إبراهيم النادر
الحوار المتمدن-العدد: 1226 - 2005 / 6 / 12 - 08:58
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لقد انتهى زمن الصمت وأصبح الصمت خيانة, ووجب على ملايين السوريين أن يقولوا كلمتهم ويحددوا موقفهم. الملايين التي لا تنتمي إلى أي من الأحزاب السياسية السلطوية أو المعارضة, تعول على آمال متباينة في التغيير والإصلاح. وإن الشارع السياسي السوري الذي تصحر لأسباب عديدة وعبر زمن ليس بالقصير, قد بدأ يخضوضر, لكن هذه الخضرة ما تزال غضة ونبتت بينها نبتات غير مفيدة وأخرى ضارة.
لقد أثبتت المعارضة العلمانية مجدداً, وللأسف الشديد, على أنها قاصرة ولا تمتلك مقومات التغيير, وذلك لأسباب عديدة من أهمها عدم قدرتها على إيجاد قاعدة شعبية فاعلة تثق بها وتسير خلفها – إذ أن المعارضة اعتادت أن تخاطب السلطة أكثر مما تخاطب الشعب. ولا يكفي أن نقول إن الشعب السوري غير راضٍ أو ينتقد الفساد الذي ينهش جسم الأمة في كل مكوناتها. وإن هذا الشعب غير مستعد للنزول إلى الشارع الذي لم تصنع منه المعارضة ساحة للحرية وذلك لسببين رئيسيين. الأول, فقدان المصداقية بين المواطنين والمعارضة, إذ ثبت أنه ليس كل من ينتقد الفساد غير فاسد, ومن ناحية أخرى انتشار ثقافة الفساد بين أوساط عامة الناس حيث أصبح المواطن يقبل دون استحياء أن يدفع الرشوة بكل أشكالها ليحصل على ما يريده. لقد أصبح هذا عرفاً والعرف لدينا قانون ولذلك ساد قانون الفساد. والثاني, سيطرة عامل الخوف الشديد على نفوس عامة الشعب الذين انتشرت بينهم مقولة إن الهامة المحنية لا تصاب أبداً بضربة سيف. لذلك يجب العمل على إسقاط سلطان الخوف عند المواطنين قبل إسقاط سلاطين الأنظمة.
كلنا يعرف أن يوصف الحقيقة وكلنا يؤمن بضرورة الإصلاح, لكن هذا لا يكفي بل يجب أن نعمل جميعاً من أجل هذا الإصلاح. إن من أولى المهام التي عمل من أجلها لينين في روسيا في مطلع القرن الماضي هو أنه طرح سؤال " ما العمل " وأجاب عليه ببرنامج أدى إلى بناء دولة وليس لإنشاء سلطة. فهل لدى المعارضة السورية جواباً على هذا السؤال؟
إن المعارضة السورية في الداخل مكونة من أحزاب سياسية علمانية ضعيفة ومن تيارات دينية تمتلك قاعدة شعبية واسعة ومن مجموعات متفرقة من المثقفين. فهل هذه المعارضة منسجمة ومتوافقة فيما بينها على برنامج وطني مدروس بدقة تعمل من أجله أم لديها جملة مطالب تتقدم بها إلى السلطة وتتفاوض معها لتحقق انجازات فردية؟ وإذا توصل الحزب الحاكم إلى نتيجة أن الإنفراد بالسلطة لم يعد أمراً مقبولاً ووسع المشاركة في الحكم وهذا ما ظهرت بعض مقدماته في ضم الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى الجبهة الوطنية التقدمية, فهل تقبل المعارضة هذه الشراكة ولو بنسب متفاوتة؟ للإجابة على هذه التساؤلات علينا أن نتبين ماهية ومكونات المعارضة المتواجدة على الساحة السورية.
1- معارضة كيدية حاقدة تطلق الحلول عشوائياً وإن سقف مطالبها هو أن الله يحب العبيد.
2- معارضة من أجل المعارضة , سفسطائية توصف الفساد وتحدد الأخطاء بطريقة براغماتية دون أن تطرح حلولاً أو برنامجاً.
3- معارضة حتى تحصل على مكاسب. مجموعة ترى الوطن عبر السلطة فقط وتدافع عن مصالحها عبر الأنا وكل من يخالفها يكن خائناً للوطن, وتمثل جموداً مستقراً يتحكم بقسم من مفاصل المجتمع.
4- معارضة مأجورة يدعمها النظام السياسي القائم, تمثل مجموعة أفراد مثقفين يستغبون عقول الناس.
5- معارضة وطنية ضعيفة لديها برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي متكامل, تطرح من خلاله حلولاً مطلبيه وتضع نفسها تحت مقص الرقابة الحكومية, لكنها تفتقر للقوة التي لا بد منها وهي القاعدة الشعبية. وإن من أهم أخطاء هذه المعارضة هو أنها تخاطب السلطة أكثر مما تخاطب المجتمع.
6- خليط من المعارضة يقيم معظم قادتها في الخارج, وإن سقف بعضهم أن يكون أحمد شلبي سوريا والبعض الآخر يخاطب الشعب السوري بطوباوية كاذبة.
كتب المعارض السوري الدكتور عبد الرزاق عيد مقالاً بعنوان " دعوة إلى تكليف رياض سيف بتشكيل حكومة سورية " نشر على الموقع الإلكتروني "الحوار المتمدن" بتاريخ 29 – 5 – 2005 . يصف الدكتور في مقاله الحالة المزرية التي وصل إليها الإنسان السوري ويتقدم بجملة مطالب جيدة من أهمها تبييض السجون السورية. ويتحدث أيضاً عن وثائق وبرامج وأدبيات بعض أحزاب المعارضة التي يمكن أن تنتج تقاطعات حاسمة لتكون برنامج وطني ديمقراطي مرحلي انتقالي. وينتقل بعد ذلك إلى تقديم اقتراح يسميه أجرائي عملياتي يتمثل بالدعوة إلى تشكيل حكومة وطنية انتقالية تضم كل الأطياف والأطراف السياسية في الساحة السورية على أن يعهد تشكيل هذه الحكومة إلى رياض سيف القابع في السجون السورية. ويقول الدكتور عيد حرفياً " إن ترجمة اقتراحنا الإجرائي هذا هو أن يعهد إلى رياض سيف الوطني الليبرالي الديمقراطي الحيادي المستقل وسجين الضمير والتعبير اليوم بتشكيل حكومة مرحلية انتقالية لمدة سنتين, يتعهد بإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة, على اعتبار أن سوريا ليس فيها قضاء كالشقيقة مصر ليشرف على أية انتخابات! ينبغي أن نواجه هذه الحقائق المرعبة بشجاعة من لم تعد لديه ما يخشى عليه في مواجهة زمن آخر ديكتاتوريات العالم الصامدة حتى الآن في وجه رياح التغيير."
إن هذا الاقتراح الإجرائي يزيد المسافة بين الواقعية والموضوعية, إذ أن السلطة لم تستجب للنداءات الكثيرة التي طالبت فقط بالإفراج عن رياض سيف وزملائه, فكيف تنقله من الزنزانة إلى كرسي رئاسة الحكومة؟ وهل تحولت آخر ديكتاتوريات العالم, كما يسميها الدكتور عيد, إلى الديكتاتورية العادلة؟ وبعد ذلك ينتقل الدكتور عيد من الرومانسية إلى الواقعية فيبرر اختياره رياض سيف ويقول: " إن رياض سيف رجل أعمال صناعي منتج, وليس طفيلياً ريعياً أو لصقراطياً مافيوياً (بلطجياً), إنه تعويض عن نموذج الشهيد الحريري, أي النموذج الاقتصادي المنتج التنموي والعمراني الذي يستثمر أمواله في بلاده, ولا يسرق أموال البلاد والعباد إلى بنوك الخارج كما يفعل سجانو رياض سيف أو كما فعل ويفعل قتلة الشهيد الحريري."
رحم الله رفيق الحريري الذي يبدو أننا لم نعرف أهميته في التنمية وإنقاذ المجتمع من ويلاته الاقتصادية حتى ذكرنا به الدكتور عيد كمثال يحتذى. وتحية إلى جميع الفصائل الماركسية الفاعلة ونرجو أن لا يكون سقفها الأيديولوجي في التحولات السياسية والاقتصادية في البلاد رأسماليين وليس خبراء اقتصاديين.
يحق للراصد والمثقف السوري أن يقلق وهو يتأمل كيف تمارس عليه ديمقراطية السمكة ويتمسك بحبال أمل أن يكون هناك توجه جدي في اتجاه التطوير والتحديث والإصلاح في البنى السياسية والاقتصادية والتعليمية والأمنية ويختار أهون الشرور. وإن السباق مع الزمن والحالة الظرفية الراهنة تحتم على المعارضة الوطنية العلمانية, المحكومة بخيارات محدودة, أن تتحالف مع التيار الوطني الإصلاحي في السلطة من أجل إقامة دولة الحق والقانون وتعتمد على أوسع قاعدة شعبية ممكنة لتنقل المجتمع إلى نظام عادل يحقق المساواة للجميع وترتقي به إلى المجتمع الديمقراطي الذي يحلم به جميع السوريون.
#إبراهيم_النادر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟