|
الملحدين أو شياطين العصر الحديث
حمودة إسماعيلي
الحوار المتمدن-العدد: 4315 - 2013 / 12 / 24 - 20:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بالمجتمعات البدائية وحتى المجتمعات الحديثة التي تنخرها الأساطير بغياب ثقافة نقدية وحرية آراء متعددة معتمدة كمنهج تربوي، فإن نَسْبَ المشاكل الاجتماعية الاقتصادية والسياسية للشياطين يعتبر تبريرا مقبولا، وحتى بالنسبة للمستوى الشخصي والفردي فإن تفسير الضيق النفسي والاضطرابات والمشاكل التي تعترض المرء بازعاج الشياطين، يعتبر شيئا مقبولا.
لكن مع تقدّم الحياة اجتماعية فكرا وعلما، فإن مثل هذه الأنواع من الخطابات بدأ صيتها يخفت وصوتها ينخفض، ليصبح الشيطان هو الإنسان، أو هكذا تم التعرف على تلك الشخصية التي ظلت غامضة طوال هذا التاريخ وهذه القرون. فانكشف الشيطان على أنه هو والإنسان شخصية واحدة، مثلما ينكشف المجرم الغامض بالأفلام البوليسية على أنه أحد الشخصيات الرئيسية بالقصة.
وبما أن الشيطان كان حسب الموروث الشعبي الشخصية الأكثر عداءً لله، فإنه سيستمر كذلك حتى بعدما ازيل القناع عن وجه والغموض عن شخصيته. إنه الإنسان المعادي لله، إنه المنكر له والساعي لتحطيم رمزه المقدس : إنه الملحد أو الناكر لوجود الاله، الرافض للامتثال لأوامره ! .
وبتاريخ ثنائية الفكر بين الخير والشر، ممثلا بالله والشيطان، فإن الخير كان كله من عند الله، واعتبر الشر نتاجا من الشيطان. لكن وبما أن هذا الأخير صار مكشوفا، فإن الشر تمثل بالإلحاد، لدى نجد كثيرا من المنابر الثقاقية والإعلامية تتبنى شعارا مشتركا وهو أن : الإلحاد خطر يهدد المجتمع.
ولنقف قليلا عند هذا الشعار "الإلحاد خطر يهدد المجتمع" ! لكن من أي جهة ؟ وما هو المقابل لتجنبه ؟ هل هو الدين ؟ ..
ودون حاجة للعودة لمراحل تاريخية سابقة، قم فقط باشعال جهاز التلفاز، وخد جولة قصيرة بين القنوات الإخبارية، كلما تم بث مشهد صراع أو عنف أو حرب ستجد أن له علاقة بالدين ! وهذا الأخير هو المساعد على تغديتها حتى أن الشاعر أدونيس تساءل بأحد قصائده : "أترى قتلُك من ربك آتٍ؟ أم ترى ربك من قتلِك آتٍ؟"(1). فباسم الرب يتقاتل هؤلاء وؤلائك، أما الملحدين فمثلهم مثل شياطين العصر القديم : فزّاعة لتبرير لتبرير كل ما يصعب تبريره، وشمّاعة يعلقون عليها عجزهم وفشلهم.
فمن سيبرر، ويقول أن الدين رسالة شاملة وموحِّدة، لكن السياسية قادرة على جعله أحزابا وأنظمة أيديولجية تتحارب فيما بينها، مثل حرب وتنافس المنتخبين بأجواء الانتخابات للظفر بالسلطة والألقاب السياسية. كل حزب يشحن حملته، وأكبر كذبة يطلقونها على منخفضي الذكاء هو أن الرؤية السياسية هي الدين أو يتم تقديم الحزب السياسي ورُؤاه الضيقة على أنه هو الدين : : أنت تعبد حزبا سياسيا وزعيما له ومنظرا له، إنه حزب سياسي وليس الدين، الدين رسالة روحية جامعة وليس مشتتة، أنت تسمع كلام ومواعظ الفقيه المسيس وليس كلام النبي. لقد تم تنويم الناس حتى صاروا يظنوا أنهم يدافعون عن الدين وهم فقط يدافعون عن أحزاب سياسية (رغم كرههم العميق لكل ما يمث للسياسية بصلة)، لكن براعة التلاعب بالعقل تمكن هنا. كلٌّ يعتنق الآراء السياسية التي ولد بزمانها (وهذا ا يفسر اختلاف المذاهب الدينية حسب الجغرافيا والفترات الزمنية أو الحقب التاريخية). أما الدين فلا يُلقّن بل يجب دراسته عبر التاريخ، عبر تاريخه، وكما يقول الشاعر أحمد شوقي : "اقرأ التاريخ إذ فيه العِبَر ضل قوم ليس يدرون الخبر"(2)، لا يدرون ما الخبر ومع ذلك لا يتوقفون عن الثرثرة ! .
السياسية تعتمد على الدهاء والخداع وتشويه الحقائق والابتزاز والفرض، وليس الدين لأن الروحانية تُبنى على الصدق وعلى عدم التسبب للآخرين بالآلام، بل الاهتمام بإسعاد الذات ومشاركة ذلك مع الآخرين بإسعادهم كذلك. فهل هذا هو الدين كما نراه ؟ لقد صار الإنسان يتجنب التواجد بالقرب من المتدينين لربما انفجر أحدهم بأي لحظة، فكم عدد الأشخاص الذين يتجولون بلبنان والعراق وفلسطين وسوريا والسودان ومصر وتونس وليبيا وأفغانسان وباكستان بحرية تامة، دو خوف أو حذر من أن يصيبهم شيء لا يعرفون لا ماهيته ولا من أين أتى ! . فقط لأن هناك حزبين سياسين يتصارعان، قد تدفع ضريبة شطحاتهم لأنك تواجدت بينهم ! .
قد يتفق معنا الجميع على أن هناك وحشا ودكتاتورا وبربريا عنيفا يعيش داخل كل إنسان ـ حتى أنه مرة حدثني أحد المسؤولين السياسين عن وجود تمساح داخل الإنسان لدى يجب التعامل معه بدبلوماسية حتى لا يستيقظ، ربما أشار نوعا ما دون وعي منه للعقل الزاحف أو الجهاز المسؤول عن ردود الفعل اللاشعورية والبدائية الحيوانية بدماغ الإنسان ـ ومن الطبيعي ان يكشف عنه الإنسان (أو يوقظه) على إثر بعض المواقف المعينة، لكن هذا الوحش أو الدكتاتور أو البربري لا يستولي على الإنسان إلا إذا وجد ما يتغدى عليه، وطبعا فإن الأيديولجيات والأديان المُسَيّسة تقدم له وجبات جاهزة ودسمة ليستمر بالظهور والتعبير عن وجوده.
قد يُلمح لبعض لعنف الملحدين كالشيوعين مثلا، لكن أوليست الشيوعية عقيدة سياسية ؟! عقيدة تغدي التمساح المقموع داخل الإنسان ! .
بإحدى النكات طلب رجل من زوجته أن تطبخ له بيضا، وعندما أحضرته قلب الطاولة وصفعها وهو يصرخ : أريد بيضا مخفوقا وليس مقليا، وعندما أعادت تحضير بيض مخفوق، كرر نفس الأمر وهو يصرخ : لقد أغضبتني ولم أعد أريد بيضا مخفوقا أريده الآن مقليا، فقامت بتحضير كلتا الوجبتين بنفس الوقت ليختار إحداهما، فقلب الطاولة وقام بصعفها وهو يصرخ : "لماذا لا تضعين العطر الذي اشتريته لك" !! . والنكتة تسعى لتُبين أن البيض لم يكن سوى تبرير ليُعنّف الرجل زوجته. تماما مثلما يبرر الغير السعداء جرائهم بالدين أو العقائد السياسية. وكما يقول ستيفن واينبرغ الفيزيائي الأمريكي المُتوّج بجائزة نوبل : "مع أو من دون دين، سيكون هناك أناس طيبون يقومون بأفعال جيدة وأناس أشرار يفعلون الشر، لكن حتى يقوم الناس الطيبون بارتكاب الشرور، فهذا يحتاج للدين". وهي نفس الجملة التي اقتبسها الإحيائي ريشارد دوكنز ليُعلِّق على جريمة كاهن قام بطعن طبيب لأنه يقوم بعمليات إجهاض للنساء الراغبات، مبررا فعلته بأن الكتاب المقدس يأمره بذلك ! . طبعاً تمت مُحاكمته كمجرم (يتحمّل لوحده مسؤولية فعله وجريمته) وليس حتى كمُضطرب عصبي.
عندما يكون الشر آتيا من أقلية بالمجتمع، فيمكن السيطرة عليه، أما عندما يكون آتيا من الاغلبية فمن السخف والتخريف القاءه على الملحدين أو المثليين أو المؤامرات الخارجية، لأن الشر الحقيقي هم أفراد ذلك المجتمع، هم انفسهم الأشرار والشياطين بغباء أغلبيتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هوامش :
1 : أدونيس - قصيدة الوقت ـ موقع أدب.. الموسوعة العالمية للشعر 2 : أحمد شوقي - قصيدة احمدك الله.
#حمودة_إسماعيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الترهيب الديني للأطفال عدوان مُمارس على طفولتهم
-
الفيسبوك كواقع اجتماعي بديل
-
الخروج من العاطفة الأنانية نحو العاطفة الإنسانية
-
الرسالة الملعونة
-
ما قاله -نيتشه- عن العرب : الجزء 2
-
الإنسان العربي : أيها المتناقض !
-
ماذا يحدث إذا كنت لا تمتلك المال ؟!
-
كي تفهم العذاب النفسي
-
الدافع الخفي خلف ادراج الدارجة بالنظام التعليمي
-
تديُّن الحيوانات ودورها في السوسيولوجيا والدين : بين القصص ا
...
-
الأنثى والردفين والنظرة الحيوانية
-
لوحات أدولف هتلر : الإسقاطات النفسية
-
كيف تكشف من يكذب عليك ؟
-
دعاة الموت
-
هل للإيمان دافع غريزي أم احتياج أيديولوجي نتيجة التلقين ؟
-
كشف مشكلتك النفسية حسب صورك بحسابك الفيسبوكي
-
لماذا يتجوز الرجل على زوجته ؟
-
عقل اللص
-
العقد النفسية الأكثر انتشارا
-
المغرب يَسْجُن لأجل قبلة وروسيا تفتح مدرسة للجنس
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|