|
العلمانيون والإسلاميون وإمكانية الحوار؟
محمد أوالطاهر
الحوار المتمدن-العدد: 4297 - 2013 / 12 / 6 - 14:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نودُّ في هذا المقال المقتضب، توضيح الإشكال القائم بين التيار العلماني والتيار الإسلامي في العالم "العربي"، وكيف أن الطابع الإيديولوجي لكل تيار قد حال دون فتح باب الحوار لتدارك ما يمكن تداركه من نقاط مشتركة قد يكون الرابح الأول والأخير منها هو المجتمع بجميع أطيافه ومذاهبه. في البداية، لا بد من التذكير بأن العالم اليوم يتكلم لغة الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ غير أن إفرازات النقاش حول هذا المعطى الإنساني في العالم العربي قد طاله الشطط، فكان أن أصبح كل من يحاول المس بهذا المعطى يعتبر رجعيا أو سلفيا، وكل من يدافع عن هذه اللغة الجديدة التي يتكلمها العالم يسمى متغربا أو علمانيا: إنها الثنائية الجديدة التي استطاعت السلطة كبنية كونية لاشعورية أن تؤسسها بعدما فشلت ثنائية القطبين الإشتراكي والرأسمالي، أي إن الثنائية الجديدة التي طفت على السطح في مجتمعنا المغربي كما هو الحال في باقي المجتمعات ذات الغالبية الإسلامية هي بين العلمانيين والإسلاميين. إن الصراع القائم بين هاذين القطبين قد يجد ما يبرره تاريخيا من خلال ارتباط الحداثة بالإمبريالية والإستعمار، والإسلام بالجهاد ومقاومة الآخر المختزل في صورة المستعمِر؛ غير أن الإشكال كامن في كون هذا التبرير لا يفتأ يُترجم اقتصاديا وسياسيا في مجتمع قد يتم تحديده خارج هذه الثنائية ارتباطا بالمعطيات السوسيو- ثقافية وبالمؤشرات الإقتصادية. من هنا نلحظ أن تحديد الصالح العام لدى الطرفين (العلماني والإسلامي) يجد جذوره في المخيال التاريخي لكلا التيارين، مما يحتم بداية الوقوف على المكون التاريخي لهذين القطبين، وكيف أنهما ارتبطا بفترة تاريخية اتسمت بطابعها الإيديولوجي أكثر مما كان همها الإصلاح الإقتصادي والتربوي والسياسي للمجتمع. على هذا الأساس، ندعو إلى تعليق الصراعات الإيديولوجية والتاريخية بين التيارين، قصد بناء رؤية قوامها الإصلاح المجتمعي (قضية التعليم، الصحة، العيش الكريم وبناء المجتمع المنتج، الفعال والمتنوع)؛ بعبارة أخرى، نحتاج إلى فلسفة الاختلاف المرجأ كما صاغها الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، أي أن تصبح هويتنا مؤسسة على حاضرنا وليس قابعة وراءنا، كي تكون مشروعا نبنيه جميعا انطلاقا من قضايا يطرحها مجتمعنا الحالي. قد نجد لنا ما يبرر هذا الطرح في الحركات الإحتجاجية التي طالت العالم العربي والتي بات يصطلح عليها إعلاميا بالربيع العربي؛ لقد كان لهذه الحركات طابع اجتماعي منطلقه رفع شعارات الكرامة الإنسانية، العيش الكريم وغيرها من المطالب الإقتصادية والسياسية، إذ لم ترتبط هذه الحركات بأي شعارات دينية إلا في مرحلة متأخرة وخاصة لدى صعود الإسلاميون إلى الحكم. بناء على هذا المعطى، نرى أن على الطرفين (العلماني والإسلامي) تجاوز الطابع الإيديولوجي الذي لا ينسجم وتطلعات المجتمع الشبابي بامتياز، والذي يرنو توسيع مجال الحريات الفردية وصلاحيات المجتمع المدني؛ هذا المعطى يفرض على التيارين فتح باب الحوار المنخرط في أفق توسيع إمكانات هذا المعطى سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. فما مقومات هذا الحوار؟ وكيف يمكن ترجمته في الواقع المجتمعي؟ أولا مقوم من مقومات هذا الحوار هو تحديد المفاهيم (علمانية، إسلامية) والوقوف عند التقابل علماني/إسلامي، الذي يوهم بكون الفريق الأول لا علاقة له بالإسلام وأن الفريق الآخر عدو لكل حداثة وتحديث؛ هذا ما جعل العلمانية في المخيال المجتمعي العربي مرتبطة باللادينية، والإسلام مرتبطا بالإرهاب في المخيال المجتمعي الغربي. من هنا ضرورة بناء أرضية مشتركة لمحاصرة دعاة التطرف من العلمانيين والإسلاميين معا، أي أولئك الذين يعتنقون فكرا هجوميا ويستخدمون لغة إقصائية تدعي امتلاك الحقيقة وتحارب مخالفيها، وكذلك لتجاوز الإتهامات المتبادلة (إرهابي، متطرف، متغرب، زنديق، متشدد) والخروج من منطق الثنائيات: إما المشروع العلماني وإما المشروع الإسلامي، المتسم بفكرتي الإختزالية وتعميم الأحكام. انطلاقا من هذه الأرضية، يكون القاسم المشترك هو مقاومة الإستبداد والقهر بجميع أشكاله، سواء أكان دينيا (باسم الإسلام) كما هو الحال في إيران والسعودية، أو علمانيا (باسم الحداثة) كما كان عليه الأمر في تركيا أيام أتاتورك؛ لذلك يقتضي الأمر على الإسلاميين من جهة، مراجعة مرجعياتهم بخصوص تطبيق الشريعة ونظام الحكم أو مقولة الإسلام هو الحل، وعلى العلمانيين من جهة أخرى، مراجعة مواقفهم من مسألة التراث وقضية حضور الديني في المجال العمومي ومسألة التفريق بين علمانية شاملة وأخرى جزئية كما حددهما المفكر المصري عبد الوهاب المسيري. هذا الوعي لدى الطرفين يبين مدى إدراكهما أن المساهمة في تغيير المجتمع تقتضي تجاوزا ايديولوجيا والتزاما بقضايا الإنسان والمجتمع من خلال المشاركة في إقامة مشروع ديمقراطي قوامه التعددية السياسية، التنمية الإقتصادية، التنوع الثقافي وتدبير شؤون الدولة والمجتمع انطلاقا من ثقافة إنسانية تنفتح على مشارب متعددة روحية كانت أم فلسفية. يمكن أن تترجم هذه الأرضية المشتركة في الواقع المجتمعي من خلال عدد من المجالات: ففي مجال الفن على سبيل المثال، يمكن تجاوز عبارات الفن النظيف والملتزم لبناء ما يمكن تسميته بالفن العادل، أي الإتفاق على معايير الكفاءة والجدارة والأهلية ومحاربة كل أنواع الريع الفني وأشكال المحسوبية والرشوة التي قد تطال هذا المجال. بخصوص مجال الإقتصاد مثلا، يمكن الحديث عن أخلاقيات الإقتصاد، والبحث في كيفية تحقيق التوزيع العادل للثروات ومحاربة كل أشكال الريع الإقتصادي وتطوير المبادلات المالية، وذلك عن طريق الإستفادة من أحدث ما وصلت إليه النظريات الإقتصادية ولمِ لا الإستفادة كذلك مما بقي فعالا وصالحا في نظريات الإقتصاد الإشتراكي- الماركسي أو الفقهي- الإسلامي قصد تدارك ما اشطط في الإقتصاد الرأسمالي الحديث، دون الوقوع في شراك مقولات ايديولوجية كمقولة الإقتصاد الإسلامي التي قد تسقطنا في مطب الثنائية الفقهية الكلاسيكية: مسلم/كافر، حلال/حرام، دار الحرب/دار الإسلام؛ بهذا يكون الواقع ومتطلباته هو النقطة المشتركة التي من خلالها نحتكم لمعالجة المشاكل التي يعاني منها الإقتصاد الداخلي. ختاما نقول، إن مقاربتنا هذه قد لا تنفلت من كونها ايديولوجية ترنو تجاوز الصراع القائم حاليا بين التيار العلماني والتيار الإسلامي في العالم العربي، وقد يرى البعض فيها توفيقا أو تلفيقا لا أكثر ولا أقل، حيث إن الصراع محكوم أساسا بالمرجعية الإيديولوجية لكل تيار خاصة إزاء قضايا كقضية المرأة، المساواة، الحرية الدينية، الحرية الجنسية وغيرها؛ بل قد نعتبر مقاربتنا ساذجة إذا أخذنا في الإعتبار كون الصراع في العمق هو صراع مصالح وأن الإيديولوجية التي تطفو على السطح ما هي إلا مؤشر على الطابع السلطوي الذي يحكم السياسة عموما، والتي من خلالها تنكشف حقيقة السياسة الخبيثة بطبعها أنطولوجيا وليس أخلاقيا. على الرغم من هذا وذاك، فإننا نؤكد على الطابع البرغماتي للقضية، ولعل هذه المقاربة التوفيقية قد يكون لها دور على الأمد البعيد في تغيير العقليات وبلورة ثقافة إنسانية تحتكم لمعطيات الواقع واستنتاجات العقل البشري بمفهومه المعاصر، بعيدا عن أي تحديدات ايديولوجية (عرق، دين، جنس، طبقة...)، وإن كان من غاية وراء ذلك، فهي توسيع رحبة الوجود البشري وتحقيق الكرامة الإنسانية.
#محمد_أوالطاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|