|
النفاق والتخلف تجاوزا الحدود
جبار جاسم موسى
الحوار المتمدن-العدد: 4290 - 2013 / 11 / 29 - 20:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الآثار الإنسانية لثورة الحسين أمتدت في كل بقاع المعمورة لما تمثله من معاني الثبات على المبادئ والقيم الأخلاقية ومحاربة الفساد والطغيان؛ بالرغم من شحة الموارد اللازمة لمعسكر الثوار للمواجهة العسكرية والتفوق العددي لمعسكر الفساد؛ وغياب التكافؤ بين الفريقين في كل ما يتعلق بحيثيات واقعة الطف بما فيها منع موارد المياه عن فريق الإمام والمعروفة تفاصيلها للجميع، ولأن الحسين قدّمَ درساً بليغاً للعالم في التضحية والفداء أصبحت ثورته مناراً للمظلومين، والدليل ما قاله بحقه من غير المسلمين؛ كالمهاتما غاندي والزعيم الصيني ماو وجورج جرداغ والروائي الإنجليزي تشارلز ديكنز والمستشرق الألماني ماربين والمستشرق بيرسي كوكس والمؤرخ توماس كاريل وغيرهم، ونتيجة للقراءة التأريخية الثابتة للواقعة؛ فالعراقيين عموماً وأهل الكوفة خصوصاً آنذاك هم من يتحمل المسؤولية الكبرى عن المأساة؛ لأنهم يعرفون يزيد حفيد آكلة الأكباد حاكم فاسد وفاجر ومارق؛ وهم من بعث بالرسائل للحسين بكذا حمل جمل؛ طالبين منه القدوم للكوفة ومبايعين له بالخلافة، وبعد إن تأكدت مطالبهم من خلال سفيره وابن عمه مسلم بن عقيل؛ حين لم يسع جامع الكوفة الجماهير الغفيرة التي قدمت للترحيب به والصلاة خلفه؛ ثم انفضوا عنه وبقي وحيداً هائماً في أزقة الكوفة فضفروا به في دار أمرأة تُدعى (طوعة) وقتلوه كما قتلوا هانئ بن عروة لأنه آواه، فهولاء نكثوا العهد مع الحسين ورفعوا السيوف والرماح لذبحه وتمزيق جسده وسبي عائلته بعد إن كتبوا له يحثونه على القدوم إليهم وبلغت سفالتهم أنهم أنكروا الكتب التي بعثوا بها إليه حين ذكرهم بها؛ وحصل ما حصل، أي في المحصلة النهائية إن أغلب العراقيين آنذاك هم ممن نكث العهد وتخاذل أو ممن لم ينصر إبن بنت نبيهم، (فهؤلاء أجدادنا وإن لم نؤخذ بجريرتهم) ولعل بعض العراقيين اليوم يتصرفون للتكفير عن ما إقترفه أسلافهم، فهم يبالغون في المراسم بما يشوه ذكرى هذا الحدث الثوري العظيم، واستذكار المناسبة بطريقة لا تليق بها هي إيغال في النفاق والتخلف وتجاوز للحدود المعقولة، فخلال الأسبوع الماضي كنت أراجع المديرية العامة لشؤون المحاربين، وفوجئت بقطع القماش الأسود تلتف حول الكتل الخرسانية التي تحيط بمبنى هذه المديرية مع لافتات تتضمن شعارات ومقولات إستحدثت في السنوات الأخيرة مثل (والله يا زهراء ما ننسى حُسيناه، وزينب عقيلة بني هاشم رفعت راس إخوتها ...الخ) وكأن لا تعبير عن عظمة واقعة الطف إلا بهذه الوسائل، والإدهى من ذلك كان هنالك جهاز تسجيل مع مكبرات صوت داخل أروقة المديرية تصدح بلطمية لأحد المتاجرين بدماء الحسين (ما يُسمى بالرواديد)؛ فمن الذي أمر بتركيب هذه المكبرات هل هو أمر من المراجع أم تصرف شخصي لأحد أو بعض المنتسبين مستغلين صمت الرافضين عن هذه الممارسات (خوفاً من تكفيرهم؛ أو تجنباً لتكرار ما حصل مع البريطاني في البصرة من قبل بعض الرعاع)، ومَن الذي سيصغي لهذه اللطمية؟ هل هم المراجعين المشغولين بمعاناتهم والروتين القاتل؟ أم موظفي المديرية من العسكريين والمدنيين المطلوب منهم إنجاز عشرات المعاملات يومياً؟ ولِمَ يُجبر الجميع على سماعها في مكانٍ عام وخلال أوقات الدوام الرسمي في دائرة الغاية منها تقديم الخدمات لمحاربي وزارة الدفاع وذويهم؟ أم هو تشويه مقصود للمناسبة بالرغم من تجاوز الفترة المتعارف عليها في إحياء هذه المناسبة بما لا يتجاوز العاشر من محرم ونحن في أواخره؟ أم هي لأكراه الناس على الايمان بشيء لا يقتنعون به؟ أنا أفهم إن شعائر هذه المناسبة الغاية منها للتذكير بالثورة على الطغاة والفاسدين، وكما قال الأمام جعفر الصادق (كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء) ويقصد إن لا حدود مكانية أو زمانية في مجابهة المتسلطين على رقاب عباد الله من الفاسدين، ويفترض إقامة الشعائر التي تليق بالحدث وليس شعائر من أجل النفاق واللهو والعبث وتحدي سلطة القانون، وتشويه المضمون الإنساني لهذه الذكرى العظيمة. تبقى الملحمة الحسينية على مر التأريخ تبعث في الأحرار شوقاً للتضحية لأنها تنطوي على أسمى معاني الفداء في سبيل العدل الإجتماعي والأخلاقي، وهي ثورة دائمة على الحاكم الجائر والسياسيين الطواغيت الفاسدين والمتاجرين بالدين، ونظال دائم ضد التخلف والجهل والأمية والفقر، ورفض لاستباحة الكرامة والتهجير القسري داخل وخارج العراق؛ وحرب على التمييز الطائفي والأثني.
#جبار_جاسم_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما بين التخوف من -الإسلام السياسي- و-العودة إلى حضن العروبة-
...
-
اليهود يغادرون.. حاخام بارز يدعو أوروبا إلى التصدي لتزايد مع
...
-
اقــــرأ: ثلاثية الفساد.. الإرهاب.. الطائفية
-
المسلمون متحدون أكثر مما نظن
-
فخري كريم يكتب: الديمقراطية لا تقبل التقسيم على قاعدة الطائف
...
-
ثبتها بأعلى إشارة .. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على ال
...
-
“ثلاث عصافير”.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025
...
-
مؤرخ يهودي: مؤسسو إسرائيل ضد الدين والإنجيليون يدعمونها أكثر
...
-
الشيخ علي الخطيب: لبنان لا يبنى على العداوات الطائفية +فيدي
...
-
اضبط الان تردد قناة طيور الجنة toyor al janah على الأقمار ال
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|