أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حسين محمود التلاوي - وسط البلد من جديد... حكايات المصريين















المزيد.....

وسط البلد من جديد... حكايات المصريين


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 4288 - 2013 / 11 / 27 - 14:45
المحور: سيرة ذاتية
    


لو كانت أحجار وسط البلد في العاصمة المصرية القاهرة تستطيع أن تتكلم، لَرَوَتْ آلاف الحكايات، والتي ربما يصلح بعضها أفلامًا سينمائية تحقق أعلى الإيرادات. فكم من الخطوات شهدتها الأرصفة والطرقات؟ وكم من الكلمات سمعتها الجدران تروي قصص نجاح وإخفاق وأمل وألم وتمنٍ وخوف؟
إنها حكايات المصريين!
أزداد يومًا بعد آخر يقينًا أن لهذه المنطقة سحرًا...
ربما تعويذة ألقاها قديمًا أحد أصحاب المحال لجذب المارة في المنطقة فيتحقق فيها الرواج... ربما دعاء رجل صالح بأن يعم الرز في المنطقة فتتسع أعماله... ربما... ربما... ربما... وتزداد "الربمات" ربما لتفيض عن الأسطر، ولكن تبقى حقيقة سحر وسط البلد قائمة لا جدال فيها.

ختم وسط البلد...!
ربما كان هذا الختم الافتراضي هو الأشهر بين الأختام التي عُرِفَت بها مصر في معاملاتها الحكومية، والتي أكسبتها سمعة عالمية في هذا المجال! فعلًا لا يجد ختم النسر الحكومي الشهير منافسًا له سوى ختم وسط البلد. فما هو هذا الختم؟
يحلو لكثير من المصريين إتمام معاملاتهم في وسط البلد؛ فالمقاهي — بالذات في منطقة الأزبكية — تمثل مركزًا لإتمام الكثير من الصفقات التجارية ذات الوزن الخفيف مثل توزيع دفعة جديدة من الهواتف المحمولة، أو ملابس الموسم الجديد، أو حتى تصريف بضائع مهربة. فعبارة "طيب أقابلك بكرة على قهوة (...)" عبارة معتادة في الكثير من المكالمات الهاتفية التي يجريها أصحاب المحال أو التي تلتقطها أذن المار أثناء تسكعه في شوارع هذه المنطقة الدولة.
وربما تمثل هذه المنطقة أيضًا "مقبرة" للكثير من الحكايات العاطفية. فمثلا هناك مشهد الفتاة التي تقف وقد أحنت رأسها أرضًا فيما استندت بجذعها على مقدمة إحدى السيارات في شارع جانبي، وقد راحت الدموع الصامتة تنساب على وجنتيها، فيما وقف أمامها شاب — يقاربها عمرًا في الغالب — ارتسمت على وجهه علامات عدم التصديق.
هذا المشهد يمثل واحدًا من المشاهد الأكثر تكرارًا في عالم وسط البلد، ولا أحد يستطيع أن يروي ما دار فيه من تفاصيل. لكن الأرصفة تشهد أن "الأمور انتهت" في هذا المكان... في وسط البلد.
لماذا يختار التجار وسط البلد؟! ربما لأنه مركز تجاري وقريب من محالهم؟! ربما. لماذا اختار "العاشقان" وسط البلد؟! ربما لأنه المكان الذي شهد ضحكاتهما ونزهاتهما في أوقات الصفاء والانطلاق وراء الحلم؟ ربما. لكن لماذا اختاراه للتنزه أصلًا؟! هل لأنه وسط البلد؟!
ربما..!

مهد الثورة...؟!
وهناك أيضًا سؤال مهم: لماذا اختاره الشباب مهدًا لثورتهم في يناير (نعم، إنها ثورة شباب بامتياز)؟! في الواقع كان الاختيار الأساسي هو ميدان التحرير، الذي يقع في قلب القاهرة، ويجاور أحد أوسع (قديمًا كانت أوسع وأرقى) المناطق التجارية في العالم العربي، وربما الشرق الأوسط، وهي وسط البلد. لقد شهدت الشوارع المؤدية إلى ميدان التحرير مثل طلعت حرب ومحمد محمود وكذلك ميدان الشهيد عبد المنعم رياض من الزخم الثوري ربما مما يفيض عن قدرة جدران وطرقات هذه الشوارع على الاحتمال.
ولا يزال هذا الزخم الثوري يعبر عن نفسه في جرافيتي على هذا الجدار يمجد أحد الشهداء، أو لافتة تشير إلى ارتقاء إحدى الشهيدات في هذه البقعة. كذلك لا يزال هذا الزخم يظهر بين فترة وأخرى ليؤكد أنه موجود، وإن كان يعيش فترة كمون سوف تنتهي إن عاجلًا أو آجلًا
ولا يزال وسط البلد مستعدًا لاستقبال هذا الزخم. فكم من الحناجر صرخت فيه؟ وكم من الخطوات المذعورة جرت في طرقاته تبغي النجاة بالنفس وكذلك بالمبدأ؟ لا تزال تلك الصرخات يتردد صداها، ولا يزال وقع هذه الخطوات يدوي في الجدران مناديًا بالمزيد.
ولن يتأخر وسط البلد عن تلبية الدعوة.

بين نسمات النيل وقبح السياسة
لست أدري من الذي أقنع النيل بأن يكون على هذه الدرجة من السحر؟! وأية تعويذة سحرية ألقاها الأقدمون علي جعلته يحتفظ بهذا السحر لآلاف السنين؟! إنه السحر السائل المتدفق. ربما لا يكون النيل بهذه الروعة في أعين الكثيرين ممن يرونه قد أصبح مكبًّا للنفايات، ومأوى للكثير من العناصر الخارجة عن القانون في المراكب التي تحملها أمواجه، ولكنني أقفز فوق كل هذه الجزئيات لأمتع ناظريّ بالوحة الكلية الساحرة للنيل، بخاصة في ليل القاهرة.
يمثل النيل ما يمكن تسميته بالحدود المائية الجنوبية لدولة وسط البلد، ولا يجوز — في رأيي — إلى تلك الدولة دون أن يمر بهذا المَعْلم البارز فيها؛ ذلك المَعْلم الذي أراه تجسيدًا واقعيًّا لفكرة النداهة! كيف؟!
عندما أذهب إلى وسط البلد، أشعر وكأن النيل يناديني؛ فأجد نفسي مدفوعًا برغبة خفية إلى الذهاب هناك؛ حيث يهمس القلب بهمومه للموج، فيرد الهمس بمثله، ويتدفق الحوار مثل مياه النيل التي تتدفق منذ الأزل في قلوب المصريين وأرواحهم.
إلا أن السياسة تأبى أن يمضي المشهد دون أن تلوثه برأسها القبيح. لا أحب أن تدخل السياسة في التفاصيل البسيطة للحياة وترفيهها؛ فهي قذرة. فلست أدري في الواقع ما المبرر وراء وقوف سيارة ميكروباص صغيرة فوق كوبري قصر النيل قرب منتصف الليل لتبث بصوت مرتفع أوبريت "تسلم الأيادي"! لا يوجد أدنى مبرر لذلك سوى رغبة وضيعة لدى البعض في إفساد لحظات الصفاء على المصريين، أو ربما إفساد الحياة كلها.
هل براعم تذوق الفرح لدى المصريين تؤلم البعض لهذه الدرجة؟!!
كم من المشكلات يمكن أن يثيرها سماع مثل هذه الأغنية — المبتذلة على مقاييس الفن — بين مرتادي الكوبري؟! ربما تستفز أحد المارة فيلقي بتعليق سخيف، ليتطور الأمر إلى مشاجرة تنتهي بالقبض على "أحد مثيري الشغب من أنصار الرئيس المعزول"!!! كم من المشاعر السلبية يمكن أن تتدفق لتعكر صفو جريان مياه النيل في القلوب والأرواح؟
حقًا أتعاطى السياسة، ولكن لا مجال لها في الأنشطة الترفيهية والترويحية. فما الذي يدفع أحد الرياضيين لرفع "إشارة رابعة" في إحدى المنافسات الرياضية؟! لماذا أوبريت "تسلم الأيادي" فوق كوبري قصر النيل؟!
لا مبرر أجده أمامي سوى الرغبة في "التعكير" لا في التذكير كما يحلو لبغض مؤيدي رفع الشعارات السياسية في الأجواء الترفيهية والترويحية. يقولون إنهم يريدون تذكير الناس، ولكنني في الواقع أراه تعكيرًا لصفو الناس.
بالفعل أراه كذلك.

عن المكان!!
ربما أكثر من الحديث عن وسط البلد، ولكنني بالفعل أغاني معه ما يمكن تسميته بـ"إغواء المكان". أشعر أن هذا المكان يغويني لأرتشف فيه اللحظات والمشاهد واللقطات فتغدو جزءًا من تكويني ومن منظوري.
يؤسفني أن أرى الدبابات تحيط بميدان التحرير لا لشيء سوى الخوف من "الإرهاب"....
يؤسفني أن أرى المحال في وسط البلد تغلق أبوابها خشية المجهول بعد الحادية عشرة ليلًا...
ربما فقد وسط البلد الكثير مما كان فيه من بهاء، بل هو فقد هذا الجزء الكبير بالفعل. لكن ما تبقى به من بهاء يكفي لأن يدفعني إلى الذهاب مرارًا وتكرارًا لأن أنهل من نهر النيل والأضواء والتنوع والاختلاف...
حقًا، ذهب الكثير من البهاء، ولكنه قابل للاستعادة مرة أخرى. ولكن.... حتى لو لم يُسْتَعد، سوف أستمر في الذهاب هناك، فخورًا بأن أحد مكوناتي يحمل عبارة "صُنِعَ في وسط البلد"!!



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى مصر مع التحية... هل عاد المد الثوري؟!
- أبو بلال... التغربية أو ربما الشتات... هل من فارق؟!
- محاكمة مرسي... مرسي فقط؟!
- موشح أيها الساقي... عن التصوف والإبداع وأشياء أخرى!!
- إنهم يفقروننا... فما الخلاص؟!
- شبرا وعبد الباسط وبرج الكنيسة... ومصر...!
- ملاحظات على فكر سان سيمون (3)... المجتمع المثالي
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (4) كيف أخفق رجال ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (3) الطبقة الوسطى. ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (2) كيف حُشِدَ الش ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (1) كيف حُشِدَ الش ...
- ملاحظات على فكر سان سيمون (2)... الدين والطبقة الاجتماعية
- ملاحظات على فكر سان سيمون (1)... التاريخ وتقدم المجتمعات
- مصر... في زمن الإرهاب
- مصر... بين ديكتاتورية اللحية وعسكرة الفساد
- الإنسان إذ يواجه ذاته... وقد ينتصر!
- من الهيمنة إلى الفناء... الثقافة كعامل فناء وإفناء
- الأخلاقية في الفعل السياسي... الحالة المصرية والتشيّؤ!
- تأملات... في حاكم سقراط!!
- سفر الخروج... تأملات لا دينية!!


المزيد.....




- تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
- ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما ...
- الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي ...
- غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال ...
- مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت ...
- بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع ...
- مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا ...
- كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا ...
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في ...
- مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حسين محمود التلاوي - وسط البلد من جديد... حكايات المصريين