|
هل اقتنعت دول العالم أخيرا أن -القاعدة- خطر عليهم كثر من كونها خطرا على سوريا؟ أكثر من كونها خطرا على سوريا؟
ميشيل حنا الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 4308 - 2013 / 12 / 17 - 00:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أسئلة تحتاج الى اجابات حول الواقع العربي والربيع العربي السؤال الخامس والستون: هل اقتنعت دول العالم أخيرا أن "القاعدة" خطر عليهم كثر من كونها خطرا على سوريا؟ أكثر من كونها خطرا على سوريا؟
ظهرت "القاعدة" في أفغانستان منذ أواخر عام 1989،عندما غادرت الجيوش السوفياتية البلاد نتيجة الضربات العسكرية التي وجهتها اليهم، بالتعاون مع "السي آي ايه"، مجموعة المسلحين الاسلاميين الأفغانيين والمتطوعين القادمين من عدة بلاد اسلامية في العالم الواسع. ولكن هؤلاء المقاتلين الذين دربتهم وسلحتهم الولايات المتحدة، وحملت السلاح اليهم، بأوامر من"زبيغنيو بريجنسكي"، مستشار الأمن القومي الأميركي في حكومة الرئيس "كارتر"، والذي نقلته اليهم (أي ذاك السلاح) مئات البغال التي اشتراها " بريبجنسكي" من "قبرص" ومن غيرها من الأقطار التي تواجدت البغال لديها، فحملت على ظهورها المتعبة، تلك الأسلحة بغية ايصالها الى المسلحين الذين انتشروا في الجبال الأفغانية الوعرة وخصوصا جبال "تورا بورا" وغيرها من الجبال الأفغانية، اضافة الى المناطق المحاذية للحدود الباكستانية... سرعان ما كشفوا عن اتجاهاتهم الحقيقية، فشكلوا منظمة "القاعدة" ذات الاتجاه الاسلامي المتشدد، والتي قادها "بن لادن"، وبدأوا بعد أن اكتمل تنظيمهم، بتوجيه الضربات للولايات المتحدة، فحصلت التفجيرات الكبرى في الأبراج الأميركية في نيويورك عام 2001 وغيرها من الضربات الكبرى التي كان من بينها تفجير السفارات الأميركية في كينيا، وفي تنزانيا، وما تبعها من اغتيال السفير الأميركي في ليبيا، وغيرها من العمليات الارهابية الكبرى. وأرادت منظمة "القاعدة" بالتعاون مع "طالبان" أفغانستان، التوسع في انتشارها. ووجدت في بعض المناطق الباكستانية المحاذية للحدود الأفغانية، مرتعا خصبا لها. فشكلت من رجال القبائل هناك "طالبان" باكستان، كما وجدت موقعا آخر مناسبا لها في مقاطعات جنوب اليمن التي بات سكانها يضيقون ذرعا بسيطرة اليمن الشمالي على مقدراتهم. ومثلها وجدوا في مناطق الساحل الصومالي المقابل للساحل اليمني، (اذ لا يفصل بين اليمن والصومال الا البحر الأحمر الضيق في مجراه) موقعا آخر ملائما، فاستطاعت نتيجة لذلك، أن تحول مناطق الساحل الصومالي الى موقع آخر يساعدها على تحقيق مزيد من الانتشار، ووسيلة عبر أعمال القرصنة للسفن المارة بتلك السواحل، للحصول على تمويل لمنظمتهم، من خلال الحصول على أموال كفدية مقابل اطلاق الحرية لتلك السفن لمواصلة ابحارها بسلام.
الا أن انتشارها في تلك المناطق: الباكستانية واليمنية والصومالية، ظل انتشارا محدودا، لكون طائرات (الأندرود) بدون طيار، كانت تتصدى لطالبان باكستان، وكذلك لجماعة القاعدة اليمنية بمشاركة اضافية من القوات اليمنية المسلحة. كما كانت تتصدى للمنتمين للقاعدة في الصومال، بالتعاون مع القوات الصومالية المسلحة المدعمة بقوات أفريقية قادمة من دول الجوار.
ورغم هذا التصدي، فقد استطاعوا انشاء خلايا لهم في "مالي" التي تواجدت فيها طوائف اسلامية. وساعدت على انتشارها النسبي هناك، وجود اختلافات عرقية بين السكان، حيث وجدت قبائل "الطوارق" و"الأزواد". كما استطاعوا تشكيل خلايا "بوكو حرام" في نيجيريا، وخلايا أخرى انتشرت في المغرب العربي والتي لوحظ تواجدها في جبال "الشعانبي" الفاصلة بين تونس والجزائر، اضافة الى تواجدهم في مناطق أخرى من مناطق المغرب العربي. ولكن هذا التوسع لم يكن كافيا بالنسبة لزعماء "القاعدة"، سواء "لبن لادن" أو لخلفه "أيمن الظواهري". فباتوا يبحثون عن مواقع أخرى، لا لانتشارهم فيها فحسب، بل لاستخدامها أيضا كمواقع لتدريب العناصر الجديدة التي تتعاطف معهم، وتهرول يوما بعد آخر للانضمام الى منظمتهم.
ولما لم يكن بوسعهم استخدام الأراضي الأفغانية لتحقيق ذلك، نظرا لوجود قوات حلف الأطلسي وفي مقدمتها القوات الأميركية، مسيطرة على معظم الأراضي الأفغانية الى حد كبير، فقد بات من الضروري لهم أن يبحثوا عن مواقع أخرى يستطيعون أن يحققوا على أرضها ما يسعون اليه من تدريب وتسليح وتجنيد مزيد من المقاتلين، ويظلون (أي أولئك المقاتلين الجدد) بعيدين عن مخاطر التعرض لهجمات القوات الأميركية، أو لطائراتهم بدون طيار، كما يجري الحال في مناطق الحدود الباكستانية المحاذية لأفغانستان، وفي جنوب اليمن، وفي الصومال. وهكذا وجدت القاعدة في سوريا الموقع الملائم لذلك.
ففي شهر آذار 2011، أشعلت الولايات المتحدة في سوريا بالتعاون مع السعودية وقطر، ما أرادوه أن يكون ربيعا عربيا آخر سهل المنال، يسعى لاسقاط النظام السياسي القائم في البلاد، وذلك من خلال بعض المظاهرات هنا وهناك، والتي وصفت عندئذ بالمظاهرات السلمية، مع أن بعض شهود العيان قد أكدوا لي بأنها لم تكن سلمية، اذ كان يرافقها دائما مسلحون ربما كانوا ينتمون للخلايا النائمة التي شكلتها ودربتها سرا حركة حماس، مستخدمة على ما يبدو، مرحلة الثقة الممنوحة لهم من الحكومة السورية. ولكن عندما شعرت تلك الدول المتحالفة ضد سوريا، بأن هذه المظاهرات المسماة سلمية وحدها لن تكفي للاطاحة بحكومة الرئيس بشار الأسد، لجأت عندئذ الى تشجيع الانشقاق بين ألوية الجيش السوري، فتمرد البعض هنا وهناك، مسمين أنفسهم بالجيش السوري الحر.
ومع ذلك، عندما لم يجدوا في هذا التحرك الانشقاقي الصادر عن عدد قليل من ألوية الجيش، حلا ناجحا وقادرا على اسقاط الرئيس السوري، لجأوا عندئذ الى تشجيع استقبال المتطوعين المنتمين في الغالب لتيار الاسلام السياسي، اضافة الى بعض المرتزقة، بل العديد من المرتزقة. فأرسلت السعودية الكثير من المقاتلين السعوديين ذوي الانتماء السلفي والوهابي، والذين اندس بينهم الكثيرون من ذوي الانتماءات الأخرى، في وقت بدأت فيه قطر ترسل الى سوريا العديد من المتطوعين أو المرتزقة، بدون تفكير أو دراسة كافية، والذين كان من بينهم الكثيرون من المنتمين الى منظمة "القاعدة"، ربما بدون علم قطر، أو بعلمها ومباركتها، على أمل أن يكونوا ذوي نفع لها ولأهدافها.
ولكن تلك التطورات، شكلت الفرصة السانحة "للقاعدة" لتجد موقعا جديدا لها لا تطاردها فيه الطائرات الأميركية أو مخابراتها، وتستطيع ان تصول وتجول فيه بحرية تامة، بل وبتشجيع ومساعدة من الدول المتحالفة ضد سوريا، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والسعودية وقطر وتركيا. وهكذا مولت تلك الدول الثلاث، ربما بمساعدة اسرائيلية أيضا،عملية تدفق المسلحين القادمين كمتطوعين الى سوريا، في وقت كان فيه الدور التركي في ذاك الاتفاق التآمري، هو فتح حدودها على مصراعيها لمرور كل هؤلاء المقاتلين، وكل تلك الأسلحة، عبر حدودها المفتوحة، الى الجارة سوريا.
وكان الهدف الأساسي من ذلك، هو تزويد الجيش السوري الحر، صغير الحجم، والضئيل في عدد المقاتلين المنضوين تحت جناحه، بمزيد من المقاتلين يساعدونه على اسقاط النظام السوري، في وقت كان كل همها (أي هم منظمة القاعدة الوافدة كعناصر متطوعة للقتال الى جانب الجيش السوري الحر)، تأسيس موقع "افغاني" جديد لها تتمتع فيه بحرية حركة تفوق حريتها في التحرك في الداخل الأفغاني، أو الباكستاني، أو اليمني، أو الصومالي، اضافة الى كونه تحرك يتحقق بمباركة أميركية، وتحت بصر الأميركيين، بل ويحظى بالحصول على الدعم منهم، عوضا عن تلقي الاغارة الجوية والهجمات العسكرية الأرضية المتواصلة كما هو الواقع في أفغانستان، وفي غيرها من المواقع البتي حققت انتشارا فيها. والأهم من ذلك، هو كون الموقع السوري يساعدهم مستقبلا على التوسع والانتشار داخل الدول المجاورة لسوريا، كلبنان والأردن والعراق وتركيا، وكلها دول مهيأة لأن تتقبل التوسع والانتشار داخلها اذا ما استقر الوضع للقاعدة في سوريا من خلال استطاعتها، لا اسقاط الحكومة السورية فحسب، بل التخلص أيضا من الجيش السوري الحر وكل المتحالفين معه، وهو ما بدأ يطفو مؤخرا بشكل واضح على سطح الأحداث. فهل هناك موقع أكثر أمنا للقاعدة من الموقع الذي وفرته لها الدول المتحالفة ضد سوريا؟
والواقع أن هذا الوضع، ساعد منظمة القاعدة على نقل أعضائها المهددين دائما بالقصف والمطاردة الأميركية اذا بقوا في مواقعهم الأصلية، من المواقع المهددة الى موقع أكثر أمنا، بل تتوفر له أبلغ ضمانات الأمان. فمن باكستان، جاء العديدون من المنتمين لطالبان باكستان. ومن اليمن السعيد، جاء عدد كبير من المنتمين لأنصار الشريعة (وهو الفرع اليمني لمنظمة القاعدة)، وكذلك من أنصار الشريعة التونسية والتي هي اسم آخر للقاعدة. ومن الصومال، جاء عدد آخر من شباب الصومال الاسلاميين (الفرع الآخر لمنظمة القاعدة)، ومن العراق، جاء العديدون من المنتمين لدولة العراق الاسلامية (فرع آخر للقاعدة) ليشكلوا "داعش"، اختصارا لدولة العراق والشام الاسلامية (أيضا فرع آخر للقاعدة). ومن الأردن جاء، كما قيل، العديد من أعضاء حركة النصرة (فرع آخر من فروع القاعدة). ومن نيجيريا جاء الكثيرون من جماعة "بوكو حرام" (وهو الاسم النيجيري لمنظمة القاعدة)، كما جاء الكثيرون من الشيشان، والعديدون من دول أوروبية وأميركية ممن غسلت أدمغتهم بأفكار في ظاهرها الدعوة لاعتناق الاسلام الحنيف كدين سمح، في وقت كان المبشرون يسعون لدفعهم للاقتناع بالاسلام السياسي الذي تضمن الانتماء اما للحركة السلفية، أو لمنظمة القاعدة ولأفكارها الاسلامية ذات الصفات الخاصة، والمتميزة بنزوعها نحو العنف والارهاب. ويبدو أن هذا التخطيط "القاعدي"، الذي ترسمه تلك المنظمة المعروفة بعمق التفكير والتخطيط الماكر، كما أثبتت في كافة العمليات التي نفذتها عبر السنوات الماضية، والتي غفلت "السي آي ايه" عنها، قد غفلت عنه ( أي ذاك التخطيط) هذه المرة أيضا، كل الأجهزة الأميركية من "سي آي ايه"، أو مراقبين، أو دارسين، أومخططين استراتيجيين، فلم يلحظ أي منهم مخاطر مجريات الأحداث في سوريا. وقد ظلت مجهولة لهم، ومستبعدة من قبلهم، رغم كل ما كتب الكتاب والمراقبون حول هذا الموضوع، ومنهم شخصي المتواضع.
فقد كتبت على مدى ستة أشهر مضت، عدة مقالات تحذر بشكل مباشر من خطر القاعدة على سوريا وعلى دول الجوار. ومن بين هذه المقالات، مقالتان على الأقل كانتا بالغتا الوضوح في التحذير من تلك المخاطر. وقد تعمدت ارسال نسخ منها لدى نشرها لسفارات الدول المعنية، وأعني بها سفارات كل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، والسعودية. بل وتعمدت ارسال نسخة من احداها الى البيت الأبيض. وكانت احدى هذا المقالات تتساءل ان كانت الولايات المتحدة تسعى الى تحويل سوريا الى "سوريستان"، اشارة الى كونها تتحول تدريجيا الى أفغانستان أخرى. والثانية تتساءل ان كانت هناك في نظر الولايات المتحدة، منظمة قاعدة شريفة وأخرى قاعدة شريرة. وكان المقصود، التساؤل عن السبب الذي يدفع الولايات المتحدة لملاحقة القاعدة في أفغانستان،وفي باكستان، وفي اليمن وفي الصومال، ومع ذلك لا تلاحق جماعات القاعدة في سوريا. وتساءلت ان كان يمكن تفسيرهذا الأمر بأن القاعدة في تلك الأماكن سابقة الذكر، هي قاعدة شريرة ومكروهة ولا بد من ملاحقتها باستمرار. أما القاعدة في سوريا، التي أعلنت حركتا "داعش والنصرة" علنا ورسميا انتماءهما لتلك المنظمة (أي منظمة القاعدة)، ليست قاعدة شريرة كشقيقاتها الأخريات، بل هي قاعدة شريفة لأنه، وكأني بها، تخدم المصالح الأميركية، بعلم الادارة الأميركية. فلها اذن حظوة خاصة لدى الأميركيين، لكونها تساعدهم في المساعي الجارية لاسقاط "بشار الأسد"، العدو اللدود للولايات المتحدة، ولاسرائيل خاصة، اضافة الى الخصومة بينه وبين دول الخليج وخصوصا السعودية، التي لا ترتاح الى علاقته المتينة مع ايران، بسبب الخلافات العرقية والطائفية معها، اضافة الى الحروب التاريخية بين ايران والعرب، والمخاوف التي أثارتها ايران لدى بعض العرب، في مسعاها لتطوير برنامجها النووي.
ولكن لحسن الحظ انه، بعد عناء طويل وانتظار مرير، بدأت الادارة الأميركية وحلفاؤها في الدول الغربية، تكتشف أخيرا مخاطر "القاعدة" في سوريا نتيجة لوضوح توجهها تدريجيا نحو تحقيق أهداف خاصة بها، وليست لها علاقة بالضرورة بالأهداف الأميركية. صحيح بأنهم يسعون للمساعدة في اسقاط النظام السوري، وهو ما تبتغيه أميركا، لكن مخططاتهم التي تلي ذلك، لا تسعى لتأسيس حكومة أكثر اعتدالا وأكثر ديمقراطية من النظام القائم حاليا، اذ تمتد مخططاتهم ، كما أخذ يتضح تدريجيا، لتأسيس امارة اسلامية متشددة، بعيدة كل البعد عن المفهوم الديمقراطي الذي تتصوره الادارة الأميركية. فهي امارة على شاكلة تلك الامارة التي أسستها طالبان في أفغانستان، والتي اضطرت الولايات المتحدة أن تحمل جنودها وجنود حلف الأطلسي لمقاتلتها في حرب ضروس ما زالت مشتعلة رغم مرور اثنا عشر عاما على اشتعالها. كما أدركت الولايات المتحدة وحلفاؤها أخيرا، أن المخطط لمنظمة القاعدة لا يكتفي بتغيير مجرى النظام في سوريا لمصلحتها فحسب، اذ أنها تسعى أيضا لتصدير الحركة "القاعدية" تلك عبر المئات من المتطوعين القادمين من الدول الغربية والدول العربية والاسلامية الذين دربتهم تدريبا خاصا، ليتحولوا مستقبلا الى خلايا تعمل في أميركا وفي أوروبا وفي بعض الدول الأخرى، ومنها بعض الدول العربية الحليفة أو الصديقة للولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، اجتمع مؤخرا ممثلون عن دول الاتحاد الأوروبي، ليتناقشوا في كيفية مراقبة سفر رعاياهم الى سوريا، بسبب المخاوف التي بدأت تتبلور أمامهم، من قيام رجال القاعدة في سوريا بتدريب عدد من المواطنين الأوروبيين على السلاح وأساليب التفجير، للعمل في أوروبا لصالح القاعدة لدى عودة أولئك المواطنين الأوروبيين الى بلادهم. وما زاد في الطين بلة، أن بعض أولئك المواطنين، يقنعون بوسيلة أو بأخرى، باعتناق الدين الاسلامي على أسس سلفية جهادية ، تجعلهم خطرا على الدول الأوروبية ذاتها.
وقبل ذلك بفترة قصيرة، تحدث ناطق باسم وزارة الخارجية البريطانية، كما أوردت قناة "بي بي سي" الناطقة بالعربية، عن مشاكل مشابهة تجابه بعض المواطنين البريطانيين الذين يذهبون في رحلات الى سوريا في الزمن الحاضر. وهم في ظاهر الأمر يذهبون الى هناك ، كما قال الناطق، ليشاركوا في تقديم خدمات انسانية، كالمساعدة في المستشفيات، أو في تقديم العون للاجئين السوريين، او في نقل المواد الطبية والغذائية لمن يحتاجها وفي المناطق التي تحتاجها. ومع ذلك يعود البعض منهم وقد غسلت أدمغتهم، فاقنعوا باعتناق الاسلام على الأسس السلفية والجهادية والتكفيرية، مع حصولهم على تدريبات خاصة في استعمال السلاح وفي أساليب التفجير.
ولم يختلف الأمر في الولايات المتحدة. حيث أدلى رئيس لجنة الاستخبارات في الكونحرس الأميركي، بأن العديد من الشباب الأميركيين الذي يذهبون الى سوريا، يعودون الى الولايات المتحدة وقد تحولوا الى مناصرين للقاعدة. وقبل أسبوعين أو أكثر قليلا، عبر وزير خارجية العراق "هوشيه زيباري" عن مخاوفه بأن يتحول شمال العراق وغيره من المواقع القريبة من الحدود السورية، الى مناطق خاضعة لنفوذ منظمة القاعدة. وفي تركيا، لاحظت ادارة "أردوغان" ثلاثة أمور هامة: اولها أن محاولات منظمة "داعش" المستمرة لمقاتلة المواطنبن الأكراد في الشمال السوري، والمتواجدين في المناطق المحاذية للحدود التركية "كالقامشلي والحسكة"، قد دفعت أكراد سوريا الى اعلان منطقتهم، منطقة ذات ادارة ذاتية ولها تنظيمها المسلح، أسوة بما هو حاصل في كردستان العراق المحاذية لمنطقة أكراد سوريا، مما أثار المخاوف بأن يسعى قريبا أكراد تركيا، لأن يحذوا حذو أكراد سوريا والعراق، بالمطالبة بادارة ذاتية خاصة بهم. كما لاحظت ادارة أردوغان، أن قوات "داعش" وحلفاءها، يسعون بشكل مركز للسيطرة على شمال سوريا بغية اعلان "امارة اسلامية" فيها، وهي امارة اسلامية ليست بالمواصفات التي توقع الرئيس التركي تحقيقها من فتحه الحدود التركية أمام تدفق المسلحين. اذ كان "أردوغان" يأمل في تحويل سوريا الى دولة اسلامية، لكن بمواصفات الاخوان المسلمين التي تسير حكومته على دربها، وليس امارة اسلامية بمواصفات القاعدة التي ستهدد بلاده عاجلا أم آجلا. وهناك أمر ثالث أثار مخاوفه، وهو ان رجال الأمن الأتراك، قد ألقوا القبض على عضوين من أعضاء "النصرة"، يتجولان في قلب الأراضي التركية، وليس قرب الحدود التركية التي يفترض بهم مجرد العبور من خلالها. أما التسلل الى قلب الأراضي التركية، فقد بات يحمل المخاوف بأن البعض الآخر ربما تسلل فعلا اليها لتشكيل خلايا نائمة قد تستخدم لاحقا للتأثير على النظام التركي القائم، وربما السعي مستقبلا لتغييره، وتحويله الى امارة اسلامية ، لن يرضى عنها أحفاد "أتاتورك" في الجيش التركي، الراغبون في الحفاظ على بعض العلمانية في تركيا. وهناك مخاوف لدى العديد من الدول الأخرى، بما فيها استراليا التي لاحظت حكومتها أن بعض مواطنيها الذين ذهبوا للقتال في سوريا، قد عادوا الى استراليا وهم يحملون أفكارا جديدة باتت تخيف الادارة الاسترالية. وهذا الأمر حصل في كثير من الدول الأخرى وأثار مخاوفها بأن المسلحين المتشددين من جهاديين وسلفيين وقاعدة، العئدين من سوريا، قد باتوا يشكلون خطرا، ليس على سوريا فحسب، كما أراد المخططون، بل على دولهم أيضا. ومن أبرز أولئك رئيس "الشيشان" في روسيا الاتحادية، الذي صرح بأن المقاتلين الذين يقاتلون الآن في سوريا، سوف يعودون قريبا الى "الشيشان" ويشكلون عندئذ خطرا حقيقيا عليها.
وذكرت صحيفة القبس الكويتية قبل أيام، بأن التقديرات قد باتت ترجح أن عدد المقاتلين في سوريا الذين باتوا منضوين تحت جناح منظمة القاعدة وحدها، تجاوز الخمسة وأربعين ألف مقاتل، وهو عدد يشكل ضعف عدد مقاتلي القاعدة الذين كانوا يتواجدون في أفغانستان، والذي استدعى تواجدهم فيها ، لأن تحمل الولايات المتحدة قواتها وقوات الأطلسي الى تلك البلاد الجبلية الوعرة، لمقاتلة أولئك المقدرين بعشرين أو خمسة وعشرين ألف مقاتل تابع للقاعدة، والذين اعتبرتهم أميركا، رغم ضآلة عددهم، يشكلون خطرا حقيقيا عليها. وعزز المخاوف بأن اولئك المقاتلين المتواجدين الآن في سوريا بغية اسقاط النظام السوري، قد بات واضحا أنهم قد انحرفوا عن الأهداف التي كان يتوقع منهم تحقيقها، وهي مساعدة الجيش السوري الحر في مهمته للاطاحة بنظام الرئيس السوري. اذ بات هؤلاء يقاتلون ويفككون الجيش الحر عوضا عن مساعدته. فلواء التوحيد، أحد أكبر ألوية الجيش الحر، بعد معركة خاضها في مدينة "اعزاز" السورية الحدودية ضد "داعش"، أعلن فجأة انفصاله عن الجيش الحر، وتشكيل تكتل من اثنا عشر فصيلا يرفض الاعتراف بهذا الجيش او بالائتلاف الوطني السوري الذي يشكل الجسم السياسي للمعارضة السورية. وتبعه لواء الاسلام الذي أعلن بدوره الانفصال عن الجيش السوري الحر، وتشكيل جيش الاسلام عوضا عنه، مع انضمام أكثر من أربعين لواء وكتيبة وتشكيلا الى صفوفه. وتلا ذلك مزيد من الانشقاقات عن الجيش السوري الحر وتشكيل الجبهة الاسلامية، مع رفض آخر للائتلاف الوطني السوري الذي شكل الجسم السياسي للمعارضة السورية (كما سبق وذكرت)، اضافة الى رفض الجيش السوري الحر الذي يشكل جسم المعارضة العسكرية.
ووقعت سلسلة من المعارك بين المنتسبين للتيارات الاسلامية المتشددة وأبرزها منظمة القاعدة، وما تبقى من الجيش السوري الحر كان أبرزها معركة كبرى وقعت قبل أيام في منطقة "باب الهوى" الحدودية مع تركيا، سعت للسيطرة على المعبر وعلى مخازن الامداد للجيش السوري الحر المتواجدة في ذاك الموقع، مع تهديد لمقر اللواء "سليم ادريس"، رئيس هيئة أركان ذاك الجيش، تبعتها معركة أخرى قرب "حمص" انتهت بقطع رأس النقيب "عمار الواوي"، أمين سر هيئة الأركان، وثلاثة آخرين من ضباط وجنود ذاك الجيش البائس.
واضطر "جون كيري"، وزير خارجية أميركا، في مقابلة تلفزيونية أجرتها معه قناة "ايه بي سي" الأميركية في الخامس عشر من كانون أول، للاعتراف بأن الولايات المتحدة سوف تتأكد بأن الامدادات المرسلة منها للمعارضة السورية، سوف تصل للمعارضة الصحيحة وليست للجهات الخطأ في صفوف المعارضة. وكان السيد "فورد"، سفير أميركا في دمشق، قد أكد أيضا في تصريح حديث له، بأن الامدادات الأميركية لن ترسل بعد الآن الى شمال سوريا حيث تأكدت السيطرة للمتشددين الاسلاميين وخصوصا لقوات "القاعدة"، بل سترسل للمعارضة المقبولة أميركيا. وشكل هذان التصريحان اعترافا أميركيا ضمنيا بأن العدو الحقيقي في سوريا، لم يعد فقط النظام السوري المتهم بالديكتاتورية والفاشية، بل العدو الحقيقي هو "الارهاب" الذي باتت القاعدة وحلفاؤها من السلفيين، يشكلون محوره الأكبر والأوضح. فهو العدو الذي بات يشكل الخطر الحقيقي، لا على سوريا فحسب لسعيه للحلول محل النظام السوري القائم، بل لتشكيله الخطر الفعلي على دول أخرى في العالم وفي مقدمتها الدول الغربية. فهذا التكتل الخطير من الاسلاميين المتشددين (قاعدة وسلفيين)، يسعى لتشكيل نظام أكثر ديكتاتورية وفاشية من أي نظام قائم في سوريا. وليس أدل على ذلك من تلك المجزرة المشؤومة التي ارتكبها هؤلاء لدى اجتياحهم مؤخرا لمدينة "عدرا" العمالية، حيث أكدت الأنباء عن قيامهم بقطع رؤؤس ثمانين ( مائة وخمسين كما قال البعض) مواطنا مدنيا شمل بعضها عائلات بكامل أفرادها، وهي الجريمة الواضحة ضد الانسانية التي توجب تقديم المسؤؤلين عنها للمحاكم الدولية، خصوصا وأن قتل أولئك تم على أسس طائفية وعرقية وليس لأسباب أخرى.
فهل هناك فاشية أوضح من تلك الفاشية، علما أن النظام القائم في سوريا، والمتهم بكونه حكومة غير ديمقراطية، يحق له أن يطالب بتسمية الدول العربية الأخرى، باستثناء "لبنان"، التي تحكم طبقا لمفاهيم ديمقراطية صحيحة ضمن المفهوم العالمي للديمقراطية. اذ أنها جميعها تحكم بأساليب ديكتاتورية مدانة وأكثر فاشية من أي نظام قائم في سوريا. لكن يسجل للحكومة السورية أنها بدأت تصحح خطأها، فأذنت بتأسيس الأحزاب السياسية، وخاض بعض أعضائها الانتخابات النيابية الأخيرة، مما يرجح اتجاهها الفعلي لتطبيق مفاهيم الديمقراطية الحديثة. واذا كان الرئيس "الأسد" سيقوم بترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2014، فان الباب سيكون مفتوحا ليطرح آخرون أنفسهم كمنافسين له على كرسي الرئاسة في الانتخابات القادمة، والتي من المتوقع أن تجري تحت اشراف مراقبين عرب ودوليين لضمان نزاهتها. وفي مقابل ذلك، لم تملك أية حكومة عربية أخرى حتى الآن، شجاعة الاعتراف بأخطائها، والعدول عن أنظمتها الدكتاتورية المبنية على أساس حكم العائلة لا حكم الشعب.
وهكذا بات من الواضح أن المطلوب الآن، أن تتفهم أميركا بأن "القاعدة" في سوريا، هي أيضا قاعدة شريرة كغيرها من المنظمات المشابهة والتي باتت منتشرة في العديد من دول الشرق الأوسط وأفريقيا، والتي تحاربها أميركا بضراوة. وبالتالي توجب عليها أن توقف نهائيا تزويد تلك المعارضة بأي نوع من أعمال الدعم، المادي أو المعنوي، وأن تنسق مخططاتها مع المخططات الروسية وغيرها من الدول الأوروبية والدول الأخرى، التي باتت تخشى بحق مخاطر تلك الحركات الارهابية المتشددة. فلا شيء يوقف تنامي تلك التجمعات، الا تفاهما دوليا على مكافحة الارهاب بكل أشكاله، وخصوصا ذاك الارهاب الجديد الذي بدأ أخيرا يتضح للعيان بشكل جلي، متبلورا في سوريا التي تحولت تدريجيا الى "سوريستان"، باعتبارها المركز الأقوى لتجمع قوى الارهاب، بحلولها محل أفغانستان المحاصرة حتى الآن، ومنذ اثنا عشر عاما، بقوات أميركية وأطلسية. ومع ذلك لم تكن تلك القوات قادرة على اقتلاع أنياب الارهاب منها، في وقت ربما ما زال الباب مفتوحا لاقتلاع ناب الارهاب من فك أولئك المتشددين في سوريا، وذلك قبل استفحال الأمر وتكريس تواجدهم هناك بشكل نهائي.
#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل سميت الثورات العربية الحديثة بثورات -الربيع- لكونها ثورات
...
-
أين استراتيجية -نهاية المطاف- في أدمغة قادة المعارضة السورية
...
-
أين استراتيجية -نهاية المطاف- في أدمغة القادة الأتراك ، وأدم
...
-
أين استراتيجية -نهاية المطاف- في أدمغة القادة الأميركيين ؟
-
هل تلاشى الحلم العربي بالوطن العربي الكبير، ليصبح الأردن الو
...
-
متى يزهر الربيع العربي في أروقة الجامعة العربية ويحولها الى
...
-
متى يفجر العرب والايرانيون قنبلتهم الكبرى ؟ كيف ولماذا؟
-
هل هو حقا الربيع العربي أم هو الدمار العربي ؟
-
تعليقا واضافة للمقال الخاص بالاستشهاديين ، ينبغي التساؤل: هل
...
-
هل نفذ باكورة الأعمال الاستشهادية في العصر الحديث منتمي لتيا
...
-
هل أدركت الولايات المتحدة أن زمن القطب الواحد قد انتهى؟
-
هل معركتي-اعزاز- و-باب السلامة- هما لسيطرة -داعش- على موقع آ
...
-
لماذا لم يزهر ربيع عربي في قطر. ولماذا تصر أصغر الدول العربي
...
-
هل جاء دور إخوان السودان في الرحيل ، بعد رحيل إخوان مصر ؟
-
هل يؤدي الانقلاب شبه العسكري داخل المعارضة السورية، إلى الشر
...
-
هل هناك منظمة -قاعدة- شريرة ، وأخرى -قاعدة- شريفة ؟ كيف؟ وأي
...
-
لماذا كانت المنطقة العربية منذ الحرب العالمية الأولى وحتى ال
...
-
لماذا يلاحق -أوباما-مخالفات لاتفاقية دولية تحظر استخدام السل
...
-
هل تشكل معركة -إعزاز- علامة فاصلة في كوكتيل تحالفات المعارضة
...
-
هل يدمر نتنياهو سلاح إسرائيل الكيماوي، بعد أن تعهدت سوريا بت
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|