أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - مصطفى مجدي الجمال - فريق رائع















المزيد.....

فريق رائع


مصطفى مجدي الجمال

الحوار المتمدن-العدد: 4313 - 2013 / 12 / 22 - 06:52
المحور: سيرة ذاتية
    


ليكن هذا زمن كشف الأسرار.. والأسرار كثيرة جدًا عندي. ولم لا؟! فقد كنا منذ أوائل السبعينيات في غمار نشاط عارم نجتهد فيه من خلال تنظيم سري. وحينما انضممت لهذا التنظيم مع المناضل الكبير الدكتور سالم سلام (أستاذ طب الأطفال بجامعة المنيا الآن) كان لا بد وأن نتوسع تنظيميًا وسط زملائنا من الطلاب الوطنيين والثوريين الذين امتلأت بهم جامعة المنصورة، في أجواء النكسة.

وبالطبع كان هناك آخرون نكتشف شيئًا فشيئًا انتماءهم لتنظيمات أخرى، ورغم السرية الكبيرة التي كانت تكتنف هذه الانتماءات، فقد كنا نعرف بعضنا بعضًا، أو كما قال الصحفي عبد الستار الطويلة للطالب محمد المخزنجي (الأديب والكاتب الكبير الآن) على سبيل إحراجه في إحدى الندوات: "لا يفهم اللص إلا اللص"!!

كان أول من جربت حظي في "تجنيده" (وهو التعبير العسكري المستعار للتنظيمات اليسارية) هو ناجي المشد الطالب بالسنة الأولى بكلية التجارة وقتها. وناجي من أسرة ثرية من مدينة بلقاس، وفي الوقت نفسه كان (ولا يزال بالطبع) وسيمًا وأنيقًا على الدوام. وهو ما جعل له وضعية خاصة بين زملائه وزميلاته أيضًا. ولهذا كان تجنيد ناجي "فتحًا" بمعنى الكلمة. كان ناجي يتجاوب معي ومع ما أقوله بلا أي مشاكل، وما أثقل المسئولية حينما تجد شخصًا يثق فيك بهذه السهولة والبساطة.

وكانت هناك مشكلة صغيرة في تجنيد ناجي، فهو شقيق أصغر لشقيقين في تنظيم آخر، وأحدهما يتبوأ مركزًا قياديًا فيه. ومع ذلك نجحت في مفاتحته وضمه. فصار رفيقًا شديد الإخلاص والعطاء. وتكونت في بلقاس لجنة حزبية ميزتها أنها لم تكن من طلاب الجامعة. ومن الطريف أنني زرته يومًا في بلقاس في عيد الأضحى ففوجئت بشقيقه القيادي يقتحم علينا الغرفة، ولم يكف عن التحديق فيّ شزرًا. وسريعًا حوّل دفة الحديث إلى هجوم عنيف على التنظيم الذي ننتمي إليه، ورماني باتهامات من نوع الانتماء للتراث "الحدتاوي" الانتهازي، وأسهب في سرد مثالب شخصيات يفترض أنها قيادية في تنظيمنا.

كل ما أذكره عن هذا اللقاء العاصف أنني احتفظت بهدوئي، وأكدت له اتفاقي مع كثير مما طرحه من آراء سياسية ونظرية، وتحفظت على الأحكام على الأشخاص، مع التأكيد على أننا جيل جديد لا علاقة لنا بهذه الحكايات الماضوية، وأن الحكم النهائي على أي شيء يجب أن يكون موضوعيًا (من الطريف أننا أصبحنا صديقين بعد هذه الواقعة بعقود).

المهم أن انتماء ناجي وانضباطه الحزبي لم يتأثرا على الإطلاق بعد هذه المواجهة، وظل مخلصًا ومعطاءً إلى أقصى الحدود.

كانت مغامرتي الثانية في التجنيد مع محمد عبد الحميد (المدير الإداري بجامعة المنصورة سابقًا) الشهير باسم محمد كتكوت (نسبة إلى مقهى شهير بجوار منزلي بالمنصورة كان يمتلكه عمه أو خاله). ولمحمد حكاية غريبة جدًا. فقد شاء حظه العاثر أن يتشابه اسمه مع أحد المتهربين من التجنيد، وأن "شيخ الحارة" الفاسد -غالبًا- قد دلّ الشرطة العسكرية على كتكتوت بدلاً من المتهرب، وكان كتكوت قد قبلت أوراقه للتو في كلية التجارة لكن لم تنجز بعد إجراءات تأجيل تجنيده. وسيق محمد إلى السجن الحربي (وما أدراك عن أهوال السجن الحربي خاصة مع المتهربين من التجنيد).

وتعقدت الأمور أكثر باندلاع حرب أكتوبر فأوقفت كل المحاكمات العسكرية التي لو انعقدت لخرج الشاب من محبسه فورًا. ولك أن تتصور شابًا يافعًا يقضي أشهرًا طويلة في السجن الحربي دون ذنب أو تحقيق (ومن المثير أن كتكوت أقام فيما بعد دعوى للتعويض عما وقع عليه من غبن، ولكن الحكم كان أن الخدمة العسكرية شرف لا يدفع عنها تعويض حتى لو قضى المجند مدتها في السجن الحربي!!).

تعرفت على محمد عن طريق جاره محمد المخزنجي، وأصبحنا صديقين بسرعة غريبة، خاصة أن هناك تشابهًا كبيرًا في الملامح بيننا، حتى أن الكثيرين ظنوا أننا شقيقين. وهو بالفعل كان أخي الذي لم تنجبه أمي. وقد جندت محمدًا بسهولة فاجأتني، كأنه كان يعرف بالضبط ما سأفاتحه فيه. وكان محمد عضوًا منضبطًا ونشيطًا وتميز باتساع علاقاته الجماهيرية، وخاصة خارج الجامعة.

ويجب أن أذكر أن محمد كان لاعب ملاكمة من طراز رفيع (وهو الآن من مدربي الملاكمة الذين أخرجوا أبطالاً شارك بعضهم في البطولات العالمية) وكنت أعجب لهذا فحجمه ليس كبيرًا، إلا أنه كان شرسًا وماهرًا في رياضته. أذكر يومًا أنني كنت أتناقش في فناء الكلية مع بعض الطلبة، وبجواري محمد مع مجموعة أخرى، وفجأة وجدت رفيقي يطيح بطالب أكبر منه حجمًا بكثير بضربة واحدة (من أسفل لأعلى) ووجدت الطالب يطير إلى الوراء أمتارًا بسببها. ولما لُمته على ذلك قال إن المضروب قد تطاول على إحدى زميلاتنا. ساعتها أدركت أننا نمتلك "قوة ضاربة".

أما محسن شبانة (المدير الإداري لمعهد الكلى سابقًا والكبد حاليًا) فقد تعرفت عليه في الكلية كشاب أنيق جدًا، ويحب وضع نظارة الشمس، ويقرض الشعر الرومانسي، ومقبل على الثقافة والمثقفين. وكانت ميزة محسن أنه من طلخا (البر المقابل لمدينة المنصورة) وهو ما سيفتح لنا المزيد من الفرص مع شباب آخر غير الذين يعرفهم سالم سلام (الطلخاوي الأصيل).

نجحت بسرعة في الاقتراب من محسن، وأطلعته على وثائقنا التنظيمية كصديق، وقد كان مرحبًا جدًا، واستفاد التنظيم كثيرًا من علاقاته الواسعة بسبب شخصيته الاجتماعية الودودة والمحبة للحياة. وهو إنسان منضبط ومحترم ومطواع إلى أقصى الحدود، إلى حد أنني كنت أتردد في تكليفه بأمر صعب لأنه كان سينفذه دون مماحكة أو تحوير أو مناقشة. ولعل ما يحزنني أن محسن حينما دخل عالم السياسة ابتعد كثيرًا عن عالم الشعر الذي كان من الممكن أن يكون نجمًا فيه.

وفي الحقيقة أنني كنت أقول لنفسي دائمًا: "ومن الذي لا يحب محسن شبانة؟!".

ثم كان الإنجاز المهم بأن نجحت في تجنيد عبد العزيز عبد الحق بكر الطالب وقتها بكلية الطب (أخصائي التحاليل الآن). وهو من أسرة ميسورة جاءت من السنبلاوين. وعبد العزيز منذ صغره تبدو عليه ملامح الرجولة الكاملة. وكان (ولا يزال) يتسم بسمتين متناقضتين، فهو جاد جدًا، ولكنه في نفس الوقت من أساتذة المزاح و"القافية"، فضلاً عن ثقافته الواسعة جدًا.

ومن الطريف أن مشكلة وقفت بيننا لفترة حينما فاتحته في الانضمام. إذ فاجأني بقوله: "أنا لا أصلح لعضوية هذا الحزب لأنني أنتمي للطبقة البرجوازية". وقد أعيتني معه الحجج فاستعنت بضرب الأمثلة عن شخصيات مثل نبيل الهلالي ومحمد سيد أحمد وإلهامي سيف النصر وغيرهم من أبناء الباشوات الذين انتموا لليسار.

كانت مجلات الحائط التي يصدرها عبد العزيز تجذب الكثير من الطلاب، كما كان موضع احترام واسع، الأمر الذي ساعد في زيادة العضوية. وقد أفادنا انضباطه الحديدي في ضبط الكثير من الممارسات الطلابية غير المنضبطة الشائعة وسط الطلاب. ويعلم عبد العزيز أن الطلاب الصغار الذين انضموا للتنظيم بعد ذلك كانوا يطلقون عليه سرًا اسم "ستالين"!!

ومن أهم مواهب عبد العزيز قدرته على تأليف الشعارات وقيادة الهتاف في المظاهرات، وقد أجاد هذا بنفس قدرته على التحليل السياسي والإنجاز التنظيمي. وأذكر أنه كان من أهم من قادوا مظاهرات 19 يناير في المنصورة، وتناهى هذا الخبر لأسرته. وبعدما انتهت الأحداث عقدت له الأسرة "محاكمة"، وقد أخبرني أن الأهل كانوا مذهولين لخروج ابنهم في مظاهرات تعترض على زيادة سعر رغيف الخبز من 5 مليمات إلى قرش صاغ.. والمضحك أنهم عرضوا عليه زيادة "المصروف".

وبعد أحداث 1977 تعرفت على نصر حلقة طالب الهندسة عن طريق ابن خالته زميلنا علاء سلامة. ونصر شخصية جماهيرية من طراز لا يتكرر كثيرًا. وهو لا يعرف الهدوء مطلقًا. ولم أجد أحدًا يؤمن بقدرة الناس العاديين مثله. وبالإضافة لذلك هو شخص "حبوب" جدًا.. ويستطيع أن يصادقك بأسرع الطرق ففي المقابلة الأولى بينكما يضع ذراعه في ذراعك كأنما يعرفك من زمن.

ولا يعرف كثيرون غيري حجم التضحيات التي قدمها نصر من أجل بلده، على حساب عمله ودخله وأسرته وصحته.. وكنت أشعر دائمًا بأنه ابني الذي أخاف عليه من الاستغراق حتى أذنيه في العمل الوطني.

هكذا تكون فريق رائع، كان بمثابة "الخميرة" التي أنتجت الكثير. فتكاثرت علاقاتنا بشكل مذهل، واتسعت علاقاتنا وهياكلنا التنظيمية بشكل فاق قدرتنا على استيعابه. حتى لأؤكد أن حجم عملنا في محافظة الدقهلية، بل وحتى جامعة المنصورة، قد فاق حجم تنظيمات أخرى بأكملها، وهي الرؤية والنتيجة التي توصلت إليها بعد عقود.

كما لا يمكن أن نغفل رفاقًا آخرين من تنظيمات أخرى، وكذلك رفاقًا كانوا مستعصين بطبيعتهم على التنظيم الحزبي ولكنهم كانوا جزءًا لا يتجزأ من تيارنا العام.

وبالطبع أنا لم أقدم هنا جردة بالعضوية أو العشرات والعشرات من الشخصيات الرائعة التي عملت في إطارنا وإطار اليسار.. فهذا موضوع فوق طاقة وحيز هذا المقال، وغالبًا سأتطرق للكثيرين في مناسبات قادمة.. ولكني تحدثت فقط عن شخصيات كانت بداية و"خميرة".. وهؤلاء أذكرهم اليوم بالذات لأعرب لهم عن شكري لدورهم في حياتي، حيث ساعدوني في أن أجد لها معنى..

ولأقول لهم : أحبكم وأحترمكم.



#مصطفى_مجدي_الجمال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من غير لف ودوران
- دليلك إلى القيادي الشرير
- وحزب يساري جديد في مصر..
- ثورة من جديد ؟!
- وحدة اليسار المصري بين السراب والممكن
- حديث طريف.. وكله عِبَر
- مينا دانيال.. بطل من مصر
- مسألة السيسي بين الاستقالة أو الاغتيال
- كي لا تفشل الثورة المصرية
- مظاهرة الزيتون
- غابت البوصلة والطليعة فحضرت الكاريزما
- شعب ثائر وحكومة مرتعشة
- المجد للشعب المصري
- أيام مصر الخطيرة
- انقلاب عسكري أم انقلاب ثوري
- الثورة المصرية بحاجة لطليعة
- لا نوايا حسنة في تبرير الإرهاب
- الساكت عن النقد...
- شافيز.. عرفته قبل أن أقابله
- حتى لا تخسر القضية الفلسطينية شعب مصر بسبب حماس


المزيد.....




- بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط ...
- بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا ...
- مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا ...
- كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف ...
- ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن ...
- معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان ...
- المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان.. ...
- إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه ...
- في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو ...
- السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - مصطفى مجدي الجمال - فريق رائع