أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جواد البشيتي - الجاهلية الإسلامية!















المزيد.....


الجاهلية الإسلامية!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 4295 - 2013 / 12 / 4 - 21:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



اسْتَمَعْتُ إلى أحد أئمة التعصُّب الطائفي (الأعمى) في الخليج؛ فهالَني وأفزعني ما سَمعت مِنْ هذا الضيِّق الأُفق، والذي يظن أنَّ له أُفقاً يَسَع كل شيء، ولا يسعه شيء. إنَّه زمن العهر السياسي الطائفي، وفيه "حاضَرَ" فينا هذا الإمام، وكأنَّه يُحاضِر في قوم من الأغبياء، فشرع يُحدِّثنا عمَّا أسماه "مشروع البحرين الكبرى في الخليج"؛ فَقَاءَ إذْ تساءل (في دهشة واستغراب) قائلاً: لماذا لا تُوسِّعون "أزمة الشعب الشيعي في البحرين"، جاعلين إيَّاها جزءاً من كلٍّ، هو "أزمة الشعب الشيعي في الخليج كله"؟!
لا نلومه على استعماله كلمة "شعب" في كلامه عن جماعة دينية إسلامية هي "الشيعة (في البحرين، وفي سائر دول مجلس التعاون الخليجي)"؛ فهذا رَجُل ختم الله على قلبه، حتى استغلق عليه تمييز "الشعب (أو القومية، أو الأُمَّة)" من "الطائفة الدينية"، فتجرَّأ، إذْ استبدَّت برأسه الصغيرة الأوهام الطائفية والمذهبية، على وصف "الشيعة (العرب)" بأنَّهم "شعب"؛ فهنيئاً لكلِّ صهيوني، كُنَّا، مِنْ قَبْل، نهجوه (بالسياسة والعلم) لنَسْبِه اليهود إلى مفهوم "الشعب (أو القومية، أو الأمَّة)".
هذا الإمام، والذي ما هو إلاَّ لسان من ألسنة "الفوضى الخلاَّقة"، وعى ذلك أم لم يَعِ، إنَّما يريد، ويطلب، مزيداً من القلاقل والاضطِّرابات الطائفية البغيضة الكريهة في كل منطقة يتركَّز فيها وجود شيعي في الخليج؛ ففي هذا المناخ تأتيه الزعامة منقادةً، إليه تجرجر أذيالها.
إنَّنا لا ننكر (وينبغي لنا ألاَّ ننكر إذا ما أردنا لهذا الإمام وأمثاله الاختفاء من حياتنا السياسية) أنَّ كثيراً من الظلم والاضطِّهاد قد لحق بأبناء جلدتنا من الشيعة في الخليج؛ لكنَّ هذا الإمام يستذرع بهذا الظلم والاضطِّهاد للمطالبة بـ "وَطَنٍ قومي للشيعة في الخليج"؛ فالشيعة (من عرب الخليج) هُمْ في وعيه السياسي (والذي هو الدَّرك الأسفل من أوهام الطائفية السياسية) أُمَّة قائمة بذاتها، ويحق لها، من ثمَّ، أنْ تقرِّر مصيرها، في استفتاء تُنظِّمه وتشرف عليه الأمم المتحدة، وأنْ تُقيم لها دولة مستقلة، تسمَّى "دولة البحرين الكبرى"، متَّخِذةً من الامتداد الجغرافي الذي فيه يتركَّز وجودها، إقليماً لدولتها.
هذا الشيطان الطائفي الرجيم، وقد لبس لبوس رجل الدين، لم يرَ مثلاً أعلى له (ولكل من سار على نهجه، وسبَّح بحمده) إلاَّ "الدولة اليهودية"، قائلاً بلا حياء أو خجل: وهكذا أقام اليهود دولتهم، وهُمْ الذين كانوا مشتتين في كل أصقاع الأرض (لقد فعلوها، فَلِمَ لا نفعلها؟!).
وينبغي للشيعة، على ما قاء هذا المتعصِّب، أنْ "يوحِّدوا كلمتهم"، كما فَعَل اليهود، من قَبْل؛ فهؤلاء، أيْ اليهود، "وحَّدوا كلمتهم"، وطلبوا من "الإمبراطورية التي ما كانت تغيب عنها الشمس" أنْ تقيم لهم وطناً قومياً في فلسطين؛ فمِمَّن سيَطْلُب "الشيعة" الشيء نفسه، بعد "توحيدهم كلمتهم"؟!
الإمام رَسَم لهم "خريطة طريق"؛ فعلى الشيعة في الخليج أنْ يبدأوا "عملهم التاريخي" بـ "الثورة"؛ عليهم أنْ يثوروا جميعاً، وعلى امتداد "أرض الميعاد الشيعية"، ليقولوا للعالَم أجمع: نحن أصحاب هذه الأرض، التي فيها يتركَّز نفط دول مجلس التعاون الخليجي؛ فهذا النفط لنا، يَقَع تحت أقدامنا، ولن يكون لـ "غَيْرنا"، أيْ للسني من عرب الخليج؛ فيا أيُّها الغرب، الذي في شرايين اقتصادك يتدفَّق نفطنا، "النفط الشيعي"، تخلَّى عنهم، وانحاز إلينا، ومَكِّن لنا في هذه الأرض، أرض "دولة البحرين الكبرى"، وأعِنَّا على إقامة دولة قومية لنا في هذا الإقليم (أو الشريط الساحلي الشرقي الطويل) والذي، مِنْ نِعَم الله علينا، أنْ جَعَلَنا والنفط وهو في وحدةً لا انفصام فيها؛ ولسوف نشرع نثير القلاقل، ونُشْعِل حرائق صغيرة على مقربة من "براميل النفط" التي تَعْبُد وتُقدِّس، لعلَّ "ضميركَ" يصحو؛ سندعو "الشعب الشيعي في البحرين (الصغرى)" إلى أنْ يهدأ الآن؛ لأنَّ أنظار العالَم (والغرب) مشدودة إلى أحداث وأماكن أخرى؛ ونحن نريد أنْ نكون القضية التي تُسلَّط عليها الأضواء، حتى ننفذ، معها، إلى قَلْب العالَم، وعقله، فيرى، عندئذٍ، الحق حقَاً، ويرزقه الله اتباعه.
هذا الإمام، ومع قليل من البحث والتنقيب، في "مراجع الأوهام" التي لديه قد يَعْثُر لـ "الشعب الشيعي" على ما يشبه الوعد الرَّباني لأبرام العبراني "لنسلك أعطي هذه الأرض، من نهر مصريم إلى نهر فَرَت"؛ وإنْ كان همُّه الأعظم أنْ يَعْثُر على بلفور غربي جديد يخاطبه قائلاً: "إنَّنا ننظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي لشيعة الخليج على امتداد أرض الذهب الأسود؛ على أنْ تتركوا لعدوُّكم السني الحجر الأسود"!
ومن طريق المصادفة، شاهدتُ برنامجاً دينياً لشيخٍ سلفي متزمِّت ضيِّق الأُفْق، في منتصف العمر، لم يأْلُ جهداً في الإتيان بكل الحُجَج الدِّينية (الإسلامية السنية) التي، في خلاصتها، وغايتها النهائية الكامنة فيها جميعاً، تبيح وتُشَرْعِن (دينياً) سفك دم "الآخر"، الذي هو، في مدار كلامه الدِّيني، "الشيعي"، لا فَرْق إنْ كان من أبناء جلدتنا العربية، أو من جلدة قومية وعرقية أخرى؛ وإنَّها لجريمة، وجريمة كبرى، ووفْق كل الشرائع التي يحتاج إليها البشر في القرن الحادي والعشرين، تلك التي ارتكبها هذا الشيخ، ويرتكبها أمثاله، وهُمْ كُثْر.
خطوة خطوة، في كلامه السَّام المُسَمِّم، بلغ هذا الشيخ غايته النهائية، إذْ أخْبَر مشاهديه، أو نَفَثَ في روعهم، جُمْلَته "البليغة"، والتي هي من نوع الكلام الجامع المانع، فإنَّ "الشيعة"، على ما قاء (لا على ما قال) أشَدُّ خَطَراً (وعداءً، وكُفْراً) من "اليهود"؛ وإنَّه ليَعْني أنَّهم (أيْ "الشيعة"، ولو كانوا من أبناء جلدتنا، في العراق ولبنان..) لأشدُّ خطراً على "أهل السنة والجماعة"، الذين يَنْسِب إليهم الأكثرية الشعبية من العرب.
أقول هذا، وأنا أَعْلَم، أنَّ في "الطرف الآخر"، أيْ في شيوخ الشيعة من أمثاله، كثيرين لا يَقِلُّون سوءاً عنه؛ وكلاهما ازدهر، ويزدهر، في مناخ "الفوضى الخلاَّقة"، التي يريد أسياد لعبتها إعادتنا إلى ما هو أسوأ وأحط من زمن داحس والغبراء، وإلى جَعْل الموتى من قرون من الزمان أحياء يُرْزَقون، يقودوننا إلى التهلكة.
لقد بدأ بالحديث عن "أهل الجَنَّة"، و"أهل النَّار"، وعن الفروق بين هذا الجحيم وذاك النعيم، مُخْبِرنا بأشياء لا يَعْلَمها إلاَّ علاَّم الغيوم، وكأنَّه العليم بما نجهله جميعاً؛ وبعدما اطمئنَّ إلى أنَّ المشاهِد (المسكين) تهيَّأ نفسياً (وذهنياً) لتقبُّل كل ما من شأنه تقريبه إلى "أهل الجنَّة"، والنأي به عن "أهل النَّار"، شرع يَدْسُّ سمومه "الفكرية السياسية الدنيوية" في هذا "العسل الدِّيني"، فخاطبه قائلاً (وإنْ لم يكن حرفياً): إذا ما أردت أنْ تكون من "أهل النعيم"، لا من "أهل الجحيم"، فإنَّ عليكَ أنْ تُعامِل "الشيعة" على أنَّهم أشدُّ خطراً (عليكَ) من "اليهود"!
وغير مرَّة، اجتمع رجال دين يمثِّلون المذاهب الإسلامية المختلفة لـ "التقريب" بينها، ولترجيح كفَّة "الحكماء" و"المعتدلين (أو الوسطيين)" على كفَّة "الغلاة" و"المتطرفين"، وللنجاح، من ثم، في التأسيس لخطاب إسلامي يُنْبَذ فيه التعصُّب، ويُحرَّم التكفير، ويُقضى على ظاهرة "فوضى الفتاوى".
وحرص كثيرٌ من الشيوخ، كمثل الدكتور يوسف القرضاوي، على توضيح وتأكيد أنَّ التقريب بين المذاهب، بين المذهبين السني والشيعي على وجه الخصوص، لا يعني، ويجب ألا يعني، توحيدها ودمجها، أي إلغاء المذهبية. وحرصوا، أيضاً، على إعلان رفضهم كل محاولة لنشر مذهب بين أهل وأتباع مذهب آخر، فلكلٍ مذهبه.
أمَّا "الوسيلة" لبلوغ هدف التقريب بين المذاهب فهي الوسيلة ذاتها التي اتُّبِعَت واخْتُبِرت في مؤتمرات حوار الأديان، وهي البحث عن القواسم المشترَكة (بين المذاهب) وإظهارها، والتي تشمل، على ما أوضحوا، الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وكأنَّ الذين يقتلون بعضهم بعضا من الشيعة والسنة من عرب العراق لا يؤمنون بالله واليوم الآخر والعمل الصالح!
إنَّهم، وبعد كل صراعٍ بالحديد والنار، يُسْفَح فيه من دماء الأبرياء ما يكفي للقضاء إلى الأبد على ظاهرة "مَشْيَخَة السياسة" عندنا، يجتمعون، ليقرِّروا القرار نفسه.. قرار "حرمة دم المسلم على المسلم"؛ ويظلُّ هذا التحريم معمولاً به حتى تأذن لهم السياسة بتحليل هذا الذي حرَّموه، فيُشهِرون "سيف التكفير" في وجوه بعضهم بعضاً. إنَّ "الحبَّة" من الاختلاف العقائدي تُضخَّم بقوَّة نزاع المصالح السياسية والدنيوية فتغدو في حجم "القُبَّة"، فينالون هُم "اللَّحْمَة"، زاجِّين بـ "العامَّة"، بعد شحنهم بما يكفي من روح التعصُّب الديني، في حرب ضروس، يسفحون فيها دم بعضهم بعضاً، من أجل "عَظْمَة"!
على كثرتها، وكثرة ضحاياها، لا وجود، ولو من حيث المبدأ، وعلى وجه العموم، لـ "الحروب الدينية"، أيْ للحروب التي هي "دينية صرف"، في غاياتها، وفي الدَّافِع الحقيقي إليها، وإنْ اعتقد جُلُّ ضحاياها، والمُتَّخَذون وقوداً لها ليس إلاَّ، بـ "دينيتها"، غايةً ودافعاً؛ فـ "الحرب الدينية (أو الحرب من أجل الدين، ومحاماةً عنه)" لا يمكن فهمها، على وجه العموم، إلاَّ على أنَّها "دنيوية المحتوى"، تَلْبَس اللبوس الديني السماوي ليس إلاَّ.
إنَّ مصيبتنا الكبرى نحن أبناء الشرق تكمن في كوننا نميل دائماً إلى ترجمة كل صراعٍ واقعي نخوض (أيْ كل صراعٍ يَضْرِب جذوره عميقاً في تربة مصالحنا وحاجاتنا الواقعية الدنيوية) بـ "لغة الدِّين"، أيْ بمفرداته وعباراته وشعاراته؛ فهذا "الدكتاتور" نصارعه مُلْبسين صراعنا ضده لبوس صراع "الخير (الديني)" ضدَّ "الشَّر (الديني)"، أو صراع "المؤمِن" ضدَّ "الكافِر". حتى صراعنا (الواقعي الدنيوي) ضدَّ القوَّة العظمى في العالَم، وضدَّ عدوِّنا القومي الأوَّل، وهو إسرائيل، نُتَرْجِمه بـ "لغة دينية (إسلامية)"، ناظرين إليه على أنَّه صراع إسلامي ضدَّ حملات صليبية جديدة؛ فَلْنَنْبُذ هذه الطريقة في التفكير والتعليل والتفسير، وفي النَّظر إلى الأمور، وإلاَّ ظَلَلْنا أَلَد وأَشْرَس عدوٍّ لأنفسنا، ولمصالحنا الواقعية، ولحقوقنا التي لم نَعِها بَعْد بما يكفي لِجَعْلِنا نُجيد الدفاع عنها، والانتصار لها.
عندما سيطر مقاتلو "حزب الله (الشيعي اللبناني)" على أحياء من بيروت الغربية (السنية) علَّق أحد قادة "قوى الرابع عشر من آذار" على ما وَقَع قائلاً: "أهل بيروت (الغربية من السنة) ناموا على عُمَر (بن الخطاب) فاستفاقوا على علي (بن أبي طالب)!
لتتأمَّلوا هذا القول جيِّداً؛ فإنَّ فيه من المعاني والدلالات ما يُكْسِب قَوْلنا في أمْر "الحروب الدينية" مزيداً من الأهمية؛ فـ "حزب الله" يقود "معسكر علي"، الذي يضم حركة "أمل"، وجماعة عون المسيحية المارونية، وقوى وجماعات وشخصيات سنية، في الصراع (الأبدي) ضدَّ "معسكر عُمَر" الذي يضم "تيار المستقبل"، وجنبلاط، وجعجع، وقوى وشخصيات لبنانية أخرى!
ولَمَّا فُجِّرِت الجامعة المستنصرية في بغداد سألني أحد المتعصِّبين ضدَّ الشيعة: "هل الضحايا من الشيعة أم من السنة؟"؛ فأجبته قائلاً: "إنَّهم جميعاً من العرب"؛ لكنَّ وَقْع جوابي في نفسه جعلني أشعر أنَّ سؤاله لم يُجَبْ عنه بعد!
غَيَّرتُ إجابتي قائلا: "إنَّهم جميعاً من المسلمين"، فما كان منه إلاَّ أنْ شرع يأتيني بالأدلة (الدينية والفقهية) على أنَّ الشيعة ليسوا بمسلمين. لقد أظهر ميلاً إلى أنْ يراهم غير مسلمين مع أنَّ "تديُّنه" تنقصه "الصلاة"، وغيرها من أركان الإيمان؛ إنَّها العصبية الدينية المُلْغية للعقل، هي التي حملته، أيضاً، على التسبيح بحمد معاوية، وكأننا عُدْنا حتى سياسيا إلى زمانه!
وكيف لي أنْ أُقْنِعه بأننا في زمن غير زمن معاوية، وفي عالم غير العالم الذي عاش فيه معاوية، وقد رآهم يقطعون رأس صدام حسين وكأنهم يقطعون رأس يزيد بن معاوية، ويتعجَّلون، في وحشيةٍ، مَقْدَم المهدي الذي ينتظرون كمن ينتظر سقوط السماء على الأرض؟!
أليست مأساة متحوِّلة إلى مهزلة أنْ يتحدَّانا الواقع أن نبتني وجوداً قومياً عزيز الجانب، فإذا بنا نعود غساسنة ومناذرة!
لقد رأيْتُ وسَمِعْتُ ما حان له أنْ يحملنا على "الكفر".. الكفر بكل سياسة تتلَّفع، مع ممثِّليها، بالدين؛ فالزج بالدين في السياسة إنَّما يزج بكل قوى العداء للأمَّة العربية في الحرب على وجودها القومي، وعلى حقها في أنْ تحيا (سياسياً وفكرياً وثقافياً..) حياةً ديمقراطية؛ فاحترابنا الديني يميت الأحياء من الأمة، وكل ما بقي فيها من معاني وقوى الحياة، ويحيي، في الوقت نفسه، كل الموتى، ليتَّسِع ويترسَّخ فينا حُكم الأموات للأحياء، وكأنَّ معاوية ويزيد والحسن والحسين.. قد انتقلوا من الماضي إلى الحاضر ليكونوا السيوف المواضي في حرب "كلِّ عدوٍّ حقيقي" علينا.
التعصُّب بكل صوره وأشكاله مذموم وقبيح؛ وإنَّ أحداً منَّا لا يجرؤ، في مواقفه المُعْلَنة، على الأقل، على امتداحه والحضَّ عليه. حتى المتعصِّبون أنفسهم يلعنونه "نهاراً"، ليسبِّحوا بحمده "ليلاً"؛ فكثيرٌ من أبناء مجتمعنا يرتدُّون، في الأزمات التي فيها تُخْتَبَر على خير وجه "قوى المواطَنة" فينا، إلى هويات لا مكان لها في الأمم الحيَّة والمتحضِّرة والديمقراطية إلاَّ "المتاحف".
ومن تجربة شخصية أقول إنَّ كثيراً من مثقَّفينا "القوميين" و"العلمانيين" و"اليساريين" و"الديمقراطيين" و"الليبراليين".. تراهم، في "الأزمات الاختبارية"، وقد عادوا إلى عبادة "الأوثان" نفسها، وكأنَّ "وعيهم الجديد"، الذي يتغنُّون به في الأوقات العادية، لا يعدو كونه قشرة رقيقة طرية لا تقوى على الصمود طويلاً.
الآن، وأكثر من ذي قَبْل، يظهر ويتضح مزيدٌ من الاختلاف والتباين بين الاتِّجاهات الإسلامية الشائعة كمثل "الوسطيين"، و"السَّلفيين"، و"الجهاديين"، و"التكفيريين".
وكلُّ اتِّجاه يؤمِن إيماناً لا يتزعزع بـ "مثاليته الدِّينية (الإسلامية)"؛ فهو سادِن الحقائق المُطْلقة، و"المرجعية الشرعية" للمسلمين جميعاً في أمور دينهم ودنياهم؛ وهو الذي يُمثِّل الفهم الصحيح والدقيق لـ "شَرْع الله".
حتى في "الصِّفة"، أو "التسمية"، يتنازعون؛ فكثيراً ما سمعتُ ممثِّلين لجماعة، أو جماعات، "الإخوان المسلمين" يقولون: "إننا نحن السلفيين (الأقحاح)"؛ وكأنَّهم يسعون في انتزاع "السلفية"، صفةً وتسميةً، من "السلفيين"، الذين لا يرون في "الإخوان المسلمين"، نهجاً وفكراً وممارسةً، ما يجعلهم مشمولين بـ "السلفية".
ونرى "الجهاديين" في خصومة مع الطَّرفين معاً، أيْ مع "الإخوان المسلمين (الوسطيين)"، و"السلفيين"؛ فـ "الجهاد"، بمعنى "القتال محاماةً عن الدِّين"، هو "الميزان" الذي يَزِنون به "إسلامية" المسلم.
إنَّهم "سلفيون"؛ لكن من النوع "الجهادي"؛ فـ "الجهاديون"، في عرفهم ومعتقدهم، هم "السلفيون الأقحاح"، وهم، من ثمَّ، "المسلمون الذين لا ريب في إيمانهم"؛ فـ "المسلم" هو الذي دائماً يُقاتِل، فيَقْتُل ويُقْتَل؛ وليس بالأمر "الحرام"، أو "المُحرَّم"، أنْ يذهب مسلمون أبرياء ضحية قتاله، أو ضحية قنبلة فجَّرها؛ أمَّا سبب هذا "التحليل" فهو تَعَذُّر أنْ تؤذي "العدو" من غير أنْ تؤذي، في الوقت نفسه، مسلماً بريئاً؛ فإذا قُتِلَ هذا المسلم احتسبه القاتِل عند الله شهيداً!
أمَّا "التكفيريون" فيُكفِّرون الناس أو البشر جميعاً تقريباً، فلا يستثنون إلاَّ أنفسهم؛ و"التكفير" عندهم لا ينتهي بنَسْبِ هذا المسلم أو ذاك، هذا الإنسان أو ذاك، إلى "الكفر"، أي بتصنيفه على أنَّه "كافِر"؛ وإنَّما يبدأ به؛ فـ "القتل"، وأشباهه، هو "العقاب" الذي يستحقه كل من تواضع "أهل التكفير" على "تكفيره"!
المتعصِّبون لطوائفهم ومذاهبهم، أكانوا من السنة أم من الشيعة، هُمْ الآن في تكاثر متزايد متسارع؛ وعلى كثرة ما يُفرِّقهم، يتشاركون جميعاً سمة جوهرية هي أنَّهم أُناس لا يتعلَّموا شيئاً من تجاربهم، ومن تجارب غيرهم، وأنَّهم، في الوقت نفسه، لا ينسون شيئاً؛ فذاكرتهم مليئة مفعمة دائماً بكل ما يؤجِّج الشرور بينهم وبين خصومهم. هُم قَوْمٌ يَسْتَغْلِق على عقولهم فَهْم التاريخ، فينالون العقاب الذي يستحقُّون، ألا وهو خروجهم من الجغرافيا.
وعندما فاز أوباما بالبيت الأبيض حار بعض الإيرانيين في معرفة الفائز "الحقيقي"؛ فربَّما يكون "مبارك حسين" أوباما، وليس، على ما أُشيع، "باراك" أوباما.
هؤلاء الإيرانيون، وهم من القائلين بعقيدة "المهدي المنتظَر"، وبالعقيدة السياسية المشتقة منها، وهي عقيدة "ولاية الفقيه"، وبضرورة طاعة "الإمام القائد المرجع السيد الخامنئي قدس سره"، بوصفه تجسيداً آنياً لـ "ولاية الفقيه"، اكتشفوا في أوباما علامة على قرب ظهور المهدي المنتظَر (أو المنتظِر في سردابه) فسيِّد البيت الأبيض الجديد إنَّما هو، بحسب الحديث المنسوب إلى الإمام علي، "الرجل الأسود طويل القامة الذي سيحكم الغرب، ويقود أقوى جيش على الأرض قبل ظهور المهدي".
أمَّا المرجع الذي ورد فيه هذا الحديث فهو كتاب "بحار الأنوار"، الذي ألَّفه محمد باقر المجلسي، في العهد الصفوي، في القرن السابع عشر.
ومع إخضاع الاسم (باراك حسين أوباما) لفحص مجهري شيعي ثَبْت وتأكَّد أنَّ "مباركة الحسين" هي المعنى الحقيقي لـ "باراك حسين"، وأنَّ "أوباما"، في الفارسية، يعني "إنَّه معنا". وبعد طول تفكير وتأمُّل في نتائج هذا الفحص المجهري توصَّلوا إلى أنَّ الحسين بن علي يبارك (ويهنئ) أوباما الذي إنَّما جاء وفاز ليقف مع الشيعة (في إيران النووية).
قبل ذلك، وعندما احتلت الولايات المتحدة العراق، جابت عربات عسكرية لـ "المارينز" المناطق الشيعية في بغداد لتَبُثَّ عبر مكبرات الصوت "أناشيد وأغاني دينية شيعية"، تُصَوِّر "وقائع مأساة الإمام الحسين بن علي وآل بيته"؛ ثمَّ حضر بعض من "المارينز" جلسات استماع لأحاديث دينية شيعية، مدارها "التبشير بعصر ظهور المهدي المنتظَر الإمام الثاني عشر من أُمَّة آل البيت"، فاغتنم قيادي في "كتلة الائتلاف العراقي الموحَّد" الشيعية هذه الفرصة ليخطب في الجمهور قائلاً إنَّ إدارة الرئيس بوش (والرئيس بوش على وجه الخصوص) تُبدي اهتماماً متزايداً بـ "عصر ظهور المهدي"، وإنَّ الولايات المتحدة، على ما يَعْتَقِد، لديها "خوف حقيقي من هذا الظهور".
وقد قادته أوهامه تلك إلى أن يكتشف أنَّ "أحد أهم أسباب الوجود العسكري للولايات المتحدة في العراق هو أن تكون على مقربة من منطقة الكوفة التي سيتَّخذها المهدي عاصمة له عند ظهوره (الحتمي)".



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في -نسبية الحركة-
- قانون يُدْعى -تنظيم الحق في التظاهر-!
- -النقطة- التي منها وُلِدَ الكون!
- مِنْ عملة -الكيميائي السوري- إلى عملة -النووي الإيراني-!
- في قانون التكافؤ بين قوى الجاذبية وقوى التسارع
- -أوباما الإيراني- في -مرجعيته السورية-!
- واشنطن وطهران عندما تُعْلِن كلتاهما النَّصْر على الأخرى!
- -البترودولار- ما زال يستبدُّ بالعالَم!
- معنى -انحناء الفضاء-
- -الغاز- لغة القرن الحادي والعشرين!
- في البُعْد الرابع للمكان!
- الكون في عُمْرِه الافتراضي الجديد!
- إطلالة دحلان!
- -الخَلْق من العدم- في نظرياته الفيزيائية الحديثة!
- النفط الذي جَعَلَنا -أَمَةً- لا -أُمَّةً-!
- أين يكمن السبب في تباطؤ الزمن؟
- -جنيف-.. حَلٌّ على هيئة -الجبنة السويسرية-!
- لا يكفي أنْ يريد الشعب شيئاً!
- آيات الخَلْق القرآني للكون في تفسيرها الحقيقي!
- -الإله- الذي امتدَّ من -الدِّين- إلى -الفيزياء-!


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جواد البشيتي - الجاهلية الإسلامية!