|
إمبراطورية عثمانية بحلة جديدة
رافع سليمان
الحوار المتمدن-العدد: 4298 - 2013 / 12 / 7 - 03:46
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
منذ الاجتياح الأمريكي للعراق في آذار 2003و إسقاطه لنظام صدام الدكتاتوري و التغيير الذي حصل في السياسة الخارجية الأمريكية بادرت كل الدول الطموحة في العالم إلى التغيير في سياساتها الخارجية و الداخلية لتواكب التغيير الحاصل في العالم لنيل حصة من المكاسب أو لدرئ نوع من المخاطر تهدده في الوقت الراهن أو ستهدده في المستقبل و لكن بأشكال و أساليب مختلفة فبارس مثلا تجاوبت مع هذا التغيير و ذلك بتقوية علاقاتها مع الكثير من الجماعات الشيعية و الغير شيعية في العراق و لكن ليس على حد السواء و في نفس الوقت سرعت وتيرة إنشاء المفاعلات النووية و كذلك تسريع عملية تسليح الجيش البارسي و بعض الجيوب او الجماعات خارج حدودها ( حزب الله + حركة حماس + الجهاد الإسلامي مثلا ) و إرسال المفخخات و الإرهابيين إلى كل العراق كل ذلك وضعت طهران في مواقف حرجة دوليا و إقليميا و كادت أن تودي بها إن لم يودي بها في المستقبل ! و لا يخفى على احد تضحية رموز النظام بالديمقراطية التي كانت بالأساس شبه معدومة و التي كانت ستكون سندا لطهران و تقويتها في المواجهة من اجل المصالح أو لدرئ الخطر فبدل ذلك عملت على زيادة تركيز الدكتاتورية في بوتقة السياسات الداخلية مما أدى إلى خلق أزمة داخلية حقيقية و لا زالت تعاني منها ، بين النظام القائم من جهة و المعارضة من جهة و الأقليات من جهة أخرى . أي أنها اختارت الطريق الصعب لتثبت وجودها كقوة إقليمية متنامية على عجل بسبب القراءة الخاطئة للمجريات و الأحداث ربما سبب الارتباك البارسي هو القرب الشديد من الأحداث بالإضافة إلى تاريخ علاقاتها المتوترة مع كل من الولايات المتحدة و القوى الأوروبية الكبرى و الحساسيات الطائفية في المنطقة المحيطة ببارس . أما بالنسبة لتركيا الجار و الخصم التقليدي لبارس منذ الأزل و بعد أن اعتلى حزب العدالة و التنمية سدة الحكم في تشرين الثاني عام 2002 بحصوله على نسبة 34% من الأصوات و حصوله على 363 مقعد من اصل 550 مقعد و كذلك الأمر حدث في انتخابات 2007 حيث نال 341 مقعد و نسبة 47 % من أصوات الناخبين و تشكيلها لحكومة نقية غير ائتلافية عملت على تغيير شامل لسياساتها الخارجية والداخلية و وضعت إستراتيجية دقيقة و عملت و تعمل بروية لتحقيقها بالاعتماد على تكتيكات سياسية سلمية علمية مرنة و مدروسة بدقة و مضمونة النتائج و استطاعت أن تخلق نوع من التوازن بين ما تصبو إليه على صعيدي السياسة الداخلية و السياسة الخارجية و أصبحت منافسا و مساعدا قويا للقوى الكبيرة بدون ضجة و دون أن تزعج أحدا و بمعنى آخر استطاعت أن تفرض نفسها كقوة إقليمية كبيرة إن لم تكن عظمى . فعلى الصعيد الداخلي عملت على اعتماد الديمقراطية في سياساتها الداخلية بدءا بالانتخابات البلدية و انتهاء بالانتخابات الرئاسية وما تتخذه من قرارات و مراسيم و قوانين كلها بشكل دستوري كما بدأت عملية البناء و تطوير البنية التحتية و زيادة معدلات دخل الفرد . أما بالنسبة للأقليات الموجودة داخلها مثل الأكراد فالمترقب للأوضاع التركية يرى بوضوح مدى التغيير الحاصل في سياساتها تجاه الأقليات فعملت على تخفيف حدة المواجهات و بدء بالتغلغل داخل المجتمع الكردي سياسيا و بدء ينافس الرموز القومية الكردية سياسيا فقد افتتح قنوات إذاعية ناطقة باللغة الكردية و بدء بالانفتاح الجزئي عليهم و لو مؤقتا ( مع العلم أن أكثر من 50% من الأكراد اصبحو يتكلمون باللغة التركية في بيوتهم !!!! طبعا يجب الاعتراف فهذا يعتبر انجازا تركيا عظيما ). كل ذلك لإيهام العالم بان الأوضاع الداخلية في تركيا هادئة و قضية الأقليات تتجه نحو الحل بشكل دراماتيكي و استطاعت بشكل متقن تسليط الأضواء على أماكن لإلهاء الإعلام بأشياء ثانوية و تعمل هي في الظلام على أشياء أخرى بكل جد .حتى تتفرغ كليا من اجل تحقيق أهدافها المعلنة و الغير معلنة ولكن البادي للعيان و المراقب أنها تحن للأيام الخوالي و لكن بحلة جديدة و اسم جديد وهذا طبيعي بحكم التاريخ و منطقه .فطالما تكتيكاتها المرحلية صحيحة و لا تخرج من خط الإستراتيجية العام الموضوعة فهي ستصل إلى مبتغاها أو ستحصل على اكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية و الاقتصادية , على حساب الدول التي لم تحسن التصرف .أما على صعيد السياسة الخارجية فقد اجري عملية تحول كبيرة و جذرية في علاقاتها مع الجوار و الخصوم و بقية دول العالم و استطاعت حتى الآن أن تتوازن ببراعة على السلك الدبلوماسي و تخلق نوع من التوازن النادر في علاقاتها مع أطراف النزاع . و تؤسس لعلاقات دبلوماسية و اقتصادية و حتى عسكرية مع كل الأطراف بغض النظر عن قوميتهم و تاريخهم و دينهم و طائفتهم و بعدهم و قربهم فكل هذه الإشكالات لم تقف أمام تقدم جرافة السياسة التركية باتجاه الهيمنة السيكولوجية أولا ثم السياسية ثانيا و من ثم الاقتصادية ثالثا و بعد ذلك العسكرية بمشاركتها كقوى في أي تغيير محتمل يجد في منطقة الشرق الأوسط الجديد أو الكبير بشكل سلس بعيدا عن أسلوب الفتوحات العثمانية و لولا تضارب المصلحة الأمريكية و التركية و عدم جهوزية المجتمع التركي لهكذا عمل و عدم توفر الوقت اللازم للقيام بالدعاية السياسية بخصوص العراق لشاركت تركيا في الحرب بجيشها و لكنها اكتفت بدعوة الرئيس العراقي بالامتثال للقرارات الأمم المتحدة و خروجه من العراق و الالتجاء لدولة أخرى و لخوفها من أن تمر الأحداث دون أن تستفيد تركيا أو تتأذى فبادرت لمعارضة الحرب و عدم تقديم الدعم اللوجستي للقوات الأمريكية . و بالعودة إلى السياسة الخارجية التركية و تحولاتها نجد أنها استطاعت أن تعمل كوسيط في المفاوضات السورية – الإسرائيلية مع احتفاظها بعلاقاتها العسكرية و الدبلوماسية و الاقتصادية القديمة مع إسرائيل كما استطاعت أن تكسر حاجز الجليد بينها و بين الجارة الجنوبية سوريا و وصل بالعلاقات إلى درجة إلغاء الفيزا بين الدولتين في 17 – 18 /9 / 2009 أي بعد سنة و تسعة اشهر من قيام إسرائيل بالهجوم على موقع الكبر في دير الزور شمال البلاد عبر الأجواء التركية و كذلك بالنسبة لعدة دول أخرى أسيوية مثل( العراق – إيران- لبنان )و أوروبية مثل ( كوسوفو - مقدونيا ) و تسعى لإضافة دول أخرى لقائمة ( بدون فيزا ) و أعلنت مؤخرا باستعدادها للدخول كوسيط بين إيران و الغرب لحل مسالة النشاطات النووية و هذا يدل على تحسن علاقات أنقرة – طهران بما يخولها للقيام بهكذا نشاطات دبلوماسية أولا و تطور العلم السياسي التركي بما يكفي لحل النزاعات و الخلافات الدولية ثانيا . أما بالنسبة لجمهورية العراق الفدرالي و التغيرات الجذرية الحاصلة فيها على كافة الصعد فقد اختارت أنقرة بادئ الأمر المعارضة الشديدة للحرب الغربية و منعها من دخول العتاد و الجيش إلى العراق بمعنى آخر رفضت تقديم الدعم اللوجستي لقوات التحالف بقيادة أمريكا حليف تركيا و أخوه الأكبر في الناتو مع السماح للقوات الجوية الأمريكية باستخدام الأجواء التركية ( قاعدة انجرليك ) لضرب العراق و بشكل آخر كان التعاون التركي متناسبا طردا مع ضمانا تقدمها الولايات المتحدة على المستوى الاقتصادي أي مساعدات مالية و على المستوى السياسي تواجد سياسي تركي في العراق و أيضا مسالة الأكراد بالإضافة إلى الأسباب المذكورة أعلاه . إلا أنها سرعان ما غيرت سياستها بعد أن أصبح الوضع في العراق ما أصبح عليه و بدأت سلسلة نشاطات أدت إلى تحسين علاقاتها مع كافة أطياف الشعب العراقي و من ضمنهم أكراد الشمال و استطاع من خلال هذه النشاطات أن يخلق نوع من التوازن داخل العراق بين أطيافه وفقا لمصالحه بشكل يضمن له التدخل و تقوية أي طيف يتوافق مع مصالحه و أهدافه في اللحظة المناسبة . و في نفس الوقت استطاعت أن تعالج خلافاتها مع الولايات المتحدة بشان العراق و جر الماء إلى مجاريها نوعا ما .و هكذا بالنسبة لجميع الدول الإسلامية في الشرق. أصبحت تركيا تتمتع بسمعة جيدة جدا أفضل من سمعة أقرانه من زعماء الدول المسلمة في الشرق , هذا على مستوى الرسمي و الحكومي أما على المستوى الشعبي فقد استطاعت بجدارة أن تقوم بمناورات سياسية محنكة ( على سبيل المثال لا الحصر قيام الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بمشادة كلامية و مغادرته لقاعة المؤتمر في دافوس عام 2009 و مثال آخر على ذلك قيام تركيا بقيادة أسطول معونات إلى قطاع غزة من سواحل قبرص في نهاية شهر أيار 2010 بقيادة مرمره و أسمتها أسطول الحرية لكسر الحصار على غزة و ما تلتها من نتائج و أحداث غريبة بعض الشيء و قيام الإعلام بواجبها باتجاه المصلحة التركية و من قبلها سلسلة من التصريحات يتعاطف من خلالها مع القضية الفلسطينية و قضايا الشعوب المسلمة ) و أيضا لا بد لنا أن نذكر عملية فتح باب الأرشيف العثماني على مصراعيه أمام كل من يرغب بجمع المعلومات عن آخر إمبراطورية إسلامية في المنطقة من باحثين و مراكز الدراسات و مؤرخين كخطوة لإيهام المجتمعات المحيطة بان تركيا بريئة و ليس لها أي علاقة بممارسات الإمبراطورية السابقة و من الخطأ احتساب تركيا كدولة على الإمبراطورية العثمانية و هي أيضا نالت استقلالها مثلها مثل الدول الأخرى في المنطقة كل هذه الأمور عملت على شد انتباه عشرات ربما مئات الملايين من المسلمين ومن ضمنهم الأكثرية الساحقة من مسلمي تركيا و جعلهم يسحرون بتركيا المسلمة و ينسون تاريخها و يتخدرون تماما إلى درجة أن أصبح مدن النصف الغربي من تركيا قبلة للمسلمين التجارية و السياسية و السياحية مما انعكس فورا على الاقتصاد التركي و انتعش بزمن قياسي و اللغة التركية باعتقادهم أصبحت لغة الجنة حتى الدراما التركية عندما تحضر فلا نكهة للدرامات الأخرى . و ههكذا أصبح نجم العدالة و التنمية التركي بقيادة اردوكان و غول يسطع بشدة في سماء العالم الإسلامي و يؤمن لتركيا بالإضافة إلى الفوائد الإقليمية الجمة , تامين القاعدة الشعبية و الصوت الجماهيري في العمق التركي لخوض الانتخابات المقبلة بقوة لصالح العدالة و التنمية . و لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل القوى العظمى بالإضافة إلى إسرائيل ستسمح بالتمادي التركي أكثر من اللازم ؟ أم أن ما يجري هي أملاءات و أجندات أمريكية و إسرائيلية تنفذها تركية مقابل دعمها لتركيا في مختلف المجالات ؟ و بفرض أن المسالة هي جهود فردية و سياسة تركية بحتة فالسؤال الآخر هل بإمكان تركيا أن تواجه الغرب بكل تناقضاتها الداخلية ( المشكلة الكردية التي بإمكانها أن تعود بتركيا إلى ما قبل التاريخ بقليل من الدعم السياسي و الاقتصادي و العسكري من الغرب ) و مشاكلها التاريخية على طول حدودها و التي يمكن أن يثيرها الغرب في أي لحظة و ترجع تركيا إلى نقطة الصفر . فالمطلوب في هذه المرحلة الحساسة من تركيا أن تبادر بحل مشاكلها الداخلية بشكل جذري و ليس بتجميدها سياسيا بخطوة نحو الحل و خطوة نحو المواجهة الخفية بعيدة عن الإعلام و ذلك بتطبيق الديمقراطية الحقيقية بالشكل الذي يؤمن للأقلية الكردية كافة حقوقها دون نقصان و أيضا التنازل عن بعض المواقف و السياسات بما يخص مشاكله مع كل من اليونان بما يخص ترسيم حدود المياه الإقليمية في بحر ايجة و كذلك مسالة قبرص و كذلك مع أرمينيا . و كل سياسة مخالفة لتلك لن تمكن تركيا من تحقيق أي إستراتيجية في المستقبل و كل جهودها ستكون عرضة للفشل بأيدي الخصوم و بكل سهولة . اذا عليها أن تخلق نوع من التوازن بين ما ستتنازل عنه في الشمال و الغرب و بين ما ستكسبه في الشرق و الجنوب . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رافع سلمان في 2/6/2010
#رافع_سليمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قبل موتهم جميعا.. كشف آخر ما فعله مسافران قبل اصطدام طائرة ا
...
-
الصين تعرب عن استيائها الشديد إزاء الرسوم الجمركية الأميركية
...
-
حرب تجارية جديدة: كندا تفرض رسوما على سلع أمريكية بقيمة 155
...
-
دراسة تكتشف أسرار الأذن البشرية
-
دلالات طريقة المشي
-
علماء الفيزياء الكمومية يبتكرون فضاء مكونا من 37 بُعدا
-
واشنطن تريد انتخابات بأوكرانيا إذا توقفت الحرب
-
عشرات الآلاف دون مأوى وفي وضع مأساوي بغزة
-
حراك طلابي في صربيا يُطيح برئيس الوزراء وموسكو وبروكسل تراقب
...
-
الولايات المتحدة تفرض رسوما جمركية على كندا والمكسيك والصين
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|