لبلاد هذا الأخير. بالإضافة إلى تأسيس المملكة للوكالة المغربية للتعاون الدولي والتي تقدمت بمساهمات هامة في المشاريع الاقتصادية والتقنية والثقافية على الواجهة الإفريقية، كما شكلت آلية هامة وفعالة لتعزيز التعاون الثنائي بين المغرب ومحيطه الإقليمي.لما قدمته من مساهمات في المشاريع الاقتصادية و التقنية والثقافية انطلاقا من سنة 1987 كما شكلت آلة هامة وفعالة في تعزيز التعاون الثنائي بين المغرب ودول إفريقيا . ويبقى الحدث الأبرز والأكثر دلالة على سمو سمعة الرباط إفريقيا ودوليا هو انعقاد القمة الأورو إفريقية سنة 2000 بالقاهرة. حيث أظهرت كواليس القمة إلى أي حد لم تقو فيه المجموعتان الأوروبية والإفريقية على الذهاب بعيدا في مشروعها التلاقحي في غياب المغرب، لتتوالى الضغوط على رئاسة منظمة الوحدة الإفريقية الموكولة حينها إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بلزوم إقصاء الجمهورية الصحراوية من المشاركة في القمة حتى يتسنى للرباط حضورها . وبحلول الألفية الثالثة التي صادفت نقلة نوعية على مستوى علاقات المغرب بالخارج على إثر تولي محمد السادس مُلك البلاد اتضح أن للمملكة مقاربة جديدة لعلاقاتها بالمجموعة الإفريقية أكثر حكمة، أكثر تبصرا . وإن لم تفصح الدوائر المغربية بَعدُ عن نيتها في الانخراط في منتظم القارة الجديد (الاتحاد الإفريقي) فإن حضور الرباط إفريقيا ما فتئت تتأكد تمثلات قوته وفاعليته، فملك البلاد يجري تباعا زيارات عمل وتعاون إلى العديد من الأقطار الإفريقية: بنين، الكامرون، الغابون، النيجير، بوركينافاصو، والسينغال، كانت آخرها ربيع 2004 . ثالثا: نماذج من العلاقات المغربية الإفريقية أنموذج الكونغو الديمقراطية. تعود علاقات المغرب مع الكونغو الديمقراطية -زايير سابقا- إلى فترة الستينات التي عرفت في تلك الفترة بقضية الكونغو سنة 1960 ودور الملك الراحل محمد الخامس في دعم الشرعية، إذ أرسل المغرب قوة عسكرية لدعم حكومة باتري لومومبا المستقلة ضد الأطماع الإمبريالية التي كانت تريد النيل من الوحدة السياسية للكونغو . وستدعم هذه العلاقات بإبرام اتفاقية التعاون الاقتصادي والتقني والثقافي بين المغرب والحكومة الزاييرية في أكتوبر 1972 في ظل حكم الرئيس موبوتو سيسيكو. وتنص هذه الاتفاقية على تحديد إطار العلاقات السياسية باحترام البلدين لأحد المبادئ المهمة في مجال العلاقات الدولية والقانون الدولي، وهو مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية . وتطورت العلاقات السياسية بين البلدين في السبعينيات إثر اندلاع قضية الصحراء وسعي المغرب الحثيث لكسب مؤيدين جدد لقضية وحدته الترابية لذلك لم يتردد البتة في المساهمة في إرساء الأمن وإنقاذ نظام موبوتو سيسيكو في إقليم شابا عن طريق إرسال تجريدية عسكرية إلى الزايير، وهو الشيء الذي انعكس إيجابيا على العلاقات المغربية الكونغولية وأعطى بالمقابل صورة عن المغرب المدافع عن قيم العالم الحر في إفريقيا لذلك توجد لدى المغرب والغابون رغبة في تقوية التعاون وتوسيع وتغيير مجالاته الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وذلك بالاهتمام بمجال تكوين الأطر الذي يعتبر أهم مظهر من مظاهر التوافق والتعاون . أمام التحولات العميقة التي حدثت في الزايير نذكر منها الصعوبات الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي الناجم عن التفتح السياسي الذي أعقب الحرب الباردة بالإضافة إلى انعكاسات نزاع البلدان المجاورة (بوروندي- رواندا) الشيء الذي أدى استيلاء ديزيري كابيلا على الحكم. أمام هذا الوضع جدد المغرب موقفه بخصوص حماية الوحدة الترابية وسيادة هذا البلد الإفريقي ورغبته من جديد إقامة علاقة صداقة وأخوة وتعاون مع النظام الجديد القائم في كينشاسا . في حين تميزت فترة التسعينات بجولة الوزير الأول السابق عبد الرحمن اليوسفي إلى كل من السينغال ، ساحل العاج، الغابون، غينيا، وبوركينافاصو في ماي 1999، ثم الزيارة التي قام جلالة الملك محمد السادس إلى جمهورية جنوب إفريقيا في يوينو 1999 والزيارة التي قام بها إلى الكامورون ما بين 19-20 يناير 2001 للمشاركة في القمة الفرنكوفونية بياوندي، وتعد هي الزيارة الأولى من نوعها التي يقوم بها منذ اعتلائه العرش ثم أعقبتها زيارة صداقة وأخوة وتعاون إلى الغابون 31 غشت 2002 وزيارة جنوب إفريقيا للمشاركة في قمة الأرض والتنمية المستديمة في جوهانسبورغ 1شتنبر2002 . واستكمالا لحصيلة العلاقات السياسية الثنائية فإن التمثيل الدبلوماسي بين الجانبين كفيل بمعرفة الحضور السياسي المغربي في إفريقيا جنوب الصحراء، بحيث لا يغطي المغرب دبلوماسيا إفريقيا جنوب الصحراء إلا بثمانية عشرة سفارة من أصل ثمانية وأربعين دولة موجودة في تلك المنطقة أما يما يتعلق بالبعثات الدبلوماسية لدول إفريقيا جنوب الصحراء المعتمدة لدى الحكومة المغربية فتظل متوازية نسبيا من حيث حجمها مع التمثيليات الدبلوماسية المغربية لدى عواصم الدول . وفق ما سبق يتضح أن السلوك الخارجي للمملكة المغربية تجاه إفريقيا يحكمه اتجاه؛ مفاده إبقاء علاقات متميزة مع عدد من الدول المتواجدة في إفريقيا الغربية والوسطى. مع توجه حذر ومحتشم صوب بعض الدول الإفريقية الأخرى المتواجدة في أجزاء أخرى من إفريقيا على العموم فالعلاقات السياسية المغرب مع دول إفريقيا جنوب الصحراء تأخذ ثلاث اتجاهات رئيسة يمكن تلخيصها فيما يلي: -;---;--مستوى علاقات متميزة وخاصة مرتبطة بعدد محدود من الدول الإفريقية تحتاج إلى مزيد من التعزيز والتقوية. -;---;-- مستوى العلاقات العادية أو الطبيعية، لا ترقى إلى مرتبة الأولى ولكن تحتاج إلى الرفع من مستواها السياسي. -;---;-- مستوى العلاقات الثانوية أو الهامشية وتمثل أدنى مستوى في العلاقات السياسية وتحتاج إلى تطوير حقيقي في مضمونها وآلياتها.
#محمد_مزيان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسار قضية الصحراء المغربية في الدائرة الإفريقية .ج 1
المزيد.....
-
أوكرانيا تعلن إسقاط 50 طائرة مسيرة من أصل 73 أطلقتها روسيا ل
...
-
الجيش اللبناني يعلن مقتل جندي في هجوم إسرائيلي على موقع عسكر
...
-
الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات ب
...
-
اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
-
الجيش اللبناني: مقتل جندي وإصابة 18 في ضربة إسرائيلية
-
بوريل يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتطبيق مباشر للقرار 1701
...
-
فائزون بنوبل الآداب يدعون للإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صن
...
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
مصر تبعد 3 سوريين وتحرم لبنانية من الجنسية لدواع أمنية
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|