|
لهذا سأصوت ب-لا- على الدستور (مداخلة)
أيمن عبد المعطي
الحوار المتمدن-العدد: 4315 - 2013 / 12 / 24 - 17:42
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
تضم مسودة مشروع "الدستور" الجديد 2013، أو بالأحرى التعديلات التي أجريت على دستور الإخوان 2012، كباقي الدساتير السابقة في مصر وفي العالم كمية من الرطان والتكرار والاعتماد على الأساليب الإنشائية لا تعد ولا تحصى، ناهينا بالطبع عن المواد التي تثير الاشمئزاز والضحك بسخرية مثل استقلال القضاء وحماية الشرطة للشعب والسهر على أمنه، وكفالة الدولة لحقوق المواطنين.. الخ. لكن هذا ليس بالأمر المهم فالشيء الأكثر أهمية في رأيي، وهو كعب أخيل الدستور، يكمن في المواد المعادية بشكل واضح للجماهير والتي تدشن مفهوم الدولة الطبقية باتباعها سياسات اقتصادية نيوليبرالية، وتشديد قبضتها البوليسية والعسكرية القمعية لتمرير تلك السياسات وتسييدها.
كوارث الدستور
بالتأكيد كتب كثيرون عن مصائب هذا الدستور، ويمكنني هنا فقط ذكر بعضها للدخول في مناقشة المواقف المختلفة من التصويت والموقف الذي أتبناه في كيفية التعامل مع عملية الاستفتاء. على سبيل المثال لا الحصر ينزع الدستور العديد من الحقوق التي اكتسبتها الجماهير الشعبية وفي مقدمتها الطبقة العاملة عبر نضالاتها وضغطها على السلطة وصائغي الدساتير والقوانين، مثل الحق في العمل كحق أصيل للمواطن، بصرف النظر عن الكفاءة، لأن قضية الكفاءة مسألة تتعلق بالتمييز داخل العمل بين من هم أكفاء ومن على درجة أقل من الكفاءة ويحتاجون إلى إعادة تأهيل أو تدريب، وليس في الحق بالالتحاق بالعمل نفسه (مواد 12، 13، 14). أيضا قرر الدستور ضرائب تصاعدية على الأفراد، دون ذكر للشركات في الوقت الذي تظل فيه مصر من أقل الدول في تحصيل ضرائب على الأرباح بالمقارنة بدول رأسمالية عتيدة (مادة 38)، يحدث هذا في الوقت الذي أغلق فيه الدستور الباب في وجه استقلالية وتعددية الحركة النقابية بنصه على أن لا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة واحدة (مادة 77). أما عن الكارثة الكبرى فهي عسكرة الدولة عبر إباحة المحاكمات العسكرية للمدنيين وتحصين منصب وزير الدفاع (السيسي) لمدة 8 سنوات (المواد 204، و234).
المصوتون بـ"نعم" ومنحدر العسكر
هناك من بين أواسط اليسار وممن يتواجدون في معسكر ما يسمى (القوى المدنية والديمقراطية) سيصوتون بـ"نعم" على الدستور، وهؤلاء يسوقون حججا من نوعية الدفاع عن مدنية الدولة في مواجهة الظلاميين، وضرورة العبور من المرحلة الانتقالية إلى بناء مجتمع "ديمقراطي" يتم فيه تداول السلطة عبر صناديق الانتخابات. هؤلاء ممن شاركوا في تكوين لجنة الـ50 التي صاغت المسودة النهائية للدستور أو باركوا تشكيلها أو ارتضوا بما أنتجته في صورته النهائية بصرف النظر عن الموقف الرافض لمادة هنا أو هناك، يتناسون عن عمد أن هذه اللجنة غير المنتخبة وغير الممثلة لقوى وأطياف المجتمع أجرت كل نقاشاتها في السر بعيدا عن أي شفافية أو إحساس بالمسئولية تجاه الشعب المطلوب منه إجازة هذا الدستور، وأنه تم تعيينها من سلطة انقلابية على الثورة وتعد أحد طرفي الثورة المضادة.
فلنرى المنطق الذي بني عليه موقف الداعيين للتصويت بنعم من أواسط اليسار "بالرغم من أن التصويت "بنعم" يصب في صالح الطبقة الحاكمة الآن (المؤسسة العسكرية – البيروقراطية – رجال الأعمال) فالتصويت بـ"لا" يصب في صالح الإخوان. وكذلك المقاطعة والإبطال.. القضية التي لا يناقشها الكثيرين هي ما بعد إقرار المشروع أو عدم إقراره. إقرار المشروع سيؤدي لتقليص نفوذ الجيش حينما سيكون هناك رئيس منتخب وبرلمان منتخب –رغم أن الجيش سيظل له السلطة الأكبر من وراء الستار دون جدال. وسيفتح الباب لحياة سياسية متنوعة ولمواصلة العمل من أجل أهداف الثورة. أما عدم إقرار المشروع فسيؤدي إما إلى إقرار دستور 71 بعد تعديله –مع الاحتفاظ بالصلاحيات الموسعة لرئيس الجمهورية فيه– أو إلى إصدار إعلان دستوري ما وفي كل الحالات سيطل أمد المدة التي يتمتع الجيش فيها بكل هذا النفوذ. والأسوأ أن تدخل البلاد في مرحلة من الاضطراب على خلفية الإرهاب ونقترب أكثر من النموذج الليبي.. وطالما تجاوز مشروع الدستور الحد الأدنى المتمثل في دستور 2012 ودستور 71 فإن من مصلحة الطبقات الشعبية أن تنتهي المرحلة الانتقالية بأسرع وقت. خاصة وأن قوى الثورة أبعد ما تكون في المستقبل القريب عن فرض دستور أفضل ولو كان لها مثل هذه القدرة لأظهرتها أثناء وضع الدستور. أي أن مصلحة هذه الطبقات بالتصويت بـ"نعم" للمشروع".
في تقديري أن هذا الموقف الداعي للتصويت بـ"نعم" هو تعبير عن مدى بعد صاحبه/أصحابه عن جوهر الثورة ومعارك الجماهير الحقيقية، ويحمل تخوفات غير مبررة بوقوع المجتمع في اضطراب سياسي حال فشل إقرار مشروع الدستور الذي أراه ساعتها هزيمة ساحقة للسلطة لو حدث وليس مكسبا سيصب أتوماتيكيا في صالح دعم شرعية مرسي، وبالتالي يقود هذا الموقف أصحابه للانجرار لمعركة الاستقطاب الوهمي الذي يديره طرفي الثورة المضادة في صراعهم على السلطة، وكأن هذه المعركة ستحدد النقطة المفصلية في حسم ثورة أو لا ثورة، ومن ثم السقوط في فخ الدفاع عن علمانية الدولة في مواجهة من يسمونهم "أصحاب المشروع الاستبدادي، ديني الصبغة والطابع". فعلا ما أشبه الليلة بالبارحة! حينما تحالف بعض اليساريين واليبراليين والعلمانيين مع دولة مبارك في حربه ضد الإسلاميين المسلحين، كان الهدف أيضا وقتها الدفاع عن مدنية الدولة ووحدة الوطن، واليوم يضاف إلى ذلك وحدة المؤسسة العسكرية وعدم انقسامها.. وكأننا أصبحا ملكيين أكثر من الملك نفسه.. حقا لم يخرج هذا اليسار عن كونه علمانيا ووطنيا، يغض النظر عن أن الثورة مشروع تغيير طبقي بالأساس والأشكال التي اتخذتها في مسيرتها، فالخوف من تحقيق الإخوان أي نجاح في معركتهم مع السلطة الحالية ورفض أن يتم وضعنا معهم في خانة واحدة لأن نتائجه كارثية، يقودنا بسلاسة للوقوف في خندق العسكر وحزبي النور والتجمع الأمنجية والفلول والأحزاب الكرتونية.. فهو أقل الضرررين، خصوصا أن الدستور به مواد إيجابية.. يا لا الهول!!. توضح الفقرة التالية إلى أي مدى يرى أصحاب هذا الموقف أن هذه المعركة هي معركة البقاء الأخيرة حتى لو بجانب العسكر ما دام سيتم القضاء على الإخوان وهزيمتهم. فالمواد التي تسعى لبسطة هيمنة العسكر وعسكرة الدولة ما هي إلا عبارة عن "التوصل إلى حل وسط ما مع القوات المسلحة المصرية كان مقدرا للثورة المصرية منذ يناير 2011 وحتى يومنا هذا، والبديل هو سوريا".. وأن "هناك شبه إجماع شعبي على الظفر في معركة اسقاط المشروع الاستبدادي ديني الطابع للإخوان وحلفائهم".
إن مشروع الدولة المصرية التي يتبناها الدستور ويدشن لها يا سادة ليس له أي علاقة من قريب أو بعيد بالديمقراطية أو تلك العلمانية المزعومة، بل مشروع عسكري ونيوليبرالي بامتياز، الهدف من وضع هذا الدستور له هو إضفاء الشرعية الدستورية على عمليتي قمع واستغلال الطبقات العمالية والفلاحية والشعبية المطحونة لخلق استقرار مزعوم للسادة الجنرالات وكبار رجال الأعمال لتيسيير وتسيير مصالحهم المعادية بالتعريف لمصالح الجماهير التي هبت في 25 يناير تطالب بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. إن دستور 2013، ما هو إلا صيغة محدثة من دستور 2012 وكلاهما صنعتهما الثورة المضادة.
أعلم أن التصويت النهائي سيكون بـ"نعم" ليس لأنه أعظم دستور في التاريخ المصري كما تهلل له الجوقة الإعلامية الرخيصة، وليس لأن عشاق السيسي وبطولاته الزائفة بالأغلبية التي يمكنها من حسم التصويت لصالح "نعم" بمفردها، ولا لأن بعض المنتمين لليسار وبعض الليبراليين -حتى لو كثروا- سيرجحون كفة التصويت بـ"نعم"، ولكن لأن الصناديق في بلادنا، وبلاد أخرى، ليس لها أي صلة بعملية الديمقراطية أو تعبر في حد ذاتها عن انعكاس لوضع سياسي واجتماعي متقدم، بالعكس التصويتات في بلادنا تتجه دوما نحو ما تقدمه السلطة، أي سلطة، فالحشد والتعبئة يكون بدافع الاستقرار والترهيب من خطر الفوضى (ولنا في سياسة مبارك "أنا أو الفوضى" والتصويت على الإعلان الدستوري للمجلس العسكري ودستور الإخوان مثالا على ذلك)؛ ولذا تأتي الأصوات بالملايين من كل صوب وحدب لتؤدي الوظيفة وهي إصباغ الشرعية الشعبية على ما تخططه وتحيكه السلطة لجماهير المصوتين أنفسهم من سياسات معادية لهم يلزم لتنفيذها غطاء قانونيا.
ولكن بالرغم من ذلك أعلم أيضا أن استمرار دستور أو قانون أو إسقاطهم عملية لا تحدث في الفراغ، أو رغبة منفردة من السلطة في تحسين أو إرباك أوضاع الجماهير الفقيرة، بل وجود هذه الجماهير في مقدمة المشهد من عدمه هو من يحدد ذلك، ففي أعوام الثورة الثلاثة أسقط الشعب دستورين والعديد من الإعلانات الدستورية دون أن يحتاج مناقشة دستورية ما يفعله، فالشعب فوق الدستور والسلطة حينما يتحرك بالملايين رفضا لهما.
المقاطعة سلاح أم مجرد رأي؟
ولكن بالرغم من أن هذا هو وضع من يصوتون بـ"نعم" (أقصد الكتل الجماهيرية وليس النخب) فأمامنا مثل هذا العدد أو ضعفه وأحيانا أضعافه ممن يعزفون عن التصويت، وينأون بأنفسهم عن أي مشاركة سياسية، هؤلاء هم المقاطعون سلبيا للصندوق أيا كان طبيعة العملية التصويتية أو نوع الصوت الذي سيتم وضعه به. هؤلاء هم المنسيون من السلطة أيا كانت والمعارضة بكل فصائلها، هؤلاء هم من لا يجدون أحدا يتحدث عنهم أو يهتم بمشاكلهم وقضاياهم. في اعتقادي أن هؤلاء (الكتلة الصامتة) ليسوا في حد ذاتهم أو في موقفهم العزوفي عن المشاركة دليلا على شيء في مواجهة السلطة وانتخاباتها واستفتاءتها، ولا يمكن أن يتم عمل وزن أو حساب لهم ذي شأن في العملية السياسية برمتها، لا سبب في ذلك ليس إلا أنهم غير مؤثرين بالإيجاب في أي عملية تغيير ممكنة طالما ظلوا ينتظرون ما تجود عليهم به السلطة، ولا مؤثرين بالسلب في إفشال هذا التغيير إلا لو تم تعبئتهم وحشدهم جماهيريا في خندق الثورة المضادة.
هل يبدو من حديثي السابق أنني أمقت تلك الفئتين التي تريد الأولى منهما الاستقرار أيا ما يكون ومن ثم ستصوت بـ"نعم" والتي لا علاقة للثانية لها بالموضوع، وبالتالي ستعزف عن المشاركة في التصويت، رفضا أو عدم اكتراث؟ بالتأكيد لا، هؤلاء لو استثنينا منهم المرتبطين بمصالح مع السلطة سياسيا أو اقتصاديا، هم الجمهور الواسع غير النشط (الذهاب للصندوق لا يعد بالضرورة نشاطا سياسيا في حد ذاته)، الجمهور الذي يتم قيادته أو تهميشه أو تثبيط السلبية عنده لخلق توازنات في المجتمع لتمرير سياسات بعينها. في الحقيقة هؤلاء هم المؤهلين لأن يكونوا قسما عدديا مهما لوقود معركة ما يمكن أن نسميها (المقاطعة الإيجابية) هذا الشعار الذي لا يعني رفعه أتوماتيكيا اكتساب قدرته الذاتية على حشد وتعبئة قطاعات واسعة من الجماهير العريضة لمقاطعة الصندوق، بل يمكنه فضح العملية السياسية برمتها حال ظهور هذه الكتلة كقوة لها معنى ووجود سياسي حقيقي على أرض الواقع، أو هزيمة النظام بظهورها كقوة مؤثرة للدرجة التي يأتي معها التصويت ضعيفا جدا في مقابل مقاطعة ضخمة تقودها أقلية نشطة ومؤثرة وسط هذا الجمع الغفير. المقاطعة إذن تكتيك سياسي يتبع في أوقات بعينها وليس مقدسا كحال أي تكتيك، ويعد معيار نجاحه في تحقيق التفاف جماهيري وشعبي حوله عبر حملة قوية ومنظمة، ولكن ما عدا ذلك سيكون عبارة عن موقف تطهري ورفض فردي أو جماعي محدود للمشاركة، وساعتها لن يخرج عن كونه تمرينا ذهنيا لا علاقة له بالواقع، وغير مؤثر، اللهم إلا في إعلان موقف للتاريخ ليس إلا، وربما لن يذكره التاريخ بين سطوره عند الكتابة عن هذه المرحلة.
عموما تأتي المقاطعة السلبية والتصويت بنعم من -في حالة الاستفتاء على الدستور- من كتل لا علاقة لها بالعملية السياسية كتعبير عن عدم الاهتمام بالدستور نفسه أو عدم فهم ضرورته، وإلا ما معنى أن أصوت بنعم على وثيقة ككتلة واحدة، دون أن يتاح لي فرصة رفض مواد وقبول أخرى، أو أن يصوت نفس الناس تقريبا على دساتير مختلفة من أيام مبارك مرورا بالمجلس العسكري وحكم مرسي وصولا إلى حكم العسكر المتحالف مع بعض القوى المدنية، أو أن لا أذهب للتصويت أصلا بشكل منفرد، أو مع حفنة قليلة تدعي أنها تقود حملة وهمية للمقاطعة؟!.
إبطال الأصوات والانتقائية المحايدة
بعض من رافضي الدستور يرون أن هناك حل آخر يضمن تسجيل موقف محدد بأرقام في نهاية عملية فرز الأصوات -رغم ضعف الرقم وعدم تأثيره النهائي- لا يضعه في خانة المقاطعين سلبيا كرقم واحد دون تمييز، ورافض في نفس الوقت للموافقة بنعم أو لا، ليس قبولا أو رفضا للدستور، بل لأن على حسب حجتهم، هناك مكاسب في مواد مسودة الدستور وتقدم في مواد أخرى عن دستور 2012، ولكن هناك مواد أخرى شديدة السوء. "اقتراحي هو البديل الوحيد الباقي، أي إصدار بيان يقول أن موقفنا هو إبطال الأصوات احتجاجا على المواد العسكرية في الدستور رغم تأييدنا لاسقاط مرسي وحكم الإخوان وترحيبنا بإيجابيات الدستور من حيث مواد الحريات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي سنناضل من أجل ألا تتحول لحبر على ورق، جنبا إلى جنب مع نضالنا ضد الدولة الأمنية ومحاولات استثمار المواد العسكرية لفرض وصاية المؤسسة العسكرية على المجتمع والمجال السياسي وصولا الى تعديل الدستور والغاء هذه المواد".
في الحقيقة أرى أن المقاطعة الإيجابية وإبطال الأصوات عملية واحدة لن تظهر كرقم له معنى أو لها أي تأثير سياسي في الواقع إلا إذا كان مصحوبة بحملة ذات طابع جماهيري كجزء من عملية ثورية أكبر ضد السلطة الحاكمة وخططها للسيطرة، ولا آخذ بالطبع هنا بالرأي السائد –التافه- أن مبطلي الأصوات جهلة لا يعرفون القراءة والكتابة أو التصويت الصحيح. الأهم أيضا في رأيي أن أصحاب هذا الموقف ينظرون للأمر من زاوية خاطئة، فهم يتعاملون مع الدستور كموضوع للانتقائية أو أن هناك منطقة محايدة رمادية بين "نعم" و"لا" يمكننا الوقوف بها كي لا نحسب على معسكري الثورة المضادة، وليس أنه تعبيرا عن موازين القوى في المجتمع، ومن هنا تأتي التناقضات بداخله والاعتماد على الرطان الفارغ، وفي ثنايا ذلك يتم تمرير مواد الهيمنة والسيطرة بمنطق دس السم في العسل، وبالتالي فعملية رفضه أو قبوله هي إجابة على سؤال: إلى أي مدى يحقق هذا الدستور في منهجه وتوجهه العام مصالح المواطنين وأهداف الثورة؟.
التصويت بـ"لا" والأخطاء المنهجية
الفقرة التالية تعبر بقوة عن صحة منطق التصويت بـ"لا".. "يسوق البعض لنظرية الحساب العددي للمواد غير المقبولة والمواد المقبولة وبناء على نتيجة المقارنة يتم اتخاذ القرار بقبول أو رفض الدستور، والحقيقة أن هذه الرؤية تعكس إما نوع من العبط السياسي أو سوء النية الذي يحاول تمرير دستور لا يحقق مصالح المصريين، فالأمر عندي أشبة بالذهاب إلى مطعم فاخر لتناول وجبة من إعداد أعظم الطهاة وقبل وضع الطبق أمامك يقوم النادل برش بعض الجلة (= براز المواشي) على الطبق، في هذه الحالة لا تستطيع أن تقرر ما إذا كنت ستأكل الطبق بناء على حساب نسبة الجلة إلى بقية المكونات، لقد فسد الطبق وضاعت الوجبة".
ولكن لبعض أصحاب موقف التصويت بـ"لا" رؤية أخرى "كتلتنا التصويتية وحجمنا في الدعاية محدود ولا أطلب مننا في هذه الظروف الصعبة أن نقوم بدعاية جماهيرية في الشارع لموقف مركب كالذي أطرحه، لكننا بموقفنا هذا نستطيع أن نقدم نموذجا جيدا لـ"علمانيين" يرفضون قبول جانب من الاستبداد مقابل التخلص من جوانب أخرى ، ونستطيع أن نروج مستقبلا للنضال ضد هذه الألغام الدستورية باعتبار أننا رفضناها بمنتهى الصراحة ولم "نعصر عليها الليمون". باعتبارنا ممن شاركوا في الثورة على مرسي وحكمه واعترفنا بشرعية عزله في 3 يوليو، فإننا وجدنا أنفسنا داخل معسكر 30 يونيو شئنا أم أبينا. هذا المعسكر الذي يتضمن قوى ديمقراطية (صاحبة الفضل في الإيجابيات التي نجدها في الدستور الحالي) وفلول وأجهزة الدولة من شرطة وجيش وبيروقراطية. علينا الخروج من هذا المعسكر المفروض علينا والتوقيت الأمثل لهذا التمايز هو لحظة الاستفتاء باعتبارها لحظة انتهاء المرحلة الانتقالية التي اعترفنا بشرعيتها وسعينا لإنجاحها لكن الاستبداديين من فلول وأجهزة دولة أصروا على اغتنام أكبر قدر من المكاسب لدرجة إفساد دستور كنا نأمل أن يكون ديمقراطي بدرجة معقولة".
المشكلة الحقيقية لدى الزملاء الموافقين على التصويت بـ"لا"، هي الوقوع في نفس الفخ الاستقطابي، إما مع الإخوان أو مع العسكر (معسكر 30 يونيه) وكأنه فرض عين علينا ألا يكون لنا موقفا مستقلا عن الاثنين واعتبار سياستهم ودساتيرهم وحكمهم تخدم مصالحهم بصرف النظر عن عدد المواد الإيجابية وما يقابلها من أخرى سلبية في الدستور. وبالتالي فاختيار لحظة الخروج من هذا التحالف، أو رفض الوجبة المرشوشة (جلة)، تأتي عبر التصويت بلا، مع الاستقلال عن موقف الإخوان. مشكلتي هنا في المنهج المبني عليه الموقف وليس في صياغته فـ"لا" بالتأكيد موقف واضح ومتكامل في مواجهة "نعم" بموقفها الواضح والمتكامل، ولا يمكن رؤيتها بشكل رومانسي من أصحاب موقف المقاطعة على أنها مشاركة واعتراف ضمني بالمرحلة الانتقالية وشرعيتها. فرفض الدستور يعني رفض خارضة طريق 3 يوليو وتفويض السيسي بارتكاب مذابح باسم الشعب في 26 يوليو، ورفض لعسكرة الدولة وخطط رجال الأعمال والسياسات النيوليبرالية، ورفض مسودة أعدتها لجنة عينها العسكر وغير منتخبة ولا تمثل أطياف الشعب وفي سرية تامة يتناسق مع رفض ما أنتجته هذه اللجنة، حتى لو كان فيه مواد "إيجابية" كما يزعمون، فهي مجرد حبر على ورق وليس لها أي أهمية لو لم تقلب موازين الصراع في المجتمع لصالح الجماهير، فمن بيده السلطة هو الوحيد القادر على استخدام مواد من الدستور كيفما يشاء والتغاضي عن مواد أخرى حينما يريد. في عبارة شديدة البلاغة قال المناضل العمالي اليساري الراحل طه سعد عثمان "القانون كخيط العنكبوت، يقع فيه الضعفاء ويعصف به الأقوياء" ويمكننا أيضا أن نعامل الدستور بالمثل. وفي النهاية إن المنطق الوحيد لتفعييل مواد إيجابية أو إبطال العمل بمواد كارثية يحدده في المقام الأول والأخير قدرة الجماهير على ذلك عبر ضغطها من أسفل، أي أن تتحول الجماهير لقوة لا يستهان بها كما في مثال المناضل المخضرم.
أيضا المواد الملغمة بالدستور تجب أي "إيجابيات" في مواد أخرى، هذا لو اعتبرناها جيدة فعلا ويمكن تفعيلها، لأننا في مرحلة نعي تماما أن الثورة تمر فيها بكبوة، وأن الصراع يدور الآن بين طرفي الثورة المضادة (العسكر والإخوان) بعيدا عن أهداف ومطالب الثورة نفسها، بل يهدف لتفريغها من مضمونها في التغيير الجذري، وتحويلها إما إلى أيقونة كما تتم الدعاية لموجتها في 30 يونيه على أنها ثورة أخرى، بما يستتبع ذلك من انقلاب على شرعية الثورة (وليس شرعية مرسي) والتفويض بالقتل وعسكرة الدولة وسب ثورة 25 يناير أو التنصل منها، أو أنها مشروع للدفاع عن شرعية مرسي والإخوان.
التصويت بـ"لا" = استمرار الثورة
قبل أن تعلن جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية مقاطعتهمما للاستفتاء على الدستور كانت حجة رافضي "لا" أن يتم وضعهم سياسيا في خندق واحد مع الإسلاميين الذين أسقطهم الشعب في 30 يونيه "أرادوا أم لم يريدوا، ومهما صدقت النوايا" ، وبالرغم من أن هذه الحجة أصبح لا محل لها من الإعراب بعد أن أعلنت هذه القوى موقفها المقاطع للتصويت، فهذا الموقف في حد ذاته يتجنبه الصواب، فالعبرة ليست باتخاذ نفس الموقف الذي تتخذه قوى أخرى، ولكن بمدلوله السياسي، فرفضي للدستور لا يتقاطع مع رفض الإخوان في أي نقطة، حتى لو اتفقوا معي على رفض بعض المواد كعسكرة الدولة، لأنهم ببساطة لعبوا دورا في تشديد القبضة القمعية وعسكرة الدولة والمجتمع، أي يقولون قولا حقا يراد به باطلا، فالإخوان من وجهة نظري وبالذات بعد تجربتهم في الحكم لا يختلفون في أي شيء عمن هم في السلطة الحالية، كلاهما ضد الجماهير ويريد استغلالها وقمعها بنفس السياسات الإقصائية حتى لو اختلفت في الشكل لاتفاقها في المضمون.
أيضا ليس بالضرورة وجود كتل سياسية مختلفة في خندق الرافض للدستور يعني أنهم متفقين في كل شيء، بالعكس فالموقف من الدستور أو أي قضية سياسية أخرى يحكمه في المقام الأول والأخير الاستراتيجية التي ينبع منها، استراتيجتي هي انتصار الجماهير في ثورتها هذه ومن ثم كل السلطة والثروة للشعب، أي أن الانتماء السياسي والطبقي هما المحددان لموقفي، فرفض اليسار المناضل مثلا يعني أنه يرى أن مطالب وأهداف الثورة يتم الخسف بها عبر انقلاب عسكري عليها، في حين أن رفض الإخوان هو من باب رفض نفس الانقلاب العسكري على ما يسموه شرعية مرسي والصندوق.
أخيرا إن التصويت بـ"لا" سيعني -حال وجود كتلة تصويتية رافضة لدستور تحالف العسكر والقوى المدنية- تعاظم شأن فكرة الرفض من حيث المبدأ، لإن الذي يتم التركيز عليه بشكل واضح في النتائج من قال "نعم" ومن قال "لا"، أيضا سيطرح مساحة أوسع للثقة بين صفوف المعارضين الجذريين لكل من خان (عسكر، فلول، إخوان) وسيخلق مساحات جديدة من النضال والحملات المشتركة والعمل الجبهوي وتوسيع منطقة المقاومة للسلطة عبر جذب مجموعات من المناضلين وإعادة كسبهم لمعسكر الثورة بإحداث شروخ في معسكر ما يسمى بالقوى المدنية المؤيدة للسلطة والعسكر، وبالطبع قدرة أكبر على خوض معارك قادمة، ليس الدستور أولها ولا أخرها، ولكن يمكننا من خلاله تحديد في أي خندق نقف. ـــــــــــــ حسن خليل، الموقف من مشروع دستور 2013، على الرابط التالي: http://is.gd/7zA9ia هاني شكرا الله: سأصوت بنعم للدستور، للأسباب التالية، على الرابط التالي : http://is.gd/o1mA98 هاني شكرا الله: سأصوت بنعم للدستور، للأسباب التالية، على الرابط التالي : http://is.gd/o1mA98 عماد عطية، حول موقفنا من الدستور، على الرابط التالي: http://is.gd/b4Rcbc د. منير مجاهد، ليس دستور الثورة ولا يجب أن نوافق عليه، على الرابط التالي: http://is.gd/Y2leCd إلهام عيداروس، نصوت بلا ولا نشارك الإخوان وحلفاءهم دعايتهم، على الرابط التالي: http://is.gd/kOrbWM هاني شكرا الله: سأصوت بنعم للدستور، للأسباب التالية، على الرابط التالي : http://is.gd/o1mA98
#أيمن_عبد_المعطي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن الجيش والشرطة والثورة المضادة
المزيد.....
-
لبنان يسارع للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا
...
-
متضامنون مع «نقابة العاملين بأندية هيئة قناة السويس» وحق الت
...
-
التصديق على أحكام عسكرية بحق 62 من أهالي سيناء لمطالبتهم بـ«
...
-
تنعي حركة «الاشتراكيين الثوريين» ببالغ الحزن الدكتور يحيى ال
...
-
الحزب الشيوعي يرحب بمؤتمر مجلس السلم والتضامن: نطلع لبناء عا
...
-
أردوغان: انتهت صلاحية حزب العمال الكردستاني وحان وقت تحييد ا
...
-
العدد 584 من جريدة النهج الديمقراطي
-
بوتين يعرب عن رأيه بقضية دفن جثمان لينين
-
عقار -الجنود السوفييت الخارقين-.. آخر ضحاياه نجم تشلسي
-
الاجرام يتواصل في حق عاملات وعمال سيكوم/سيكوميك
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|