أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الحسين شعبان - اللاعنف بين الوسيلة والغاية!















المزيد.....

اللاعنف بين الوسيلة والغاية!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4315 - 2013 / 12 / 24 - 14:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


اللاعنف بين الوسيلة والغاية!
د.حسين شعبان


غالباً ما نستعيد كتاب «الأمير» للفيلسوف والمفكر الإيطالي ميكافيلي إبان عصر النهضة، عندما نريد الحديث عن الغاية والوسيلة، خصوصاً عبارته الشهيرة «الغاية تبرر الوسيلة». وبقدر كون الكتاب مهماً في علم السياسة، فهو خطير في الوقت نفسه، وبغض النظر عن التأييد أو التنديد بالكتاب ومؤلفه، الذي اعتبر «دليلاً» للكثير من الحكّام والسياسيين في السابق والحاضر، فإن إيطاليا احتفلت مؤخراً بالكتاب ومؤلفه المبدع ميكافيلي، وذلك بمناسبة مرور خمسة قرون على تأليفه. والكتاب بلا أدنى شك جدير بالقراءة، فهو من الكتب «الخالدة» التي تحمل أثراً مستمراً على الرغم من انقضاء مئات السنوات على صدوره، وإلاّ لماذا يجري استعادته وتداوله والاستناد إليه طيلة هذه القرون.
الوسيلة هي المقياس لتقييم الغايات والأهداف والأفكار والمبادئ والممارسات الدينية والسياسية والاجتماعية، وسيصبح التلازم عضوياً بين الغاية والوسيلة، وتلك مسألة جوهرية وليست عابرة أو ثانوية، أي أن الوسيلة تتوحد بالغاية، حيث لا انفصال بينهما، مثلما لا ينفصل الجلد عن الجسد
استحضرت الكتاب وأنا في محاضرة عن ثقافة العنف واللاعنف، بين آلية التدمير وآفاق التغيير، وذلك بدعوة من مركز حمورابي للدراسات والبحوث الاستراتيجية في بغداد، لاسيّما بالحديث عن الغاية والوسيلة من العنف واللاعنف. وإذا كانت الغاية تريد الوصول إلى التغيير، فهل سيفضي العنف كوسيلة للوصول إلى هذه الغاية؟.
وقد كانت الثقافة السائدة في العراق وفي غيره من البلدان العربية، بل في العالم أيضاً، ولاسيّما في أوساط اليسار إن العنف هو السبيل لانتصار الثورات، وأحياناً هو الوسيلة الفضلى التي لا غنى عنها لتحقيق النصر، وتحقيق أحلام الناس، في «الوطن الحر والشعب السعيد»، وحسب كارل ماركس إن العنف قاطرة التاريخ، وعن طريقه كان العنف الثوري قد أصبح شعاراً لمرحلة كاملة، حتى وإن كان ماركس نفسه قد تحدث عن المجتمع المدني والمواطنة والمساواة والدولة المدنية وسيادة القانون والديمقراطية، في كتاب لم يُقرأ جيداً وأعني به كتابه عن «المسألة اليهودية» الذي تناول فيه دين «اليهودي» وعلاقته برأسمال المال، ناظراً إليه من موقع الاستغلال، أقول ذلك وأدرك أن العنف كان الغالب الشائع وليس النادر الضائع، لدرجة أن حركات التحرر وقوى المقاومة استخدمته كوسيلة مختارة ضد أعدائها.
مثل هذا الاستطراد حول دور العنف ووظيفته في الصراع المجتمعي انتقل إلى قوى وتيارات قومية وإسلامية، بحيث أصبح نوعاً من التنافس فيما بينها على استخداماته، بل والمباهاة في قدرتها على السير به حتى تحقيق أهدافها في إجبار الخصم أو العدو على الانصياع.
ولعلّ التبشير بالعنف باعتباره الوسيلة الناجعة لحل مشاكل المجتمع قد انحسر مع انتشار الموجة الديمقراطية الثانية التي جاءت مع انهيار أنظمة أوروبا الشرقية، وانتهاء أو تحوّل الحرب الباردة من شكل إلى شكل آخر، لاسيّما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي واختلال ميزان القوى الدولي، وقد امتدت هذه الموجة إلى أمريكا اللاتينية وبعض دول آسيا وأفريقيا، في حين كانت الموجة الأولى قد شملت بقايا دول أوروبا الغربية التي ظلّت خارج دائرة الديمقراطية مثل اليونان والبرتغال وإسبانيا، حتى أوساط السبعينيات.
أما الموجة الثالثة فقد جاءت متأخرة إلى المنطقة العربية، وبدأت من تونس أواخر العام 2010، ومروراً بمصر (ثورة 25 يناير 2011)، وإنْ تعرّضت إلى عملية قيصرية في ليبيا تركت آثارها الدامية على المجتمع حتى الآن أو وصلت إلى اليمن بمساعدة إقليمية لا تزال تترنح، خصوصاً باجتياح البلاد لحالات عنف شديدة، لكنها تعسّرت حتى الآن في سوريا، ولا تزال نتائجها المأساوية لم تحسم بعد، الأمر الذي يحتاج إلى قراءات جديدة، خصوصاً باستكمال المشهد، لكن الأمر الشاغل هو علاقة الوسيلة بالغاية، وإذا كانت الوسيلة تستهدف التغيير، فإن العنف والعنف المضاد سيفضي إلى التدمير، وغاية التغيير تحتاج إلى علاقة وطيدة بالسلام والتسامح والجمال والعمران والحب، وليس العكس.
لعلّ العنف وإن كان وسيلة، إلاّ أنه سيؤثر في الغاية، وهل يمكن تصور غاية شريفة يتم الوصول إليها بوسائل غير شريفة؟! والغاية الأخلاقية النبيلة تحتاج إلى وسائل أخلاقية وراقية للوصول إليها، ذلك أن العنف ليس دليل شجاعة أو قوة، فقد يكون علامة جبن وضِعة، لأنه سيتم فيه تدمير الآخر، وهو تدمير للذات في الوقت نفسه.
ويحق لمن يسأل هل اللاعنف هو دعوة للاستسلام أم أنه يحمل في داخله قوة كامنة وروحانية مستعدة للمقاومة باللاعنف؟ وهو ما جرّبته المقاومة المدنية السلمية في انتفاضة الشعب الفلسطيني في العام 1987-1988 والتي استمرت لسنوات، محرزة نتائج باهرة ضد العدو «الإسرائيلي».
لا بدّ من التفريق بين العنف والقوة، فالأخيرة غير العنف، ويمكن استخدامها في مقاومة العنف، عبر تجلياتها الروحية اللاعنفية، ولدى كل إنسان قدر وشحنة من اللاعنف يمكن توسعته وتعميقه وتعزيزه، بحيث يكون فائضه أكثر من العنف الذي هو مسار ضعف لدى الإنسان وليس قوة فيه، حتى وإن جُبلت الطبيعة البشرية على هذه الثنائية المتلازمة (العنف واللاعنف).
وثمة سؤال جدير، من الذي يميل إلى العنف: الطاغية أم الضحية؟ وقد يكون الجواب أن العنف يلوّث القيم الإنسانية، مهما كانت النوايا والأهداف، سواء دينية أو فلسفية أو اجتماعية، فالضحية تميل إلى تحقيق القيم الإنسانية، في حين أن الطاغية، يهدف إلى بسط سلطانه بغض النظر عما تتركه ممارساته من انتهاكات لحقوق الإنسان.
إن ممارسة العنف ضد العنف قد يؤدي إلى اشتباك خطيئتين، وبالتالي ستكون العدالة هي الغائب، والمهزوم هو الحق، والسلام هو المفقود، الأمر الذي اقتضى توحيد الوسيلة بالغاية، فالوصول إلى السلام لا يفترض به استخدام العنف، وإن كان أحياناً دفاعاً عن النفس، في لحظة مواجهة، لكن الغاية تقتضي إقامة السلام، بالتسامح والبناء، لا بالكراهية والهدم. وكان غاندي يعتبر الشجرة هي الغاية، أما الوسيلة فهي البذرة، والغاية موجودة في الوسيلة، مثلما توجد الشجرة بالبذرة. وحسب مارتن لوثر كنغ، فإن في اللا عنف قوة المحبة من أجل الحقوق المدنية، وعند نيلسون مانديلا: حرية ومصالحة وعدالة، وحسب ليو تولستوي مساواة وتسامح وقدرة على تحرير الآخر والذات.
إذا كنّا لا نستطيع التحكّم بالغايات، أي بالوصول إليها، فيمكننا التحكّم بالوسائل، وهذا سيعني التحكّم بالغاية أيضاً من خلال الوسيلة، الغاية مجرّدة «Abstract» أما الوسيلة فهي ملموسة، الغاية تُعنى بالمستقبل، أما الوسيلة فتُعنى بالحاضر. الوسيلة تمثّل شرف الغاية، فالغايات والأهداف غالباً ما تكون متشابهة، لكن الفوارق الجوهرية هي في الوسائل في الكثير من الأحيان.
الوسيلة هي المقياس لتقييم الغايات والأهداف والأفكار والمبادئ والممارسات الدينية والسياسية والاجتماعية، وسيصبح التلازم عضوياً بين الغاية والوسيلة، وتلك مسألة جوهرية وليست عابرة أو ثانوية، أي أن الوسيلة تتوحد بالغاية، حيث لا انفصال بينهما، مثلما لا ينفصل الجلد عن الجسد.
السياسة بدون أخلاق ستغدو بشعة وكريهة، وعليها أن تكون أخلاقية في الغايات والوسائل، وعلى السياسيين أن يكونوا أخلاقيين بقدر اقتراب وسائلهم من غاياتهم المعلنة، وبقدر الاقتراب من الأخلاق تكون السياسة فاعلة ومؤثرة، وحسب ابن خلدون السياسة، تعني الخير العام وستكون فعالية السياسة بمدى تحقيق غاياتها النبيلة.
إن إسقاط الخصم أو العدو أو الإطاحة به ليس انتصاراً، ذلك أن الانتصار الحقيقي هو في تحقيق الغايات النبيلة والشريفة بوسائل شريفة أيضاً.
العنف واللاعنف، مثلما هما مسألتان اجتماعيتان، فإن كلاًّ منهما هو مسألة فردية أيضاً، وبقدر ما هو قضية قانونية، تحتاج إى تشريعات وأنظمة وضوابط ومؤسسات فهو قضية ثقافية واجتماعية أيضاً، وإذا كان العنف اضطراراً سياسياً واجتماعياً حتى وإن لبس ثوباً دينياً أو مذهبياً أو إثنياً، فإن اللا عنف سيصبح خياراً واعياً، حتى وإن واجه تحديات جساماً.
ومثل هذا الخيار يحتاج إلى عقد اجتماعي جديد وإقرار بحق الجميع في المشاركة والتعايش والمشترك الإنساني، وعندها سوف لا نجد أي انفصام بين الغاية والوسيلة، وهو المسألة التي لا تزال تشغل المجتمع العراقي بجميع فئاته.

باحث ومفكر عربي
صحيفة اليوم السعودية ، الثلاثاء 24/12/2013



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف وأسئلة التغيير : الحرية، الوعي، والحقوق


المزيد.....




- سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع ...
- مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ ...
- كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
- بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
- حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع ...
- البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان ...
- أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
- مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
- أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الحسين شعبان - اللاعنف بين الوسيلة والغاية!