أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - أسامة عبد الرحمن - تخلص من الكبدي الوبائي ب84 ألف دولار















المزيد.....

تخلص من الكبدي الوبائي ب84 ألف دولار


أسامة عبد الرحمن

الحوار المتمدن-العدد: 4307 - 2013 / 12 / 16 - 19:09
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


كل يوم يتقدم الطب بشكل أو بآخر .. العلوم الطبية في تطور مستمر .. لذلك نجد دوما أن الأبحاث الطبية ستنتج في النهاية علاجات وأدوية لأمراض كانت في يوم من الأيام مستعصية وغير قابلة للشفاء، والالتهاب الكبدي الوبائي من نوع سي هو مثال على ذلك .. وقد استطاعت شركة جي ليد (غيلياد أو جلعاد) Gilead الأمريكية تصنيع عقار سوفالدي Sovaldi الذي يعتبر الأقوى من ضمن المضادات الفيروسية التي تستخدم لعلاج الكبدي الوبائي من النوع C والذي يستطيع - ولأول مرة - القضاء بشكل تام على الفيروس في الجسم وقد تم اعتماد العلاج من قبل منظمة الغذاء والدواء الأمريكية FDA

الالتهاب الكبدي الوبائي يوجد منه أربعة أنواع .. النوع A و النوع B و النوع C و النوع D .. النوعين الأول والثاني لا يصيبان المريض او الحامل بأية أعراض إلا في حالة الاجهاد والتعب الشديد وقد يكون وجودهما في الجسم خاملا ولا يسببان أي ضرر، والنوع B ضرره يكمن في أن إهماله قد يؤدي بشكل أو بآخر إلى تطور الاصابة بإضعاف المناعة وجعل الجسم قابلا للإصابة بفيروس من نوع C .. وهو النوع الخطر والأكثر انتشارا حول العالم، والنوع D من الكبدي الوبائي انتشاره محدود وإن كان هو الأكثر خطورة والأشد فتكا بين جميع الأنواع ..

خطورة الفيروس سي تكمن في كونه - وحتى وقت قريب - غير قابل للعلاج، وينتهي دوما بترك المريض المصاب به بكبد متليف ويؤدي إلى الوفاة، المرض خطير ومنتشر وينتقل بنفس الطرق التي ينتقل بها فيروس الإيدز، يُعالج بواسطة مضاد فيروسي مشهور اسمه الانترفيرون، يساعد على تثبيط المرض وإطالة عمر الكبد ولكنه ليس قادرا على شفاء المرض بشكل تام .. السوفالدي (العقار الجديد الذي تنتجه جي ليد) على العكس من الانترفيرون لديه قدرة أكبر على شفاء المرض وانهاء وجوده داخل الجسم وسجل نسب شفاء عالية من المرض، ويتميز عن الانترفيرون بأنه يعطي على شكل حبوب عن طريق الفم (يوميا) وليس بالحقن الوريدي (كل أسبوع) كما الانترفيرون ، وبذا يمكن استخدامه بسهولة أكبر بالنسبة للمرضى ..

كم ثمنه؟ لا شيء يستحق الذكر .. فقط 84 ألف إلى 168 ألف دولار للكورس العلاجي الواحد والذي يستمر لفترة 12 إلى 24 أسبوعا، أي أنه يكلف كل مريض 1000 دولار أمريكي يوميا حتى يصل إلى الشفاء التام واختفاء الفيروس نهائيا من الجسم، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لا يشفي من أي إصابة دائمة قد يكون الفيروس سببها للكبد ولا يوقف عملية التليف فيه أو يعيد الكبد إلى حالته الطبيعية .. وذلك لأن النسيج الكبدي بطبيعته إذا بدأت فيه عملية تليف تدرجية يصعب العودة عنها أو عكس آثارها ويكون الحل الوحيد للمريض وقتها هو زراعة كبد جديد ..

84 ألف دولار .. لكل مريض؟ وكم تعداد هؤلاء المرضى؟ لا شيء يستحق الذكر أيضا .. آخر الاحصاءات تشير إلى 150 مليون مريض فقط في مختلف دول العالم، ويموت منهم حسب الاحصاءات 350 ألف مريض سنويا، أي أن شركة جي ليد لتقضى نهائيا على المرض فهي مضطرة لتصنيع 150 مليون كورس علاجي منه وسيتم بيعهم بحوالي 12.6 ترليون دولار! وهذا الرقم هو المبلغ الذي ستكسبه جي ليد خلال الفترة المطلوبة حتى القضاء النهائي على المرض خلال الفترة القادمة ..

لنترك الأوهام الآن ولنأتِ لعالم الواقع ولنتسائل .. هل سينتهي حقا مرض فيروس الكبدي الوبائي من نوع C إلى الأبد باكتشاف هذا العلاج المثير؟

دعونا للحظة ننظر إلى ما وراء السطور في كل تلك المعلومات التي كتبتها في الأعلى .. وأول معلومة لها علاقة بالشركة التي قامت بالتعب على انتاج عقار سوفالدي .. الذين أنفقوا مليارات الدولارات والسنوات من أعمار باحثيهم من أجل انتاج العقار .. ولو عدنا بذاكرتنا للوراء قليلا سنتذكر أنها هي ذات الشركة التي اخترعت مضادا فيروسيا آخر هو التامي فلو Tami Flu والذي اكتسح الأسواق العالمية بسبب شهرته كمضاد لفيروس انفلونزا الطيور .. وبعد عدة سنوات أيضا ثبت بالاختبارات المعملية امكانية استخدامه كمضاد لفيروس انفلونزا الخنازير .. وهو العقار الذي ظهر وأظهر شركة جي ليد على الساحة العالمية وحولها من شركة متوسطة إلى شركة كبرى ورفع قيمة أسهمها في بورصة وول ستريت خلال فترة أسابيع قليلة بعد انتاجه وإتاحته للاستخدام لأربع أضعاف .. آخذين بعين الاعتبار أنها شركة أمريكية خالصة مقرها في فوستر سيتي في كاليفورنيا ومتخصصة في تجارب تصنيع مضادات الفيروسات والأمراض الوبائية ولحد أواخر التسعينات كان يرأس مجلس إدارتها وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ومهندس حربي العراق وافغانستان مجرم الحرب دونالد رامسفيلد!

وبغض النظر عن ايماني او اقتناعي بنظريات المؤامرة حول انفلونزا الخنازير أو انفلونزا الطيور أو اقتناعي أنهما فيروسان لهما أهمية اكلينيكة تجعل انتشارهما يصنف على أنه وباء من الأصل .. لكن في الحقيقة فإن آلة الإعلام الامبريالي العالمي استطاعت فعلا أن تفعل ذلك وتجعل العالم يخاف من انفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير على أنهم وباءان عالميان (بمساعدة من منظمة الصحة العالمية) .. آلة الإعلام تلك أهملت الذكر أن مصابي انفلونزا الخنازير وانفلونزا الطيور قد مات منهم بسبب المرض عدد أقل من أولئك الذين يقضون كل سنة في أمريكا لوحدها بسبب الانفلونزا الموسمية العادية بسبب نقص الرعاية الصحية .. وقد انتشرت موجة الذعر من ذلك الوباء وانتهت كما بدأت بعدما أن استطاعت جي ليد وادارتها التي يسيطر عليها مجموعة من السياسيين الامريكيين من امبرياليي المحافظين الجدد ومن يناصرهم من أدوات البروباغندا الاعلامية أن يبيعوا من العقار ما قيمته مليارات الدولارات لكل دول وحكومات العالم .. لذا فامتلاك شركة كهذه الحقوق الحصرية لانتاج وبيع علاج لمرض فيروس الكبدي الوبائي سي أمر يثير شكوكا وتساؤلات ومخاوف ..

الشكوك أولا .. هي فيما يتعلق بالفعالية العلاجية الحقيقية للسوفالدي .. وإن كان قادرا فعلا على إنهاء فيروس سي بشكل نهائي وشفاء المرض منه .. ولكن الدواء معتمد من منظمة الغذاء والدواء الأمريكية وهي منظمة حكومية وليست مستقلة ولكنها ذات سمعة واحترام في جميع الأوساط الطبية واعتماد علاج معين منها يعتبر بمثابة شهادة عالمية مقبولة في كل مكان .. لذا فإن الشكوك حول فعالية العلاج الجديد لفيروس الكبدي الوبائي C قد لا تكون مقبولة.

أما التساؤلات فهي عن السعر الخرافي الذي وضعته جي ليد للكورس العلاجي، وهل يستحق فعلا هذا السعر مهما كانت تكاليف إنتاجه والتكاليف التي وضعت من أجل الأبحاث التي تم على إثرها اكتشاف العقار، صحيح أن هناك الكثير من الأدوية الأخرى تملك أسعارا خرافية مثل هذه ولكنها تكون في الأساس لأدوية نادرة الاستخدام لأمراض نادرة ومحدودة الانتشار، وليس لمرض يسجل 150 مليون شخص كتعداد مرضى و350 ألف شخص كوفيات سنوية!؟

ثم إن معايير منظمة الصحة العالمية بشأن الأوبئة أمر مثير للسخرية أيضا، فكيف يكون انفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير أمراضا من الخطورة بمكان لدرجة وصفها بالوبائية حيث أن ذلك يستدعي من المنظمة الدولية وهيئات الصحة المحلية في الدول الكبرى إجراءات خاصة لمواجهتها (بوصفها وباء Epidemic) على العكس من الأمراض الأخرى .. فلا اذكر أن أيا من مرضي الانفلونزا المذكورين قد أصابا في العالم كله تعدادا سكانيا يفوق ما يصيب كل عام مرضى فيروس الكبدي الوبائي سي أو حتى مرضى الملاريا (والتي تحدثت عنها في موضوع منفصل من قبل) فبناء على أي أساس يحدد أهل الصحة والطب من الرأسماليين البرجوازيين خطورة الأمراض ووصفها بالأوبئة؟
مع الأخذ بالعلم أن الوباء كما أسلفنا الذكر يتم التحرز ضده بإجراءات خاصة، حيث ان الشركة التي تنجح في انتاج علاج مضاد لمرض وبائي وتطرحه في الأسواق، تفقد حقها في الحصانة الاحتكارية له، فكل علاج جديد يتم انتاجه تملك الشركة المصنعة له الحق في احتكار تصنيعه لفترة تربو على العشر سنوات ، على العكس من ادوية الأوبئة التي يصبح الحق في تصنيعها مشاعا ..

أي أننا – وباختصار – لو تعاملنا مع الكبدي الوبائي سي على أنه وباء (ومنطقيا فهو من الخطورة بمكان ما يجعله يستحق أن يصنف كذلك طبقا لعدد الإصابات والوفيات الناجمة عنه وحتى الانتشار الجغرافي للمرض) ولو تعاملنا معه كذلك فإن جي ليد الأمريكية ستفقد حق احتكار السوفالدي وهو الأمر الذي سيزيد من انتاجه بالتأكيد وسيزيد من عرضه في سوق الدواء العالمية وسيستدعي بالتأكيد تخفيضا تلقائيا لسعره ..

أما بشأن المخاوف .. فأعتقد أنها أصبحت الآن واضحة .. فالمخاوف هي أن لا يصل هذا العلاج لكل من يستحقه، خاصة اذا ما عرفنا أن العديد من المرضى بالكبدي الوبائي سي موجودون في دول العالم الثالث، وأن أرضهم وبيئتهم بيئة خصبة لنمو وانتشار هكذا نوع من الأمراض، ففي مصر مثلا ينتشر الكبدي الوبائي سي الآن مترافقا مع البلهارسيا، حيث أن الفيروس امتلك قدرة على اصابة ديدان البلهارسيا والكمون داخلها والانتقال للعائل البشري أثناء إصابة البلهارسيا نفسها له، فلا يلزم نقل دم أو ممارسة جنسية أو استخدام لأدوات المريض او الاحتكاك به مباشرة حتى تتم الإصابة .. ودولة مثل مصر تعاني اقتصاديا بشكل مهول يجعلها غير قادرة على دفع تكاليف خرافية تقدر بمئات ملايين الدولارات لتوفير عقار السوفالدي بتكلفته العالية الحالية لمرضاها .. وقد ذكرت مصر فقط على سبيل المثال لا الحصر ..

لا أدري لماذا قفز الآن إلى ذهني شيء كنت أردده في حضرة مثل تلك الأفكار التي لخصت شيئا منها في هذا المقال .. كنت دائما أقول: قبح الله قولك وفعلك يا مالتوس ..



#أسامة_عبد_الرحمن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التصنيع الدوائي .. الأولويات والمعايير الأخلاقية
- تنامي الخطر الداهم للسلفية الجهادية في فلسطين


المزيد.....




- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع ...
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 8 صواريخ باليستية أطلقتها القوات ا ...
- -غنّوا-، ذا روك يقول لمشاهدي فيلمه الجديد
- بوليفيا: انهيار أرضي يدمّر 40 منزلاً في لاباز بعد أشهر من ال ...
- في استذكار الراحل العزيز خيون التميمي (أبو أحمد)
- 5 صعوبات أمام ترامب في طريقه لعقد صفقات حول البؤر الساخنة
- قتيل وجريحان بهجوم مسيّرتين إسرائيليتين على صور في جنوب لبنا ...
- خبير أوكراني: زيلينسكي وحلفاؤه -نجحوا- في جعل أوكرانيا ورقة ...
- اختبار قاذف شبكة مضادة للدرونات في منطقة العملية العسكرية ال ...
- اكتشاف إشارة غريبة حدثت قبل دقائق من أحد أقوى الانفجارات الب ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - أسامة عبد الرحمن - تخلص من الكبدي الوبائي ب84 ألف دولار