|
السياسة عندما يرسمها الأمنيون
منذر خدام
الحوار المتمدن-العدد: 4294 - 2013 / 12 / 3 - 08:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يكن خافيا الدور الذي أدته الأجهزة الأمنية الغربية، والإقليمية، والعربية في الأزمة السورية منذ بدايتها، في خدمة أجندات دولها الخاصة، مستغلة حراك الشعب السوري في سبيل بعض حقوقه، أسوة ببقية الشعوب العربية التي انتفضت ضد أنظمتها مطالبة بالحرية والديمقراطية. لكن اللافت هو أن تتحدد سياسات الدول الغربية والإقليمية والعربية الفاعلة والمؤثرة في الأزمة السورية من قبل الأجهزة الأمنية فيها، أو أن يكون لها الدور الحاسم، على الأقل، كما تشي بذلك وقائع كثيرة. فبين مؤتمر "برلين" الأمني الذي عقد بمشاركة رؤساء الأجهزة الأمنية في كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية وقطر وتركيا، ومؤتمر "كان" الذي اقتصر الحضور فيه على رؤساء الأجهزة الأمنية في كل من السعودية وأمريكا وفرنسا وبريطانيا، جرت تحولات مهمة وذات مغذى على صعيد سياسات هذه الدول، بل سياسات ما يمكن تسميته بالحلف الغربي عموماً، تجاه سورية. من المعلوم أن تركيا وقطر كانتا دولتين صديقتين للنظام السوري، قبل بدء انتفاضة الشعب السوري في أواسط شهر آذار من عام 2011 ضده . وكان للنظام السوري دور بارز في دخول تركيا إلى سورية، ومن خلالها إلى بقي الدول العربية، عبر البوابة الثقافية أولاً ( دبلجة المسلسلات التركية)، حتى وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى نحو ثلاثة مليارات دولار، وفتحت الحدود بين الدولتين. كما كان له دور في تأمين غطاء عربي وإقليمي ( إيران خصوصا) لقطر بشأن خلافاتها السياسية وغير السياسية مع المملكة العربية السعودية. لكن اللافت أنه منذ شهر آذار من عام 2011 بدأت تركيا وقطر توتران علاقاتهما بالنظام تحت عنوان الانحياز للشعب السوري، ومع مجريات الأحداث السورية التي كان للدولتين دور كبير في تصعيدها، صارت تركيا الدولة الرئيسية التي يمر السلاح والمقاتلون الأجانب عبر حدودها إلى سورية، وصارت قطر الدولة الأولى التي تمول تسليح وتدريب المقاتلين في سورية. لكن مع بدء ظهور نتائج الدبلوماسية المخابراتية السرية الأمريكية والغربية عموما إلى العلن، فيما يخص الملف النووي الإيراني، وكذلك السلاح الكيماوي السوري، وانكشاف مسرحية الضربة العسكرية الأمريكية لسورية، بدأت تجري تحولات في المواقف السياسية لهذه الدول تجاه سورية وأزمتها، وضعت مخارجها الأجهزة الأمنية لهذه الدول. ففي مؤتمر "برلين" الأمني وضعت اللمسات الأخيرة لتحولات مهمة، وذات مغزى في سياسات الحلف الغربي تجاه سورية، بدأت هذه التحولات بتغيير في موقع السلطة الأول في قطر بتنحي "الحمدين" من آل ثاني، والإتيان بتميم ولي العهد، بإخراج رسمي (مسرحي) من حيث المظهر( تسليم واستلام)، لكن بترويج مخابراتي على أنه نوع من الانقلاب الأبيض نفذه الولد تميم تجاه والده حمد، في تكرار ثان لتجربة حمد تجاه أبيه. وكجزء من هذه التحولات جاءت موافقة قطر على الطلب الأمريكي بنقل ملف سورية من يدها إلى أيدي السعوديين، وتحديدا إلى يد بندر بن سلطان، وصولا إلى محاولة إعادة مد الجسور مع النظام السوري عبر بوابة حزب الله. أما فيما يخص تحولات السياسة التركية فقد بدأت تأخذ أشكالا عديدة، منها الحد من دخول المقاتلين الأجانب والسلاح عبر أراضيها إلى سورية، والتركيز في وسائل إعلامها، وفي تصريحات مسؤوليها على تنامي حضور ودور القوى الإرهابية في سورية، وما يشكله ذلك من خطر على تركيا ذاتها. ومنها أيضا الشروع في بناء جدار عازل على الحدود التركية السورية في مناطق شمال شرق سورية، بالتزامن مع تحسين علاقات تركيا مع إيران والعراق الدولتين الحليفتين للنظام السوري، وموافقتها على المشاركة في مؤتمر جنيف2. وإذا كان قد نجح بندر بن سلطان بمنع مشاركة تركيا وقطر في مؤتمر "كان" بذريعة أنهما قد فشلا في إدارة الملف السوري، لكنه فشل في إقناع زملائه بخطته لإسقاط النظام السوري. فما كانت تريده أمريكا من الأزمة في سورية يختلف عما كانت تريده السعودية، فأمريكا لم تكن يوما جادة في إسقاط النظام السوري، رغم تصريحات مسؤوليها المتكررة حول ضرورة تنحي رئيسه كمدخل لأي حل سياسي للأزمة على عكس ما تريده السعودية. لذلك وبعد أن استعرض بندر خطته، علق المسؤول الأمريكي في الاجتماع عليها بالقول: " أن أموراً هامة مستجدة حصلت في المنطقة لا يمكن تجاهلها، بل ترغمنا على إعادة النظر في حساباتنا وفي سياساتنا"، وكان يلمح إلى الاتفاق الوشيك مع إيران حول مشروعها النووي، وكذلك إلى موافقة النظام السوري على التخلي عن سلاحه الكيماوي، وتدميره، إضافة إلى التغيرات التي حصلت في مصر. بالنسبة للسعودية شكل توصل الدول الغربية( مجموعة 5+1) إلى اتفاق محتمل مع إيران حول ملفها النووي طعنة في ظهر السعودية لأنها لم تستشر فيه مسبقاً. ولم تستشر أيضا بالمساومات التي رافقت موافقة النظام على التخلي عن سلاحه الكيماوي، لذلك فإنها، عمدت إلى الرد من خلال دعمها للانقلاب في مصر على حكم محمد مرسي، وهذا ما أزعج أمريكا. فبحسب تقرير منشور عما جرى في مؤتمر "كان" قال المسؤول المخابراتي الأمريكي لبندر بن سلطان " أن سمو الأمير لا يعلم جيداً حقيقة ما يجري في مصر ... وإن كان سمو الأمير يعتقد أن هذا الانقلاب ...هو لمصلحته ومصلحتنا فهو واهم....نحن ننظر بخطورة كبرى لما يحدث في مصر...". وفيما يخص" الأزمة السورية" وانعكاسها على دول الخليج يقول المسؤول المخابراتي الأمريكي"...أطالبكم بالمزيد من التأني واستخلاص العبر( مما يجري في سورية)....فالاستقرار الهش الآن في الخليج يمكن أن ينفجر بأي لحظة..... علينا أن نكون يقظين لنخرج من هذه الأزمة بأقل الخسائر". هكذا إذا، فإن الخروج بـ " أقل الخسائر"، في سورية هو الذي يفسر الحماس الشديد لأمريكا لعقد مؤتمر جنيف2؟!!. ومن أجل تسهيل انعقاده فقد ضغطت أمريكا على حلفائها، وخصوصا المعارضة السورية المنضوية في إطار الائتلاف الوطني، للقبول بالمشاركة فيه، بل القبول بالرؤية الروسية للحل بحسب بعض المصادر الصحفية. لقد صارت محاربة الإرهاب أولوية بالنسبة لأمريكا، ومن أجل ذلك لا بد من المحافظة على مؤسسات الدولة، وخصوصاً، الجيش السوري والمؤسسات الأمنية. أي، بكلمات أخرى، القبول بمرجعيتها الرئاسية، على الأقل حتى الانتهاء من إنجاز هذه المهمة، التي، كما تشير الوقائع على الأرض، لن تكون سهلة، وتحتاج إلى زمن أطول من مدة أية مرحلة انتقالية يجري الحديث عنها.
#منذر_خدام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مؤتمر جنيف2 وأراء الناس به
-
المعلن والمستور في الخطاب الدبلوماسي الأمريكي
-
جهل مركب أم حملة إعلامية ظالمة
-
الواقعية السياسية تنتصر أخيراً
-
أوهام تعاند السقوط
-
مؤتمر جنيف2 وسقوط الأوهام
-
حظوظ مؤتمر جنيف2 بين النجاح والفشل
-
ويبقى للتاريخ قول....
-
أسئلة مشروعة
-
بانوراما الثورة
-
مذكرة تنفيذية لرؤية هيئة التنسيق الوطنية للحل السياسي التفاو
...
-
مثقفون وسياسيون رعاع
-
عفوا مانديلا نحن غير
-
للامنطق في - منطق الثورة والمعارضة-
-
السوريون وخطة كوفي عنان
-
روسيا والدم السوري المسفوح
-
مبادرة كوفي عنان إنقاذ للنظام السوري
-
عام على الثورة- الشعب يزداد تصميماً
-
النظام السوري والمآل المحتوم
-
حول دور القوى اليسارية في الربيع العربي
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|