|
حزب البعث ، نهاية الدور التاريخي
وليد الحنون
الحوار المتمدن-العدد: 1222 - 2005 / 6 / 8 - 10:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حين كان الرئيس الفرنسي يزور الجزائر في مارس/آذار 2003 اصطف عشرات الآلاف من الشبان الجزائريين لاستقباله وهم يهتفون : فيزا.... فيزا ....تعبيراً عن مطالبتهم بفتح أبواب الهجرة أمامهم إلى فرنسا . لاشك بأن الشبان الجزائريين قد تسببوا في إحراج كبير للرئيس بوتفليقة ، إذ كيف لكل هذه الألوف المؤلفة أن تطلق حناجرها تطلب الهجرة إلى بلاد الحرية والرخاء هرباً من جحيم البطالة والفقر والقمع ؟ مع أن جلّ هؤلاء من جيل الثورة الجزائرية ومن الجيل الذي تربى في كنف حزب جبهة التحرير ! من الواضح أن للمشهد الجزائري نظيره السوري لدى مئات الآلاف من الشبان السوريين الذين هاجروا أو غادروا لا فرق ، أو ممن يلهثون على أبواب السفارات توسلاً لفيزا هنا أو فيزا هناك . يعبّر المثال الجزائري أصدق تعبير عن الأوضاع التي آلت إليها أوضاع الكتلة التاريخية ، وهي جيل الشباب ، الكتلة التي يفترض أنها الحامل الإجتماعي لمشروع النهضة ، ويظهر مدى عطالتها وعمق أزمتها . ذلك لأن الحزب الشقيق حزب جبهة التحرير ، الذي حكم الجزائر بقبضة شمولية ، عجز عن إيجاد الحلول للمشكلات والأزمات الخانقة التي رزح تحت وطأتها الشعب الجزائري والتي قادت إلى ذلك الانفجار الرهيب الذي ذهب ضحيته مئات الآلاف من الأشقاء الجزائريين ، وكذلك أدى إلى استنفاذ ثروات ومقدرات الوطن الجزائري ورسوفه تحت وطأة الديون الثقيلة ، وكان من نتائجه نهاية الدور التاريخي لحزب جبهة التحرير بعد إنجازه الاستقلال .
نقول للرفاق البعثيين المؤتمرين إذا كان المثال الجزائري يمثل كابوساً مزعجاً ، فإنه يؤسفنا أن نزف لهم أخبارا غير سارة البتة ، وهي أن الإنفجار السوري قادم، لا بحكم التنبؤات ، بل بحكم قوانين التاريخ التي لا لغو فيها ، والتي مفادها أن التراكمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتفارق الحاصل بين الحزب والشعب ، لابد وأن تفعل فعلها ،ولأن ما يسمى بالثورات غالباً ما تتحول إلى نقيضها ، وأن دعاوى تحرير الشعب غالباً ما تقود إلى استعباد جديد للشعب.
إذا كان عنوان المقال : نهاية الدور التاريخي لحزب البعث ، فلأن حزب البعث ومنذ استيلائه على السلطة في العام 1963 وانغماسه في هذه السلطة ، وهيمنة العسكريين على الحزب ( يمثل العسكريون 40% من المندوبين إلى المؤتمر القطري العاشر ) ابتعد شيئاً فشيئاً عن الأهداف والشعارات الكبرى التي تنطح لها والمتمثلة في تحقيق وحدة الأمة العربية ، وحريتها ، وبناء الاشتراكية ، وابتعد عن مشكلات وهموم الكتلة التاريخية التي ابتعدت عنه بدورها . ولا يغرن أحد عدد المليون ونصف بعثي ، فقد رأينا تبخر 20 مليون شيوعي سوفييتي لم يخرج أحد منهم للدفاع عن نظام حكمهم المتهاوي ، كما تبخر مليون ونصف بعثي صدامي في العراق لحظة سقوط النظام . ظهر فشل حزب البعث جليا في عجزه عن إنجاز هدفي الوحدة والتحرير، فلم يتمكن من تحقيق أية وحدة عربية ، بله ، إن النظامين البعثيين الذان حكما سوريا والعراق بالاستيلاء العسكري ، كانا أشد الأنظمة توتراً مع الأقطار الشقيقة الأخرى ، ناهيك عن أن الجيش العقائدي الذي تم إعداده للتحرير على مدى أربعين عاماً ، قد عجز عن تحرير الجولان رغم عقائديته ، وخرج من لبنان خروجاً مهيناً مؤخراً رغم عقائديته أيضاً . لم يقم حزب البعث بأية مراجعة نقدية لتجربة نصف قرن ، فقد أفتقر الحزب ، لاسيما بعد سيطرة العسكر ، إلى نخبة قادرة على النقد والمراجعة ، وعلى تطوير الأداء الفكري والنظري للحزب ، فأصيب الحزب بما يتمكن تسميته بالجمود الفكري العقائدي ، فبقي الحزب على دستوره وعلى منطلقاته النظرية لمدة تزيد على نصف قرن ، حتى أن معظم قياديي البعث مضى على عضويتهم في الحزب نحو نصف قرن . ومع ذلك لم تصدر عن البعث أية روح نقد أو تشكيك أو تساؤل حول البنية القائمة ، كما أنه عجز بسبب بنيته هذه عن وضع تصورات أو استراتيجية للخروج من الأوضاع المتأزمة الراهنة . وعليه فإن المؤتمر العاشر لن يكون أفضل من سابقيه التاسع والثامن والذي قبله....الخ إن أية بداية جدية لتجديد الحزب ، لابد أن تبدأ من إشراع الأسئلة : - عن الديمقراطية داخل الحزب وعن مبدأ ممارسة النقد والنقد الذاتي المتضمن في النظام الداخلي للحزب! - عن مبدأ الانتخاب الذي تم مسخه وتحويره لصالح القيادة التاريخية - عن علاقة الحزب بالدولة والمجتمع وعن مفهوم الشرعية الثورية ترى هل يغادر حزب البعث السلطة وينزع عن نفسه إهاب الشرعية الثورية التي لم يتبقى منها سوى المادة الثامنة في الدستور ؟ وهل يتحول إلى حزب مدني ديمقراطي كما هو عليه حال حزب جبهة التحرير في الجزائر ! أسئلة برسم المؤتمر العاشر لحزب البعث .
#وليد_الحنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|