|
الحركة العمالية والثورة في مصر: حوار من طرف واحد
مصطفى البسيوني
الحوار المتمدن-العدد: 4316 - 2013 / 12 / 25 - 00:44
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
لا توجد الكثير من التحليلات التي تتعرض لعلاقة الحركة العمالية بالثورة ودورها فيها. ولا يعد ذلك بأي حال دليلا على ضعف تلك العلاقة بقدر ما يؤكد ضعف أدوات الحركة العمالية في التعبير عن نفسها. والتوقف أمام لحظات بعينها يوضح طبيعة وحجم دور الحركة العمالية في الثورة المصرية.
في نهاية عام 2006 كان نظام مبارك قد نجح بالفعل في ترتيب أوراقه اللازمة لإتمام مشروع التوريث. لم تنجح حركة التغيير الديموقراطي التي تصاعدت منذ عام 2004 في وقف السيناريو الذي أعده النظام سواء بتعديل مواد الدستور لتسمح بالتوريث أو إتمام الانتخابات الرئاسية بالطريقة التي قررها النظام أو انتخابات البرلمان وترتيب مؤسسات الدولة بما يسهل انتقال السلطة لجمال مبارك.
بدت حركة التغيير الديموقراطي محبطة للغاية في عام 2006 وجاءت المفاجأة من جانب الحركة العمالية. ففي ديسمبر 2006 انطلقت أقوى موجة إضرابات عمالية شهدتها مصر منذ أربعينيات القرن العشرين. ويشير إحصاء لاتحاد عمال الصناعة الأمريكي أن عدد العمال المصريين الذين دخلوا إضرابات في نلك الفترة تجاوز المليوني عامل.
موجة الإضرابات العمالية التي انطلقت لم تكن ترفع شعارات حركة التغيير الديموقراطي "لا للتوريث، لا للتمديد" بطبيعة الحال، ولكن تصاعدها الملحوظ مثل عقبة جدية أمام استقرار النظام واستكماله مشروعه، خاصة مع تطور الحركة العمالية على نحو مفاجئ لتكون سببا مباشرا في تفجر انتفاضة المحلة 2008، وتتقدم لمحاصرة مجلس الوزراء والبرلمان وعدد من الوزارات، ليمتد تأثير الحركة العمالية إلى خارج أسوار المنشآت ومواقع العمل ولتعيد تحفيز حركة التغيير الديموقراطي مرة أخرى، وتنشأ بتأثيرها حركات أكثر حيوية وتأثيرا مثل حركة شباب 6 أبريل.
الحركة العمالية التي اشتعلت قبل 2011 بسنوات وأسست نقابات مستقلة عن الدولة ومثلت التحدي الأكبر للنظام والمحفز الأهم للثورة، لم تغب عن أحداث الثورة نفسها. فميدان التحرير شهد في 30 يناير 2011 تأسيس الاتحاد المصري للنقابات المستقلة.
كما شهد الأسبوع الأخير قبل سقوط مبارك احتلالا لمواقع العمل من قبل العمال في عدة أماكن مثل السويس للصلب والسويس للإسمنت والجامعة العمالية وغيرها من المواقع العمالية التي أعلنت الانضمام للثورة.
كان دور الحركة العمالية ملحوظا قبل وأثناء الثورة ولكن الأهم هو ما تلى 11 فبراير 2011، لقد كانت الإطاحة بمبارك سببا كافيا لأغلب القوى لإخلاء ميدان التحرير وميادين الثورة والاكتفاء بما تم إنجازه. وبدأت عملية منهجية لإزالة آثار ما جرى في التحرير والاستعداد للتوجه لصناديق التصويت.
وحدها الحركة العمالية استمرت في العمل عبر موجة احتجاجات أكثر انتشارا من السابقة للمطالبة. وشملت تقريبا كا من يعملون بأجر سواء عمال أو موظفين. إذ امتدت الحركة العمالية لمختلف القطاعات الاقتصادية سواء الصناعية أو الخدمية. وانتشرت بالمدن الصناعية الجديدة وشركات قطاع الأعمال والهيئات الاقتصادية التابعة للدولة والمرافق العامة والمصالح الحكومية، بحيث لم يعد مكان يخلو من الاحتجاج نقريبا وأضافت للمطالبة بالحقوق الاقتصادية للعمال المطالبة بتشغيل الطاقات المعطلة في المنشآت وتطهير الشركات والمؤسسات من رموز الفساد ورجال نظام مبارك ومحاسبتهم. كانت الحركة العمالية في هذه المرحلة تحاول استكمال الإطاحة بأذرع نظام مبارك في المؤسسات الاقتصادية والمنشآت.
الحركة التي كان معناها الأكيد استمرار الثورة لاستكمال أهدافها باجتثاث سياسات مبارك الاقتصادية والاجتماعية وتحسين أوضاع العمال والفقراء، عانت من الهجوم عليها سواء من النظام الذي أصدر مرسوما بقانون يجرم الإضراب أو القوى السياسية التي اعتبرت احتجاجات العمال "احتجاجات فئوية" تهدف لتحقيق مصالح ضيقة بعيدة عن الأهداف "الكبرى" للثورة.
لم تبق القوى الثورية بعيدة عن الميدان طويلا فسرعان ما عادت الميادين للانتفاض للمطالبة بإقالة رئيس وزراء مبارك أحمد شفيق أو للقبض على مبارك ومحاكمته، وكانت الحركة العمالية قد سبقت الجميع في الحفاظ على استمرار الثورة عبر "الاحتجاجات الفئوية".
لم تنته مهمة الحركة العمالية في الحفاظ على استمرار الثورة بعد تسليم المجلس العسكري للسلطة. فقد اتجهت الحركة العمالية للصعود من جديد. والملاحظ أيضا انه عقب إصدار مرسي للإعلان الدستوري الشهير في نوفمبر 2012 ظهرت معارضة قوية له ولكنها انتهت دون إحداث تغيير حقيقي.
بعدها شهدت الساحة المصرية تراجعا مؤقتا للمعارضة تمكن فيها مرسي من تدعيم سلطته. كانت الحركة العمالية في هذا الوقت أيضا هي الأكثر رفضا ومقاومة حتى أن ما شهدته مصر من احتجاجات عمالية في الشهور الخمسة الأولى من 2013 يفوق كل ما شهدته طوال عام 2012. وكان تقرير للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رصد أن عدد الاحتجاجات العمالية والاجتماعية في مصر في عام 2012 يفوق مجموع تلك الاحتجاجات في السنوات العشر السابقة على الثورة.
لم تنجح السياسة القمعية مرة أخرى في مواجهة الإضرابات العمالية حتى عندما أطلقت قوات الأمن الكلاب المدربة على إضراب عمال أسمنت العامرية في أبريل 2013 وظلت الحركة العمالية تخوض معركة استمرار الثورة قبل 30 يونيو حتى جاءت الانتفاضة التي أطاحت بالإخوان.
الفترة التي أعقبت الإطاحة بالإخوان كانت فترة الاصطفاف خلف سلطة 3 يوليو التي شهدت تراجع المعارضة تراجعا شبه كامل وتكريس كل الجهود للمواجهة مع الإخوان المسلمين. حتى أن التنظيمات النقابية الرسمية والمستقلة أصدرت بيانات بوقف الإضرابات تدعيما لجهود السلطة في حربها على الإرهاب. ولكن مرة أخرى كانت الحركة العمالية تنهض بمهمة الإبقاء على آليات الاحتجاج والمطالبة بالحقوق الاجتماعية ومواجهة الفساد.
ولم تفلح من جديد آليات القمع في منع إضرابات العمال بل تزايدت وتيرتها في الأشهر الأخيرة من 2013 وانطلقت احتجاجات عمالية ذات شأن مثل اعتصام الحديد والصلب الذي ضم أكثر من 12 ألف عامل واستمر ما يقرب من شهر وانتقل به العمال إلى وسط القاهرة لطرق أبواب الشركة القابضة ومجلس الوزراء ومطابع الأهرام التي عطل عمالها طبع الجرائد حتى الاستجابة لمطالبهم في حدث فريد من نوعه بالإضافة لإضراب الألاف من عمال كريستال عصفور وعمال الإسكندرية والعاشر من رمضان والسويس وغيرها من المواقع. أكدت تلك الموجة من الاحتجاجات أن الحفاظ على فكرة استمرار الثورة ما زالت أحد مهام الحركة العمالية.
تطور الأحداث منذ الفترة الأخيرة لحكم مبارك وحتى اليوم يؤكد أن دور الحركة العمالية كان ضروريا للحفاظ على استمرار الثورة وزخم الشارع وقطع الطريق على عودة استبداد الدولة وقمعها. لقد انفضت قوى الثورة عدة مرات عن الميادين وعادت إليها ولكن الحركة العمالية هي التي أبقت على إيقاعها رغم الكثير من التحولات. الحركة العمالية التي افتقدت لتنظيم سياسي قوي ومتماسك ومنتشر، وافتقدت كذلك لتنظيم نقابي كفؤ، لعبت دورا هاما في دفع الثورة والحفاظ على استمرارها.
ولكن غياب تنظيمها السياسي وضعف تنظيمها النقابي، جعلا دورها يتوقف عند دفع حركة الثورة فقط وليس قيادتها. ربما تضمن حركة عمالية متفجرة في وضع ثوري كالذي تعيشه مصر استمرار هذا الوضع الثوري وتحرم أنظمة متتالية من إحكام سيطرتها على الأوضاع. ولكن الانتصار الفعلي للثورة وتحقيق أهدافها السياسية والاجتماعية قد يحتاج لأكثر من حركة عمالية متفجرة. وتصبح قضية تطوير القدرات التنظيمية، النقابية والسياسية، للحركة العمالية شرطا لا يمكن تفاديه ليصبح تأثير الحركة العمالية أكثر حسما ليس في استمرار الثورة وفقط ولكن في انتصارها.
#مصطفى_البسيوني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحد الأدنى للأجور في مصر تمخّض الجبل
المزيد.....
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|