أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سعيد الوجاني - الاعتقال السياسي بين سلطة القانون وسلطة الامر الواقع















المزيد.....



الاعتقال السياسي بين سلطة القانون وسلطة الامر الواقع


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 4303 - 2013 / 12 / 12 - 20:53
المحور: حقوق الانسان
    


أثار موضوع الاعتقال السياسي والمعتقلين السياسيين العديد من السجال السياسي والقانوني والحقوقي بالبلاد العربية من قبل جميع المهتمين بقضايا حقوق الانسان من جمعيات ومنظمات مختلفة ، كما اثار نفس السجال من قبل المعارضين للأنظمة السياسية العربية المتواجدين بدول المهجر الاوربي ، ومن قبل جمعيات حقوق الانسان الاوربية المساندة والمدعمة لحقوق هؤلاء بالدول التي يتواجدون فوق اراضيها ، بل ان العديد من الحكومات الاوربية والبرلمان الاوربي كانت تبدي اهتماما بالغا لملف حقوق الانسان ، سواء بالنسبة للمنفيين السياسيين وإمكانية العودة اللاّمشروطة الى اوطانهم ، او بالنسبة لملف المعتقلين سواء المحكومين بعقوبات سالبة للحرية ، او المعتقلين المتواجدين بمعتقلات سرية لا تخضع لقانون السجون المعمول به في تلك الدول ، او ملف المغيبين والمختطفين ومجهولي المصير ، او اثارة اللثام عن ملف الذين سقطوا صرعا بمسدسات كاتم الصوت العربي . ان سبب هذا السجال هو وجود منابر مختلفة تعاملت من زويا مختلفة مع هذه الظاهرة التي اساءت الى العديد من الانظمة والدول ، بل احرجت رؤساء دول حين تم فرض شروط من قبل البيت الابيض على هؤلاء قبل زيارة واشنطن ، وهي اطلاق سراح المعتقلين السياسيين والكشف عن المغيبين .
إذا كان الرأي العام الحقوقي في البلاد الاوربية وبالولايات المتحدة الامريكية ، يجمع على ان الوطن العربي كانت تحكمه انظمة دكتاتورية او عشائرية او بوليسية ، كما انه عرف ابشع حالات الاعتقال السياسي ، واغرب المعتقلات السياسية غير القانونية ، فان ما ينبغي ملاحظته هو ان الانظمة الحاكمة تعاملت مع هذه الآفة الظاهرة بشكل سلبي وهروبي ، سواء من حيث انكار وجود معتقلات سياسية غير قانونية ببلادها ، او انكارها وجود معتقلين سياسيين ، سواء بالمعتقلات القانونية او بالمعتقلات السرية ، وهو ما كان يسبب لهؤلاء الحرج عند استفسارهم من قبل الصحفيين الاوربيين حول موضوع الاعتقال السياسي والمعتقلين السياسيين . ومع مرور الايام ، وبزوغ حقائق على سطح الاحداث ، اضطر العديد من الحكام العرب على الاقرار بوجود معتقلين سياسيين وبوجود معتقلات سياسية غير قانونية ، او الاعتراف بوجود معتقلين سياسيين بمعتقلات قانونية ، رغم استمرار الحكام في عدم الاعتراف بصفة المعتقل السياسي لهؤلاء المعتقلين التي يصرون انهم من معتقلي الحق العام . ومع مرور الوقت وظهور معطيات جديدة بخصوص موضوع الاعتقال السياسي ، وتنامي جمعيات وحكومات اوربية تطالب بوضع حد لهذه الظاهرة غير المفهومة ، شكل هذا ازمة ضمير للعديد من الانظمة التي اضطرت مؤخرا ان تعترف بوجود معتقلات سياسية سرية ، وبوجود معتقلات سياسية قانونية ، كما حاولت تكييف عملية المخطوفين ومجهولي المصير بصراعات جيو- سياسية بالمنطقة ، او انها انكرت نهائيا ان يكون احد السياسيين قد تعرض للاختطاف الذي انتهى بصاحبه ان يصبح من مجهولي المصير . هكذا ظهرت معتقلات سرية ، وظهر معتقلون خارج منظومة قوانين السجون ، وبدأ الرأي العام الوطني المشتغل بملف حقوق الانسان ، وبتنسيق مع الرأي العام الاوربي والأمريكي المشتغل كذلك بملف حقوق الانسان ، وبمشاركة سياسيين وكتاب ومثقفين اوربيين ، يكشفون وبالحجة والدليل ، ما كان اكثر من نظام عربي ينكره في بداية تعاطيه مع ازمة حقوق الانسان . ولا غرابة من ان الجلاد والقاتل العربي ظلا بمنآى عن اي مسؤولية او محاسبة عمّا اقترفته ايديهم من جرائم لطخت سمعة الدول ، وتسببت في دفع مواطنين ، ولاعتبارات شوفينية الى المطالبة بالانفصال عن دولة العسكر او البوليس ، ووجدت هذه الدعوة من يتلقفها من القوى والدول المعادية التي استغلتهم باسم حقوق الانسان في تكريس مطلب الانفصال الذي اضحى ورما خبيثا يهدد النسيج الاجتماعي للدولة وللشعب .
اذا كان التعامل المزدوج من الطرف الدول العربية في موضوع حقوق الانسان وموضوع المعتقلين السياسيين والمعتقلات السرية ، جعل بعضها يصاب بالإرباك عند تحضير اجوبة الاسئلة المتقاطرة ، فإن المنظمات والأحزاب السياسية العربية بمختلف مشاربها الايديولوجية ، تعاملت مع هذا الملف من زوايا مختلفة ولاعتبارات تخصها . فمنها من تبنى هذا الملف في استراتيجيته النضالية كمطلب اساسي ومركزي لا يمكن التنازل عنه وفاء لرفاق الدرب المغيبين او المعتقلين ، ومنها من تعامل مع الملف من منطلق تكتيكي فقط ، أي انه كان يستعمله فقط لإحراج النظام والدفع به لقبول بعض التوافقات ، او تقديم بعض التنازلات التي كانت عبارة عن مقاعد برلمانية او مشاركة حكومية لتلميع وجه النظام ازاء الخارج . ومن هذه الاحزاب والتنظيمات من انكر وجود معتقلين سياسيين بالمرة ، ومدعية ان في الامر خدعة مدروسة تهدف الى تقديم خدمة الى الخصوم السياسيين في الخارج ، ومن هؤلاء الذين انكروا وجود معتقلين سياسيين من عاد في الاخير ليعترف بوجود معتقلات سياسية ، وإن كان ذلك فقط من باب مسايرة الموجة ، وحتى لا يبقوا يغردون خارج ما اعترفت به الانظمة الحاكمة ، ومع ذلك لابد من الاعتراف من ان نضالات وتحركات جميع المنظمات الاوربية والأمريكية العاملة في ميدان حقوق الانسان ، وتدخل قصر الاليزيه والبيت الابيض بالخصوص في قضية ابراهام السرفاتي ، وقضية تزمامارت ( نانسي الطويل ) ، الاخوان بويركات ، وعسكريي المعتقل المذكور ، وتدخل وزير الخارجية الامريكي السيد كولين باول في قضية الصحافي علي لمرابط ... لخ ، كانت من العوامل الاساسية في الكشف عن خبايا العديد من الملفات المرتبطة بحقوق الانسان ، حيث اصبحت كل قضايا حقوق الانسان عبارة عن مواضيع شائكة احرجت الانظمة ، فأصبحت القضية ليست فقط دولية ، بل اضحت وطنية بامتياز ، هذا دون ان ننسى ان جورج بوش الاب سبق ان دعا الى انشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة المتورطين في الجرائم السياسية المقترفة ضد الافراد او الجماعات ، وهي نفس الدعوة سبق ان دعا اليها الامين العام للأمم المتحدة السابق السيد كوفي عنان . ان هذا النضال الذي توج بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية ، جعل الحاكم العالم ثالثي ، وخاصة العربي ، يولي لملف حقوق الانسان اهمية بالغة ، بل واعتباره من الملفات الاستراتيجية التي تدور حولها رحى الصراع بين الحاكم والمعارضة ، او بين دولة ودولة قصد تأجيج الرأي العام الدولي ضد الدولة المتهمة من قبل الدولة الاخرى بخرق حقوق الانسان بالمناطق المتنازع حولها ، بل ان ملفات حقوق الانسان ، استوجبت تدخل احدى الدول الكبرى لفرض احترام حقوق الانسان بالمناطق المتنازع عليها ، وهي دعوة مبطنة لا تخلو من خطورة ، حيث تهدف في النهاية الى اقامة مقيم عام اجنبي يتولى السهر والمراقبة على تطبيق حقوق الانسان ، وهذا ليس له من تفسير غير الحد ، بل المساس بسيادة الدولة المعنية بهذا التدخل ، وهو ما يعني عدم اعتراف الدول العظمى بالسيادة الوطنية على الاقليم المتنازع حوله . ان تسلم خديجة الرياضي لجائز الامم المتحدة عن حقوق الانسان ، يعتبر صفعة قوية لتدبير زمرة العصبية القبلية لملف حقوق الانسان ولملف الامن بالصحراء ، وهي الزمرة التي تمارس التجهيل والتضبيع والنهب والقتل والتجويع والتفقير المادي والمعنوي للشعب ، وما دام ان هذه العصبة هي كذلك ، فان اي حل للملفات العالقة والخطيرة سوف لن يزيغ عن الاستفتاء لتقرير المصير . ان احفاد احمد الهيبة وأحفاد عبدالكريم الخطابي وأحفاد موح اوحمو الزياني لن يقبلوا ان تقرر في مصيرهم ومصير المغاربة والقضية الوطنية زمرة العصبية القبلية الفاسدة التي ورطت الملك في خيار الحكم الذاتي الذي مات قبل ان يجف الحبر الذي كتب به . انه نفس النهج ، ونفس الخطأ توارثته الزمرة عن مدرسة غير المأسوف عن ذهابه ادريس البصري الذي ترعرعت في اكنافه .
في المغرب ، يجب الاشارة الى ملاحظة اساسية ، هي ان جميع القوانين المغربية والنصوص وعلى رأسها القانون الجنائي المغربي ، لا تضم و لا تعترف بما تسميه القوانين الدولية " المجرم السياسي والجريمة السياسية " . فباستثناء الجرائم المرتكبة ضد الملك ، او ضد احد افراد الاسرة الملكية ، او الوحدة الترابية للمملكة ، او التعامل مع دولة اجنبية ضد الدولة المغربية ، او المشاركة في حرب مع العدو ضد الدولة الام .. ، فرغم ان الصفة السياسية لا تزول عن هذا النوع من الجرائم ، فإن المحاكم المغربية تعتبرها جرائم عادية ، اي من جرائم الحق العام ، وهو نفس المنحى سارت عليه محاكمة المسئولين عن الانقلابات العسكرية او المحاولات الانقلابية البلانكية التي عرفها المغرب ، وهو نفس المنحى سارت عليه محاكمة منظمة الى الامام ومنظمة 23 مارس خاصة لمّا رفعت الاغلبية من المحكومين شعار " الجمهورية الصحراوية " و شعار " الشعب الصحراوي " .
ان هذا يعني ان السلطات الرسمية في المغرب ظلت في خطاباتها المناسباتية تنفي وجود معتقلين سياسيين او مجرمي رأي . فكانت التفسيرات التي تعطى لهذا الاتجاه ، خاصة بالنسبة لبعض المعتقلين الذين ظهروا في بعض المعتقلات السرية ، ونقلوا منها الى بعض السجون العادية ، تركز على تضخيم ملف هؤلاء مثل قولهم ب " تقرير المصير والاستفتاء في الصحراء " رغم ان الدولة اعترفت بهذا الحق منذ 1967 و 1968 و بنيروبي 1982 وعندما قبلت مخطط جيمس بكير الذي نص على حكم ذاتي مدته خمس سنوات ، يليه بعد ذلك تقرير المصير بواسطة الاستفتاء للجماهير الصحراوية ، وهو نفس المخرج سيصل اليه كريستوف رووس في نهاية اشغاله . لقد صادقت هذا اليوم وبالإجماع الجمعية العامة للأمم المتحدة على توصية اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار ، على قرار يدعو الى الحل السياسي المتفاوض عليه والمقبول للوصول الى تنظيم استفتاء سكان الصحراء الغربية ، وهو مؤشر خطير لما ينتظر الصحراء في القادم من الشهور. وللإشارة فان العديد من المعتقلين السياسيين ، خاصة الذين كانوا ينتمون الى يمين 23 مارس ، رغم انهم كانوا يشددون اثناء المحاكمة على مغربية الصحراء ، فان الدولة لم تكن تعترف لهم بصفة المعتقل السياسي ، ومن ثم فإنهم كانوا يستثنون في المناسبات الوطنية من الاستفادة من حق العفو الذي كان تستفيد منه اتجاهات سياسية اخرى .
اما بخصوص ملف المخطوفين والمغيبين ومجهولي المصير ، فرغم المحاولات التي بدلت للوصول الى الحقيقة ، مثل خلق لجنة الحقيقة والمصالحة او المجلس الاستشاري او الوطني ...لخ ، فان الملف لا يزال يلقي بظلاله على اكثر من جهة ، خاصة بالنسبة للمواطنين الصحراويين وبالنسبة لأسرة المانوزي والمهدي بن بركة وعبد اللطيف زروال .. لخ .
رغم ان العديد من الدول العربية تعمل بكل الوسائل ما امكن على طي صفحة حقوق الانسان ، وبهدف خلق قوى سياسية جديدة تتفاعل مع اجهزة الدولة المختلفة ، فان المشكل الرئيسي يبقى في طرق المعالجة القانونية لظاهرة الاعتقال السياسي . ان التشريعات العربية فقيرة في هذا المجال ، بسبب تعمد السلطة التنفيذية التي تسيطر على السلطة التشريعية مثل سيطرتها على السلطة القضائية ، لتترك لها هذا المجال الحساس تعالجه بطريقتها الخاصة ، والتي قد تصل حينما يصل التهور السياسي ذروته الى مرحلة الاغتيال السياسي ( الجنرال محمد افقير واحمد الدليمي مع المهدي بن بركة ) ، ( معمر القدافي وبتواطؤ مكشوف مع حسني مبارك في تصفية منصور الكيخا ) ، و ( قضية جعفر النميري مع الامين العام للحزب الشيوعي السوداني المحجوب ) .
في المغرب ، ومن خلال رجوعنا الى مختلف النصوص والقوانين المغربية التي يمكن الرجوع اليها في بحث الظاهرة ، نجد ان هناك ثغرة عميقة في القانون المغربي بخصوص هذا المشكل ، وهذا يؤدي بنا الى طرح السؤال بخصوص موضوع : من هو المعتقل السياسي وما هو الاعتقال السياسي ؟ .
يلاحظ انه امام هذا الغموض في النصوص والقوانين ، فان السلطات ظلت وستظل تنفي دائما وجود معتقلين سياسيين ، وتعتبر ان جميع ما في سجونها هم مجرد معتقلي الحق العام . وهذا يعني نفي السلطات بالمطلق لوجود ظاهرة الاعتقال السياسي لديها . لكن نلاحظ من خلال النضالات التي يخوضها المعتقلون ، اضرابات عن الطعام ، اصدار بيانات للرأي الحقوقي الوطني والدولي ، ثم المفاوضات التي تجريها معهم السلطات المعنية ، والمساندة التي يتلقونها من قبل جمعيات حقوق الانسان المختلفة ، فان هذه وبدون شعور منها ، اي السلطات ، تجزم وتقر بوجود معتقلين من نوع آخر يختلف عن معتقلي الحق العام . هذا ناهيك عن نشر ملخص هذه المفاوضات ، ونشر بعض البيانات بخصوصها بالصحافة الوطنية . ان هذا يعني شيئا واحدا هو تنازل الجهاز الاداري واعترافه بصراحة بما كان يعتبر سماعه من قبيل المستحيلات او المحرمات في السابق . وتجدر الاشارة الى ان الاضراب عن الطعام الذي خاضه معتقلو الحركة الماركسية اللينينية المغربية للمطالبة بالتعجيل بالمحاكمة او اطلاق السراح ، ولتحسين شروط الاعتقال ، ثم النضالات التي صاحبت ذلك بالعديد من السجون والمعتقلات ، والدعم الذي لقيته الحركة داخليا و في الخارج ، جعل هذه ، اي الحركة تنتزع وضع وحقوق المعتقل السياسي ، رغم استمرار الدولة في الظهور بتجاهل هذا الوضع الجديد . ان العديد من المعتقلين امثال ابراهام السرفاتي وعبد اللطيف اللعبي كانوا يعرفون الزيارة المباشرة لأزواجهم وعائلاتهم .
اذا رجعنا الى القانون الجنائي المغربي ، فإننا لن نجد تعريفا دقيقا ومحددا للمجرم السياسي ، كما ان القانون او النصوص التنظيمية لم تتطرق الى موضوع الاعتقال السياسي والجريمة السياسية ، فتبقى هذه في نظر المشرع بعيدة كل البعد عن اي تصنيف ، اي دون ما اذا كان الدافع الى ارتكاب الجريمة جناية او جنحة سياسية او غير سياسية . والمشرع المغربي تعمد هذا عن قصد و ذلك لفتح مجال التفسير واسعا قصد التصرف وقمع كل محاولة تهدف الى قلب النظام الملكي او التسبب في الاضطراب العام والمساس بالاستقرار والنظام العام ، او ممارسة السب والقذف والتشنيع عبر الكتابات والملصقات والإصدارات المختلفة ، وربما السبب في هذا يرجع الى عصرنة وتقليدانية النظام الذي يركز على الجمع بين الاصالة والمعاصرة المبنية على الاصول والقيم المتوارثة جيلا عن جيل ، اي التحكم في المشهد السياسي والديني والاجتماعي بما يتماشى مع الموروث الايديولوجي للدولة .
وبخلاف القانون المغربي من تحديد او تعريف المعتقل السياسي ، فان بعض القوانين التي تعود الى فترة الحماية ، اوردت بعض الامتيازات الضعيفة التي يجب ان يتمتع بها المعتقل السياسي ، وان كان واقع الحال والممارسة العملية في السجون تشير الى انتفاء حتى هذا الامتياز الضعيف . وكيفما كان الحال فانه وعلى الرغم من سلبية القانون المغربي بخصوص ظاهرة الاعتقال السياسي ، فان التطورات العملية والآليات المتبعة تدل كلها على وجود مجرم من نوع خاص ، الامر الذي يدفع الى التعامل معه بأساليب اخرى غير تلك التي يتعامل بها مع معتقلي الحق العام ، فهي قد تكون مشددة قامعة ، كما قد تخضع لمعايير انسانية في تحديد وضع هؤلاء داخل السجون . وانه امام الضغوط التي مارسها البيت الابيض الامريكي والعواصم الاوربية ، فقد تم ردم سجن تازمامارت حيث لعبت " نانسي الطويل " دورا مهما في ذلك ، كما اطلق سراح علي لمرابط والتامك لحسن ، كما استغلت الدولة هذه المناسبة للتخلص من ملف الشبيبة الاسلامية ومنظمة الجهاد الاسلامي حيث افرج عليهم جميعا ..لخ .
ان ما يجعل بعض الممارسات وبعض الاعتقالات تصنف ضمن الممارسات والجرائم السياسية ، واعتبار اصحابها معتقلين او مسجونين سياسيين نذكر :
1 -- ) الطريقة والكيفية التي يتم بها ايقاف المتهم او الموقوف حيث غالبا ما تحصل بواسطة الاختطاف ، وفي اوقات زمنية غير عادية ، إما ليلا او فجرا ، وإما اختطاف من الشارع العام بواسطة اشخاص غلاظ حاملين للهراوات والمسدسات ، مع استعمال احط الالفاظ من سب وشتم وتعنيف ، وان اقتضى الحال استعمال العنف ، واستعمال سيارات عادية لا تحمل علامات الشرطة ، مع وضع غطاء ( خنشة ) على وجه الشخص المختطف ، والجري به الى مكان الاستنطاق الخاص الذي تنتفي فيه ابسط شروط الحياة العادية . ان المخطتف في هذه الادارات يمكن ان يخضع لأنواع مختلفة من التعذيب الذي قد يصل الى التصفية الجسدية بفعل الممارسات المستعملة عند الاستنطاق . في مثل هذه الحالات يغيب القانون بالمرة ، وتحل محله نظرية الطوارئ التي يفرضها الحدث او نوع الجرم المقترف .
2 -- ) نوع وطبيعة الاشخاص الذين يمارسون الاختطاف ، وانتسابهم الى بعض الاجهزة الخاصة مثل المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ، او الفرقة الوطنية للشرطة التي تتقمص ادوارا غير طبيعية عند الاستنطاق بالنسبة لبعض الجرائم السياسية او تلك التي تدخل ضمن اعمال الارهاب ، وهناك مديرية الاستعلامات العامة بالمديرية العامة للأمن الوطني ، ثم هناك الفرق الخاصة بالقضايا السياسية بالتابعة للدرك الملكي ، اضافة الى الفرق الخاصة التابعة للإدارة العامة للدراسات والمستندات خاصة ايام الجنرال احمد الدليمي .
3 -- ) نوع الاجهزة الامنية السياسية الخاصة التي باشرت الملفات وتركت بصماتها فيها ، وهي البصمات التي تأخذها النيابة العامة كدليل في الادانة ، وحتى ولو كان العديد من عمليات الاستنطاق تشوبها مخالفات قانونية مثل ارغام المعتقل على توقيع محاضر الاتهام ودون قراءتها ، او استعمال الاساليب المخالفة للقانون عند الاستنطاق .
4 -- ) نوع الاساليب المستعملة في الاستنطاق ، وتجدر الاشارة هنا الى ان المسئولين الكبار عن هذه الاجهزة في سبعينات القرن الماضي ، كانوا يجهلون بفعل الامية الضاربة اطنابها في صفوفهم ، مضمون الادبيات السياسية والإيديولوجية التي كانت تروج لها الحركة الماركسية اللينينية المغربية ، فكانوا يعمدون الى الجلد والضرب المبرح وممارسة ساديتهم على المعتقلين لانتزاع الشروح والتفسيرات للأدبيات السياسية والفلسفية مثل ، ما معنى اوليغارشية سياسية ؟ ما معنى كمبرادور ؟ ما معنى الطفرة النوعية وما معنى القفزة النوعية ؟ ما معنى الانتلجانسيا ؟ ما معنى القواعد الحمراء الثابتة والقواعد الحمراء المتحركة ؟ ما المقصود بالبؤرة الثورية ؟ .. لخ . وان السبب في هذا يرجع الى ان المستنطقين كانوا يفتقرون الى مستوى من التعليم يؤهلهم لفهم معنى النصوص المكتوبة والمتداولة مع تحليلها ومعالجتها . ومن امثال هؤلاء الاميون نذكر عبد العزيز علابوش ، حفيظ بنهاشم ، حسين بنحربيط ، جميل ، جسوس ، لمزايتي .. لخ .
اما الآن فقد انقلبت الصورة وأصبحت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ، ومديرية الاستعلامات العامة ، والإدارة العامة للدراسات والمستندات والدرك الملكي يتوفرون على اطر مثقفة من مستوى جد عال ، يملكون قدرات فائقة على تحليل النصوص السياسية والفلسفية والاسلاموية ومعالجتها ، كما يملكون ليونة سلسة في معالجة كل القضايا والملفات الطارئة والمختلفة ، وهذا بخلاف رؤساء اقسام الشؤون الداخلية بالعمالات والأقاليم ، حيث لم تعد اخبارهم تتعدى نطاق ما يجود به " لمقدم والشيخ وبعض المخبرين من قبيل الشمكارة ورجال السلطة بالمملكة " .
5 -- ) المدد الزمنية الطويلة التي يقضيها المعتقلون في المخافر السرية وشبه السرية وبالمخافر العلنية والأقبية المظلمة التي كانت تصل بالنسبة للبعض الى اكثر من عشر سنوات ، ودون محاكمة تنظم لهم ( مجموعة إكدز ، مجموعة قلعة مكونة ، مجموعة تازمامارت التي قضت اكثر من ثمانية عشر سنة تحت الارض وبدون محاكمة تدينهم ) ، هذا ناهيك عن الذين فقدوا حياتهم ولم تتمكن عائلاتهم من استرداد رفاتهم .
6 -- ) نوع التهمة الملصقة بهؤلاء ، ونوع الملفات المطبوخة لهم ، خاصة وان العديد منها ، اي الملفات ، استعملت لتصفية حسابات مع بعض الاشخاص كما حصل للعديد من الناس عقب احداث 1981 و 1984 و 1991 . فرغم انهم لم يشاركوا في المظاهرات ، فقد طالتهم الاعتقالات بتوجيه من الزمرة التي كان يشرف عليها شخصيا غير المأسوف عن ذهابه ادريس البصري .
7 – ) نوع الحراس الذين يتولون الحراسة ، ونوع الاجراءات والاحتياطات المتخذة ، ونوع المعاملة المقترفة في حق المعتقلين .
8 -- ) الامتيازات الضئيلة التي تعطى للمتهم في حالة تقديمه للمحاكمة مثل تعيين محام له ، حق الرد وإن كان يتعرض للقمع في احيان كثيرة .
9 -- ) نوع المحامين الذين يتولون المرافعة في حق المعتقلين ، ودرجة الصدام بين هؤلاء وبين ممثل الحق العام ، وأحيانا بينهم وبين قضاء الحكم . وفي الكثير من الحالات كان يختتم الاحتداد بانسحاب هيئة الدفاع اذا اتضح ان المحاكمة صورية ، وان الاحكام معدة مسبقا ، او ان القاضي رئيس الجلسة يرفض ملتمسات الدفاع رغم حجيتها ، او ان القاضي يميل الى جانب النيابة العامة المدافعة عن محاضر البوليس السياسي ، ويتجاهل دفوعات الدفاع المبطلة لادعاءات المدافع عن الحق العام . هذا مع الاشارة الى اشارات النصر التي يرفعها المعتقلون ، والشعارات السياسية التي يرفعونها اثناء المحاكمة ، ومسطرة الاسئلة والأجوبة بين القاضي والمعتقلين ، والتي غالبا ما تعرف الامساك عن الاجابة ، والتزام الصمت والاحتجاج لرفضهم مهزلة المحاكمة .
10 -- ) تعرض القضاء للإملاءات والضغوط المادية والمعنوية شكلا ومضمونا . فالكثير من الاحكام كانت تعرف مسبقا قبل النطق بالحكم من قبل الهيئة الحاكمة . كان هذا ابان محاكمة مراكش التي حكم فيها صقور الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، محاكمة الدارالبيضاء المعروفة بملف الجبهويين 1977 ، محاكمة 1973 لنفس الفصائل الماركسية ، محاكمة 1983 .. لخ . لقد كان قضاة الاحكام في مثل هذه المحاكمات يجدون انفسهم في موقف حرج تابع للنيابة العامة بخصوص بعض ملفات بعض الاشخاص المعروضة عليهم ، فكانوا بذلك يرفضون تمتيع المتهمين في الجرائم السياسية بالبراءة او بالسراح المؤقت رغم عدم وجود قرائن تثبت تورط المعني بالأمر في هذه النوازل ، بل ان الاحكام صدرت في حق البعض فقط من اجل الشك ، وفقط لكون الشرطة السياسية ضبطت المتهم واقفا او يتحدث مع الطرف الآخر المبحوث عنه ، اي دون ان يكون لهذا المتهم علم مسبق بكون الشخص الذي كان معه ينتمي الى تنظيم او جماعة سياسية محظورة ، او انه مراقب من قبل البوليس السياسي . ان مثل هذه الخروقات عرفها ملف الجبهويين الماركسيين وملف 3 مارس 1973 وملف محاكمة مراكش 1970 وملف السلفية الجهادية 2003
11 – ) يبقى آخرا وليس اخيرا الجهة السياسية التي تنظر وتباشر المحاكمة من وراء النيابة العامة ، ونوع الجهاز الذي حرك الدعوى ، وكثرة المحامين المتطوعين ، وجمعيات حقوق الانسان المجندة والداخلة كطرف الى جانب المعتقلين ، ثم حضور مراقبين دوليين في حقوق الانسان مختلف اطوار المحاكمة ، وحضور العائلات وتضامن ألجمهور ثم كيفية توجيه الاسئلة ، والجو المكهرب داخل قاعة المحكمة ، وحضور الشرطة ومختلف الاجهزة الامنية ، اضافة الى تخريجات الصحف الوطنية والدولية ، وما تذيعه بعض وكالات الاخبار وبعض الاذاعات والقنوات الاوربية والعربية ... لخ .
ان هذه العوامل والعناصر مجتمعة ، رغم ان السلطات المنظمة للمحاكمة لم تكن تهضمها بسهولة ، فإنها كانت تعتبرها ملفات سياسية بامتياز ، وذلك لطبيعة المتورطين فيها ، والهدف الذي كانوا يطمحون للوصول اليه مثل قلب النظام وإقامة آخر مكانه .
الى جانب هذه الحقيقة ، فإننا اذا تعمقنا في البحث والتحليل ، فإننا سنجد بعض القوانين والنصوص التنظيمية ، تؤكد على وجود المعتقل السياسي والاعتقال السياسي والمعتقلات السياسية . ومن هذه القوانين نذكر :
1 -- ) فبالنسبة الى ظهير 26 يونيو 1930 الذي صدر في عهد الادارة الكلونيالية البغيضة ، والذي يضبط شؤون ادارة السجون ، فإننا نجده يعترف ببعض الحقائق الاساسية مثل :
ا – ما ينص عليه الفصل 40 من الظهير الذي يعفي المعتقلين من ارتداء ملابس السجن الخاصة بالسجناء العاديين مجرمي الحق العام .
ب – ينص الفصل 18 من الظهير المذكور على تخصيص جناح خاص للمعتقلين السياسيين ، وهو ما كان للمعتقلين الذين ’حكموا في ملفات مختلفة عرفها تاريخ الاعتقال السياسي بالمغرب ، وفي بعض السجون التي حوت معتقلين سياسيين مثل السجن المركزي بالقنيطرة الذي ضم مكتبة من صنع المعتقلين ، كانت تضم من الكتب ما تفتقر اليه الخزانة العامة للمملكة في ذاك الوقت . وللإشارة فان العديد من المعتقلين السياسيين حصلوا على شواهد جامعية عليا من داخل السجن .
ج – ينص الفصل 45 من نفس الظهير على اعفاء المعتقلين السياسيين من الخدمة التي تفرض على معتقلي الحق العام . وهنا نسجل انه حصل تراجع الى الخلف عن مقتضيات هذا الفصل بعد حصول المغرب على استقلاله السياسي ، إذ نجد ان الفصل 218 من القانون الجنائي الذي صدر في سنة 1962 ، قد نص على مماثلة جرائم امن الدولة من جنايات وجنح -- وهذه تعتبر جرائم سياسية بامتياز ، لأن الباعث عليها هو هدف سياسي نبيل ، مما جعل اساتذة القانون الجنائي يصفون المجرم السياسي بالمجرم النبيل لأن مراميه ترتبط ببرامج سياسية وإيديولوجية -- ، بالجرائم من جنايات وجنح عادية ، اي مماثلة المجرم السياسي بمجرم الحق العام . لقد ترتب عن هذا التراجع في المنظومة الجنائية المغربية ، نتائج سلبية انعكست على وضع السجين السياسي ، مثل حشره في زنازين مع معتقلي الحق العام ، وهضم حقوقه كمعتقل سياسي يجب ان يميز بينه وبين معتقلي الحق العام ، لأنه لا يمكن مماثلة المجرم السياسي النبيل ، بمجرم الحق العام الخشن والخطير . ان هذا الوضع ترتبت عنه نتائج اخرى ، وهي خوض المعتقلين السياسيين من طلبة او منتمين لتنظيمات سياسية قانونية او غير مرخص لها ، بخوض اضرابات عن الطعام لإقرار حق المعتقل السياسي او معتقل الرأي ، مثل الحصول على الجرائد الوطنية ، المذياع ، التلفاز ، الكتب ، المجلات ، التطبيب ، الحق في الدراسة .. لخ .
د – يعرف القانون الجنائي المغربي نوعين من الجرائم السياسية ، رغم عدم التنصيص صراحة على انها من قبيل الجرائم السياسية . ان هذه الجرائم تتوزع الى :
1 ) الجرائم السياسية الخطيرة المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي في فصول كثيرة ، وتسمى في القانون المغربي بجرائم المس بأمن الدولة الداخلي او الخارجي ، والمشرع المغربي هنا لم يضف على هذا النوع من الجرائم ، صبغة الجريمة السياسية ، وتركها محصورة في نطاق الجرائم الخطيرة ضمن جرائم الحق العام .
2 ) جرائم الرأي التي هي الجنح المنصوص عليها في ظهير الحريات العامة الذي صدر في سنة 1958 ، وقد كانت تلك النصوص جد متقدمة في التعامل مع جرائم الرأي ، الاّ انه جرى التراجع عن تلك المكتسبات الذي ينصص عليه الظهير ، بالتعديل الذي ’أ دخل عليه في 10 ابريل 1973 نحو المزيد من التشدد والتشديد في ممارسة الحريات العامة .
إذا كان المغرب قد اسقط التعامل بظهير 29 يونيو 1935 ، ظهير كل ما من شأنه ، حيث كانت السلطات الامنية تلجأ الى استعمال هذا الظهير لزجر المظاهرات والمسيرات التي تعتبرها مخالفة للنظام العام ، وردع كل ما يمس ( بالاحترام ) الواجب للسلطة ، فإن استمرار التعامل بظهير 27 يونيو 1937 المتعلق بزجر متعاطي الدعايات المخلة بالأمن والنظام العام ، وظهير 26 يونيو 1936 الذي ينصص على منع توزيع الاوراق والمناشير المتنوعة المخلة بالأمن والنظام العام ، اضافة الى قانون محاربة الارهاب ، وكل ما من شأنه ان يلحق الأذى بالدولة وبمؤسساتها ورموزها او بالمقدسات العليا للمغرب ، يفيد انه بخلاف هذا الجانب الواضح ، فإن جميع الافعال التي تطبق عليها نصوص الظهائر تعتبر من وجهة نظر مختلف جمعيات حقوق الانسان ، خاصة الجمعية المغربية لحقوق الانسان ، وجمعيات حقوق الانسان الاوربية والأمريكية ، بالجرائم والجنح السياسية .
اما الدولة المنظمة للمحاكمة ، فهي تعتبرها مجرد جرائم عادية تدخل اصحابها في زمرة معتقلي الحق العام ، اي بمنطق الدولة لا يمكن اعتبار هؤلاء مجرمين سياسيين او مجرمي رأي . بل وللالتفاف على الاوضاع والتعامل معها بالمنطق الامني الضيق ، فإن الدولة غالبا ما تفبرك للمعارضين تهم تدخل في نطاق الجرائم العادية ، ولا تعتبر من قبيل الجرائم السياسية ، حتى تتجنب ملاحظات وانتقادات ومساندة جمعيات حقوق الانسان المختلفة لهؤلاء في صراعهم مع الدولة المنظمة للمحاكمة . وهنا فان الدولة توظف القضاء في تصفية الحسابات مع المعارضين ، او لمنع صدور نشرات او جرائد او مجلات ، او لمنع تنظيمات سياسية لسبب او لآخر .
3 ) اذا رجعنا الى قانون المسطرة الجنائية ، سنجد ان الفصل 76 من ظهير 10 فبراير 1959 ينصص على انه لا يجوز الاعتقال ولو توفرت حالة التلبس في الجنح ذات الصبغة السياسية المحضة ، ونلاحظ ان الفصل 676 من قانون المسطرة الجنائية ، تعديل 13 نوفمبر 1963 ، الغى هذا الاستثناء ، ونص على انه لا يمكن الحكم او المطالبة بتطبيق الاكراه البدني في قضايا الجرائم السياسية .
4 ) ينص الفصل 5 من ظهير 8 نوفمبر 1958 ، والمتعلق بتسليم المجرمين الاجانب الى حكوماتهم ، أنه لا يجوز تسليم الاشخاص المطلوبين ، إذا كانت الجناية او الجنحة لها صبغة سياسية ، او تبين من ملابسات وظروف الحال أن التسليم ، انما كان لغرض سياسي بحث . والدول الاوربية قبل تفجيرات 11 ديسمبر ، كانت تمتنع عن تسليم المطلوبين اذا كانت تنتظرهم عقوبة الاعدام في بلدنهم ، او تنتظرهم معاملات لا انسانية مثل خضوعهم للتعذيب بأشكاله المختلفة . وفي هذا الاطار تجدر الاشارة الى التنبيه بأن القوانين الدولية الاوربية المناهضة لعقوبة الاعدام وللمعاملات القاسية على المطلوبين السياسيين ، إذا كانت تمنع تسليم المجرمين السياسيين المعرضة حياتهم الى الخطر ، فإن عمليات تسليم تمت من طرف العديد من الدول الاوربية والدول العربية . وكمثال تسليم المغرب لعبدالحق لعيايدة للسلطات الجزائرية ، وتسليم هذه الاخيرة في ستينات القرن الماضي لمطلوبين مغاربة الى السلطات المغربية عن طرق منفذ جوج بغال بالحدود المغربية الجزائرية ، وهم مناضلو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية . تسليم بريطانيا الاسلامي عبد الحق بلحاج الى امن معمر القدافي بليبيا ، وتسليم اسلاميين الى الولايات المتحدة الامريكية والى الاردن . تسليم اسبانيا لمطلوبين مغاربة الى السلطات المغربية وهم مناضلو الحركة الاتحادية ومطلوبين اسلاميين ، تسليم الولايات المتحدة الامريكية اي عربي مطلوب الى السلطات الاسرائيلية ، ومؤخرا تسليم مطلوبين منتمين الى التيارات الاسلامية بدعوى الارهاب . تسليم سلطات جبل طارق الى السلطات المغربية الضباط المسئولين عن المحاولة الانقلابية العسكرية في سنة 1972 رغم تقدمهم بطلب للجوء السياسي ، حيث جرى اعدامهم بعد محاكمات وصفت بالسريعة وبعدم احترامها لمعايير المحاكمة العادلة بخصوص ضمان حق الدفاع والمرافعة العادلة ... لخ .
5 ) ينص الفصل 19 من ظهير 19 فبراير 1960 ، المتعلق بمزاولة مهنة الاطباء والصيادلة وجراحي الاسنان ، والعقاقير والقوابل والمحامين ، على انه لا يجوز للمحاكم عند اصدار عقوبات سالبة للحرية على المذكورين اعلاه ، بمناسبة ارتكابهم جناية او جنحة ، أن تقضي عليهم زيادة على ذلك ، بعقوبات اضافية تتمثل في الايقاف المؤقت او المنع المطلق من مزاولة المهنة ، ويستثنى من هذه العقوبات الاطباء الاساتذة كذلك .
مؤخرا ثارت عدة اسئلة عن الوضع القانوني لمعتقلي السلفية الجهادية او النصية او التكفيرية او معتقلي العدل والإحسان ، خاصة بعد صدور قانون الارهاب الذي لا يميز بين معتقل وآخر ، وكان آخر ضحاياه الصحافي علي انوزلا والصحافي مصطفى الحسناوي . فهل هؤلاء المحكومين بعقوبات متفاوتة الممد الزمنية ، هم معتقلون سياسيون ام انهم معتقلو الحق العام ؟
ان الجواب يتوقف على طبيعة الجهة المعالجة لوضع هؤلاء . فبالنسبة للإسلاميين النصيين او الجهاديين او التكفيريين ، هم معتقلون سياسيون يجب ان يتمتعوا بجميع حقوق المعتقل السياسي كما كان عليم الامر لمعتقلي الحركة الماركسية في سبعينات القرن الماضي . ان نفس الوصف يطلقه على هؤلاء عبدالعالي حامي الدين المتورط في مقتل اليساري آيت الجيد .
لكن اليساريين والعلمانيين وأشباه العلمانيين واللبراليين يعتبرونهم مجرمين عاديين وليس سياسيين ، لكن يجب تمتعهم بالحد الادنى من المعاملة الانسانية ، مع التفريق بين المتورطين مباشرة في الجرائم المقترفة ، وبين الضحايا الذين وجدوا نفسهم بين عشية وضحاها في معمعان احداث لم يكونوا يتوقعونها او ينتظرونها ، وهو يركزون على ما سبق للعاهل المغربي ان صرح به ، بأن المحاكمات شابتها بعض الخروق التي أثرت في المحاكمة العادلة . اما الاجهزة الامنية المختلفة التي عملت على الموضوع منذ تفجيرات 16 مايو بالدار البيضاء ، فإنها ترفض الاعتراف لهؤلاء بصفة المعتقل السياسي ، وتعتبرهم من مجرمي الحق العام . ومع ذلك فان هذا لم يمنع السلطات من التفتح والانفتاح على العناصر التي لم تتلطخ ايديها بالدماء ، وتلك التي استفادت من هول الفاجعة التي اضرت بالمغرب وبمصالحه المختلفة .
وكيفما كان الحال . فكما طبق المغرب شعار الوطن غفور رحيم للانفصاليين الذي ارتكبوا جرائم حرب في حق الجيش المغربي ، فقد آن الاوان لإعادة النظر في ملف المعتقلين من اسلامويين وماركسيين ومن مناضلي 20 فبراير ، بما يجعل المغرب المتسامح يحتضن جميع ابناءه تطبيقا لشعار الوطن غفور رحيم . ان صورة المغرب بدون سجون احسن من مغرب بسجون حيث يعطي هذا لأعدائه فرصة النيل منه باسم حقوق الانسان غير موجود اصلا في اكثر من دولة تتاجر بقضايا حقوق الانسان .
ان قرار اتخاذ خطوات هامة في هذا الموضوع تبقى من اختصاصات جلالة الملك كأمير للمؤمنين وهو وحده القادر على وضع نهاية لمأساة اضرت وتضر بالمغرب ، مع وضع نهاية لمأساة العائلات والأبناء وطي الملف بما يحقق الامن والاستقرار للجميع .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة الحكومة المجتمع -- طبائع الاستبداد --
- قوة المغرب في تنوعه الثقافي
- اللغة العربية والركب الحضاري -- خسئت ياعيوش --
- الوحدة العربية بين الحلم والغبار
- خواطر ومستملحات انتخابية
- ما العمل في حل قضية الصحراء المغربية ؟ بين السيناريوهات المف ...
- فقدان الأمل وانتشار الخوف -- اسباب ظهور التطرف الاسلاموي
- تردي الوضع العربي - نزاع الصحراء مسمار في نعش المغرب العربي
- الاساطير وما ادراك من الاساطير
- المحور الثالث : حوار مع نوبير الاموي بعد احداث 14 دجنبر 1990
- حوار مع نوبير الاموي مباشرة بعد احداث 14 دجنب 1990 ( المحور ...
- حوار مع نوبير الاموي مباشرة بعد احداث 14 دجنبر 1991
- الكنفدرالية الديمقراطية للشغل
- الوعي لا يحدد وضعية الانسان - قوة الاشياء وقوة الافكار -
- تمريغ حقوق الانسان في وحل الصراعات السياسية الداخلية والخارج ...
- التقنية والسياسة
- المدرسة والمسألة المعرفية
- نحو المحافظة على الهوية الثقافية والاصالة الحضارية
- تنزيل الماركسية
- تذليل المفهوم القروسطوي للدين


المزيد.....




- يوم أسود للإنسانية.. أول تعليق من الرئيس الإسرائيلي على أوام ...
- حماس: أوامر اعتقال نتنياهو وجالانت تصحيح لمسار طويل من الظلم ...
- رفض إسرائيلي لقرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو ...
- منظمة الفاو تحذر من وصول المجاعة إلى أعلى درجة في قطاع غزة، ...
- مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت والضيف.. كل ما نعرفه للآ ...
- مذكرة اعتقال ضد نتنياهو.. أول تعليق من مكتبه وبن غفير يدعو ل ...
- زلزال سياسي: المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال في ...
- حماس ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق ن ...
- حماس تحث المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة جميع القادة الإ ...
- هولندا تعلن استعدادها للتحرك بناء على أمر الجنائية الدولية ب ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سعيد الوجاني - الاعتقال السياسي بين سلطة القانون وسلطة الامر الواقع