أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - مروان عبد الرزاق - أزمة الفعل السياسي في المعارضة السورية















المزيد.....



أزمة الفعل السياسي في المعارضة السورية


مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)


الحوار المتمدن-العدد: 1228 - 2005 / 6 / 14 - 10:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يمكن وصف الفعل السياسي للمعارضة في سوريا بأنه في أدنى درجاته.فما زال هذا الفعل في اطار حديث المثقفين . ويمكن أن نلحظ ذلك بانعدام آثار هذاالفعل داخل المجتمع من جهة، وبالتالي عدم القدرة على تشكيل أية قوة ضغط سياسية مجتمعية للتأثير في السلطة وقراراتها من جهة اخرى. ويمكن أن يظهر حجم هذا الفعل,وكم هو صغير, بالمقارنة مع الفعل السياسي للمعارضة اللبنانية اثر اغتيال الحريري.
ويبرز السؤال لماذا لم يتقدم الفعل السياسي الديمقراطي,السلمي والعلني,بالوتيرة اللازمة التي يفرضها تسارع الاحداث.؟
* *
1- العمل السياسي في الغرف السرية:
خلال العقود الثلاث الماضية / منذ 1970 بداية استقرار حزب البعث في السلطة /. عملت أحزاب المعارضة رافعة رايات إيديولوجية جذرية سواءً كانت الشيوعية أم القومية أم الإسلامية. و كل من هذه الاتجاهات يريد أن يرسم المجتمع / والدولة على الصورة التي يريدها أو يتخيلها.
و رغم أن كل أصحاب الإيديولوجيات المذكورة كانوا يدّعون تمثيلهم للمجتمع, و كانت مشاريعهم السياسية تعتمد على أن المجتمع هو الذي سيقوم بعملية التغيير الجذري. وغالباً ما كانت الأوهام تدفعهم للاعتقاد بأن هذا المجتمع يساندهم و يدعمهم. إلا أن الواقع الفعلي و بعد ثلاث عقود اكتشف أصحاب الإيديولوجيات المذكورة عجزهم عن التغيير الجذري, واكتشفوا أوهامهم. إذ لم يجد الشيوعيون الطبقة العاملة أو الفلاحين أو الطبقات الشعبية التي كانوا يتحدثون باسمها, و يسعون إلى إقامة سلطتها. واكتشف القوميون بأن المجتمع أصبح بعيداً عن الهم القومي و الوحدة العربية وتحرير فلسطين , و أن مرحلة عبد الناصر و خطاباته المؤثرة و التي كانت تلهب الشعب العربي انتهت , و لا أدري إن اكتشف "الأخوان المسلمون" , أو الإسلاميون عموماً أوهامهم , لأنهم لم يقدموا لأنفسهم و للتاريخ السياسي حتى الآن أي مراجعه لتاريخهم السياسي. و أعتقد أنه من الخطأ اعتبار "التدين الشعبي" الواسع بمثابة دعم أو مسانده هذا المجتمع للإخوان المسلمين.حيث انكشفت أوهام الإخوان حول مساندة المجتمع لهم , بعد هزيمتهم أمام السلطة حين لجؤوا للعنف في الثمانينات . إذ لم تكن هزيمتهم بسبب عنف السلطة فقط, بل بعدم دعم المجتمع للإخوان. أو بتعبير آخر, سلبية المجتمع تجاه الصراع السياسي الدائر بين السلطة والمعارضة عموما.
وقد كان العمل السياسي سهلا في مرحلة العمل السري . إلا أن الثمن كان باهظا جداً(على حد تعبير أحد الأصدقاء ).
* : فالخطاب السياسي كانت ترسمه إيديولوجيات جاهزة : الأيديولوجية الشيوعية تنهل من أدبيات الماركسية اللينينية (وهي غزيرة) لترسم المجتمع الاشتراكي و الذي سينتقل إلى الشيوعية و يحقق العدل و المساواة و الحرية . و الأيديولوجية القومية تنهل من أدبيات المفكرين القوميين العرب لترسم مجتمع الأمة العربية الواحدة و كذلك القرآن و السنة مصادر الشرعية الإسلامية كمرجعيه ثابتة و نهائيه لمجتمع مسلم و دولته الإسلامية.
و المقصود هنا أن الأحزاب السياسية لم تكن تعمل على دراسة هذا المجتمع من حيث بنيته و درجة تطوره, و اتجاهاته و آفاق المستقبل التي يريدها. . . الخ. بدليل أنه لا توجد في المكتبة السورية أية دراسة حقيقة من هذا النوع أنجزتها أحزاب المعارضة و مثقفيها . إنما كانت الأحزاب تستمد خطابها السياسي من المبادئ الأيديولوجية الجاهزة.
و رغم أن التعاليم كانت واضحة أنه لا اشتراكية بدون اشتراكيين, و لا أسلام بدون مسلمين, و لا وحدة عربية بدون قوميين. إلا أن العمل على ذلك كان الاكتفاء بأن: حفنةمن الثوريين كافية لجعل المجتمع ثورياً و تحويله. إلا أن الواقع كان أوضح, حيث فشل الجميع في الامتداد داخل المجتمع وتثويره.
وقد رافق السهولة في إنشاء البرامج السياسية و الخطاب السياسي عموماً, صعوبة في التقنيات العامة: كالاختفاء و التنقل السري, و الطباعة, و التوزيع. . الخ. بالإضافة للقلق المستمر في الليل و النهار . إلا أنه بشكل عام يمكن وصف العمل السياسي السري بأنه كان سهلاً لأنه لم يكن يفكر بأبعد من توسيع جدران الغرفة السرية قليلاً, دون أن يفكر أو يكون قادرا على العمل مع المجتمع. لأن الصعوبة كانت تكمن هنا : في إيجاد الاشتراكيين أو القوميين أو الإسلاميون ليشكلوا نسبة كبيرة ضمن المجتمع .كان خوف الفاعل السياسي ليس من السلطة فقط بل من المجتمع أيضا الذي يعمل من اجله.
* *: أما الثمن الذي دفعه أصحاب العمل السياسي في المرحلة العمل السري فكان باهظاً و خاصة بعد الثمانينات. . السجن لسنوات طويلة وصلت إلى العشرين عاماً للتيارات اليسارية والقومية, و السجن والإعدام لمن مارس العنف من الأخوان و البعث العراقي. و قد ساهم كل من المعارضة و السلطة في اتساع دائرة السجون, و ذلك بتوريط العديد من الأفراد الذين كانوا يعيشون على هامش الحياة السياسية السرية.(كقراءة جريدة, أو إيصال رسالة, أو استضافة مجموعة في البيت. . . الخ). وكان بطش السلطة الأعمى قد عمم القمع حتى وصل إلى أنفاس كل السوريين وأحلامهم.وأصبحت الصورة واقعية حول موت السياسة في سورية.
ورداً على السؤال:لماذا عجزت المعارضة عن الامتداد داخل المجتمع وبالتالي عجزت عن تشكيل قوة سياسية مجتمعية هامة أمام السلطة؟تكون الإجابة الجاهزة: هي القمع.وقد تكون الإجابة صحيحة إلى حد كبير.إلا أنها غطت إلى حد كبير على قصور المعارضة في تلك المرحلة.حيث علقت المعارضة كل قصورها المعرفي والسياسي على شماعة الاستبداد, وكانت مرتاحة البال لهذا التحليل الذي يعفيها من التنقيب أكثر في أسباب هذا العجز أو القصور.

2- العمل السياسي في المرحلة الجديدة :
منذ عام /2000/ بدأت مرحلة جديدة في سوريا. حيث أصبح الكلام مسموحاً , فانتشرت المنتديات الثقافية و السياسية في البيوت و المكاتب , و أنتعش المثقفون , و تشكلت العديد من منظمات حقوق الإنسان , و بدأت الأحزاب السياسية تعيد تشكيل ذاتها , بعد الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين. وساد الحراك السياسي خلال السنوات الخمس الماضية ,وتخلله حالات انتعاش وانكماش, مد و جزر, اعتقالات و إفراجات , تقدم و تراجع.
و أصبح المطلوب من المعارضة أن تتعامل مع المرحلة الجديدة بعدّة جديدة: أولاً:على صعيد المفاهيم والبرنامج السياسي والخطاب السياسي.وثانياً: الآليات والوسائل....الخ
أولاً:
حيث تم صياغة البرنامج الديمقراطي الجديد كبديل عن البرامج السابقة.وتم صياغة الخطاب الديمقراطي والذي أصبح مشتركاً بين كافة رموز المعارضة و تياراتها المختلفة, ( بما فيهم الإخوان المسلمون والذين احتفظوا بالشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع للدولة الديمقراطية المنشودة !)
و الانتقال من الخطاب الثوري / الجذري إلى الخطاب الديمقراطي, رافقه الانتقال الفكري من الثورة إلى الإصلاح باعتبار أن البناء الديمقراطي لا يتم إلا عبر صيرورة تاريخية يتم من خلالها البناء الديمقراطي التدريجي. و أساليب التغيير تبدلت من العنف الثوري إلى التغيير السلمي و التدريجي . و من العمل السري إلى العمل العلني . أما أداة التغيير فهي المجتمع . و قد أشار التوصيف الجديد إلى أن المجتمع بعيد عن السياسة و أنه يجب العمل على "إعادة السياسة إلى المجتمع" لكن كيف نعيد السياسة إلى المجتمع ؟
والجواب يعيدنا الخطاب السائد إلى العقلية الانقلابية الجذرية السابقة والتي بدأت تدعو السلطة لأن تسقط نفسها وتعيد بناء دولة ديمقراطية جديدة. باعتبار أن الإصلاح السياسي الجذري( هو مدخل لكل الإصلاحات الأُخرى , ومدخل لإعادة السياسة إلى المجتمع).تماما" كما هو في السابق.حيث كانت كل المشاكل مؤجلة إلى ما بعد الثورة. وهذه العقلية هي التي كانت ولا زالت تحكم الوعي السياسي السوري المعارض.مثل دعوة السلطة لأن تسقط نفسها - لأن المعارضة غير قادرة على إسقاطها - وتدعو إلى عقد مؤتمر وطني, و مصالحة وطنية,وإقامة دولة ديمقراطية حديثة تشارك من خلالها المعارضة في السلطة.وهذه الدعوات مستمرة منذ عام /2000/ و حتى الآن ولكن بدون جدوى.والسبب الرئيسي هو أن السلطة لا تقوم إلا بما يجعلها تستمر في الحكم(أي تعيد تجديد ذاتها وفق تعبير المثقفين) وليس هناك حكومة في التاريخ أسقطت نفسها استجابة لمطلب مجموعة من المثقفين وتأملاتهم,وفي حالة عدم وجود حركة سياسية قوية قادرة على إحداث تعديل في ميزان القوى لصالح المعارضة. و آخر هذه الدعوات - والتي قرأت الضغوط الأمريكية الجديدة على سوريا بلغة الطفل النزق - دعوة بعض المثقفين البائسة في الخارج لتشكيل حكومة في المنفى, و دعوة أحد المثقفين المعارضين في الداخل إلى تكليف "رياض سيف" بتشكيل حكومة انتقالية ((باعتباره الليبرالي الأفضل في سوريا..!)), وعلى السلطة أن تخرجه من السجن لهذا الهد ف, و أن تقيم انتخابات تحت رعاية الأمم المتحدة لأنه ليس لدينا قضاء في سوريا كما هو في مصر. . ! أي بؤس هذا الذي نراه!
وكان يبدو للوهلة الأولى بأن العمل السياسي العلني أسهل بكثير من العمل السري.إلا أنه في الحقيقة العكس هو الصحيح.
- العمل السياسي العلني أصعب بكثير من العمل السري.ففي العلنية ليس لدى الفاعل السياسي ما يمكن أن يخفيه.هنا يظهر الإنسان عاريا.وقد تم تصوير الانتقال من العمل السري إلى العمل العلني الجديد بمثابة ولادة جنين جديد.وتبين أن تجربة العقود السابقة لم تقدم أية خبرات,أو أي أساس تراكمي للعمل السياسي في المرحلة الجديدة.وهذا الجنين الجديد بحاجة إلى غذاء ولباس ومأوى حتى ينمو تدريجيا,ليصبح قادرا على الفعل بنفسه.وكان الرأي بأننا نتعلم العمل السياسي من جديد.إلا أن هذا العمل ظهر منذ اللحظة الأولى أنه صعباً للغاية.
- والعمل السري كان مريحاً حين كان يؤجل كل شيء إلى ما بعد الثورة . الثورة التي ستعمل على حل كل المشكلات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية . و ليس هناك مجتمع يمكن أن يحاسب على هذه الأقوال. أما في العمل العلني فمن المفترض أن يراقب المجتمع الفاعلين السياسيين الذين يعملون أمام الجميع و من هذا الجانب يبدو العمل السياسي العلني أصعب بكثير من العمل السري.
- الانتقال من العمل السري إلى العمل العلني أو نصف العلني - (لأنه لم يتم تشريعه قانونياً من قبل الدولة ) - يسمح للفاعل السياسي برؤية الواقع مباشرة. فالعمل السري كان يجعل الفاعل السياسي يظن مثلا" بأن عدد رفاقه يفوق عشرات الأضعاف كما هو فعلياً.ومن كان يوزع منشورا في السر أمام بعض البيوت أو في بعض دهاليز الجامعة أو المغاسل.كان يتعجب في اليوم التالي لماذا لم يحصل أي تغيير.!وتكون النتيجة شتم السلطة والمجتمع. أما في العمل العلني, و على الأرض مباشرةً يمكن لأي إنسان أن يعرف / وليس يخمن, عدد أنصاره, و مدى قوتهم. و يجعله يفكر جدياً كيف يختبر أفكاره, وكيف يكسب أنصاراً جدد.فهل ناقش أي حزب إمكانية اختبار أفكاره ضمن مختبر المجتمع الواسع والذي يدّعي العمل لأجله.؟
ثانياً:
يبدو أن المعارضة لم تفكر جديا في أهمية البحث عن أدوات ووسائل و آليات جديدة مختلفة عما كانت عليه في العمل السري. للتعبير عن برامجها و أهدافها من جهة. و للامتداد داخل المجتمع من جهة أخرى.وتجربة السنوات الخمس الماضية تؤكد ذلك.والسبب الرئيسي يعود لاستمرار العقلية السابقة التي بدأت تقول بأن الثورة الديمقراطية هي الحل الوحيد, دون أن يكون واضحا هل المجتمع سيقوم بذلك أم أمريكا أم السلطة ؟وإذا كان المجتمع هو الذي سيقوم بذلك,فهل سيصبح له علاقة بالسياسة بعد قيامه بالثورة,أم أن ثورة كهذه مشروطة بخروج هذا المجتمع إلى السياسة حتى يكون قادراً على ذلك.؟ رغم أنه تمت مناقشات قليلة حول هذه المسألة منذ بداية الحراك السياسي الجديد إلا انه لم يكتب لها النجاح بالاستمرار.
و لنأخذ مثالين هامين:

1- المنتديات الثقافية : التي انتشرت في المدن السورية و التي كانت نصف علنية أو علنية كاملة , تراجع عددها, وتناقص الحضور إلى أقل من النصف . و السبب يعود إلى قمع السلطة من جهة, وعدم إمكانية وضع برامج عمل يشعر من خلالها الحاضرون أنها مفيدة و ذات عمل مجدي. حيث أن الترديد بأننا نريد الديمقراطية, و نكررها في كل مرة باعتبارها المخلص الوحيد. . يجعل مثل هذه اللقاءات بلا جدوى.إذاً: قمع السلطة من جهة , و الفراغ السياسي و الثقافي للمعارضة هي التي أدت بالعديد من المنتديات وأحياناً حتى من دون إرهاب و قمع السلطة المباشر .ولا أحد يراهن على أن السلطة لن تقمع,وقد يكون القمع قاسيا,فنافذة الحرية ليست مفتوحة على مصراعيها. إنما المراهنة على إمكانية ملء الفراغ السياسي والثقافي في المرحلة الراهنة.
إذ مع كل إغلاق تقوم به السلطة كان يمكن العمل على فتح نوافذ جديدة – مثلاً - كإنشاء خلايا أصغر لفترة مؤقتة سرعان ما يعاد تجميعها في منتدى أكبر.أو أية بدائل أخرى. لكن عندما لا يكون هناك برنامج عمل, فيصبح الحماس ضعيفاً حتى للتفكير في إمكانية توفر البدائل, بل إن القمع قد يبرر كسلنا وجهلنا.

2-الاعتصام و التظاهر العلني:

فالخروج إلى الشارع بحد ذاته خطوة كبيرة إلى الإمام في العمل السياسي العلني أو نصف العلني كما هو الآن في سوريا.
و الخروج إلى الشارع و الاعتصام أو التظاهر له أهمية مزدوجة: فهو من جهة وسيلة هامة للتعبير عن الرأي تجاه الواقع القائم, و مطالبة السلطة علناً بالتغيير, مما يساهم إلى حد كبير في كسر جدار الخوف عند المعارضة وعند المجتمع. و من جهة أُخرى هو وسيلة تماس هامة مع المجتمع و تعريف المجتمع بالمعارضة و مطالبها, و بالتالي وسيلة هامة للاقتراب التدريجي من هذا المجتمع و التعرف إلى مطالبه الفعلية. و معرفة ماذا يريد, و بالتالي وسيلة هامة للامتداد ضمن هذا المجتمع.
و قد عبرت المعارضة عن رأيها بالاعتصام و التظاهر في البداية للتضامن مع الانتفاضة الفلسطينية , و مع الشعب العراقي إثر الاحتلال الأميركي للعراق. و لم تمانع السلطة في ذلك طالما أن هذه الاعتصامات والمظاهرات ليست موجهة ضدها, إنما قامت أجهزة الأمن و الشرطة بحراستها و تنظيم السير لأجلها.
ورغم أن المعارضة ترفع شعار الديمقراطية وإلغاء الأحكام العرفية منذ خمس سنوات إلا أنها لم تدعو للاعتصام إلا في العام الماضي,أمام المحكمة العسكرية بحلب حين محاكمة الأربعة عشر.وكانت تجربة رائعة ساهمت في تعجيل المحكمة وبراءة المتهمين.إلا أنها لم تلق الاهتمام وضرورة تطويرها.وما أن انتهت المناسبة حتى تفرق الجميع بانتظار مناسبة أخرى. وعندما دعا "أكثم نعيسة"(رئيس لجان الدفاع عن حقوق الإنسان ) للاعتصام أمام البرلمان في 8/3/2004 للمطالبة بإلغاء الأحكام العرفية و قانون الطوارئ قاطعته كل القوى الحزبية المنظمة للمعارضة (على الأرجح لحسابات شخصية) و لم يشاركه سوى عدد محدود من المثقفين المستقلين , ثم الاعتصام في 10/3/2005 , و آخرها الاعتصام الذي دعت إليه لجنة التنسيق المركزية(والتي يشارك فيها كل أحزاب ومنظمات ورموز المعارضة) كل المحافظات السورية, مساء يوم الاثنين 30/5/2005 إثر اعتقال السلطة لإدارة منتدى الأتاسي بدمشق.
وهنا يمكن أن نتوقف عند بعض الملاحظات حول الاعتصام الأخير:
أولاً: قبل موعد الاعتصام (الساعة السادسة مساء يوم الاثنين 30/5/2005 ) تم الإفراج عن المعتقلين. و بغض النظر عن السبب الذي يكمن خلف هذا الإفراج ( ضغط دولي, أم قناعه من الدولة, أو عدم رغبة السلطة بالاصطدام مع الاعتصام. . . الخ ) إلا أن الإفراج قد تم, و هذا يعني أن السلطة قامت بإجراء أو فعل يجب الرد عليه (كما جاء الاعتصام كرد على الاعتقال).
الملاحظة الأولى :
أليس من الأفضل أن تجتمع لجنه التنسيق المسؤولة و الداعية للاعتصام باسم المعارضة بعد الإفراج عن المعتقلين,و تصدر بياناً يعبر عن خطوة الإفراج كخطوة إيجابية , و تطالب السلطة باستكمال الإفراج عن كل معتقلي الرأي , و أن توقف الاعتصام , و تدعو لاعتصام جديد ,من اجل إلغاء قانون الطوارئ والإفراج عن كافة المعتقلين, في وقت لاحق.فالممارسة السياسية, تخضع بالضرورة لقانون(الفعل والاستجابة – أو الفعل ورد الفعل), في السلوك الواقعي.وتراكم الأفعال والاستجابات بالاتجاه الصحيح هي التي تجعل من قانون التراكم أمراً واقعيا.
ولا تكفي الحجة الأولى: القائلة – كما عبر عنها احدهم من لجنة التنسيق - بأن هناك عدداً كبيراً قد وفد من المحافظات ولا يمكن أن نسبب لهم الخجل, أو لنستفيد من مجيئهم و نستمر
بالاعتصام مهما كانت الحال. ( مع العلم بأنه هناك العديد ممن أرادوا المشاركة لم يشاركوا باعتبار أن السلطة أفرجت عن المعتقلين, فانتفى سبب الاعتصام. و هذا أحد الأسباب للمشاركة الضعيفة. (حوالي 300 شخص من كل المحافظات السورية ).
أو الحجة الثانية: بان لجنة التنسيق قررت مسبقا الاستمرار في الاعتصام حتى لو تم الإفراج عن أعضاء منتدى الأتاسي ,لأنه يوجد معتقلين آخرين.(مع العلم أن الدعوة للاعتصام تمت بسبب اعتقال إدارة منتدى الأتاسي) ومثل هذا الرأي يعبر بالحد الأدنى, عن النظرة الأحادية المستقيمة التي لا ترى إلا ذاتها,وفي النهاية إما ستستمر في التحليق في السماء,أو أن تضيع بين الزحام.و أظن إن الحالتين لا علاقة لهما بالسياسة.

ثانياً :
حين تم الاعتصام, تم رفع يافطتين صغيرتين تعبر عن حرية الوطن والمواطن. إلا أن صور الشيخ معشوق الخزنوي (المتهمة السلطة باختفائه و قتله),كانت الأكثر عدداً و ملفتة للنظر أكثر. بحيث بدت التظاهرة / الاعتصام كأنها من أجل الشيخ الخزنوي فقط.! رغم أنه ليس هناك أية تأكيدات بأن السلطة هي التي قامت باختطافه.
والملاحظة الثانية:
أظن أن رفع صور للشيخ معشوق الخزنوي في الاعتصام هو تغيير لمضمون و مطالب التظاهرة . وفي هذه الحالة كان يجب رفع صور كل المعتقلين.
أليس من الأفضل أن نرفع علم سوريا بدلاً من صور الخزنوي.أليس من الأفضل أن نرفع يافطة تعبر عن موقف المعارضة ضد الضغوط الأمريكية المتزايدة على سوريا, بدلاً من صور الشيخ الخزنوي.*
وربما تساعدنا الحوارات بعد كل اعتصام,على تجاوز الاخطاء,حتى نستطيع الوصول الى اتقان اهم وسيلة من وسائل التعبير الديمقراطي السلمي العلني.اقصد الاعتصام او المظاهرة.
* * *
إذاً تعود أزمة " اللا فعل السياسي " للمعارضة بالدرجة الأولى إلى فشلها في الآمتداد ضمن المجتمع. فالمجتمع هو الذي يجعل السياسة أمراً واقعاً أي فعلاً ملموساً.
ومن أسباب هذا الفشل: العقلية الانقلابية التي ترفض التدرجية والنسبية، تؤجل البناء الديمقراطي إلى ما بعد الثورة الديمقراطية المنشودة . وبالتالي هذه العقلية لا تبحث في أهمية وضع برنامج تدرجي نسبي للبناء الوطني الديمقراطي وبالتالي لا نبحث في أهمية امتلاك الوسائل والأدوات اللازمة لتحقيق برنامج كهذا.
فتبقى المعارضة في برنامجها العاجي ، وعلى المجتمع أن يتقدم إليها .! أو على السلطة أن تسقط نفسها وتعقد مؤتمر وطني معها.!
المؤتمر الوطني المطلوب في سوريا هو المؤتمر للقوى الوطنية المعارضة يتم تأسيسه من تحت إلى فوق
وربما تكون الدعوة إلى تشكيل لجان للعمل الوطني الديمقراطي في كافة المحافظات ( كما عبر عنها لقاء دير الزور في 20/5/2005 ) بداية أولية، أو بذرة أولى ، على الجميع رعايتها وتطويرها بالحوار المتواصل من أجل عقد مؤتمر وطني للقوى الديمقراطية الوطنية المعارضة ووضع برنامج العمل . ورافق ذلك تشكيل لجان للعمل الوطني الديمقراطي في اللاذقية وطرطوس .
والملفت للإنتباه أن تتضمن " ورقة عمل " لجان اللاذقية إلى ضرورة العمل على نشر الثقافة الديمقراطية لأن هذا يؤشر على وجود عقلية جديدة تعتقد بأنه لايمكن إلغاء الاستبداد السياسي دون إلفاء الاستبداد ضمن المجتمع ذاته وأن الثقافة الديمقراطية الاجتماعية بمعناها الواسع هي وعاء الذي لا بد منه اللازم لاحتضان الديمقراطيةالسياسية.
الحلقة المفقودة في سوريا هي المجتمع ,وهي الحلقة الأضعف بالمقارنة مع قوى التغيير الممكنة في سوريا وهي السلطة وأمريكا ومشتقات بن لادن. والكل يدعي العمل لاجل هذا المجتمع سواءً السلطة ام المعارضة, واخيرا حتى امريكا تقول انها قادمة لاجل المجتمع السوري لتحريره من الاستبداد. فمن يكذب من كل هؤلاء. فاذا كان الكل يكذب وانهم جميعا لهم مصالحهم الخاصة المختلفة أو المتناقضة مع هذا المجتمع. على المعارضة التي تعارض وتدعي العمل ضد الذين يعملون ضد هذا المجتمع,أن ترتقي من حالة الادعاء الى حالة الفعل ,لأن ذلك هو السبيل الوحيد لتحقيق برنامجها وأهدافها.
وقد أشارت تجربة السنوات الماضيةإلى تضاؤل عدد المهتمين بالشأن السياسي و الثقافي العام .ويشكل المستقلون أكثر من خمسين بالمئة من الحراك الثقافي والسياسي.وإن عدم مقدرة الأحزاب على استقطاب هؤلاء المستقلين , وخاصة الشباب. و عدم قدرة المستقلين (حزبياً) على تشكيل حالات حزبية جديدة , هو الذي أدى بالحراك إلى التبعثر أكثر, وليس إلى التجمع و من ثم الامتداد أكثر في المجتمع.
وهناك فرق كبير بين أستخدام الشباب ومحاولة شدّهم إلى الأطر القديمة كما ظهر في السنوات السابقة، وبين تطويرحركة الشباب,كما ظهرت في اعتصام طلاب الجامعة في حلب ودمشق. والتي تبعثرت في النهاية.
ومع ذلك هناك بذور جنينية لأ شكا ل جديدة للعمل الوطني الديمقراطي . ا قصد لجان العمل الوطني الديمقراطي في المحافظات السورية :كما هو في اللاذقية وطرطوس ودير الزور . والملفت للانتباه أن لجنة اللاذقية تأخذ على عاتقها مهمة نشر الثقافة الديمقراطية.وأهمية ذلك تكمن في وجود قناعة بأهمية
ا لديمقراطية في المجتمع ,كمقدمة لابد منها لبناء الديمقراطية السياسية .
* *
وفي النهاية، يمكن القول بأن الانتقال من الخطاب إلى الفعل، أو من "اللافعل السياسي" الذي يجسده الخطاب الديمقراطي الذي ينتظر الثورة الديمقراطية، إلى البدء بتشكيل الأسس الواقعية لفعل سياسي يمكن أن يحدث في المستقبل، هو المدخل الأولي للبناء الديمقراطي. وتشكيل الأسس ليس خطاباً، بل هو عمل يومي ملموس يستند إلى رؤية واضحة، يشارك فيه الجميع. ولا يمكن أن يكون إنجازاً فردياً.
ولكن قبل بدء العمل، وقبل رسم خريطة البناء، علينا الحفر بأدمغتنا والاقتناع:
أولاً: بأن المجتمع هو الذي سيقوم بعملية التغيير الديمقراطي، والفشل في إقناع المجتمع بذلك يعني الفشل للسياسة المعارضة. وإن تغييب المجتمع وعدم تقدير أهميته، يعني الانهيار والرجوع إلى الوراء.
ثانياً: وإن تفكيك الاستبداد والبناء الديمقراطي هما عمليتان متكاملتان. وإن التدرج النسبي في البناء هو الذي يحكم نموهما، وامتلاك المعارضة للأدوات والوسائل والآليات للعمل السلمي والعلني هو الذي يجعل من المعارضة بنائين حقيقيين للوطن والديمقراطية.
ثالثاً: أن تكون صيرورة البناء مستمرة. وهذا يعني أن يكون هناك برنامج عمل لكل مرحلة أو خطوة نعبرها.
رابعاً: أن نكتشف الأسس الواهية للدعوات المستمرة المستمرة منذ خمس سنوات، إلى مؤتمر وطني والتي تدعو فيه السلطة إلى مصالحة تاريخية وبناء دولة ديمقراطية حديثة. وكأن هذه الدعوات فقط (لرفع العتب)، بأننا دعونا إلى ذلك زالله والتاريخ على ذلك شهيداً. ونذهب للنوم من جديد، أو ننتظر الخارج ليقوم بذلك نحمل السلطة مسؤولية الانهيار!.
وقد تكون هذه الدعوات مفيدة حين تترافق مع بناء الأسس لمؤتمر وطني ديمقراطي للمعارضة من تحت إلى فوق، الذي سيفرز لجاناً منتخبة وليست معينة، أو مشكلة (حسب طريقة حزب البعث والجبهة الوطنية)، تأخذ على عاتقها قيادة العمل الوطني الديمقراطي على مستوى الوطن.
خامساً: وإن إتقان الخطاب و(البروظة) على الفضائيات، لا يفيد بقدر ما يفيد وجود (500 شخص مثلاً في الساحة يطالبون بحرية الرأي وقانون أحزاب جديد ينظم الحياة السياسية، وأن تكون هناك لجنة تنسيق قادرة على تنظيم اعتصام كهذا.
حيث أنه من المفيد,ومن الضروري أن تعمل المعارضة على نفسها كثيراً في هذه المرحلة التأسيسية, وبشكل علني ,وخاصة بعد أن أجهد ت نفسها في توصيف الاستبداد وآثارهعبر السنوات السابقة.

--------------------------------------------------
*: ورغم الشكوك التي تراود الكثيرين بأن السلطة هي التي اختطفت الشيخ وقتلته, حتى بعد إعلان السلطة بأن قتل الشيخ مسألة جنائية وقد تم تحويل الجناة إلى القضاء.إلا أنه من البلاهة السياسية التفكير بأنه يمكن استغلال "الشيخ"ليكون (حريري سوريا),حيث تتم المطالبة بتحقيق داخلي,ثم يتم الاستعانة بلجنة التحقيق الدولية, والموجودة في لبنان, وتقاريرها جاهزة ضد سوريا,وقد يكون ذلك مدخلا للتدخل الأمريكي المباشر.ثم تأتي البقية على الطريقة اللبنانية الأخيرة.!وإذا جمعنا تفكيرا كهذا مع التفكير الذي أنتج الدعوة لإخراج "رياض سيف" من (السجن إلى الحكم),يصبح المشهد السياسي للمعارضة في اشد صوره كآبة وبؤساً.ويصبح بحاجة ماسة لرسام كاريكاتير مبدع كي يستطيع التعبير عنه بشكل أفضل.



#مروان_عبد_الرزاق (هاشتاغ)       Marwan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا: من التأسيس الشمولي.....إلى التحول الديمقراطي نحو يسار ...


المزيد.....




- السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
- الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
- معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
- طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
- أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا ...
- في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
- طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس ...
- السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا ...
- قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
- لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - مروان عبد الرزاق - أزمة الفعل السياسي في المعارضة السورية