|
موسم الانتخابات العربية
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 4296 - 2013 / 12 / 5 - 20:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لعلّ حاجة الناس إلى اختيار من يمثلونهم هي من أبرز ما أظهرته حركات الاحتجاج والتغيير في العالم العربي منذ العام ،2011 لاسيّما بانخراط كتل بشرية هائلة في عالم السياسة التي كانت غائبة عنه أو مغيّبة فيه . ومثل هذه الحاجة تجسّدت في اتباع آليات جديدة أو مستحدثة لاختيار المحكومين للحكّام، أملاً في تحقيق بعض أهداف حركات التغيير التي اجتاحت الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه، وإن كانت بدرجات متفاوتة . كان الحدث التونسي سريعاً ومفاجئاً، حيث انتقلت الشرارة من سيدي بوزيد بعد إحراق محمد بوعزيزي نفسه، لتسري مثل النار في الهشيم ولتصل إلى العاصمة، التي سرعان ما أدرك الرئيس زين العابدين بن علي أن ميزان القوى قد اختل لمصلحة التغيير، ففضل الرحيل، ثم حضر الفعل المصري الكبير والمدوّي بكل ثقله وأفقه، وكان الجيش عاملاً حاسماً في تنحيّ الرئيس مبارك، مثلما كان دوره أساسياً في ترجيح الكفة ضد حكم الإخوان لاحقاً، وتبعه التغيير الليبي وإنْ كانت ولادته متعسّرة وفتحت جروحاً لم تندمل حتى الآن، وأعقبه النموذج اليمني الذي كان يترنح بين الحرب الأهلية والتفتيت لولا عوامل إقليمية مؤثّرة حالت دون ذلك حتى الآن . بعد ذلك جاء "المثال" السوري بكل مأساويته المستمرّة، التي أعادت الكثير من الحسابات السابقة والراهنة بشأن موضوع التغيير والعنف، والتغيير ووحدة البلاد والقدرة على التماسك المجتمعي، لاسيّما بحكم طول المأساة وتشابكاتها، وكأنها مصارعة على الطريقة الرومانية . وإذا كانت الانتخابات وبعض التوافقات التي سبقتها قد بدت فرصة جديدة للتداول السلمي للسلطة، كطموح من العالم العربي المحروم منها، لكنها في العديد من الحالات كانت مخيّبة للآمال، بسبب الأوضاع غير السليمة التي رافقتها، خصوصاً انفتاح نار الصراع الديني والمذهبي والجهوي على مصراعيه، الذي ترافق مع العنف أحياناً، إضافة إلى التلاعب بنتائجها، ناهيكم عن انسياب المال السياسي على نحو مثير ومؤثر واستمرار عمليات تغييب الوعي أو اختطافه في لحظة تاريخية حاسمة وربما مفصلية، في مجتمعات خرجت لتوّها من الاستبداد المعتّق لتقع في لجّة الفوضى والتشظي . وحصل الأمر ويحصل في أكثر من بلد عربي، بحيث أن حلم الثورات في دولة مدنية وتداولية سلمية للسلطة وكرامة إنسانية وعدالة اجتماعية خاب أو كاد يصل إلى القنوط، بحكم طبيعة القوى التي قفزت إلى السلطة في الغالب، سواءً كان بالانتخابات أو بغيرها، ناهيكم عن أن شروط التداولية وأحكامها ظلّت بعيدة، وحتى الجوانب الشكلية منها بدت فاقعة، خصوصاً عندما تم التشبث بالمواقع تحت عناوين وذرائع مختلفة . في الدول المتقدمة يكون موسم الانتخابات فرصة للمراجعة والنقد والمباراة بين البرامج والأهداف ومحاولة لاستعراض الأفكار والآراء والخطط المستقبلية لما يهمّ الناس ورفاههم وصحتهم وتعليمهم وعموم الخدمات الضرورية الواجبة في حين يتخذّ الشحن الديني والتمترس الطائفي والتخندق الإثني والجهوي والمناطقي مكاناً أساسياً في التوجهات الانتخابية للبلدان النامية والعالم الثالث، وخصوصاً في البلدان العربية والإسلامية، وهكذا تضيع مرّة أخرى فرص التداول والتجديد الحقيقيين، لاسيّما بالاستقطابات الجاهزة والانحيازات المسبقة لانتماءات لا ناقة للفرد فيها ولا جمل كما يقال، بل أحياناً تقع مثل هذه الأمور خارج رغباته . ويصبح الحديث عن التداولية والانتخابات مجرد شعارات مفرغة من محتواها أو يتم تسويفها بحيث تصبح عناوين بلا مضامين . في العام المقبل 2014 ستجري انتخابات في خمسة بلدان عربية هي: لبنان والعراق ومصر وتونس وسوريا، فأين هذه البلدان من مبادئ الديمقراطية التداولية المعروفة؟ ففي لبنان يتشظى المجتمع بعد مسار إضعاف الدولة على حساب قوة المجموعات الطائفية والمذهبية . وفي العراق وبسبب الإرهاب والعنف والتحريض الطائفي تستمر الحالة في تعطيل دور الدولة وعدم تمكّنها من استعادة نفوذها وهيبتها، ويتكرس ما جاء به الاحتلال من تقاسم وظيفي ومذهبي وإثني، خصوصاً بحكم تعويم الدستور المملوء بالألغام أصلاً، والمتناقض في الصلاحيات والاختصاصات والسلطات، ناهيكم عن الصراعات على مناطق النفوذ والثروة والموارد والكيانيات الإدارية . أما في مصر فهناك تغييرات تتم، كرد فعل لحكومة محمد مرسي وحكم الإخوان الذي حاول تهميش جميع القوى وإبعادها عن مركز القرار والتأثير . وفي تونس فإن حكم الترويكا "التحالف الثلاثي" قد ينفرط وتستمر حالة تعويم الحكومة التي قد تطول، وقد تدفع الانتخابات القادمة حزب النهضة إلى تحالف جديد مع حزب يقترب بعض رموزه من القوى التقليدية بما فيها بعض شخصيات محسوبة على النظام السابق، وقد يؤدي الأمر إلى تهميش أكبر لحركة التغيير التي كانت الإيذان ببدء المرحلة الجديدة من التغيير على المستوى العالمي التي انطلقت من أوروبا الشرقية في أواخر الثمانينات . المحنة في سوريا التي ستترك تأثيراتها على عموم دول المنطقة أكبر بكثير مما نتصوّر حتى الآن، ولن تنجح الانتخابات القادمة في وقف نزيف الدم أو إيجاد حلول شافية لأمراضها المستعصية، سواء شارك فيها الرئيس بشار الأسد أو لم يشارك، وسواء انعقد "جنيف- 2" أو لم ينعقد، فالكارثة مركبة، لاسيّما في ظل غياب توافق وطني، والعامل الدولي والإقليمي شديد التأثير طبقاً لمصالحه، والعنف والإرهاب مستمرّان والحرب ضد المدنيين أما في اليمن فهي حتى الآن تقدّم خطوة وتؤخر أخرى، والحديث عن انتخابات ما زال سابقاً لأوانه في ظل عدم التوافق على دستور وخصوصاً في ظل صعود نزعات الانقسام والرغبة في الاستقلالية الجهوية لاسيّما في مسألة الجنوب وغيرها . ومن دون أن ننسى فلسطين فقد تكرّس الانقسام فعلياً حتى الآن، بحكم انتخابات أوصلت حماس إلى السلطة وأرادت التشبث بالمواقع في محاولة لإقصاء فتح وإضعاف م .ت .ف، الأمر الذي قاد إلى قيام سلطتين، أحدهما في غزة والأخرى في رام الله، ولم تكن الانتخابات لوحدها الفيصل في الشرعية ولن تكون في أي يوم من الأيام إنْ لم تقترن بطائفة من التدابير والإجراءات، لاسيّما بوجود مؤسسات وفضاء عام يسهم فيه الفرد بفاعلية في اختيار من يمثّله ويستبدله كلّما شعر بأنه لم يعد يعبّر عنه أو يمثّل مصالحه . الحكم عبء وعلى الفرد المساهمة فيه بالتصويت على الدستور وعلى القوانين الأساسية، ولعلّه يتطلّب فضاءً عاماً ومؤسسات قادرة على حماية الحقوق والحرّيات، وهو ما يذهب إليه جون رولز الفيلسوف الأمريكي الليبرالي التوجه والداعي للعدالة الاجتماعية في كتابه عن الديمقراطية التداولية Delibrative Democracy حين يؤكد أهمية التعليم وتعميمه والتربية على مبادئ الديمقراطية التي تقوم على التداولية والعقل العام ووجود مؤسسات عامة، وكذلك معرفة عامة ورغبة لدى الفرد للمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو الأمر الذي يخلق لديه ما يسميه "حسّ العدالة" ويمنحه القدرة على قبول الاختلاف والتنوّع والتعددية . إن موسم الانتخابات العربية قريب، فهل سيتقدّم دور الفرد لاختيار من يمثله حقاً؟ وهل سيتم بناء مؤسسات جديدة قادرة على حماية الحقوق والحريات بشفافية؟ وهل سيكون الفضاء العام مساعداً في تجاوز الاصطفافات المسبقة الطائفية والإثنية والانحدارات العشائرية والجهوية أم أن هناك الكثير من القيود لا تزال تشدّ المجتمعات العربية إلى الماضي؟
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجاسوس والجاسوسية!
-
التغيير: الشرعية ونقيضها
-
الإعلام والإرهاب: السالب والموجب !
-
الروس قادمون.. نعم ولكن
-
من هو قاتل عرفات!؟
-
حقوق المرأة والخلاف في الجوهر
-
جراح الذاكرة والإفلات من العقاب
-
دبلوماسية مكافحة الإرهاب!
-
هل الغاز وراء التفاهم الروسي – الأمريكي؟
-
في الظاهرة العنفية عراقياً
-
ما بعد -جنيف 2-
-
ماذا يعني رفض عضوية مجلس الأمن؟
-
الإرهاب ومعادلة الأمن والكرامة
-
الهجرة غير الشرعية . .الأحلام تتحوّل إلى كوابيس
-
العرب وبعض تجارب الحقيقة والمصالحة
-
الحقوقي والسياسي وما بينهما
-
اليوم العالمي للاعنف . . يوم ميلاد غاندي
-
تونس ما بعد النهضة
-
من القوة الخشنة إلى القوة الناعمة !
-
التفكير السياسي لسسيولوجيا المعرفة الإسلامية!
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|