أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - نيلسون مانديلا .. الأسود الأكثر نصاعة















المزيد.....

نيلسون مانديلا .. الأسود الأكثر نصاعة


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4300 - 2013 / 12 / 9 - 17:56
المحور: حقوق الانسان
    



حين زرت ديربن (جنوب أفريقيا) لحضور المؤتمر الدولي لمناهضة العنصرية العام 2001 توقفت عند عدد من الظواهر المثيرة، أولاها هي قدرة نيلسون مانديلا على اجتراح عذابات لا حدود لها وهو قابع في سجنه لمدة 27 عاماً، وثانيتها حين ارتبط كفاح رجل بالإيذان بنهاية نظام الفصل العنصري " الأبرتايد" الذي حكم جنوب أفريقيا ثلاثة قرون ونيّف من الزمان، وثالثتها هي قدرة هذا الشعب المتعدد الأعراق والأجناس والإثنيات على التعايش والتسامح وطي صفحة الماضي.
كل شيء بدا وكأنه مرسوم على شفتي مانديلا، فعلى الرغم من المرارة والألم، لم تفارقه الابتسامة الشفيفة، في بلد متنوّع وجميل ومتناقض في الآن ذاته، حيث الغنى الفاحش والفقر المدقع، لاسيّما لأبناء القارة السوداء وسكان البلاد الأصليين من السود.
مانديلا اعلن نهاية للتمييز ولبناء دولة جديدة على أساس المساواة والمواطنة، وقد عرف كيف يحوّل زمن قيوده إلى زمن حريته

حينما رأيت الفيلل والقصور والمنتجعات وكلّها للسكان البيض، وبجوارها الغيتوات والأحياء المغلقة وبيوت الصفيح والقهر والإذلال والعنصرية، دهشت حدّ الصعقة، فتذكرت يومها ما كتبه لينين لدى مكوثه في لندن وهو يشاهد التفاوت الطبقي والاجتماعي الحاد، حينها هتف: أمّتان، وقصد بذلك مجازاً: أمّة الغنى وأمّة الفقر، ولكنني أدركت أي قوة روحية هائلة جعلت رئيس المؤتمر الوطني الأفريقي مانديلا بعد كل العذاب أن يعلن عن رغبته في المصالحة، ويتولى شخصياً متابعة قضايا لجنة الحقيقة والمصالحة، لأنه كان يعرف بعمق أنه لا يمكن بناء مجتمع جديد والتخلص من آثار الماضي وآلامه، الاّ بالتسامح ونبذ الأحقاد والنظر إلى المستقبل وليس العيش في الماضي، وهذا هو بالضبط ما فعله مانديلا، خصوصاً وقد ربط المصالحة الوطنية بالعدالة الانتقالية.
وهذه الأخيرة تعني كشف الحقيقة كاملة لكل ما جرى وكيف ولماذا ومن قام بالارتكاب، ومن ثم المساءلة، خصوصاً بحضور روح التسامح، ولكن مع إبقاء الذاكرة حيّة ودون نسيان، وفي الوقت نفسه من دون كيدية أو ثأر أو انتقام، وبعد ذلك لا بدّ من تعويض الضحايا والأهم جبر الضرر المعنوي والمادي، ولكي لا يتكرّر ما حصل لا بدّ من طائفة من الاصلاحات الدستورية والقانونية والأمنية، ولجميع الأنظمة والأجهزة التنفيذية الخاصة بإنفاذ القانون، وذلك هو السبيل الذي تبنّاه مانديلا لتحقيق مصالحة حقيقية وإعادة بناء دولة على أساس المشاركة والمساءلة والعدالة، وكما عبّر عن ذلك صوت واحد لإنسان واحد في إطار التنوّع والتعددية العرقية والإثنية والسلالية.
في مؤتمر ديربن العالمي حول العنصرية العام 2001 وهو المؤتمر الدولي الثالث حول العنصرية، كان ثمة عمل سبق ذلك، خصوصاً بانعقاد لمؤتمرين، الأول في العام 1978 والثاني في العام 1983، ولكن لمؤتمر ديربن رمزية خاصة، أولاً لأنه جاء تتويجاً لعمل دولي طويل ومعقد ومضن ، حيث اتسعت جبهة العداء للعنصرية ، وثانياً لأنه ينعقد بعد القضاء على نظام جنوب أفريقيا العنصري، حين جرت أول انتخابات لجميع الأعراق والأجناس والإثنيات العام 1994 ، وثالثاً لأن مانديلا كان قد تحرّر من سجنه في العام 1990 وهو دليل حرّية المناضلين ضد العنصرية ، ورابعاً لأنه ينعقد في بلد خرج من العنصرية إلى اللاعنصرية ومن العنف إلى اللاعنف، وهي طريق طويلة ومضنية لا تزال آثارها المأساوية قائمة حتى الآن.
وخامساً لأننا كعرب كنّا نحمل قضيتنا معنا وفي قلوبنا وفوق رؤوسنا ونعني بها القضية الفلسطينية، وقد نجحنا بجهد تحضيري في انتزاع قرارات لدمغ الممارسات الصهيونية الإسرائيلية بالعنصرية في سابقة دولية خطيرة، حيث صوّت لصالح تلك القرارات نحو 3000 منظمة دولية وسط ذهول وحيرة من جانب المنظمات الصهيونية والمتعاطفين معها والذين أُحرجوا وهدّدوا وأنذروا، وقد أعلنت واشنطن أنها ستنسحب من المؤتمر وتقاطعه، وهو ما حضّرت له مع " إسرائيل" وكندا وعدد من منظمات "المجتمع المدني" الموالية أيضاً لاحقاً.
لم يكن ما تحقّق بمعزل عن رمزية انعقاد المؤتمر في جنوب أفريقيا، وهو ما ساعد في اتخاذ قرارات ضد الممارسات العنصرية في "إسرائيل" باعتبارها البلد الوحيد في العالم الذي تعود نشأته إلى الاستعمار الاستيطاني الإجلائي، سواء إزاء السكان العرب الذين يطلق عليهم عرب الـ 48 أي سكان البلاد الأصليين أو فلسطينيي الداخل، فيما يتعلق بالصحة والتعليم والسكن والخدمات، وخصوصاً لبعض القرى النائية، إضافة إلى الاستيطان والجنسية وحقوق المواطنة الأخرى، أو إزاء هدر حقوق الشعب العربي الفلسطيني، ولاسيّما التنكّر لحقه في تقرير المصير وإقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.
كان السؤال الذي ظلّت "إسرائيل" تخشى منه، يتعلق بمستقبل ممارساتها العنصرية المطبوعة بالابرتايد

كان السؤال الذي ظلّت "إسرائيل" تخشى منه، يتعلق بمستقبل ممارساتها العنصرية المطبوعة بالابرتايد. ولهذا عندما اضطر الفريق الإسرائيلي الذي حضر إلى ديربن الى مغادرة القاعة والانسحاب بعد قرار الإدانة وبعد محاولات إلتفاف لتشكيل فوكس مناصر، كانت الأصوات تلاحقه "go out" "out" وهو يدرك أية علاقة بين ممارسات إسرائيل والعنصرية.
ولعل نشوة الشعور بالنصر قد تلاشت للأسف الشديد بعد بضعة أيام عندما أصبح العرب والمسلمون متهمين بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية، الإجرامية، التي سرقت الأضواء من مؤتمر ديربن ومن ملاحقة العنصرية الإسرائيلية، لينكفئ الكثير من الجهود ويختفي العديد من الأصوات، ولتتحول من الهجوم غير المنتظر الذي قادته منظمات المجتمع المدني العربية، إلى دفاع وتراجع وتنازل.
إن ما تحقق في ديربن كان بفعل الوهج الذي أعطاه مانديلا لحركة التحرّر والحرية والتسامح واللاعنف والسلام والمصالحة، الأساس لبناء دولة حديثة تقوم على مبادئ الديمقراطية وتسعى لتأمين العدالة في إطار عملية تنموية شاملة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وقانونياً وتربوياً من خلال التعددية والتنوّع والاعتراف بالآخر.
هل يمكن تصوّر أن مانديلا قضى عشرة آلاف يوم كاملة في السجن، وعندما انتقل إلى عالم الحرية كان عمره قد أصبح 71 عاماً، ليقود دولة لم يسبق لها أن سارت في الطريق الجديدة الذي اختاره. خرج من السجن وهو مفعم بالأمل لبناء مجتمع جديد بعيداً عن الكراهية والحقد والثأر والتمييز. ومثلما نجح في السجن فقد نجح في أجواء الحرية في إبقاء إلتماعة الهوّية الإنسانية غالبة عليه وعلى سلوكه وتصرفاته، وعلى الدولة وقوانينها التي تشكل انتصاراً على العنصرية التاريخية التي عانى منها شعب جنوب أفريقيا، لاسيّما من الأقلية البيضاء.
وبدلاً من الاقصاء والاستئصال والتهميش، الذي كان سائداً على يد الأقلية البيضاء، فقد تصرّف على العكس من ذلك، ليعلن نهاية للتمييز ولبناء دولة جديدة على أساس المساواة والمواطنة، وقد عرف كيف يحوّل زمن قيوده إلى زمن حريته، وأن يحوّل مكان زنزانته إلى عالم فسيح يتدفق بفيض لا حدود له من المثل والقيم الإنسانية، ليس على جنوب أفريقيا فحسب، بل على العالم أجمع، واستحقت تجربة جنوب أفريقيا حول المصالحة والعدالة دراسات خاصة، لاسيّما بعد التغييرات التي حصلت في العديد من البلدان العربية، لا بهدف الاستنساخ أو التقليد، بقدر ما يمكن الإفادة منها كتجربة إنسانية متميّزة.
خرج من السجن وهو مفعم بالأمل لبناء مجتمع جديد بعيداً عن الكراهية والحقد والثأر والتمييز، ومثلما نجح في السجن فقد نجح في أجواء الحرية في إبقاء إلتماعة الهوّية الإنسانية غالبة عليه

لقد احتوى ميثاق المؤتمر الوطني الأفريقي على مبادئ المساواة وعدم التمييز، وأعلن مانديلا جنوب أفريقيا بلداً لجميع من يعيشون فيه (الزنوج والبيض معاً)، وعندما انتخب رئيساً كان قد وضع ما آمن به موضع التطبيق، لاسيّما ثلاثيته الأثيرة: الحرية والتسامح والعدالة، جاعلاً من اللاعنف وسيلة نضالية أساسية لمواجهة العنف مكتشفاً القوة الكامنة في فلسفة اللاعنف ساعياً لتعميمها، ولأنه يؤمن بالتداولية والتناوبية، فقد انسحب من الرئاسة في العام 1999 وتقاعد طواعية، ضارباً مثلاً يحتذى به، منتصراً على ذاته فاتحاً أفقاً واسعاً لعلاقات إنسانية جديدة.
ارتبط مانديلا بالعالم العربي بصورة وثيقة كجزء من ارتباطه بقضية التحرّر العالمية، ولاسيّما بالقضية الفلسطينية التي كان أحد أبرز قادة العالم المناصرين لها والتقى الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وزار المغرب وليبيا، مثلما كان لقاؤه بمصر قديماً ومتميّزاً، ويعود للعام 1962، حين اتفق مع المسؤول المصري لحركة التحرر الأفريقية على لقاء جديد بعد عودته من جنوب أفريقيا، لكنه اعتقل وحكم عليه ولم يتحقق اللقاء. ومن المفارقة أنه بعد إطلاق سراحه في العام 1990 زار القاهرة ثانية، وأول ما فعله هو الاتصال بالمسؤول السابق ووزير الاعلام الأسبق محمد فائق معتذراً له من أنه تأخر مضطراً لمدة 28 عاماً عن الموعد، وهذا ما أخبرني به فائق بعد لقائه بمانديلا.
لم يحرّر نيلسون مانديلا السود وحدهم، بل حرّر البيض معهم أيضاًَ، وتلك سمة القائد الجامع، المعبّر عن طموح أمة لديها التوق للحرية والعدالة.
*باحث ومفكر عربي



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موسم الانتخابات العربية
- الجاسوس والجاسوسية!
- التغيير: الشرعية ونقيضها
- الإعلام والإرهاب: السالب والموجب !
- الروس قادمون.. نعم ولكن
- من هو قاتل عرفات!؟
- حقوق المرأة والخلاف في الجوهر
- جراح الذاكرة والإفلات من العقاب
- دبلوماسية مكافحة الإرهاب!
- هل الغاز وراء التفاهم الروسي – الأمريكي؟
- في الظاهرة العنفية عراقياً
- ما بعد -جنيف 2-
- ماذا يعني رفض عضوية مجلس الأمن؟
- الإرهاب ومعادلة الأمن والكرامة
- الهجرة غير الشرعية . .الأحلام تتحوّل إلى كوابيس
- العرب وبعض تجارب الحقيقة والمصالحة
- الحقوقي والسياسي وما بينهما
- اليوم العالمي للاعنف . . يوم ميلاد غاندي
- تونس ما بعد النهضة
- من القوة الخشنة إلى القوة الناعمة !


المزيد.....




- كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
- اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
- السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في ...
- ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
- السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير ...
- غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا ...
- شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
- هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و ...
- ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها ...
- العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - نيلسون مانديلا .. الأسود الأكثر نصاعة