أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حمدى عبد العزيز - عن أمى أحدثكم















المزيد.....

عن أمى أحدثكم


حمدى عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 4313 - 2013 / 12 / 22 - 21:37
المحور: سيرة ذاتية
    


فى هذه الأيام تحديدا .. أتذكر أمى - المرأة الريفية البسيطة التى نزحت مع أبى ( الرجل الصعيدى ) الى القاهرة حيث مقر عمله (عقب أدائه الخدمة العسكرية ) ككمسارى فى النقل العام ثم شرطى مرور - وكنا نقيم فى المساكن الشعبية بإمبابه التابعة لمحافظة الجيزة ( حجرة وصالة وحمام ومساحة ضئيلة لمنضدة يوضع عليها وابور الجاز وأوانى الطبخ تسمى مطبخ ) ..
كانت تجمعنا ليالى الصقيع فى إمبابة وكانت أمى تجمعنا أنا وأخوتى الأربعة البنات فى الصالة - التى هى غرفة نومنا نحن الصغار - وتاتى لنا بوابور الغاز بعد ان تشعله ونتحلق حوله جميعا متسابقين فى فرد أكفنا -التى تتوق الى الحرارة - الى أقرب مسافة ممكنة من شعلة الوابور .. أتذكر أننى أحيانا كنت أقف مفسحا ساقى بحيث تتوسطنى شعلة الوابور وأتبادل أنا واخوتى تلك اللعبة الخطرة وسط تحذيرات أمى .. كنا نفعل الكثير من الألعاب مع هذا الوابور المشتعل فى تلك الليالى الشتائية الشديدة البرودة كى مانختطف أقصى مايمكن من الدفء ..كنا أحيانا نتحلق حول عيدان القصب التى كان والدى يحضرها معه أحيانا وهو عائد من وردياته المسائية .. وندخل فى حالة مص جماعى محموم لأعواد القصب ..

وكانت أمى تجهز لنا فى أحيان أخرى شيئا نأكله أو مشروبا ساخنا نشربه ( قدر ماتسمح به الظروف ) كانت أكثر أكلة تجهزها لنا هى أكلة ( سد الحنك ) وهى عبارة عن خليط من الدقيق والسمسم والسمن المسوى .. أو تغلى لنا مسحوق الحلبة التى تكون قد جلبتها لنا من عطارة ما فى الغورية أثناء تسوقها بالنهار هى وجارتنا الجنوبية أم حياة ..
لم يكن كل ذلك سيدفئنى إلا إذا كانت أمى - على بساطتها الريفية -هى الدفء الحقيقى بالنسبة لى .. وهى التى لم تكن تحمل أية شهادة تعليمية ولم تكن تفك الخط كما يقولون .. ( كثيرا ما كنت أسمع والدى متهما أياها بالجهل ) , ولكنها كانت تمتلك القدرة على إشعال خيالاتى بحكاياتها التى لم تكن تنتهى عن أمنا الغولة التى أمرت ست الحسن والجمال بتنقية شعرها من القمل وأكله وكانت ست الحسن والجمال تلجأ الى حيلتها فى أن تضع فى جيبها حبات السمسم وتأكله على أنه القمل الذى أصطادته من رأس أمنا الغولة .. وبذلك أمنت شر هذه المخلوقة ذات العينين الحمراويتين التى تخرجان شررا من النار .. كنت ألهس حتى أصل مع أمى إلى النقطة التى عفت فيها أمنا الغولة عن ست الحسن والجمال وأطلقت سراحها بشرط أن تأتى كلما أحتاجتها لتصطاد لها القمل من شعرها الطويل ووجدت ست الحسن والجمال خلاصها فى حبات السمسم التى تحتفظ بها دائما فى جيب جلبابها .. وكلمات أمنا الغولة الشهيرة ..( لولا سلامك سبق كلامك لكلت لحمك قبل عظامك )
وكانت تجئ بعدها حكايات أمى عن أولئك الجنيات اللواتى يظهرن كحوريات جميلات على أسطح مياه ترعة قرية أمى فى الليل بشعورهن الطويلات السائحات المنسدلات ذات اللون الذهبى وعيونهن الخضراوات الجميلات الفاتنات الناعسات ووجهوهن الفاتنة وكيف انهن يجذبن بعض رجال القرية ويأخذنهم الى قاع المياه ليختفين بهم الى أبد الآبدين ..
وكذلك قصص الزواج التى كانت تتم بين هؤلاء الجنيات الجميلات وبين بعض الرجال فى السر .. ثم أختفاء هؤلاء الرجال فيما بعد الى ماتحت الأرض فى زواج أبدى يتم بين أهل الأرض من الأنس وأهل ماتحت الأرض من الجن ..
كثيرا ماكلمتنى أمى عن رجال من أقاربها وقد نادتهم بعض الكائنات الأنثوية الليلية الجميلة فى ظلام القرية وسرعان ماسحبتهم من أياديهم التى كانوا يمدونها فى الماء للأغتسال أو التوضؤ وأنجذبوا بقدرة قادر الى ماتحت المياه الى الأبد ..
كنت عندما أقول لأمى متسائلا (غرقوا ؟ ) ترد هى مؤكدة بحسم أنهم قد أخذتهم المعجبات بهم الى ماتحت المياه وانهم تزوجوا تلك الخليلات وأنجبوا بنات جميلات يظهرن من حين الى آخر- حين يأتى ليل القرية الحالك - وأنهن أحيانا يعرين سيقانهن الجميلة جدا والتى تنتهى من أسفل بأقدام كأقدام الماعز السوداء ..
أقسمت أمى أنها رأت كل هؤلاء وانها كانت ترى أرانبا بيضاء تجرى من أمامها وعندما تقترب منها تنشق الأرض وتبلعها .. وكم حدثتنى عن بكاء السواقى المهجورة الذى هو عبارة عن نحيب البنات اللاتى قتلن بواسطة أبائهن أو أشقائهن بعد أن أكتشفوا علاقاتهن الغرامية بشباب من قريتهم أو القرى المجاورة ..
فى البداية كانت هذه الحكايات تسبب لى رعبا وفزعا فادحين ووصل إعتمال الخيال الى درجة أننى بدأت أرى معطف أبى الأسود المعلق على شماعة الحجرة أمامى فى ظلام الغرفة عندما يحين وقت النوم واسرح بخيالى القلق الذى تشبع بحكايات أمى أرى هذا المعطف يبدأ عرضه اليومى بالتحرك ببطئ ثم التجول على حائط الغرفة ( ويبدوا أن أنوار السيارات المارة ليلا على طريق إمبابة الأسفلتى والذى كان يطل عليه مسكننا كان يساهم فى تجسيد هذا المشهد المتحرك أمامى ويفتح آفاقا لحركة المعطف الأسود الذى دبت فيه تلك الحياة الشيطانية - كما أراه فعلا وقتها - وعرفت فيما بعد أن نضجت أن ذلك كله كان خيالا أو هلاوس بصرية نتيجة التعاطى العقلى مع حكايات أمى ) وينتهى ذلك المشهد بإقتراب المعطف الأسود فى نهاية جولته الدائرية على الحائط من أقرب نقطة الى وجهى فأقفز صارخا من سريرى لتتلقفنى أمى فى صدرها الحنون وتطبطب على قائلة (ماتخفشى ياحبيبى .. مافيش حاجه .. أنا معاك أهوه ) وتهدئ من روعى قارئة بعض الأذكار والأدعية التى أتت بها من الريف الى المدينة ...
ولكننى مع الوقت أكتشفت أننى أصبحت مولعا بحكايات أمى التى لاتنتهى عن الجن والعفاريت ومشاهداتها - هى كشاهد عيان ودليل إثبات - لبعض من هؤلاء المخلوقات وأصبحت لاأخشى أن تأتينى هذه المخلوقات حيث أنام ( لم تعد تأت ولم يعد معطف والدى ومتعلقاته تتحرك أمامى مع الوقت ) ..
لم أبرح حكايات أمى حتى بعد أن كبرت وكنت كثيرا ما أناقشها فى تفاصيل بعد الحكايات والح عليها بالأسئلة ولم تكن تمل ..
هى أمرأة جاءت ككل الريفيات التى ينزحن الى البنادر لم يكن لديه أى حظ من التعليم المدرسى ( القراءة والكتابة ) فقد كان أهل الريف لايرغبون فى تعليم البنات على أساس أن مآلهم الى الزواج وخلفة الأولاد وخدمتهم هم وأبيهم وربما أتسع الأمر الى كامل العائلة ( فالدور كانت فى الريف تتسع الى ثلاثة أجيال فى دار واحدة وكانت البنت تتطلب لنسبها ولمهارتها فى الطبخ والغسيل والى ماشابه ذلك ) ..
عرفت أن أمى لاتجيد القراءة والكتابة من لقب (جاهلة ) الذى أطلقه عليها ( بأعتبار أنه كان يحمل شهادة الإعدادية ) .. كان دائما مايعايرها بإفتقارها للقراءة والكتابة ودائما مكان يتفاخر بشهادة الأعدادية وبعد ذلك أنكب على الحصول على شهادة الثانوية فأصبح أمينا للشرطة وقت أن غنت سعاد حسنى (ماتقولشى أمين شرطه اسمالله .. ولا دبلوماسى ) .. وبالرغم من أنه ( أى أبى رحمة الله ) حصل على دبلوم المعهد التعاونى الزراعى وانتقل بعد ذلك الى العمل فى بنك التسليف الزراعى بالبحيرة التى انتقلنا للأقامة معه نهائيا فيها بعد حرب أكتوبر - لم يؤثر فى ثقافتى ولا فى معارفى العامة قدر ماأثرت بسيمه أحمد قطب دويدار تلك المرأة الخالدة فى مكنون روحى ...
فقد وسعت من خيالى وإدراكى مبكرا وعلمتنى كيف ألهث وراء المعارف والحقائق فى هذا العالم .. هى التى كلمتنى عن الظلم وعن المظلومين فى حكاياتها وعن الخير والشر .. هى التى علمتنى كيف أتعلم من البشر
وللحديث بقية لن تنتهى ....



#حمدى_عبد_العزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظات على هامش مشروع دستور مصر 2014
- المرأة المصرية والدستور
- فى نقد الثائرين
- أحمد فؤاد نجم .. نبل فى منتهى الشراسة
- استبدال الرأس السياسى للتحالف الطبقى المسيطر هو ماتم بعد تنح ...
- فى شأن مسألة الفريق السيسى
- أقنعة محمد محمود الأولى
- أوهام مرحلية
- عندما كانت الحكمة تنطق من صيحات حواة الشوارع
- خمسة ملاحظات حول وحدة اليسارالمصرى
- فى شأن مسألة انتشار ارتداء الحجاب والعباءة النسائية والنقاب
- دونما ذلك سنكون خارج التاريخ
- فى معنى ان يقف الحاكم الثانى فى القفص
- كلمات حول الأنتظام السياسى الجماهيرى ( بفتح الغين دائما )
- كهنة الدولة المصرية ودراويشها
- معاينة عبر مشهدين
- اكتوبر .. انتصار حرب فى اطار استراتيجية التحرر الوطنى ... ام ...
- بيان الحزب الاشتراكى المصرى بالبحيرة
- زواج السلطة بالثروة .. دائما يحدث هذا ....
- فى التناول السياسى لقضية المرأة المصرية - لا عزاء للسيدات


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حمدى عبد العزيز - عن أمى أحدثكم