|
تراتيل سورية .. مقدمة لحوار تحت النار
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4289 - 2013 / 11 / 28 - 13:53
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
على مستوى الأقوال ، تتجه الأزمة السورية ، نحو " جنيف 2 " على نية الحوار والحل السياسي . ويقود هذا التوجه ، اللاعبون الدوليون الكبار ( روسيا ـ أمريكا ) ، الذين وجدوا أن الحرب بالوكالة في سوريا ، قد فشلت أو كادت ، وأن تقاسم المصالح والنفوذ خير من مغامرة خاسرة ، قد يطالهم منها ، ما هو كارثي ، على أكثر من صعيد ، وخاصة على صعيد الاقتصاد .. وحقول ومخزون وعوائد الطاقة . ومطلوب أن يشارك في هذا التوجه ، لاعبون إقليميون من الدرجة الثانية ، هم شركاء في لعبة المصالح السترايجية ( تركيا ـ السعودية ـ إيران ) ، ولاعبون من الدرجة الثالثة ( الأردن ـ مصر ـ قطر ) ، ولاعبون يمثلون السلطة السورية ، ولاعبون محليون سوريون ، يعملون بأجر حسب الرياح الدولية ، على أمل اكتساب نعم الخدمة والولاية .
وعلى مستوى الأفعال ، تتجه آليات الحرب نحو التصعيد ، على نية الحسم العسكري ، وتحقيق نصر كامل ، أو نصر ميداني مرحلي ، ضمن استراتيجية كل طرف في الحرب . يقود هذا التوجه مباشرة المجموعات المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة ، تحت اسم " داعش " و " جبهة النصرة " اللتان تضمان في صفوفهما نسبة عالية من الأجانب ، الأكثر تعصباً ودموية ، وتستقتلان لجر بقية المجموعات المسلحة للخضوع لهما . وقد نجحت مؤخراً بفرض موقفها على " الجيش الحر " لرفض مؤتمر " جنيف 2 " ورفض الحوار والحل السياسي ، لإقامة دولة الخلافة الإسلامية ، التي تتعارض مع مقومات المجتمع المدني والديمقراطية ، وتتكامل مع منظومة طائفية دولية . كما تقود هذا التوجه بشكل غير مباشر ، أو بين بين ، المملكة السعودية وتركيا وقطر ، لتكريس واقع ميداني عسكري ، لاستمرار حالة الحرب ، والعودة إلى مشروعها الإقليمي المذهبي ، القاضي بتفكيك سوريا وتقاسمها .
وبين الأقوال والأفعال ، من الصعب الآن تحديد ، في أي التوجهين تكمن الحقيقة . لكن هناك حقيقة راسخة ، هي الماثلة أمام أعيننا ، التي يعبر عنها ، تصاعد آلام .. وخسائر .. وبؤس الشعب السوري .
المرشحون .. المدعوون .. للذهاب إلى " جنيف 2 " هم كل الذين صنعوا الأزمة السورية ، وانخرطو فيها ، ودولوها " ، بدافع التخلف والغباء السياسي ، أو التعصب الطائفي .. الأقلوي ..الفئوي .. الأخرق ، أو الارتزاق المشين ، أو الولع .. والطمع .. الهيستيري بالسلطة .. أو بالتفرد بالسلطة . وهم أيضاً ، كل الذين ، تنازلوا عن وطنهم ، وعن سوريتهم ، وتفاخروا بالجلوس في الأحضان الأجنبية ، وعملوا على وضع الشرف السوري .. والمصير السوري بأيدي الغرباء . وارتضوا بالإرهاب التكفيري سنداً وحليفاً لهم .
ولأنهم تقولبوا .. وتطبعوا على ذلك ، قبل الأزمة ، وطوال زمن الأزمة ، فإنهم لن يكونوا في " جنيف 2 " محاورين وطنيين حاملين قضايا خلافية مشروعة ، تستحق حلولاً تكتسب الصفة العادلة ، وأهمها .. وقف الحرب .. والتخلص من الإرهاب .. وتشكيل حكومة وحدة وطنية ، مهامها الرئيسية هي ، الإعمار ، وإشاعة الحرية ، وتمكين الشعب السوري بشفافية من اختيار قيادته ومستقبله ، وإنما محاورون يحملون شهية شرسة لتقاسم السلطة ، وانتزاع أكبر قدر من السلطة ، وهم في الوقت عينه محكومون أن يكونوا جاهزين ، لتلبية ما يمليه عليهم الأجنبي الغريب . لأنه هو من يمولهم بأسباب القوة وبكل التغطيات والحمايات الإقليمية والدولية ، وهو من قرر دعوتهم إلى " جنيف 2 " ولأنهم كذلك ، لن يكون هناك حل سياسي سوري ، إذا تركت الأمور لهم ، بل تعاقد على انتقالهم ، ونقل سوريا معهم ، إلى بيت الطاعة الدولي ، المحكم الأبواب والأقفال ، لضمان المصالح الدولية .. قبل أية مصالح سورية .
أصدق النوايا في انهاء الحرب ، وإبعاد جميع المسلحين الغرباء عن أرض الوطن ، وعقد الحوار ، وإنجاز حل سوري مشرف ، هي التي في ضمائر ونفوس السوريين ، الذين فقدوا أعزاءهم .. ودمرت بيوتهم .. وهجروا من مدنهم .. وانتهكت حرماتهم وأعراضهم .. وإنسانيتهم وكرامتهم . وهي التي في ضمائر ونفوس الملايين المهمشين من الطبقات الشعبية ، والمثقفين الشرفاء ، الذين رفضوا ، على حد سواء ، زج البلاد في أتون الصراع المسلح على السلطة ، والتدخل العسكري الأجنبي المدمر بذريعة حماية الشعب من بطش النظام . ولأنهم يدركون الحقيقة بلا مواربة ، ويعرفون الطريق الصحيح .. إلى الأمان .. والأخوة .. والحرية .. هم ليسوا مدعووين إلى " جنيف 2 " .
ما تقدم يجدد الالتفات إلى النقص الكبير ، في التعاطي مع الأزمة السورية . وهو غياب المضمون السياسي الاجتماعي المتكامل للخلافات التي فجرت هذه الأزمة ، قبل تسلح المعارضة وبعده . وهذا النقص ليس عند طرف واحد دون آخر . فجميع الأطراف ، حين طرحت ، في مناسبة هنا وتصريح هناك ، بعض ماعندها ، تهربت من طرح ما هو أكثر محورية مطلوبة في مضامينها ، وهو البر نامج السياسي الاجتماعي المتكامل ، كحل لأزمة البلاد ، لاسيما الإجابة على السؤال المركزي ، ما هو موقفها من الآخر ، وما هي الوسيلة الوطنية المقنعة موضوعياً للتوصل إلى حلول للقضايا الخلافية الأساسية . وما طرحته بالمجمل هو طرح إقصائي وإسقاطي مدمر للآخر . ذلك الآخر الذي لاغنى عنه في بناء الوطن ، وفي تجليات رقيه ووحدته وحضارته . وكانت العبارات .. والممارسات الاستفزازية ، هي الرد على استحقاقات اللقاء والحوار . وكانت تلك العبارات والممارسات تطرح كبديل للبرنامج . وتظهر الرغبات اللاعقلانية في البحث عن وطن بلا خلافات .. بلا سلطة مختلف معها .. وبلا معارضة .
كان منظرو المعارضة يبررون هذا النقص ، بأن طرح البرنامج السياسي المتكامل ، لاسيما على الصعيد الاجتماعي الاقتصادي .. مثل الموقف من القطاع العام الانتاجي والخدمي .. واقتصاد السوق .. سيؤدي إلى تفرقة صفوف المعارضة . وكانوا يعدون بتلافي هذا النقص بعد الانتصارعلى النظام . والنتيجة .. لم تتوحد المعارضة .. ولم يقدموا وعداً أساسياً شفافاً جامعاً حول المسقبل .. ولم يتم النصر على النظام . وكان منظرو النظام يعتبرون ، أن الإصلاح الذي طرحه الرئيس قبل سنوات من الأزمة ، وسلسلة إجراءات قانونية أكثر انفتاحاً فيما بعد ، هو الحل . والنتيجة لم يتحقق .. أو لم يتح المجال لتحقيق هذا الإصلاح ، وتطبيق هذه الإجراءات ، وقد أضاف ذلك عيباً آخر على عيوب النظام .
ومن أسف شديد ، إن الغرباء يستغلون هذا النقص في واقعنا ، وفي إدارة صراعاتنا . ويجدونها فرصة ليملوا علينا .. نصائحهم .. !! .. وخرائطهم .. وليستخدموننا موضوعاً للصراع علينا .. وعلى جغرافية أرضنا .. ومواردنا . الغرباء .. كل الغرباء ، لديهم خرائط لتحركاتهم .. ومصالحهم . الأقوياء منهم لديهم خرائط على مستوى العالم .. سياسية واقتصادية وعسكرية وعلمية .. في السلم والحرب . أما نحن .. فليس لدينا سوى خريطة وطننا المسروق نصفه .. اقتطاعاً .. واستلاباً .. واحتلالاً .. عبر القرن الماضي . وهي مرشحة في زمن الحرب القذرة ، لتصبح خرائط حسب عدد المجرمين ، المتعصبين عرقياً ومذهبياً ، الذين يرسمون حدود خرائط كياناتهم بعد تمزيق الوطن .
ويبدو أن الصعوبات الكبيرة أمام ، من سيقدر الله والدول العظمى ، أن يكونوا من المتحاورين في " جنيف 2 " هي ، إضافة لعدم وجود برنامج سياسي اجتماعي متكامل ، تعمل على مضامينه الأساسية مختلف القوى ، تتمثل في انعدام الرؤيا الكاملة للحل ولآفاق المستقبل ، ولسبل الوصول إلى بدائل مقنعة للجميع . ولذا يبقى البند اليتيم تقريباً على طاولة الحوار ، هو تقاسم السلطة . وسوف تجري التجاذبات بين المتحاورين ، على خلفية نسب مزعومة لصالح كل طرف ، حول القدرة النارية الميدانية على الأرض . ما يستدعي قبل الجلوس إلى طاولة الحوار .. تحقيق إنجازات ميدانية هامة ، تؤكد مصداقية النسب المزعومة .. وتسوغ الحجم المطلوب في قسمة السلطة بين أطراف الحوار .
وفي زحمة المزاودات والمناقصات ، حول طاولة الحوار ، يغيب الاعتذار عما أدت إليه سياسات الإسقاط والإقصاء ، وتجاوز الوسائل الديمقراطية في معالجة الخلافات والأزمات . ويجري تجاوز عدد القتلى .. وكيف قتلوا .. ومن المسؤول عن دمائهم . ويغيب رقم الخسائر والتدمير .. وكيف حدثت .. ومن المسؤول عن حدوثها . ما يعني أنه ، إذا عقد مؤتر " جنيف 2 " على هذه الخلفيات ، فإنه سيحمل نذر المزيد من الدماء والتدمير ، أكثر مما يحمل بشائر وضع حد للحرب ، والتوصل إلى خريطة غد أفضل ما بعد الحرب .
لذلك نجد السوريين الغيورين على وطنهم ، غير متحمسين للهرولة الدبلوماسية بين العواصم الراعية لمؤتمر " جنيف 2 " . ويتابعون بقلق كبير ، ما يجري على أرض الواقع من هجمات نارية متبادلة ، ومن تداول كارثي للمواقع والمدن والشوارع . وهذا مرده أولاً ، وجود قوى مسلحة كبير منفلتة من السيطرة ، وقوى سياسية هامة طائفية انقسامية ، تقف ضد أي حوار أو حل سياسي . ومرده ثانياً ، أن الذاهبين إلى " جنيف 2 " بقناعة أو بدونها ، ليسوا راضين عن المقدمات والخلفيات الدولية ، التي تشتغل على عقد المؤتمر كبديل لإسقاط النظام . ومرده ثالثاً ، غياب العمل على المستوى الشعبي لتوضيح أهمية المؤتمر ، لكسر مقولة السلاح هو الحل ، ولفتح المجال لمرحلة جديدة في البحث عن مخرج سياسي للأزمة الكارثية في البلاد . ولو على سبيل طرح مطالب وشعارات سياسية .
وللإسراع في إيجاد حل سياسي ، يوقف تصاعد أرقام لائحة القتلى .. ويوقف توسع التدمير والخسائر ، ولتقديم الاعتذار بشرف للشعب السوري ، عما اقترفته الأطراف المتصارعة إرواء لظمأها للسلطة والثروة يالتحالف والتعاون مع الغرباء .. سواء جرى ذلك في جنيف أو غيرها ، ينبغي أن تتمثل القوى الشعبية والديمقراطية ، التي لم تفسد مطامع السلطة ضمائرها ، ولم تلوث دماء جرائم الجري وراء السلطة يديها ، وأن يسمع صوتها ويحترم في أي حوار أو قرار ، في أي مؤتمر معني بالحل السياسي في سوريا . وألاّ يجري الحوار تحت مؤثرات النارالميدانية ، وأن تسود القناعة النابعة من المسؤولية الوطنية ، بضرورة إنجاح الحوار ، والخروج منه ، بقرار يوقف الحرب والتخلص من الإرهاب ، وبحل ساسي وطني ديمقراطي ، يحافظ على وحدة الوطن أرضاً وشعباً ، ويوفر الطاقات والإرادات المشتركة ، لإعادة بناء ما دمر فوق الأرض السورية .. وأول كل شيء .. إعادة بناء الإنسان السوري .. الشجاع .. الوطني .. المتسامح .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تراتيل سورية .. التحالفات السياسية 2 / 2
-
تراتيل سورية .. التحالفات السياسية 1 / 2
-
يوم للطفل السوري
-
تراتيل سورية .. حرب لا كالحروب
-
تراتيل سورية .. الاختلاف ..
-
المملكة .. وزمن أفول الامبراطوريات
-
عيد السوريين الأكبر
-
سوريا إلى متى .. وإلى أين ؟ ..
-
الأزمة السورية ولعنة أمراء الحرب
-
ابرهيم ماخوس باق .. لم يرحل .
-
اللحظة السياسية داخل وخارج الأسوار السورية
-
عندما تقع الحرب
-
ضد المذبحة الدولية في سوريا
-
مصر والتحديات الإرهابية والتآمرية الدولية
-
ثورة .. أم انقلاب .. أم ماذا ؟ ..
-
أكبر من مؤامرة .. وأكثر من تدخل عسكري خارجي
-
سوريا بين موازين القوى .. وموازين الدم
-
دفاعاً عن ربيع الشعوب العربية
-
الحظر الجوي .. والسيادة الوطنية .. والديمقراطية
-
سوريا بين الانتداب والحرية
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|