|
النَّجْم إذا حَفَرَ في الفضاء
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4304 - 2013 / 12 / 13 - 09:27
المحور:
الطب , والعلوم
"النجم" هو الجسم الأهم في الكون؛ فهو مُولِّد الضوء والحرارة ومعظم العناصر الكيميائية، ومُولِّد العناصر والمُكوِّنات الأساسية للمادة الحيَّة. والنجم يشبه "الكائن الاجتماعي"؛ فلا وجود له إلاَّ مع "جماعته"، وهي "المجرَّة"، التي تضم آلاف الملايين من النجوم؛ وهذه "المجرة" هي فَرْد من مجموعة ضخمة، تسمَّى "عنقود (أو زمرة، أو مجموعة) المجرَّات"، التي من خصائصها الجوهرية أنَّها لا تتحرَّك "في" الفضاء، وإنَّما "معه"؛ فالفضاء بين "عناقيد المجرَّات" يتمدَّد، في استمرار، وفي سرعة متزايدة، فتبدو لنا "عناقيد المجرَّات" في حالٍ تشبه "التنافر". عصر ولادة النجوم بدأ إذْ وَضَعت الحرب بين ما يسمَّى "الجسيمات المادية المتضادة" أوزارها، وتَحَوَّلَ معظم هذه الجسيمات إلى طاقة من طريق تبادلها "الفناء"؛ فكان "الكون ـ الطفل"، بعد انتهاء هذه الحرب، على هيئة بحرٍ (واسع نسبياً) من الطاقة، تتبعثَر وتتناثر فيه كمية ضئيلة من "جسيمات المادة العادية" التي نَجَت من "حرب الفناء المتبادَل" تلك. وفي هذا البحر من الطاقة، والمتَّسِع في استمرار، وُجِدَت البروتونات (أيْ نوى ذرَّات الهيدروجين) ونوى ذرَّات الهليوم، والنيوترونات، والإلكترونات التي لم تكن قد اتَّحَدت بَعْد مع نوى الهيدروجين والهليوم. وكانت هذه الإلكترونات الحُرَّة الطليقة تَفْتَرِس، في استمرار، الضوء، وتمنعه، من ثمَّ، من الانتشار في الفضاء الكوني (الذي كان يتَّسِع في استمرار). ومع أَسْر النوى (نوى الهيدروجين والهليوم) للإلكترونات، تكوَّنت الذرَّات (ذرَّات الهيدروجين والهليوم) وأصبح الفضاء خالياً من الإلكترونات (الحُرَّة الطليقة) التي كانت تفترس الضوء، وتمنعه من الانتشار. لقد اتَّسَع الفضاء، واتَّسَع الكون كله من ثمَّ؛ وفي هذا الفضاء الواسِع المتَّسِع انتشرت سُحُب (وغيوم) ضخمة، كانت ذرَّات الهيدروجين والهليوم، مُكوِّنها الأوَّل والأهم. كل سحابة شرعت تتكاثف، متمزِّقةً، من ثمَّ، إرباً إرباً؛ وكل إرْب صغير، أو جزء صغير، كان سحابة صغيرة، تتكوَّن أساساً من ذرَّات الهيدروجين والهليوم؛ وهذه السحابة الصغيرة (أو الصغرى) كانت الرَّحم الذي فيه يتكوَّن النجم. أصل النجم هو هذه السحابة الصغيرة، أو الصغرى، والتي بكتلتها تُنْتِج انحناءً (أو حُفْرَةً) في الفضاء الذي تتموضع فيه. وهذا الانحناء (والذي هو العاقبة الحتمية لوجود كل مادة في الفضاء) يُقوِّي مِنْ مَيْل مادة السحابة (أصل النجم) إلى الانهيار على نفسها، وكأنَّها (أيْ مادة السحابة) موجودة ومنتشرة على سطحٍ مصقولٍ مائلٍ، فيشتدُّ لديها، المَيْل، من ثمَّ، إلى "السقوط"، و"الانهيار على نفسها"؛ لكنَّ "الانهيار" يُكْبَح ويُقاوَم في استمرار؛ وفي هذا الصراع، وبه، تنكمش وتتقلَّص السحابة في استمرار، وتزداد كثافتها. وفي الباطن، أو المركز، من هذا السحابة، نرى الانكماش (أو التقلُّص) الأقوى، والكثافة الأشد. وثمَّة صلة سببية بين "الانكماش" وبين "دوران السحابة المنكمشة حول محورها (أو حول نفسها)"؛ وكلما اشتدَّ الانكماش، أسْرَعت السحابة (أصل النجم) في الدوران حول نفسها؛ وكلَّما أسْرَعَت في الدوران حول نفسها، تضخَّمت "السحابة الكروية" عند "خطِّ الاستواء"، وكأنَّ أجزاءها عند هذا الخط تَنْزَع إلى الانفصال عنها. إنَّ المادة في السحابة تَحْفُر في الفضاء الذي تتموضع فيه، أيْ تتسبَّب في انحنائه، فيشتد مَيْل هذه المادة إلى "السقوط" في "الحُفْرة التي حفرتها بيديها"، و"الانهيار على نفسها"؛ ومِنْ العواقب الحتمية للسَّيْر في هذا المسار من الانهيار المكبوح والمُقاوَم، انكماش وتقلُّص السحابة، واشتداد كثافتها، واتِّخاذها شكلاً أكثر كرويةً؛ ومع كل انكماش جديد تُسْرِع "السحابة الكروية" في الدوران حول نفسها؛ وبهذا الدوران، وبزيادة سرعته، تُقاوِم السحابة، وتَكْبَح، انهيارها على نفسها؛ فمادة السحابة الكروية، والأبعد عن مركزها على وجه الخصوص، تبدو في مَيْلٍ قوي إلى الانفصال عن السحابة، والذهاب بعيداً (عنها) في الفضاء الخارجي؛ لكنَّها لا تنفصل؛ لأنَّ القوَّة الدافعة إلى انفصالها لا تكفي لتمكينها من الإفلات من قبضة الجاذبية؛ فانحناء الفضاء الأقرب إلى "السحابة الكروية" يَحْفَظ في داخله أجزاء السحابة، وكأنَّه يأسرها ويحبسها فيه، مانعاً إيَّاها من الانفصال، والذهاب بعيداً في الفضاء الخارجي. ومع اشتعال باطن السحابة المنكمش الكثيف المضغوط يبدأ "الاندماج النووي"، أيْ الاندماج بين نوى ذرَّات الهيدروجين في المقام الأوَّل، وتتولَّد طاقة حرارية (مع ضوء) فيُقاوَم ويُكْبَح أكثر ميْل مادة النجم (الذي وُلِدَ الآن) إلى الانهيار على نفسها، ويتمدَّد النجم؛ لكنَّ هذا التمدُّد يأتي، حتماً، بكل ما يُهيِّئ النجم إلى انكماش جديد في مركزه؛ ومع كل انكماش جديد يتهيَّأ مركز النجم إلى مزيدٍ من الاندماج النووي، الذي في استمراره وتعاظمه تتكوَّن نوى الذرَّات الأثقل من نوى ذرَّات الهيدروجين والهليوم.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بأيِّ معنى نفهم سرعة الضوء على أنَّها -مُطْلَقَة-؟
-
-التركيب- و-التفكيك- عربياً
-
كيف تَصِل إلى أبعد نجم في الكون في دقيقة واحدة فحسب؟
-
أين -المُطْلَق- في -النسبية-؟
-
الجاهلية الإسلامية!
-
في -نسبية الحركة-
-
قانون يُدْعى -تنظيم الحق في التظاهر-!
-
-النقطة- التي منها وُلِدَ الكون!
-
مِنْ عملة -الكيميائي السوري- إلى عملة -النووي الإيراني-!
-
في قانون التكافؤ بين قوى الجاذبية وقوى التسارع
-
-أوباما الإيراني- في -مرجعيته السورية-!
-
واشنطن وطهران عندما تُعْلِن كلتاهما النَّصْر على الأخرى!
-
-البترودولار- ما زال يستبدُّ بالعالَم!
-
معنى -انحناء الفضاء-
-
-الغاز- لغة القرن الحادي والعشرين!
-
في البُعْد الرابع للمكان!
-
الكون في عُمْرِه الافتراضي الجديد!
-
إطلالة دحلان!
-
-الخَلْق من العدم- في نظرياته الفيزيائية الحديثة!
-
النفط الذي جَعَلَنا -أَمَةً- لا -أُمَّةً-!
المزيد.....
-
الأعراض الأولى لسرطان القصبة الهوائية والوقاية منه
-
أطعمة ومشروبات تجنبها عند تناول المضادات الحيوية
-
الضغوط تتزايد على عمالقة التكنولوجيا.. ماذا يعني قانون الأسو
...
-
الحكومة الأميركية تطلب من القضاء إجبار غوغل على بيع -كروم-
-
” سجل الآن من هنا “.. التسجيل في مسابقة الشبه الطبي في الجزا
...
-
مخدر الاغتصاب GHB .. مراحل تأثيره السلبى على الجسم وكيف يحدث
...
-
وكالة الفضاء الأوروبية تمول شركات صناعات الفضاء الخاصة بملاي
...
-
نوع من الفطر قد يبطئ نمو الورم السرطاني ويطيل العمر
-
للمرة الأولى.. اصطفاف مجرتين بشكل مثالي يساعد على رؤية الكون
...
-
أوبئة عادت لتهدد العالم فى 2024.. فيديوجراف
المزيد.....
-
هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟
/ جواد بشارة
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
المزيد.....
|