أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - هاجر زرّوق - الاصولية الدينية و فشل النخبة المثقفة التونسية














المزيد.....

الاصولية الدينية و فشل النخبة المثقفة التونسية


هاجر زرّوق

الحوار المتمدن-العدد: 4312 - 2013 / 12 / 21 - 10:34
المحور: المجتمع المدني
    


غالبا ما تحمّل النخبة المثقفة في تونس الحكومة الإسلامية الحاليّة و التيّارات الوهابية مسؤولية انتشار الأصولية في المجتمع, كما تستنكر - ما تعتبره - عجز المُتلقّي التونسي عن قراءة أساليب التضليل المعرفي المتخفية وراء الخطابات الدينية و السياسية و جهله بحقيقة حيثيّاتها. في المقابل, تظهر النخبة المثقفة و كأنّها في غنى عن النّقد: فهي تدين غيرها و لا تدين نفسها, مع أنّ وظيفتها الأولى كنخبة فكرية تقتضي عليها أن تحول دون بروز الفكر الأصولي في مجتمعنا و أن تكون الدّرع الواقي ضدّ التطرّف الديني. تطرح هذه الإشكالية إذن مسألة ترابط فشل مشروع النخبة المثقفة التونسية برواج الأصولية, كما تنظر في مدى نجاح المثقفين التونسيين في تفعيل دورهم كنخبة.

تُعدّ تونس من جملة البلدان العربية التي تتمتّع بنسب ضئيلة من الامية و الفقر المدقع. فمع فجر الاستقلال, قامت حكومة بورقيبة التقدّمية بحملة تعليمية مجّانية هدفها إرساء البنية التحتية الملائمة لاستقبال عدد هامّ من طالبي العلم, ذكورا و إناثا. مكّنت هذه الحملة تدريجيا من ترسيخ ثقافة مجتمعية تعليمية قضت بصفة شبه كاملة على الأميّة. كما كافح النظام البورقيبي الفقر الشّديد بتمكين المتخرّجين الجدد من فرص عمل و بتدمير الأكواخ التي كانت تعمّ المشهد الحضري و تعويضها بأحياء لائقة للسّكن.

تضاهي اليوم نسبة التعليم في بلادنا المئة بالمئة, و لكن بات من الواضح انّ صفة المتعلّم لا تقضي على نوع آخر من الأميّة, ألا و هو غياب القدرة على إعمال العقل الموضوعي و النقدي: هذه الموهبة التي تجنّب المرء السقوط في شرك الأصولية الدينية المقنعة بحجاب التقوى. على هذا المستوى, تمثّل النخبة المثقّفة المؤسسة الثانية التي تنوب المؤسسة التعليمية في مهمّة "تنوير" العقول و تحريرها من أغلال التقليد و المعتقدات الراسخة و سجن اليقين المطلق.

إلاّ أنّ نجاح الاصولية اليوم في إغراء المجتمع التونسي لا يعني جهله و تخلّفه بقدر ما يعني فشل هذه النخبة المثقفة في تنشيط بيداغوجية التواصل و في إعادة إحياء العقل النقدي و الموضوعي الكامن في كلّ إنسان مهما كان مستوى تعليمه و ثقافته. عوض ذلك, تقوم معظم نخبتنا بتهميش المتلقّي التونسي عبر التفرقة بين مستويات العلم, متهمة إيّاه بانهيار مستواه الفكري و الثقافي و الأخلاقي, موجّهة له كلّ أنواع النقد اللاّذع, ساخرة من مواقفه و من طريقة تفكيره, مُتصورة نفسها انّها الأفضل في سلّم الذكاء و المعرفة, و لو كانت فعلا الأفضل, لما طالت الأصولية الوعي الجماعي و لما نجحت سياسيّا في الوصول إلى الحكم. بل لعلّ انتصار الأصولية يبيّن لنا حقيقة نشاط المثقفين التونسيين.

يرجع خلل هذا نشاط -حسب رأينا - إلى نقص في البيداغوجية النخبوية التي تعتمد على علاقة تقليدية بين المثقف و المتلقّي حيث يقتصر الطرف الأوّل على تبليغ الرسالة المعرفية بطريقة عمودية, أي دون أن يستنبط المعرفة من طيّات عقل المتلقّي عبر طرح الأسئلة و خلق الإشكاليات و تفادي الأحكام المسبقة . ثانيا, يرجع فشل النخبة المثقفة في تونس إلى مجموعة من الأخطاء الاستراتيجية حيث يحاول أغلبية المثقفين التلاؤم والمنظومة الفكرية السائدة لنيل رضاء المتلقّي و ضمان تأييده لأفكارهم. فنرى أنّ أغلبية المثقفين يسعون جاهدين إلى إدراج المعجم الديني في خطاباتهم و إلى ابراز مدى إيمانهم و إلى العزوف عن تناول بعض المسائل الأبستمولوجية الحرجة التي تمس بالمنظومة الإيديولوجية الجماعية. إلاّ أن استراتيجية المحاكاة و الحذر لم تفض إلى نتيجة, بل اصبحت معظم النخبة المثقفة التونسية بوق النظام الأيديولوجي المسيطر, مع أن وظيفتها الاساسية كنخبة تكمن في تفنيده.

إنّ نرجسية نخبتنا المثقفة و نقائصها البيداغوجية و اعتبار نفسها منبع الحداثة مع أنّها تحاكي العقلية السائدة يمثل جزء من فشلها في صراعها مع الأصولية. فكيف للنخبة المثقفة التونسية أن تأتي بالجديد و هي تؤسس لبيداغوجيا محافظة؟ كيف لها أن تهزم شبح الأصولية وهي تتفادى الدخول في مواجهة جريئة معه؟ كيف سيشيد المثقفون التونسيون مجتمعا حداثيا و هم لا يختلفون عن خصومهم على المستوى الاستراتيجي؟ كيف سينجحون في "تنوير" العقول و هم يلعبون دور السياسي الشعبوي بدل دور المثقف المحدث؟

- 1: البيداغوجيا السقراطية http://ife.ens-lyon.fr/publications/edition-electronique/revue-francaise-de-pedagogie/INRP_RF051_3.pdf



#هاجر_زرّوق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
- بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة ...
- بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
- قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...
- إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا ...
- إمكانية اعتقال نتنياهو.. خبير شؤون جرائم حرب لـCNN: أتصور حد ...
- مخاوف للكيان المحتل من أوامر اعتقال سرية دولية ضد قادته
- مقررة أممية لحقوق الانسان:ستضغط واشنطن لمنع تنفيذ قرار المحك ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - هاجر زرّوق - الاصولية الدينية و فشل النخبة المثقفة التونسية