أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حسين عجيب - بيروت في ثيابها الداخلية














المزيد.....

بيروت في ثيابها الداخلية


حسين عجيب

الحوار المتمدن-العدد: 1223 - 2005 / 6 / 9 - 11:50
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


"كل لحظة موت تخسر البشرية تاريخها كله".
سمير قصير يلتقي مهدي عامل وحسين مروّة وبقية الأصحاب العزّل إلا من الكلمة والفكرة والقلم والروح الحرّة.

الأقنعة والبراقع والثياب المزركشة, تحجب جمال الجسد البشري وقبحه كذلك. المدن والدول والبلدان المختلفة لديها ما تستتر به دوما,والحاجة أو الغاية هنا تختلف عن سابقتها وتشتركان معا في تشويش المنظر والرؤية, إن لم يكن تزييف الصورة كلها.
ما أشقى البلاد أو الأفراد, الذين يمنحون للغرباء أدق خصوصياتهم الحميمة, ويمنعونها بعناد منقطع النظير على الأحبة والأحباب.

من قتل سمير قصير؟
قتله المجرمون, أجل بالتأكيد.
هم منا وفينا, وإن تكن مفاعيلهم أبعد من ذلك. قتل الصحافي والكاتب الذي كان يعيش أزمة منتصف العمر لوحده, استند رأسه على المعدن ويداه استغاثتا بالزجاج, لن يسمع نداؤه الأخير أحد.
لكن الجريمة مثلثة الأبعاد: مجرم وضحية وهدف.
ما يسهل الاتفاق على تحديده, يسهل الوصول إلى أسبابه.
لكن الشاب الأربعيني أزهاره بين يديه كذلك الضوء والعطر, كان عاشقا.

لا أعرف سمير قصير من قبل, لم أصافحه ولم نجلس حول طاولة شراب. رأيته كما رآه الملايين في سيارته المحطّمة, وكما نعود إلى المنظر الاستثنائي ببهائه أو قسوته, ستلاحقني صورة سمير, ويذكّرني بشكل قسري بسلفه رالف رزق الله, الذي لم أعرفه كذلك إلا من خلال موته, الأول قتله عالمه الخارجي لأنه ضاق عليه والثاني قتله عالمه الداخلي بعدما ضاق به.
لماذا يقتل الكاتب الذي ينبذ العنف والرصاص, بكل ذلك البرود والتصميم!

رالف كان يشاركني الهوس بالعالم الداخلي, فبكيته وتأملّت في حالته, بقي أحد أصدقائي الدائمين بعد موته.
سمير قصير كان يشاركني سنة الميلاد, وكان يشاركني اللاذقية لجهة الأب, وتحقق له ما كنت أحلم به دوما..السفر وتعلم اللغات والتحرر الفعلي من الدين والوطن واللغة, هو غادر بيروت للمرة الأخيرة وكنت أنا السوري الزائر والمتسوّل لصداقة بيروت والمشرد في سوريا طوال العمر, ولأول مرة أغادر بيروت ورغبتي بأن تكون المرة الأخيرة, تجمدنا حول ضفتين يهدر بينهما نهر الدم الواحد.

ربما يستهجن الكثيرون هذه المقارنة الفظة بين صحفي لامع وكاتب مرموق, حصّل النجاح ونال الشهرة مبكرا, ثم قتل بوحشية مرعبة, بآخر هامشي لم يحًصل أي اعتراف في الكتابة والأدب, لمجرد التشابه في سنة الميلاد.
المشترك الأساسي بيننا هو معرفة بيروت بشكل حميمي وخاص.
رآها سمير من موقع الجرئ والناجح الذي يفتتح أبواب المحظور والمسكوت عنه بصخب وتهور, وتفتتح أمامه سبل الحاضر الإعلامي والسياسي وحتى المالي.
ورأيتها وعرفتها من موقع الانطوائي الخجول, الذي يعرف جيدا كم يشترك البشر بالمكبوت والمهمل وبدرجة أقل بالمسكوت عنه, ويعرف أكثر كم تتشابه الخطوط الأساسية في الشخصية الفردية وفي المدن وبالأخص الجزء السفلي من البشر والمجتمعات. الخوف والطموح والحسد والغرور هي الجذور المشتركة, عنها تصدر مرارة الإحباط و ومنها تصدر نشوة النجاح. لقد سبقنا بوذا بمعرفته قبل عشرات القرون: السعادة في النفس والشقاء في النفس.

المال السياسي يحكم بيروت_هذا ما يكرره الكثيرون_ وفي بقية لبنان يختلط المال السياسي بتسييس الوطن وتسييس الدين ,أسوأ أنظمة الحكم على الإطلاق.

تشكّل بيروت عقدة سورية بالمعنى الفردي والاجتماعي, وربما ذلك يفسر البدائية التي عاشها السوريون في بيروت, البطش والقمع والتشبيح كان مضاعفا عن الداخل السوري وإن اشترك معه بالجذور والرؤوس, كذلك الاحترام والتحضر والرغبة العميقة في الفهم والإفهام كان مضاعفا بدوره عن ممارسته في الداخل,لنفس الأشخاص وفي مواقف متشابهة.
في غمرة ولعنا بترحيل المشكلات, علّقنا جميع مشاكلنا على العسكر السوري وأجهزة الأمن في سوريا ولبنان, وإن كان يصعب عليّ الدفاع عن العسكر والأجهزة في أي زمان ومكان,هم كانوا طرفا أساسيا في المشكلة بدون شك. لكن تجار الموت في السياسة والمال والكلام مع النقص البشري الطبيعي, سيبقى المصدر الهائل للمعاناة, ولن ينفع الهروب للأمام.
زيارة واحدة لمحطة السفر البري الرئيسية في بيروت, كراج شارل حلو, والتجول في أحشائها تغني عن الشرح الزائد, وتعطي صورة لبيروت العارية, ومع ذلك ستبقى بيروت زهرة المدائن التي ندخلها بلهفة وشوق ونغادرها بتثاقل, حتى في يومها الأسود, ودم سمير قصير لم يجفّ بعد, والقتلة يسرحون ويمرحون, دون أن نعرف بدم من سيولغون بعده, وهل سيكون هدفهم هذه المرة مبنى صحيفة أم دار سينما أم مسرح أم كتاب أم لوحة أم قصيدة. قتلة سمير قصير هدفهم الكلمة والقلم.
لقد نجحوا بالأمس ونجحوا اليوم وسينجحون غدا في بلاد ترفع البوط أو العمامة.

يا سمير سلّم على ابن المقفّع, اليوم هو الأمس, والغد لا يأتي.



#حسين_عجيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عزلة
- رسالة مفتوحة إلى السيد جورج بوش المحترم
- اليأس يطل برأسه من جديد
- وطن على المشرحة
- كأس الأصدقاء
- قراءة في عصاب الثقافة السورية
- هوس الاستبداد
- حكاية التجمع الليبرالي في سوريا 2
- حكاية التجمع الليبرالي في سوريا 1
- الشريد الابدي.... والحاضر المفقود..حوار مع الشاعر حسن عجيب
- الهوية الفردية- خيار يساري سابق
- قصيدة-بيتنا
- النميمة ميراثنا المشترك
- أبقار الفن والأدب
- هل الإصلاح ممكن في المدى المنظور؟النموذج السوري
- فن الاصغاء_مشكلة سوريا اليوم
- السلّة
- الحاضر المراوغ
- رابطة الكتاب السوريين المستقلين
- الحاضر المفقود


المزيد.....




- روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر ...
- تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول ...
- ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن ...
- ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب ...
- -الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب ...
- أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد ...
- البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي ...
- موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
- -شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو) ...
- ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حسين عجيب - بيروت في ثيابها الداخلية