أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أسامة مساوي - أربعة مفاهيم ملغومة















المزيد.....

أربعة مفاهيم ملغومة


أسامة مساوي

الحوار المتمدن-العدد: 4308 - 2013 / 12 / 17 - 19:25
المحور: المجتمع المدني
    


من بين أكبر الأضاليل التي يصدقها ’’الناس’’ في هذا العالم تلك المرتبطة بمفاهيم من قبيل ’’الحرية’’ و’’التسامح’’ و ’’حوار الأديان’’ و ’’السلام’’ ...خاصة حينما يطلق عنها الكلام على عواهنه دون ضبط ولا تواضع مسبقين على حمولة وماهية هذه المفاهيم الملغومة!

لنبدأ مع المفهوم الأول:

مثلا مفهوم ’’الحرية’’ من المفاهيم ’’المقدسة’’ والمركزية داخل الفلسفة الوجودية المعاصرة.وجون بول سارتر رائد هذا المذهب الفلسفي النسقي -الكامل الأركان- قد جعل من الحرية زاوية لإنسانية الإنسان أينما وجد وكان.
بل لو كان مواطنه ’’ديكارت’’ قد ربط الوجود بالفكر وأعطى للأخير أسبقية على الأول حينما قال :أنا أفكر إذن أنا موجود ومتى حصل أن انقطعت عن التفكير تماما انقطعت عن الوجود بثاتا’’ فإن الفلسفة الوجودية قد جعلت من فعل الاختيار بديلا لفعل التفكير بغرض إثبات الوجود وتحقيقه ,وذلك حينما قيل مع الوجوديين : أنا أختار إذن أنما موجود...’’. وبما أن فعل الإختيار لا يعطى إلا لمن حاز الحرية, إذ لا اختبار دون حرية, فإن الأخيرة تظل هي عرش الفلسفة الوجودية رغم ما بتبعها من مفاهيم كالمسؤولية والالتزام مثلا.

لكن لنرى موقف أبرز الفلاسفة الوجوديين من مفهوم الحرية وقد انتقل من المستوى النظري إلى حيز التنزيل والأجرأة. لنوضح الأمر أكثر بسؤال أو مجموعة من الأسئلة :

ما موقف جون ’’بول سارتر’’ من قضية تحرر الشعب الفلسطيني من الإحتلال الإسرائيي؟ ما موقف ’’ألبير كامي’’ من الإحتلال الفرنسي للجزائر وحرب التحرير الجزائرية؟ ما موقف ’’سيمون ديبوفوار’’ من القضية الفلسطينية؟

الأجوبة صادمة بل كارثية وتعكس شيزوفرينا خانقة أو باطولوجيا بادية على مستوى البراكسيس.بحيث أن جون بول سارتر(بالرغم من أنه ناهض الحرب على الجزائر) لكنه لم يكن ضد الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بل لم يناهض يوما المجازر الإسرائيلية. وسيتبادل معه صديقه في الوجودية ألبير كامي الأدوار حينما سيدعم مسألة التعايش بين المستعمر والأهالي على الأرض الجزائرية, بل سيصمت على المجازر التي ارتكبتها قوى الإحتلال الفرنسي في حق الشعب الجزائري ضدا على مطالب الثوار بالحرية.فسقط في حرب التحرير الجزائرية مليون ونصف المليون شهيد.وكان ألبير كامي من المؤيدين للتعايش بين المحتل وأهل الأرض. وهو نفس الشيء الذي دعمته سيمون ديبوفوار حينما تعلق الأمر بالشعب الفلسطيني والإحتلال الإسرائيلي.أمنوا بالسلام والتسامح داخل معركة هي غير متكافئة أصلا.

ما قلناه عن مفهوم الحرية يسحب على مفهوم ’’التسامح والتعايش’’ وإقامة ’’السلام’’ مع محتل ضدا على قوى المقاومة للكفاح المسلح.ضدا على أحقية الشعوب فيتقرير مصيرها.إذ سيصبح كل مقاوم(لا يؤمن بفرضية السلام المزعوم) إرهابيا. تماما كما حدث مع محمد ابن عبد الكريم الخطابي في الريف نموذجا, وهذا هو الحاصل في فلسطين اليوم أيضا.فإسرائيل تنحاز لحركة فتح(السلطة الفلسطينية) التي آمنت فعليا -تحت الطاولة-وليس ’’شعاراتيا’’ بالتعايش مع المحتل وقبوله. بينما تصنف ’’حركة حماس المقاومة’’ ضمن قائمة الحركات الإرهابية!
فمن يدافع عن وطنه وتحرر شعبه هو ضد السلام وضد التسامح وضد التعايش السلمي بين شعبين(مستعمر ومستعمر).

والصدمة الكبري هي أن الأغلبية ممن يرى نفسه مع هذا الطرح الذي أسوقه هنا,إنما هو في ممارساته ضده دون وعي.

ولكي تتضح الفكرة أكثر سأضرب مثلا هنا: ’’منديلا نيلسون’’ آمن بالتعايش بين المستعمر(نظام الأبرتهايد للفصل العنصري) والأهالي الذين كانوا قد ذاقوا الأمرين من أولئك ’’البيض’’.إيمانه بإمكانية العايش له مبرراته-البرجماتية- التي قد نتفق معها وقد نختلف.
لكن ألا يسأل أحدكم نفسه لما هذا التسويق الإعلامي الزائد لصورة ورمزية الراحل مانديلا ومحاولة زرعه كأيقونة وأسطورة للسلام والتسامح والتعايش؟ في مصلحة من تصب الفكرة وارتداداتها؟ ألا تخدم الأيديولوجية الإمبريالية الإسرائيلة بل الإستعمارية العالمية على المدى البعيد؟ ألا يعملون-عبر إمبراطورية إعلام روبيرت ميردوخ- على إذكاء فكرة التعايش المجحف والظالم في أذهان الأجيال الصاعدة؟

ليس من الغريب أن تدرس سيرة ’’مانديلا’’في يوم من الأيام.وليس من الغريب أن تنتقل لمقرراتنا.بل البارحة كنت أناقش مع صديق وهو أستاذ في مادة التاريخ بجامعة ابن طفيل بالقنيطلرة فقال لي : يجب أن ندرس سيرة منديلا للأجيال.قلت ولما منديلا ضرورة؟ قال لأنه رمز للتساح في العالم.قلت وهل تسمح أنت بالتعايش بين الإحتلال الإسرائيلي والفلسطينين؟ هل كنت لتسمح ببقاء الإحتلال الفرنسي بالمغرب وتتسامح أو تتعايش معه؟ أليس هذا خيانة لرموز المقاومة المغربية الذين سقطوا شهداء من أجل حرية هذا الشعب الذي لازال لحد اليوم يطالب بها؟ لماذا مات الكثير من المغاربة في سبيل الوطن والحرية؟ لماذا اتحدوا لإجلاء المستعمر أصلا؟

في النهاية اتفقنا على أن للمفاهيم سياقاتها الضرورية والتي لا يجب أن تفهم كما تشاء لها الإمبريالية أن تفهم.

بقي مفهوم حوار ’’الأديان’’ الذي من مقوماته وأبعاده وإحالاته,السياسية والغمبريالية ايضا, أنه يضع جميع الأديان على قدر المساواة دون أن يكون تمة فرق بين دين أو دين آخر لا تفضيل ولا تمييز المساواة وهي كلمة أنيقة جميلة تبدو برئة لأول وهلة.بمعنى لا فرق-عندنا- بين من يعبد بقرة وبين من يعبد القوة التي جعلت هذه البقرة وأيضا جعلت الكواكب تدور في فلكها دون أن تسقط أو تحيد عنه! وهو أمر في نظري غير عادل بالمرة.وفيه تعطيل فظيع للعقل البشري الذي اعتبره ديكارت أعدل قسة بين الناس أجمعين.

ويمكن أن اقرب لكم الفكرة أكثر من خلال هذا الحوار مع صديق إسباني داخل ’’سناك ماريو للسندويشات السريعة’’:


ونحن نأكل سندويتشا في ’’سناك-ماريو’’ بمدينة مرتيل

قال صديقي’’جاكبسون’’ :أنا لا فرق عندي بين الأديان, ولكل واحد الحرية في أن يعبد ما يشاء بقرة أو فأرا شجرة أو حجرا...آمن بالحجر لكن لا تقذفني به!!

ثم إن الدين هو كل ما نعتقد أنه كذلك ,ووفق هذه القاعدة لا يكون تمة قيمة لديانة في مقابل ديانة أخرى او تفاضل بين ديانة وديانة: سماوية كانت أو أرضية.فكل الأديان متساوية من الناحية الأنثروبلوجية ...وعلينا أن نضعها على قدم المساواة وأن نحترم أصحابها جميعا دون ميز أو تفضيل.بل يجب أن ندخل الأديان في حوار بينها.

-طيب: ما رأيك ياصديقي في أن أختار عبادة ’’المايونيس أو الكيتشوب’’ هل كنت لتحترم ديانتي وآلهتي؟

حدجني بنظرة امتعاض وصب الكثير من ’’المايونيس’’ على حاشية صحن ’’الفريت’’ ثم مد يده لقارورة ’’الكيتشوب’’ وهو يلوك ما امتلأ به فمه باسما. ومتى كان الإسبان قادرون على مقاومة لذة الكيتشوب والمايونيس؟!

قلت له :ألم تنتبه ياصديقي أنك تأكل إلهي وفي الأمر إحتقار لعقيديي؟ هل هذا هو الحوار؟ تلتهم ديانتي وتقول أنك ستحاورني؟توقف رجاءا ففي الأمر إساءة لمشاعري الدينية.

ضحكنا قليلا ثم انهمكنا في التهام السندويتشات مع المايونيس والكيتشوب.

ما يستفاد من هذا الحوار الأخير ليس هو مصادرة الحق في الاعتقاد أبدا فهو مكفول بالقرآن نفسه :(إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 62 )... { فذكر إنما أنت مذكر . لست عليهم بمسيطر} ثم قول الله في سورة الحج : إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد ( 17 ) ,فواضح إذن أن لا إكراه في الدين, بل لكل امرء الحق في أن يعتقد فيما يشاء وبالطريقة التي يشاء.لكن دون أن أكون ملزما لوضع ديني على قدر المساواة مع دينه.فمامعنى أن أحاور عابد بقرة بينما أنا أعبد ما أعتقد أنه خالق هذه البقرة.مامعنى أن أضع دينا عقلانيا على قدم المساواة مع دين يقوم على الأهواء السيكلوجية؟ فأنا مثلا أومن بالله على الطريقة الديكاريتية القائلة :

’’مادمت أفكر فأنا إذن موجود وإذا كنت موجودا فإما أن أكون أوجدت نفسي أو أوجدني غيري,فإذا كنت أنا الذي أوجدت نفسي فإن في عيوبا ونقائص لا بد من تلافيها كي أصل إلى الكمال. ولكني رغم شوقي إلى الكمال لا أستطيع تحقيقه,وما دمت لا أستطيع تحقيقه فأنا عاجز, ومادمت عاجزا عن تحقيق الكمال بنفسي, فمن باب أولى أني أشد عجزا عن خلق نفسي بنفسي,وإذا فقد خلقني غيري وهذا الغير لا بد أن يكون أكمل مني لأن الناقص لا يخلق ماهو أكمل منه, ولا يمكن أيضا أن يكون مماثلا لي فلم يبق إذن إلا المطلق الواحد الذي هو الله" كتاب تاملات ميتافيزيقية لديكارت.

فهل أساوي بين هذا المنطق الراقي ومنطق عبادة البقرة أو النار؟

وحتى لا يساء فهم هذه الفكرة....فإن حوار الأديان كما يروج له الغرب الرسمي اليوم وبالأمس ليس حوارا من أجل الإثمار وإمكانية فتح نقاش بل هو حوار يأتي كل طرف بفكرة مسبقة مفادها :التشبت بعقيدتي التي لا تقبل النقاش من أجل نزع الشرعية عنها لا غير.وهو أصلا مدخل أيديولوجي لحشر الإسلام(الذي هو دين الفلسطيننين) في حوار مع اليهودية (التي هي ديانة الإسرائيليين) من أجل التعايش من جديد. والغرض دائما إيديولوجي مغلف بقناع ديني!

إني لا أخاف أن لا أنفذ بالقدر الذي أخاف أن يساء فهمي (كانط ايمانويل)

واعلم أن الحروف أمة من الأمم...( محيي الدين ابن عربي).



#أسامة_مساوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إذا كان الأمر هكذا فإني أفضل أمي على العدالة!
- عبد الله العروي وباطولوجيا البراكسيس!
- لماذا لست شيعيا؟
- البخاري يصف الرسول محمد بالكذاب!
- هل حقا ستعود الخلافة؟


المزيد.....




- بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
- مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا ...
- إصابة 16 شخصا جراء حريق في مأوى للاجئين في ألمانيا
- مظاهرة حاشدة مناهضة للحكومة في تل أبيب تطالب بحل قضية الأسرى ...
- آلاف الإسرائيليين يتظاهرون ضد نتنياهو
- مسؤول أميركي يعلق لـ-الحرة- على وقف إسرائيل الاعتقال الإداري ...
- لماذا تعجز الأمم المتحدة عن حماية نفسها من إسرائيل؟
- مرشح ترامب لوزارة أمنية ينتمي للواء متورط بجرائم حرب في العر ...
- لندن.. اعتقال نتنياهو ودعم إسرائيل
- اعتقالات واقتحامات بالضفة ومستوطنون يهاجمون بلدة تل الرميدة ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أسامة مساوي - أربعة مفاهيم ملغومة