أحمد أبوزيد
الحوار المتمدن-العدد: 4289 - 2013 / 11 / 28 - 11:13
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
تفتقد الانتفاضة المصرية منذ قيامها بالخامس و العشرون من يناير 2011 التنظيم الثورى الذى يعبر عن طموحات ملايين المصريين الواقعين تحت دائرة القهر الاجتماعى, فى مواجهة شبكة مصالح قيادات الجيش المصرى وفسادها ورجال الأعمال أصحاب المصلحة فى الانحيازات الاقتصادية للحكومات المصرية المتعاقبة قبل وبعض الانتفاضة ضد الفقراء, والسيطرة الأمريكية على الاقتصاد العالمى وبالتالى على الاقتصاد المصرى وصولا للجماعات الرجعية ورجال أعمالهم مثل جماعة الاخوان المسلمين, و إنها البداهة فى ضرورة أن يكون على رأس واجبات التنظيم الثورى الملحة هدف تنظيم الجماهير المقهورة, عندما تملأ الشوارع بكل عفوية بفعل الحالة الثورية, و لكن هذه القدرة على تنظيم الجماهير مرهونة بالأساس بالوضع التنظيمى له, وقدرته على أن يكون الفعل وليس رد الفعل, وهذه هى الاشكالية الكبرى التى تواجه كافة التنظيمات فى قدرتها على استيعاب عفوية الجماهير و العمل معها وتنظيمها وصولا الى الحزب الثورى. إن سيرورة العمل التنظيمى الذى يختزل نشاطه فى الانتشار وسط الجماهير فى أوقات المد الثورى, تؤدى بالنهاية الى انهاك التنظيم نفسه وتشتته فى حال انتهاء هذا المد, فعملية البناء التنظيمى من أجل الثورة, لا تتعلق بالحالة الثورية التى يعيشها المجتمع فقط, ولا يجب أن تختزل فى ذلك, وان كانت تلك الحالة هى ما استدعت وجوده بالأساس, بل لزاما عليه أن يستثمر هذه الحالة الثورية و يسعى الى بناء قواعده وفقا لمبادئه وضماناً لاستمراريته عندما تنتهى تلك الحالة, واضعا دائما تلك المسافة التى لا تخلط بين الاشتباك مع ما هو متغير وهو الحراك الجماهيرى و ما هو ثابت وهو التنظيم, فمتغيرات الواقع وظروف النضال فى ظل الإنتفاضات الجماهيرية تمر بمراحل ركود, تصبح خلالها الجماهير إما منهكة أو منساقة وراء وعود زائفة من السلطة, فى ظل هذا الواقع الراكد يصبح من الصعوبة التأثير بين أوساط الجماهير بدون وجود تنظيما قويا يملك القدرة على التأثير بينها وتجييشها فى مواجهة سلطة القهر, تنظيما يكون قد استثمر تلك الحالة الثورية لبناء قواعده بدون انهاك نفسه فى عبث المعارك العفوية وإن كانت ذات أهمية أحياناً, مثل الاشتباك مع أجهزة القمع أو الافراط فى التضامن اللحظى مع الاضرابات والاعتصامات, مهملاً وضع اطاراً عاماً وتشكيل جبهات للعمل على جميع تلك القضايا, وهنا يأتى الجدل حول كيفية الاشتباك مع قضايا الجماهير باختلافاتها النوعية فى خضم انتفاضاتها
فى ظل الحالة الثورية التى يمر بها المجتمع, تتكون أو تنشط منظمات جماهيرية تسعى للتغيير واستحقاق مكتسباتها كالنقابات المستقلة للعمال و التعاونيات بأنواعها واللجان الشعبية فى الأحياء والاتحادات الطلابية, و العمل بين أوساط المنظمات الجماهيرية المكونة بفعل الحالة الثورية يطرح علينا اشكالية ما إذا كانت الأولوية ستكون للتنظيم الثورى أو ستكون للعمل وسط تلك المنظمات, والاجابة على تلك الاشكالية ليست بمعزل عن الظرفين الموضوعى والذاتى للتنظيم, فإذا كان لا يزال فى طور التكوين, فوجود حراك ثورى ومنظمات جماهيرية طامحة فى التغيير يستدعى بالضرورة الاشتباك معها والسعى الى كسبها, ولكن لا يجب أن يكون هذا على حساب التنظيم ذاته, بل يفرض عليه السعى الى وضع اطارا عاماً للعمل وسط الأحياء والجامعات والمصانع والريف وصولا الى بناء منظماته الجماهيرية التى بإتحادها تكون نواة الحزب الثورى, ولا يُعوِل على الارتجال فى العمل, فهذا الارتجال فى كيفية الانتشار وسط تلك المنظمات يَؤول بالنهاية الى فقدانه السيطرة على كل شىء
تأتى اشكالية اخرى وهى كيفية بناء تلك المنظمات الجماهيرية, فمن الضرورة إبراز هذا الفارق الغير ملموس لدى الكثيرون أثناء العمل مع الجماهير المقهورة بين كيفية ممارسة العمل التنظيمى بشكل نخبوى يتم استبدال الجماهير فيه بمن ينوب عنهم بالنضال وبين ممارسته انطلاقا من الايمان بتطور وعيهم وقدرتهم على التغيير اذا ما وعوا وجودهم وامكانياتهم, فهذا هو السبيل لاستمرار النضال عندما تتبنى الأغلبية المقهورة الأفكار الثورية و تمتلك أهم وسائل التغيير وهم الوعى والتنظيم, هذا الفارق الجوهرى يفرض علي التنظيم الثورى التدقيق عند تكوين أي شكل من أشكال المنظمات الجماهيرية باختلافاتها النوعية, سواء كانت فلاحية أو عمالية أو سكنية أو طلابية, هذه هى الاشكالية الحقيقية فى تنظيم الجماهير, فتنظيم الجماهير من أجل أن تُساق وراء النخبة ليس عملا ثورياً ولا عملا يحمل قدرات على الاستمرار, ولكن فى نفس الوقت لا تستطيع الجماهير المقهورة وطبقة المستَغلين فى المجتمع أن تنظم نفسها بنفسها فى ظل القهر و الفقر وما ينتج عنهما من ضعف فى القدرات الذاتية والجماعية لتلك الجماهير, هنا يأتى دور التنظيم الثورى فعليه أن يدفع فى تشكيل مثل تلك المنظمات إن كان لا يزال فى طور التكوين, تلك المنظمات التى ستكون الداعم و المكون الرئيسى له وصولا للحزب الثورى, ولكن مثلما تُنتقد الممارسة النخبوية فى العمل بين الجماهير, هناك أيضا على النقيض تماما من يعمل على تكوين حلقات صغيرة من الجماهير الممتعضة من خلال الاشتباك معهم فى قضاياهم النوعية كعمال المصانع وفقراء الريف والمدن , وتظل تلك الحلقات فى طور التكوين نظرا لضعفها الشديد وعدم قدرتها على الاستمرار وحدها, فتوحش الدولة وسلطتها السياسية تكبح أى إرادة للتحرر من قبل مثل هذه المجموعات الصغيرة فهى تفتقد القدرة وحدها على التخطيط أو الانتشار والتحالف مع كيانات شبيهة اخرى
إن العمل الثورى لا يتناقض مع محاولات تكوين منظمات نوعية لقضايا العمال والفلاحين والطلاب وفقراء الريف والمدينة, منظمات لم تستكمل بنائها الثورى المعبر عن طبقة المقهورين بصورة كاملة, ولكنها على قدر كافى من الارتباط بالطبقة المستَغلة من خلال وجود ممثلى تلك الطبقة بها, وإن كان بشكل غير كامل, فالتكوين النخبوى الذى لا يصل الى شىء يشبهه فى الصيرورة ذلك التكوين الذى يفرط فى تكوين حلقات صغيرة جدا بدعوى البعد عند النخبوية ونقائصها, وفى هذا مثالية شديدة, و هو فى النهاية يتحول لعمل نخبوى, فعدم قدرة هذه المجموعات الصغيرة على الحركة يدفع التنظيم لاستبدالها بنفسه و خوض معاركها كبديلا عنها فى كثير من الأوقات. إن التوازن فى طريقة العمل بالمزج بين الطليعة الثورية وان كان بينهم بورجوازيون وبين جماهير الطبقة المقهورة مع الممارسة السليمة التى تدفع باستمرار فى أن يسود الطابع الثورى فى التكوين, هى معيار الحكم و هى ما تدفع الى الأمام بعيدا عن الافراط فى النخبوية أو الأفراط فى تكوين الكيانات النوعية ضئيلة الحجم بدعوى استقلاليتها, تلك الكيانات الصغيرة التى تعبر حقاً عن طبقة المقهورين, ولكنها تصبح غير قادرة وحدها على الاستمرار بطبيعة تكوينها ووضع طبقتها المقهورة الغير قادرة على التعاطى مع تعقيدات المشهد السياسى, و وعى القهر السائد لدى أبناء تلك الطبقة, فالمهام التنسيقية تقع هنا بالأساس على من هم متقدمين من أبناء التنظيم الثورى كانطلاقة لتمكين تلك الكيانات الصغيرة من أن تتطور الى تنظيما ثوريا يملك القدرة والارادة معا وليست الارادة فقط, فخلق الجبهات الشعبية فى الأحياء الفقيرة والتنسيق بينها ودفعها الى تشكيل تحالف نوعى عام, وبالمثل الجبهات العمالية والطلابية و الفلاحية هى السبيل من أجل الوصول لشكل أقوى من التنظيم وأكثر فاعلية فى أوقات المد الثورى, جبهات لا تتسم بالبناء الفوقى و الوهمى والتسرع ولا أيضا بالتباطؤ الشديد والاعتماد على الحلقات ضئيلة الحجم العاجزة عن الفعل وحدها, جبهات تعبر عن الجماهير تعبيرا حقيقيا يكونوا هم قوامها وفاعلوها الأساسيون فى مواجهة تحالف سلطة القهر والتحرر من الاستغلال
ان اشتراك الطليعة الثورية وإن كان بينهم بورجوازيون مع أبناء الطبقة المقهورة فى تكوين جبهات نوعية, عمالية أو فلاحية أو طلابية لا يعنى بالضرورة تحول تلك الجبهات لجبهات نخبوية تستبدل نضال طبقة المقهورين بنضال مجموعة من البورجوازيون, فالمعيار هنا هو الممارسة ومدى الدفع فى أن تسود طبقة المقهورين وتسيطر على تلك الجبهات وليس شيئاً آخر
#أحمد_أبوزيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟