|
اتفاق جنيف اتفاق يحتاج إلى الكثير
عباس الجمعة
الحوار المتمدن-العدد: 4287 - 2013 / 11 / 26 - 21:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اتفاق جنيف الذي تحقق وفق الشروط السيادية الإيرانية اتى تكريس لحق إيران في امتلاك الطاقة النووية السلمية وفي مواصلة التخصيب وللاحتفاظ بالوقود النووي الذي أنتجته بامتلاكها للتكنولوجيا النووية ، وهو بكل تأكيد شكل انتصارا لايران وهزيمة للقوى الاستعمارية والصهيونية ، وكل ذلك اتى نتيجة النهج الاستقلالي الذي اتبعته الجمهورية الإسلامية ، وهذا يعطي مزيد من التقدم في طريق الاعتراف بإيران كقوة عظمى صاعدة وتسليم نهائي بمكانتها المتقدمة في المنطقة والعالم والصراع بعد ذلك سوف يستمر بين إيران والقوى الاستعماريه بأشكال جديدة ضمن منطق الحرب الباردة في عالم متعدد الأقطاب وتماما كما حصل في علاقة الغرب بالصين الشعبية بعد الاعتراف بها في مطلع السبعينات من القرن الماضي سوف تكون الحال مع إيران ، التي انتصرت مستندة لحلفائها الصامدين والأقوياء وشركاؤها في مجموعة البريكس بقيادة روسيا والصين . نعم انها معركة عض أصابع، لكن الاتفاق، وبالرغم من كل الضجة التي أحيطت به، هو خطوة في طريق الألف ميل، إذ انه سيكون على الجميع الالتزام به لا لينجح، بل ليبدأ، ففترة الستة أشهر هي فترة تجريبية، وبعدها يكون الاتفاق الحقيقي، والذي بموجبه ترفع العقوبات، وبموجبه يتغير شكل العلاقات. اتفاق جنيف ببساطة يحتاج إلى الكثير ليكسر الجليد ، فالطريق طويل، ومن يظن أن باتفاق وابتسامات ستنتهي القضية فهو مشتبه، ومن يعتقد أن إيران تسلم رقبتها إلى الغرب فهو يحتاج إلى مراجعة حساباته، ومن يظن أن الغرب يثق بأن إيران فعلاً لا تريد سلاحاً نووياً، فالأرجح أنه طيب القلب، ما يحدث اليوم، هو عملية تحويل عداء مطلق إلى نصف عداوة ونصف صداقة، ومجدداً لا بد من دراسة العلاقات الصينية الغربية، وتحديداً الصينية الأميركية، لفهم مآل العلاقة بين إيران والغرب، وتحديداً واشنطن. بيد أن التاريخ يفرض كلمة حق علينا قولها، أن ما بعد جنيف قطعاً ليس كما قبلها. لهذا نرى ان النموذجين الإيراني والصيني يبدو كبيرا بالقياس التاريخي والاستراتيجي مع الاحتفاظ بالفوارق في الخصوصيات والأحجام ولكن واقعيا يمكن النظر إلى صعود القوة الإيرانية ودورها الإقليمي الداعم للقضية الفلسطينية والمقاومة في لبنان وعلاقاتها الاستراتيجية مع سوريا ، حيث لم توفر خلالها الولايات المتحدة والدول الحليفة لها وفي طليعتها الكيان الصهيوني أي وسيلة للنيل من ايران فاستعملت أدوات الحصار والعقوبات المشددة ، وبعد الفشل الذريع للمشاريع الأميركية بخاتمة فاشلة لحقبة الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم ، تمكنت الجمهورية الاسلامية من فرض وجودها كقوة إقليمية بارزة وفاعلة توسع من مساحة تحالفاتها ودورها ، لم تستطع الادارة الامريكية تجاهل تأثير إيران من خلال علاقاتها المباشرة بقوى وحركات سياسية وشعبية مناوئة للهيمنة الأميركية. ومن هنا يمكن القول ان ايران قد تقلدت أوسمة استحقاق لنهجها السياسي من خلال الأخذ في الاعتبار المصلحة الوطنية العليا وأهمية الأمن القومي والمساهمة في الجهود لتحقيق الأمن والسلم الدوليين، الأمر الذي يعبر في الوقت ذاته عن نضج سياسي. يحسب أولا لإيران في مواجهة "الزعرنة" غير المرغوبة ودق طبول الحرب من قبل كيان الاحتلال الصهيوني ومن يتخفى وراء عباءته، ذلك أن هذا الاتفاق المبرم يرسي قواعد عمل جديدة في تسوية الخلافات تسمح لبناته ببناء الثقة المتبادلة وعلى أساس الاحترام المتبادل وتقدير المصالح المشتركة، ويلغي حالة المواجهة وأجواء التوتر التي لا طائل من ورائها سوى هدر الأموال والطاقات والجهود وتعطيل التنمية وتوتير الوضع الدولي. إن الاتفاق شكلا ومضمونا قد أعطى السياسة الإيرانية وسام استحقاقها من حيث قدرتها على الصمود والثبات على المبدأ، وعدم المساومة أو التفريط في المكتسبات وفي المسائل التي تمس الأمن القومي والسيادة الوطنية والمصالح الاقتصادية وتحفظ الأمن المعيشي للإيرانيين، بل إنها في سبيل الحفاظ على سيادتها واستقلال قرارها بعد فترة من المفاوضات اثبت فيها المفاوض الايراني قدرة فائقة على امتصاص الأمواج الغربية العاتية المندفعة بقوة الضغط الصهيوني والسيطرة الصهيونية على مفاصل صنع القرار الغربي، وبالتالي فرضت ذاتها وأجبرت الخصوم على احترامها والجلوس معها على طاولة واحدة، بل بدا الخصوم هم المحتاجين أكثر من طهران إلى التوصل إلى اتفاق معها. لا شك ان هذا الاتفاق ممكن ان يبدل وجه "الشرق الأوسط الكبير"، إذا اجتاز الطرفان امتحان الأشهر الستة، لذلك أثارت المفاوضات موجات من الغبار المصحوب بالغضب، وخاصة كيان العدو الصهيوني، وبعض العرب ، ولكن هذا الاتفاق ممكن ان يغير ملفات كثيرة وخاصة ملف القضية الفلسطينية وملف الازمة السورية ، وخاصة ان جعبة الساحر الايراني لا تخلو من المفاجآت. وامام كل ذلك نرى ان اتفاق جنيف سيكون له تاثيرات مباشرة على القضية الفلسطينية،ولهذا يجب على الجميع أن تستفيد من تلك التطورات لصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، والعمل من اجل وقف المفاوضات المستمرة منذ أكثر من عشرين عاماً،والتي تستغلها حكومة الإحتلال الصهيوني من اجل فرض حقائق ووقائع جديدة، والاسراع بنقل ملف القضية الفلسطينية الى الأمم المتحدة من أجل تطبيق قرارتها بشأن القضية الفلسطينية، واستكمال عضوية دولة فلسطين في الهيئات الدولية. إن نجاح الجمهورية الإسلامية الإيرانية في انتزاع الاعتراف بحقها في امتلاك التكنولوجيا النووية واستخدامها السلمي يؤكد أن الولايات المتحدة وحلفائها لا يعترفون إلا بالأقوياء، ولن يتراجعوا إلا أمام الإرادات الصلبة وقوة الثبات على المبدأ، وأن الاتفاق سيفتح الطريق مجددًا أمام التعاون والتبادل الاقتصاديين بين إيران والعالم، وكذلك كسر العزلة التي حاول الخصوم فرضها عليها. ختاما : يبقى القول إن السياسة الإيرانية رغم أجواء الاختلاف والاتفاق معها، فإن طهران نجحت في تقديم نفسها كقوة مؤثرة في المنطقة، ونالت شهادة الاستحقاق بذلك، وهو نجاح لم يأت من فراغ، وإنما كرست مواردها المادية والبشرية في التقدم العلمي والصناعي لكي تحافظ على قرارها المستقل وسيادتها، في حين ارتهن آخرون في المنطقة للأجنبي وسلموه كل اوراقهم. كاتب سياسي
#عباس_الجمعة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القضية الفلسطينية وانتظار الحلول
-
قطار الخلاص يتطلب القضاء على الوباء الإرهابي التكفيري
-
طلعت يعقوب كرّس جلّ حياته للنضال من أجل شعبه
-
قراءة الواقع يحتم علينا النظر الى المتغيرات في المنطقة
-
السيمينار اليساري العربي والدور المطلوب..
-
عيد الاضحى يدق على فلسطين الأبواب ومشهد في الذاكرة
-
عملية اكيلي لاورو والعمل الثوري المفقود
-
مخيمات الشتات وفلسطيني سوريا
-
انتفاضة الأقصى أثبتت أنها الطريق والخيار الوحيد لتحرير الارض
...
-
المفاوضات ومسار الوضع في المنطقة
-
مجزرة صبرا وشاتيلا جرح شعب ما زال يجمع أشلاءه
-
الإعلام بين إدارة الأزمات وصناعتها ودور قناة الجزيرة
-
العدوان على سوريا سيكون هزيمة للامريكي ومشاريعه
-
ضاحية المقاومة والصمود استمعت جيدا الى سماحة السيد حسن نصر ا
...
-
المفاوضات مسار تنازلي او مسار انتصار
-
القرار الاوروبي ضد الجناح العسكري لحزب الله ليس وليد الصدفة
-
جولة كيري والمفاوضات ومن المستفيد
-
انتصار تموز شكل منصة لصياغة التوازنات الجديدة
-
ضياع الحق العربي في فلسطين مسؤولية من؟
-
على ماذا تراهنون
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|