سلمان محمد شناوة
الحوار المتمدن-العدد: 4312 - 2013 / 12 / 21 - 10:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كل عام يأتي العاشر من محرم ويتبعه ذكرى أربعينية الحسين , وكل عام ومنذ كنا صغارا ونحن نستمع إلى حكاية الإمام الحسين وقصة مقتله وغدر أهل الكوفة به ثم مسير السبايا إلى الشام , ولقاء يزيد الطاغية مع إل البيت والحوار المدهش بين يزيد والسيدة العظيمة زينب أو الخطاب بين يزيد وزين العابدين علي بن الحسين ... وهي قصة حفظناها في وجداننا ومخيلتنا وأرواحنا حتى أصبحت جزء من الحياة اليومية لأي شيعي أو إي إنسان حر يطالب بالحرية .. وأخذنا ننتبه كم هذه الأيام يشعر بها إي حاكم طاغي يريد استمرار حكمه بالظلم والطغيان ونحن نشاهد مؤسسات الدولة الأمنية وهي في حالة استنفار كامل , حتى لا يقع إي حادث يخل بأمن هذا الحاكم ...لان هناك شعورا قويا إن مأساة الحسين لم تعد تنحصر بزمان أو مكان معين إنما هو شعور يمتد عبر التاريخ إلى الحاضر , فكل مظلوم يشعر انه حسيني وكل صاحب حاجة إذا أغلقت في وجهه الطرق توجه إلى أبي عبدا لله الحسين يطلب حاجته , حتى تم رسم شخصية الشيعي بكل خطوط العرض والطول فيها , وترسبت فيه كل حالات القلق والهدوء في دورات تبدء من يوم العاشر وتنتهي في يوم العاشر من السنة القادمة في دورات أشبه بدورات الحياة والموت ..
أصبحت شخصية الشيعي محمدية الديانة وعلوية القالب وحسينية المظهر , أنها أشبه بالطقوس اليومية والتي يمارسها بشكل يومي , يمارسها في عمله وفي وقت راحته وفي تسمية أبنائه وفي علاقته مع الآخرين ..لم يعد الشيعي كائن منفصل عن كل الطقوس التي يمارسها في حب عجيب غريب , يكاد لا يرى في كل بلاد العالم ...
وهذه الشخصية تكونت من خلال السرد الدائم من وعاظ المنبر الحسيني , فلا يستقيم إن يكون هناك واعظ حسيني دون إن يكون حافظ هذه القصة يتلوها أناء الليل وأطراف النهار , ولا يمكن إن يتصور قارئ حسيني , لا يستطيع إن يلهب عواطف المستمعين بكل قصص الإيثار والتضحية والمظلومية والتي امتاز بها بيت إل النبي ...
ولكننا مع هذا نلوم وعاظ المنبر الحسين وكل قارئ حسين , في إخفاء ونخشى أحيانا إن يكون بشكل متعمد أو إخفاء بسوء أو بدون سوء نية , الدور البطولي لكل أصحاب الحسين وأهل بيته , وكأن قصة الحسين تتركز فقط في الشخصيات الرئيسية والتي دائما نستمع لها وحفظناها عن ظهر قلب بحيث بتنا لا نرضى , إن يحكى لنا قصة تخالف المأثور في قصة الحسين , أو إن يأتي لنا باحث بحقائق تخالف ما تعودت أرواحنا إن تسمعه ...
هناك الكثير من إل الحسين من أخوانه ومن أولاده لا يذكرون بشكل كامل أمثال (( أبو بكر بن علي وعثمان بن علي وجعفر بن علي )) وهم إخوان العباس أبناء أم البنين (( فاطمة بنت حزام )) , لا يذكر كذلك (( أبو بكر بن الحسين مثلما ذكر كل من علي الأكبر وعبدا لله الرضيع وعلي بن الحسين )) لا يذكر (( أبو بكر بن الحسن بن علي ولا تعرف قصته ولا دوره مثل أخوه القاسم )) , هناك 72 من أصحاب الحسين لا تعرف من قصصهم سوى قصة (( الحر بن يزيد ألرياحي )) (( وزهير بن القين )) و (( مسلم بن عوسجة )) , لا يعرف عن رسل الحسين سوى (( مسلم بن عقيل )) ولا يعرف شيئا عن دور غيره ابدآ .
حتى قال البعض إن عدم ذكر أبو بكر بن علي أو أبو بكر بن الحسين أو أبو بكر بن الحسن أو عثمان بن علي , كراهية أسماء مثل (( أبو بكر وعثمان وعمر )) لذلك أصبح هؤلاء منسيون مجهولون في تاريخ هذه الملحمة العظيمة , ولكنهم أبناء علي أو الحسين أو الحسن ودورهم لا يقل أبدا عن دور إخوانهم مثل العباس والقاسم وعلي الأكبر , والحقيقة إن الملحمة الحسينية لم تتم ابداً إلا بهؤلاء .
ومن هؤلاء جون مولى أبا ذر الغفاري ...
* كان عبداً أسوداً، قد اشتراه الإمام علي(عليه السلام)، ووهبه لأبي ذرّ الغِفاري(رضي الله عنه)، فكان عنده يخدمه، وخرج معه عندما نُفي إلى (الربذة)، فلمّا تُوفّي أبو ذرّ رجع إلى المدينة المنوّرة، وانضمّ إلى الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)، ثمّ من بعده انضمّ إلى الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)، ثمّ من بعده انضمّ إلى الإمام الحسين(عليه السلام)، وبقي ملازماً له حتّى في خروجه إلى كربلاء، وقاتل دونه حتّى قُتل، وعدّ من أصحابه(عليه السلام) الذين نالوا شرف الشهادة وطيب الريح بين يديه(عليه السلام).
من أقوال العلماء فيه
قال الشيخ محيي الدين المامقاني(قدس سره): «إنّ مَن تربّى في حجر الصحابي الجليل أبي ذرّ رضوان الله تعالى عليه، وقضى حياته في ظلّ سيّدي شباب أهل الجنّة، لحريّ أن ينال الشرف العظيم ـ شرف الشهادة ـ بين يدي سيّد شباب أهل الجنّة، وشرف السلام عليه من الإمام المعصوم الحجّة محمّد بن الحسن(عليهما السلام)، فأقلّ ما يُوصف به الوثاقة، فهو من أوثق الثقات، بل أرفع شأناً من ذلك» .
شهادته
جاء(رضي الله عنه) يوم العاشر من المحرّم إلى الإمام الحسين(عليه السلام) يستأذنه للقتال.
فقال(عليه السلام) له: «أنت في إذن منّي، فإنّما تبعتنا طلباً للعافية فلا تبتل بطريقتنا.
فقال: يا ابن رسول الله، أنا في الرخاء ألحس قصاعكم، وفي الشدّة أخذلكم، والله إنّ ريحي لمنتن، وحسبي للئيم، ولوني لأسود، فتنفّس عليّ بالجنّة، فيطيب ريحي، ويشرف حسبي، ويبيض وجهي، لا والله لا أفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم»(4 .
أذن له الإمام الحسين(عليه السلام) فبرز مرتجزاً:«كيف ترى الفجّار ضرب الأسود ** بالسيف صلتاً عن بني محمّد
أذبّ عنهم باللسان واليد ** أرجو به الجنّة يوم المورد» . فقتل خمساً وعشرين رجلاً، ثمّ سقط شهيداً في أرض كربلاء، يوم العاشر من المحرّم الحرام عام 61ﻫ-;- . وقف الإمام الحسين(عليه السلام) على مصرعه قائلاً: «اللّهم بيّض وجهه، وطيّب ريحه، واحشره مع الأبرار، وعرّف بينه وبين محمّد وآل محمّد.
وروي عن الباقر(عليه السلام) عن علي بن الحسين(عليهما السلام) أنّ الناس كانوا يحضرون المعركة، ويدفنون القتلى، فوجدوا جوناً بعد عشرة أيّام يفوح منه رائحة المسك، رضوان الله عليه .
ومن هؤلاء المنسيون ...(( برير بن خضير الهمداني )) هو أحد أصحاب الحسين الذين قتلوا معه في كربلاء وكان قارئًا ومعلمًا للقرآن، ومن كبار شجعان الكوفة ، وينتمي لقبيلة همدان، يعتبر برير من التابعين وعرف بسيد القراء، وكان يكثر من قراءة القرآن والعبادة في مسجد الكوفة، و له منزلة مرموقة في قبيلة همدان وعند أهل الكوفة.
لقد قتل في موقعة الطف اثنان من أبناء السيدة زينب وهما , عون بن عبد الله بن جعفر الطيار , ومحمد بن عبدا لله بن جعفر الطيار .... لا يذكرون تماما في قصة الواقعة .... وكأن هناك غطاء يتعمد وضعه عليهم , ربما يخاف القارئ إن يكون للسيدة زينب حزن أخر غير حزنها على الحسين أو العباس ..
الحقيقة إننا نضع أمثلة ., ولكن كل أصحاب الحسين يحتاجون للتمجيد مثل الأشخاص الرئيسية في الملحمة , فهذه الملحمة عاشت في التاريخ وانتقلت إلى وجدان الناس , وعاشت مع المظلومين يحلمون بيوم الانتصار , فملحمة كربلاء ليست قصة نحكيها لأطفالنا , وليست رواية نحكيها حتى نرفه عن أنفسنا , إنما هي حياة تستمر معنا تعطينا العزم إذا خف العزم فينا , تعطينا الأمل إن يوم الظالم لابد انه آت , وان لابد لليل من نهاية ولابد لدولة العدل إن تسود في أخر المطاف ...
اشعر أحيانا وكأن قصة الحسين هي الخط الموازي لكل ظالم عل وجه الأرض , أو هي حاجة الإنسان حتى يستمر بالحياة , لأنه في اللحظة التي يسود فيه الظلم والطغيان يحتاج الإنسان إلى متنفس , حتى يشعر بهواء الحرية ... وأخشى كثيرا إن تتحول ملحمة الحسين إلى قصص تثير بنا الأسى ولا تثير الهمة , تثير بنا الحزن ولا تثير بنا الرغبة بالحرية ...بسهولة يستطيع القارئ الحسيني إن يحولها إلى اقصوصه , أو يحولها الثائر إلى قصة ولادة دولة الحرية والعدل , ونحن نختار بين الطريقين والاتجاهين ...
إنا اعتقد انه من الظلم إن ننكر دماء ثائر , أو تضحية إنسان , فروح الإنسان عزيزة وليس من السهل إن يضحي بحياته من اجل قضية , وانه من العار إن يتم إخفاء هذه القصص بتعمد أو حسن نية , لان الشهداء هم من يعطونا قيمة حقيقية لحياتنا ...
جميل إن نصرخ هيهات منا الذلة ... ولكن يجب إن نجعلها حقيقة في واقع حياتنا اليومي , فالشعوب التي تشعر بالعبودية , لن تثور للكرامة , ولكن الشعوب التي تملك الكرامة تثور وتصرخ هيهات منا الذلة ...
جميل إن نرفع شعار الحسين , إن مثلي لا يبايع مثله ... ولكن يجب بان نجعل هذا الشعار ثورة وانتفاضة حتى لا يأتي يزيد أخر أو طاغية أخر يضرب الناس بالسياط ويستعبدهم وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ...
ملحمة الحسين لا تحتاج إلى قارئ منبري ولا تحتاج إلى واعظ حسيني ..بقدر حاجتها إلى روائيين يخرجون العبر والبطولة من كتب التاريخ المنسية , ... ونحن شعب يحتاج للبطولة كثيرا , لان واقع حياتنا بما فيه من ذل وهزائم , ونحتاج إلى أمثلة للبطولة تعيش داخل الضمير والوجدان , تعطينا الطريقة والوسيلة ونقطة الوصول ونبني عليها حياتنا ....
#سلمان_محمد_شناوة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟