أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أميرة الطحاوي - الحزب الشيوعي العراقي : التاريخ العبء يسجله كتاب















المزيد.....



الحزب الشيوعي العراقي : التاريخ العبء يسجله كتاب


أميرة الطحاوي

الحوار المتمدن-العدد: 307 - 2002 / 11 / 14 - 03:44
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


.
الكتاب : عقود من  تاريخ الحزب الشيوعي العراقي    -  الجزء الأول
المؤلف : عزيز سباهي 
دار النشر : الثقافة الجديدة
مكان النشر : دمشق – سوريا
تاريخ النشر : 2002
كتبت أميرة الطحاوي : 
[email protected]
    
         في تاريخ الأحزاب السياسية   مثلما الدول نوعان من التاريخ : العبء و الحافز ،  الأول هو أن يحمل  الحزب امتداداً تاريخياً على عاهله لا  يستطيع منه فكاكاً ، قد يغير في سياساته و توجهاته وفقا لمستجدات و تطورات المحيط الذي يعمل به  لكنه لا يستطيع الفكاك من بعض معطيات تلازم و إياها  عبر الزمن ، مثل هذه الأحزاب لا تتحرك فقط برد الفعل فلديها منظومة كاملة من المعايير و حسابات كثيرة تضعها في الاعتبار قبل أي تحرك ، هناك بالمقابل أحزاب أحدث نشأة تحمل التاريخ الحافز ، تستطيع التحرك بمرونة أكثر فلا شيء يعوقها و يثقل عاهلها ، تجرب و تغير كيفما تشاء ، و في الحديث عن الأحزاب السياسية العراقية وجد النوعان، الأحزاب التاريخية و التقليدية و المعبرة عن تيارات كبرى في الفكر العراقي و العربي ، و الأحزاب الوليدة أو الجديدة و التي قد تنطلق من أهداف وطنية مختلفة لكنها ليست مقيدة بميراث ممتد من النجاحات و النكسات ، من التحالفات و الأخطاء و النقد و التحولات و الأجنحة و الانشقاقات ، ببساطة هناك أحزاب تسجل التحول في تاريخ العراق بل  و تصنع أيضا هذا التاريخ و هناك أحزاب ليست لها هذه الصفة – العبء في الآن ذاته .
        يجيء في مقدمة هذه الأحزاب الكبرى  بالعراق الحزب الشيوعي العراقي الذي يطرح البحث في تاريخه أكثر من صعوبة منهجية و تساؤل بحثي  من قبيل : من أين نبدأ في تأريخه ،  هل منذ بداية دخول الأفكار الشيوعية إلى العراق ، هل من النوايا التنظيمية للجماعات الاشتراكية بالعراق أوائل هذا القرن ،  هل منذ التأسيس الأول للحزب ،  و كيف نحكم عليه ، بمعيار تمثيله لمطالب المواطن العراقي أم بمعيار تمثيله لفئات و طبقات بعينها ، و أي قضايا نجح في الدفاع عنها هل القضية الوطنية أم القضية الاجتماعية  و كيف نتوقف أمام  أخطائه خاصة علاقته بالأحزاب الأخرى و بالحكومات التسلطية التي تعاقبت على العراق ، بعين الناقد أم بعين الجلاد ، و غيرها من الصعوبات البحثية التي قللت عدد الباحثين في تاريخ هذا الحزب بل إن مشروعا لتوثيق تاريخه قام به الحزب نفسه في السبعينات شهد تعثرا غير مرة لتلك الأسباب ضمن غيرها .
         لكن عزيز سباهي تجاسر على هذه المهمة ،  مقدما للقارئ  العربي كتابا هاما في عرضه لجذور و تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ، و مثلما قدم الباحث الكبير حنا بطاطو العمل المرجعي في تاريخ العرق الحديث ( الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية في العراق) يقدم سباهي عمله في التاريخ الاقتصادي و الاجتماعي للعراق الحديث و المعاصر و كيف تمخض عن ولادة الحزب الشيوعي العراقي ، ففي ثلاثة أجزاء تصدر تباعا عن دار الثقافة الجديدة  يتصدى سباهي لهذه المهمة ، بعين المراقب الذي تواجد في الصفوف الأولى مثلما المستويات الأخرى لهذا الحزب ليس عبر سنوات و لكن عبر عقود ستة من عمره ، بعين العراقي الذي لا يغفر خطأً حتى لحزبه الذي انتمى له ، و بأدوات المؤرخ الذي أتقنها غير مرة في كتابيه السابقين "   الحزب الشيوعي و المسألة الزراعية في العراق "  و الآخر عن " مساهمة في كتابة تاريخ الحركة العمالية في العراق "  و دور الحزب الشيوعي العراقي في الحركة السياسية و الاقتصادية للعمال بالعراق و كلاهما صادر عن مركز الدراسات الاشتراكية، و هاهو ذا يعاود الكرة بعد السقوط المدوي للتجربة الاشتراكية الأشهر بالعالم – المقصود تفكك فتداعي ثم انهيار الكتلة الاشتراكية أوائل التسعينات منطلقا من أن ذلك  " دفع ويدفع كل حركة ثورية إلى تأمل أوضاعها من جديد بعيداً عن الروح الدوغماتية التي سادت تحليلاتها في السابق" و كون مرور عشر سنوات على هذا الحدث  " ضرورية لامتصاص الصدمة والسعي إلى تأمل مسيرة الحركة في كل بلد بوعي واضح، بعيداً عن التطيّر أو البحث عن التبريرات، والسعي لتحديد أوجه القصور فيها " مستخدما أدوات المنهج التاريخي مع تكامل منهجي في التناول حسب ما تقتضي الضرورة البحثية  و حسب ما يتراءى له عند كل فرضية يحاول إثباتها أو دحضها ، متوقفا عند نقاط فاصلة في هذا التاريخ و ليس سردا إجماليا له ، داحضا أفكارا معلبة عن قضايا إشكالية في تاريخ الحزب مثل غلبة العنصر الأجنبي على ما سواه في نشأته و علاقته بالجهات الخارجية البلشفية الروسية و الكمالية التركية ، و هل جاء الحزب سابقا لتكون طبقة عمالية ذات مصالح طبقية أم لاحقا على وجودها موظفا جهوده نحو تثوير هذه الطبقة ،  كذلك موقف الحزب من قضية فلسطين : التقسيم و الحرب و تعريب قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني  ، و دور الحزب الشيوعي العراقي  - المغيب إعلاميا - في وثبة كانون ، و موقفه من التنسيق أو التعاون مع الحكومات التسلطية  ، و غير ذلك من قضايا مغيبة أو مشوهة  إعلاميا  ، و الكاتب في هذا يعمل مستخدماً مناهج بحث لعلماء غربيين استفاد منهم خاصة   Edward Hallet الذي  اعتمد على منهجه بصفة خاصة  في غربلة و استقراء المصدر أو  الوثيقة التاريخية  ، كذلك عودته إلى  أطروحات رسائل جامعية حديثة تبحث في الشأن العراقي عامة و الحزبي خاصة   ، إلى حد عودته لنص الأصول الأجنبية التي اعتمد عليها بطاطو في كتاباته عن العراق و التي رأى في استشهاده ببعضها أحيانا اجتزاء لحقائق الأمور ، ملقما العمل العديد من الحوارات الهامة و الوثائق المسجلة و المكتوبة التي لا تقدر قيمتها التاريخية بثمن ، خاصة مراسلاته مع عدد كبير من القادة الأوائل للحزب و مراسلات الخاصة و عباس الكرباس و هي  وثائق هامة تسلط الضوء على فترة كتب عنها القليل و خاصة كونه – الكرباس -  أحد مؤسسي الحز ب ، و يمضي الكتاب و المؤلف ، و متنقلا بين عواصم و دروب ، و حتى إلى كردستان العراق يجمع الحقائق من ألسنة معاصريها و صانعيها .
           و ما نعرضه اليوم هو الجزء الأول من هذا العمل و  الذي يناقش أوضاع و تاريخ العراق و تأسيس الحزب الشيوعي العراقي و حتى نهاية الأربعينات و إعدام قائده فهد ، بينما يفترض أن يخصص الجزء الثاني للفترة من 1949 و حتى 1963 ثم الجزء الثالث الذي يستعرض تاريخ الحزب حتى مؤتمره الخامس في 1993 ، و كل مرحلة توثق لتأسيس طور من أطوار الحزب، يتميز كل واحد منها بتغير شامل في أوضاعه وتكويناته القيادية.
في الثلاثة فصول الأولى من هذا الجزء يقدم الباحث – و هنا نقول الباحث لأن الحرفة الأكاديمية غلبت على العمل قبل سواها –ما يشبه الرؤية البانورامية للتاريخ العراقي اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا ، منذ كان العراق عراق العرب و عراق العجم في القرن السابع الميلادي حيث الفتوحات العربية الكبرى ، مارا على الحكم العباسي و حتى العثماني ، موضحا اختلاف  الحدود السياسية و التسمية للعراق على أساس معطيات كل حقبة تاريخية ، و مدققا ما حدث في معاهدتي سيفر و لوزان من جدل وحول الحدود العراقية و بالأخص  ولاية الموصل ، و يعدد الكاتب التيارات العامة التي هبت على العراق عبر العصور و أهمها تيار البداوة العربية ثم النزوع إلى الاحتماء بالمذهب و الطائفة و القبيلة و غيرها من الانتماءات الأولية ، و كيف كانت الفروق الداخلية بالعشيرة مثلا أهم من غيرها من الفروق كالاقتصادية و المهنية ، موضحا كيف أعاق ذلك لفترة بزوغ حس الانتماء الطبقي العام ، و كيف أثرت لاحقا محاولات بعض الحكام – مثل مدحت باشا و داوود باشا –  الإصلاحية اقتصاديا و قانونيا في تغير نوعي في أفكار العراقيين  و ما لاقته هذه المحاولات  من تمرد قبلي و قومي ثم الفشل الذريع الذي مني به محاولات الدولة العثمانية إعادة بسط نفوذها على كامل العراق ، وكيف أن هذه الإصلاحات لم تنجح " لأن تطبيقها أُوكل إلى جهاز حكومي متفسخ "و في المقابل كيف  سهّلت هذه الإصلاحات  تغلغل نفوذ ونشاط الدول الغربية في العراق، و كيف أثرت النقلة المعيشية الكبرى التي عاشها العراقيون  مع اكتشاف النفط و تجويد نوعية الحياة و بناء دولة حديثة على أفكار هؤلاء بل و على الشكل العام لشكل و توزيع المدن و القرى عبر البلاد  .
     كما يناقش التوغل البريطاني في العراق استغلالا  لوجود ملك ضعيف و حداثة عهد العراق بحركة وطنية منظمة  و التي لم تظهر بالبلاد إلا في أعقاب صدور دستور 1908 ، و كيف عول الاحتلال على الاختلافات الطائفية أكثر من المزاج الديني ، و نشأة الحركة الوطنية و منظمات المقاومة المسلحة مثل حرس الاستقلال و غيره من المنظمات التي ترفعت عن الانتماء المذهبي و الحساسيات الطائفية لصالح القضية الوطنية و بدرجة ما القضية الاجتماعية إذ لم تكن الشكوى من الاحتلال مردها فقط سياساته بل و توجهاته الاقتصادية أيضا ، من ناحيتهم كان للإنجليز أهداف اقتصادية و أخرى اجتماعية لم تكن أبدا لصالح المواطن البسيط خاصة المهمشين و القادمين من قاع المجتمع ، و إن لم يورد الكتاب البيانات و  الإحصاءات الكمية التي توضح هذه النتائج و هو  النقد الذي قد يوجه للعمل ككل لخلو ه من جداول أو توضيحات بيانية لبدء و نمو فئات المجتمع العراقي و  طبقاته ، و مسلب شكلي آخر ينسحب على الفصول التاريخية الأولى للكتاب أنه لم يعرض فيها خريطة واحدة توضح موضوعها و هو العراق عبر العصور  التاريخية ، أما الوثائق التي أوردها الكاتب فبعضها من الأهمية بمكان ما كان يفضل معه إضافة نسخة زنكوجرافية لها و هو ما لم يحدث .
         ثم يستعرض الفصل الثالث الأوضاع السياسية بالبلاد منذ مؤتمر سان ريمو و الاستفتاء الشهير على  الملك فيصل الذي حاول دوما تطمين أربابه البريطانيين على إحكام قبضته على البلاد دون المساس بعلاقة متميزة مع فئة رجال الدين الشيعة و خوفا من ظهور عناصر بلشفية- شيوعية  أو كمالية – تركية  بين قادة الحركات و الأحزاب التي اعتلت المد الوطني وقتذاك و منها الحزبين الوطني و النهضة ، بينما وجد  خوف مسيطر آخر من تسلل الوهابية السلفية إلى العراق خاصة في مؤتمر كر بلاء للقوى العراقية الوطنية  .
أما الفصلان الرابع و الخامس فيستعرضان على التوالي: السبل المختلفة التي سلكها الرواد الأوائل من المثقفين العراقيين للتعرف على الفكر الاشتراكي بمدارسه المختلفة و  الخلفية الاجتماعية و الاقتصادية للقائمين على الحزب من بدايته .
       حيث يؤرخ الأول لسعي الشبيبة العراقية قبل وبعد الاحتلال البريطاني إلى معرفة أفكار الحرية والمساواة والتقدم والاشتراكية بينما يتابع الثاني من بقى على هذه الأفكار و تطويره لها و توظيفه إياها في العمل و النضال السياسي ، و تبدو أهمية هذه الفترة التمهيدية لقيام الحزب الشيوعي العراقي إذ كما سيناقش الكاتب في الفصل الرابع أعطت هذه الفترة خصوصية وطنية عراقية للحزب ، و الكاتب يدحض مقولة ترددت بتواتر مريب إلى حد اعتبارها من قبل البعض حقيقة و هي أن العناصر الشيوعية الأولى بالعراق هي مجرد أذرع للأممية الشيوعية و البلشفية السوفيتية ، و في هذا يكمل سباهي ما قدمه بعض سابقيه الذين قدموا  الأدلة و الأدلة المضادة على هذا الاتهام ، و هو  لا يكتفي بإيراد ما ينفيها عن الحزب لكنه يفصل  شهادة أحد الشيوعيين العرب – محمود الأطرش موضحا عبرها كيف كانت نداءات البرافدا و موسكو للعالم العربي و الإسلامي و خاصة العراق و الشام ذات تأثير جيد خاصة في مواجهة الاحتلال البريطاني لكن دورها  ليس بأبعد  كثيراً من ذلك التأثير  ، مقارنا بين البداية المختلطة قوميا لبض الأحزاب الشيوعية العربية مقابل العراق: في مصر التي شكلت عناصر أوربية نسبة لا يستهان بها في بدايات حزبها، و فلسطين الذي خاض حزبها صراعا كبيرا لتعريب قيادته و برامجه مخلصا إياها من المد الصهيوني كشريطة للانضمام للأممية الثالثة  .  موردا بعض الأدلة على قدرة مجتمع كالعراق بما لديه من أفكار التشارك الاجتماعي والاقتصادي ،كذلك الصبغة الاشتراكية في الإقتصاد الإسلامي  ، على إنبات الأفكار الشيوعية .
        بينما يلفت الكاتب النظر إلى سبب خاص لاهتمام السوفيت بالعراق حيث كانت بريطانيا تريد من احتلاله – ضمن أهداف أخر –  اتخاذه قاعدة لتوسعات عسكرية قد تطول الاتحاد السوفيتي مما حدا بالأخير و الأممية الثالثة إلى أن تقيم الصلات مع قادة الحركة الوطنية و هو ما ظهر في تغطيتها الصحافية عن شؤون العراق و لكن " ليس إلى أبعد من هذا " ، و في الحقيقة إن سباهي تحدث عن روايات أجهزة الأمن عن هذا الدور الروسي المزعوم في بداية الحزب لماماً داحضاً إياها بما قدمه  تحديداً من  تكذيب لمقولات البعض عن دور أرمني سوفيتي مباشر في زرع الأفكار الشيوعية بالعراق كما ادعت تقارير الأمن  كان الطرف الأرمني فيها ممثلا في آرسين كيدور  ، و كيف أن هذه العلاقات لم تكن سوى نشاطات استخبارية ، مكملاً  بإيراد نفياً إيجابيا لها بالحديث عن البداية الحقيقة للأفكار الشيوعية بالعراق و هو عماد هذا الفصل و تاليه كما أشرنا .
       و يفصل الكاتب  بداية أخرى للأفكار الاشتراكية بالبلاد و هي الاختلاط الفكري بين العراقيين و غيرهم من الأقوام و التفاعل الفكري الذي امتد لعقدين من السنين قبل وبعد الاحتلال البريطاني ، بل انه يورد حادثة نشر جريدة الزوراء المنشأة العام 1869  في العدد 144 أنباء اندلاع كومونة باريس و مدحها لبعض ما قامت به هذه الحكومة من إجراءات ذات توجه اجتماعي ، و هو ما قد يعده بداية لتعاطف عراقي مع فكرة الاشتراكية ، كذلك حركة تبادل الكتب و المؤلفات و التراجم التي عمت العراق إلى حد أن الكاتب نفسه يقول "كنت أملك في عام 1948 نسخة من كتاب لينين (الدولة والثورة ) المترجم والمطبوع في مصر عام 1922 بعنوان (مذكرات لينين عن الحروب الأوربية ماضيها و حاضرها )  "  . كما يورد التوطئة التي يقدمها ناشر كتاب سوسيالزم المترجم عن الفرنسية عام 1908 " إن الذي يهمنا أكثر من ترجمة هذا الكتاب هو حاجة دولتنا إلى انقلاب اجتماعي وديمقراطي للشعب " و يورد أيضا شهادات بعض الرموز  مثل نقولا حداد و محمد باقر الشبيبي عن  علاقة المثقفين العراقيين آنذاك بحملة الفكر الاشتراكي ، وتسرب الأدبيات الاشتراكية إلى العراق ككل ، و تمايز الأفكار العراقية الشيوعية عن مثيلتها السوفيتية باختلاف مقاصد القائمين عليها موردا نماذج و مقتطفات من أدبيات بعض الجماعات العراقية و صحف هذه المرحلة  كجرائد العراق و الفرات و الاستقلال  فيما يشبه تحليل المضمون الكيفي لها ، كما يتناول دور الطفرة الحادثة في مجال التعليم كما و كيفا على العقل العراقي و الكاتب يطمح أن يصل البحث الجدي مستقبلاً في حال توافر ظروف ديموقراطية مناسبة إلى معرفة "ما كان يقرأه العراقيون عن الاشتراكية في مطلع القرن الماضي " و هو بذلك ربما يدعو لمشروع آخر قد يقوم به غيره إكمالاً لهذه النقطة الهامة في كتابه  .
        أما تأثير السياسات الاستعمارية للبريطانيين على الحركة الشيوعية في العراق فالكتاب يتناولها في بإسهاب في غير فصل شارحا الآثار المدمرة للاحتكار و عدم تنوع بنية الاقتصاد و جنوح هيكله العام إلى الخدمات و التجارة و أثر كل ذلك على مكانة العراق الاقتصادية في تجارة العالم آنذاك ،  و الأحوال المعيشية للمواطن العادي ، و سياسيا : كيف أثر الاستعمار بأدواته القمعية إلى حد جنوح المعارضة العراقية إلى التعاون مع حكومات موالية بدرجة ما للإنجليز ، و هو ما عجل بالشبيبة الثورية وقتها أن تبتعد عن هكذا معارضة و تخلق التجمعات الثورية الخاصة بها ؛ من قبيل جماعة الوفاء للعهد و الانتقام لفلسطين و جمعية اتحاد تضامن العرب ، كما يوضح الأسباب التي جعلت مدينة البصرة بالأخص منبعا و مصبا للعديد من العناصر الشيوعية الوليدة باعتبارها مدينة عريقة و ميناء غاض بطيوف البشر ، كما يفند الفصل بعض الإخباريات الأمنية الخاطئة أو المضللة أو المقولات المرسلة عن تاريخ بعض الأسماء الأبرز في هذه الفترة مثل " الأخوين يوسف سلمان ، بطرس أبو ناصر ، مهدي وفي ، عاصم فليّح و قاسم حسن " .
       و عارضاً بإسهاب لإضراب الناصرية الشهير عام 1931  ضد رفع السلطات المحلية – البلديات لإيجارات المحال ، كذلك قصة البيان الشهير المعنون ب يا عمال العالم اتحدوا و المذيل بتوقيع عامل شيوعي في 13 كانون الأول 1932، الذي وزع أيضا في  شوارع الناصرية و كيف تعامل معها الأمن على كونها مدبرة من قبل الحزب الوطني و سلسلة الحيل التي لجأ لها العناصر الشيوعية لتوصيل بياناتها للجمهور حيث تصاعد العمل الشيوعي في الناصرية و جرت عدة  محاكمات مما أدى إلى " انتقال النشاط الشيوعي مع نهر الفرات إلى الشمال، ووجد الشيوعيون في كل من السماوة والديوانية مواقع أقدام لهم" و بهذا تتأخر بغداد عن البصرة و غيرها في ديناميكية العمل الشيوعي و هو ما يفسره الكاتب بكونها أقل احتكاكاً من قريناتها بالعمال و الكادحين  . و يورد الكاتب حقيقة تنظيمية هامة و هي  أن اللولب الذي كان يعرف العناصر الشيوعية الأولى في بغداد ويربطها ببعضها كان يوسف سلمان يوسف موضحا الآلية التي ربط بها العناصر الأولى بعضها ببعض بعد طول ملاحقة و اختفاء ، و هذا ضمن حديث أشمل عن التنظيم الداخلي للحزب  .
          و ينحو الكاتب إلى إيراد الآثار السلبية على العراق اقتصاديا هيكلا و أداء منذ الاحتلال فالانتداب ثم ما تحمله العراق من تكلفة باهظة أثناء الحرب العالمية الثانية أتت بدرجة أساسية على طبقة العمال و الفلاحين و صغار الموظفين ، كذلك موجات الهجرة الداخلية إلى المدن إلى حد ترييف بعضها بل و ظهور عشوائيات كاملة على أطراف المدن الكبرى  و هذا كله  التربة الأخصب لعمل يساري ما ، و هو ما أدركه الحزب إذ كثف عمله على الطبقات الاجتماعية التي " باتت ملامحها تبدو بوضوح أكبر ومصالحها تتمايز "، معددا في ذلك نشاط الحزب بين العمال و الطلبة و الفلاحين و النساء تحديدا مدعما بأمثلة عديدة و نماذج من صحافة و بيانات الحزب و شهادات من داخله و خارجه ، و كمسلب متكرر عبر الكتاب لم توضع بالكتاب العناوين الفرعية الكافية لتسهيل أمر المتابعة على القارئ ، ربما تفادى ذلك في هذا الفصل فقط !  .
          كما يستعرض الكتاب دور الحزب في العمل العام بعد الحرب العالمية الثانية  منظما و مشتركا في العديد من الاعتصامات و الإضرابات و المظاهرات رغم م تعرض الحزب للهجوم غير مرة  و بآليات مختلفة بدأت من مطاردة أعضائه و صولا إلى تكميم صحفه - حيث كان الحزب سابقاً قد بدأ الدعوة إلى الجبهة الوطنية الموحدة مع طلب إجازة العمل القانوني لحزب الوحدة الوطنية الديمقراطي ، و دور الحزب عام 1948 - و حتى قرار التجميد في العام ذاته -  في شن حملة سياسية من أجل فضح مواقف الحكم الرجعي من القضايا الوطنية الأساسية خاصة فرض  الأحكام العرفية بحجة حرب فلسطين و كونها صدرت حقيقة  لضرب الحركة الوطنية بمختلف فصائلها ،كذلك  الأوضاع المعيشية الصعبة واستفحال أزمة الخبز  - سيلاحظ القارئ أن سباهي يدلل أحيانا على السنوات بأحداثها و يكتفي أحياناً بذكر تاريخها مرة ثم يصك لكل عام وصفا ملخصاً له و هو أمر قد يسر للغاية  القارئ المتابع أكثر من غيره   .
و فيما يشبه المقارنة الاستدلالية يقدم الكتاب  أهم ما في برنامج حزب التحرر الوطني المعنونة بالمبدأ الديموقراطي و من باب (الاستقلال والسيادة الوطنية) جاء:
" إن حزبنا يؤمن بمبدأ حق كل شعب في تقرير مصيره، وعلى هذا الأساس، يعترف لجميع الشعوب المجاورة والبعيدة بحقها الكامل في الحرية والاستقلال وبحقها في الدفاع عن هذا الحق» داعياً إلى برلمان حر منتخب و دولة مؤسسات " .
           و هو ما يطرح سؤالاً  هاماً هو هل قام الحزب الشيوعي العراقي برفع هذه المطالب فيما بعد عندما سادت أجواء أكثر انفتاحاً  -  بعد ثورة 14 تموز  مثالاً ، ربما يجيب عن هذا السؤال و غيره الجزء الثاني من هذا العمل ، و هذه الحملة لفضح الفساد السياسي العام بالبلاد  التي فشلت يعزو الكاتب أسباب فشلها تفصيلاً لانعزال الحزب وقتها عن معظم الأحزاب الوطنية بما فيها اليسارية، و الدعاية ضد موقفه الانعزالي من قضية فلسطين – و هو ما حاز على فصل هام بالكتاب فند فيه معظم ما وجه للحزب من نقد في هذا الصدد  - كذلك  الضعف الشديد في قدراته القيادية الميدانية و التنظيمية مما زاد في اختراقه و اعتقال أعضائه ، أو كما يقول الكاتب " لقد أضرّت هذه السياسة بالحزب، وضمنت للعدو وضعاً أفضل في هجومه المعاكس الذي كان يسعى للشروع به، ومهّد له بالأحكام العرفية "  و هو  ما عرف بانتكاسة 1949 التي يفصل أحداثها في فصله السادس عشر و الأخير قاصاً يوميات هذه اللحظة التاريخية الهامة في تاريخ العراق و الحزب ، و حتى إعدام فهد و رفيقيه – و المحاولات التي جرت في هذا الصدد لإنقاذهم -  و اللحظات الأخيرة في حياة فهد خصيصا وفقا لشهادة معاصريه في سجن الكوت ، خاصة رأيه في محاولة الفاشية اغتيال " تولياتي " زعيم الحزب الشيوعي الإيطالي متسائلاً إن كان قد خطر ببال فهد " أنه كان يتنبأ بما سيواجه الحركة الثورية للطبقة العاملة في العراق " من هجوم مماثل على تاريخها و إحباطاً لعزمها و تشويها لكل وقفاتها الإيجابية في صف العراق الوطن .
        و بالطبع لا يمكن تجاهل الفصل الخاص بفلسطين و تغير رأي الحزب في قرار التقسيم مؤمئا إلى الستالينية المفرطة التي استحوذت على قادته لفترة ، ثم النقد الذاتي الذي مورس لتبني رأي مغاير ، و يعرض الكتاب إلى الخطأ السياسي و ليس العقيدي – من وجهة نظر الكاتب - الذي وقع فيه الحزب بتبني قرار لا يماشي الهوى العام لدى رجل الشارع بالعراق و لا محاولة البعض استغلال قضية فلطين لأهداف أخرى و يورد من الأدلة التي ساقها الحزب آنذاك ما يؤكد استشرافه لمستقبل هذه الحرب ، خاصة ما ذكر وقتها من كف يد الحكومة عن تمويل حقيقي للجيش المشارك في حرب 1948.
يختتم الكاتب عمله موضحا ما كان من صعود لأسماء بعينها على أسس عرضية، و ليس على مقاييس تجاربهم النضالية الشيوعية، بينما يذكر للتاريخ الدور الهام الذي قامت به العناصر الشابة للنهوض بالحزب من سقطته (لاحظ مثلا أن غلاف الكتاب حمل خطوط سباهي بينما جاء التصميم الأنيق من نصيب ولده الشاب زياد سباهي !! ) ربما بهذه الملاحظة عن يد العناصر الشابة التي رفعت الحزب قليلا من كبوته أراد رسالة للحزب الشيوعي العراقي الآن : بتجديد دمائه و أفكاره معا ، منهياً كتابه بإيمانه بقدرة هذا الحزب على نقد الذات و تخطي الهجوم و التطويق الخارجي و ضيق الأفق من قبل البعض و هذا كله  " لم يستطع أن يقتلع من الأساس روح المقاومة لدى الشعب الكادح، وظل هذا يصارعها ببسالة ممثلاً بمقاومة الحزب الشيوعي العراقي " .
أمامنا شهادة واحد من قادة حزب عراقي كبير ، ننتظر بقية العمل آملين ألا يكون ما تسرب من أخبار عن فقدان المكتبة الخاصة للمؤلف بكندا منذ فترة يشكل عائقا في طريق هذا العمل ، و  بالتوازي ننتظر خطوة مماثلة من كل حزب عراقي يحمل على عاتقه ليس  بالضرورة تاريخا عبئا ، و لكن كل حزب عراقي يحمل هم موطنه و مطالب و تطلعات مواطنيه .

 



#أميرة_الطحاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كول لي يا وحش منين الله جابك
- مرحبا بنصير شمة و لكن.....
- نحو منهج بديل لدراسة المسألة الكردية - 1
- تحية من القاهرة
- و مازالنا مع الآشوريين شعبا و قومية و ديانة :
- الآشويون : ضحايا الإختلاف العرقي و الديني - 2 من 3
- الآشوريون: ضحايا الاختلاف العرقي والديني 1-3
- قطار الأصولية بكردستان ، متى يرحل ؟


المزيد.....




- حل لغز المجالات المغناطيسية الغريبة لنبتون وأورانوس
- تأثير العناية بالمظهر على السلوك الاجتماعي
- العلماء الروس يطورون مسيرة لمراقبة حرائق الغابات
- دراسة تكشف عن أسباب نفسية لآلام الدورة الشهرية الشديدة
- صفقة -أوبك+- يمكن أن تنهار بسبب كازاخستان
- الجبهة الأوكرانية تنهار: إمّا أن يأمر زيلينسكي بالانسحاب أو ...
- ريابكوف: روسيا ستجعل الأمريكيين -يرتعشون- من نتائج تورطهم في ...
- إعلام عبري يتحدث عن -بنود سرية تتعلق بإيران- في اتفاق وقف ال ...
- بوليانسكي: روسيا قد تعيق عمل البرنامج الأمريكي في مجلس الأمن ...
- ترامب يعلن عن اتفاق مع رئيسة المكسيك بشأن الهجرة وسط تهديدات ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أميرة الطحاوي - الحزب الشيوعي العراقي : التاريخ العبء يسجله كتاب