عن العدد الأسي: قصة عالم رياضيات وشاب طموح

إبراهيم منصوري

الحوار المتمدن-العدد: 4286 - 2013 / 11 / 26 - 16:39
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

يحكى أن عالم الرياضيات السويسري المعروف "ليونارد أولير" (Leonhard Euler) والمزداد سنة 1707 بمدينة "بال" السويسرية والمتوفى عام 1783 بمدينة سانت بيترسبورغ الروسية (أو مدينة لينينغراد في فترة الاتحاد السوفياتي)، كان معزوما ذات مساء للعشاء في بيت إحدى قريباته. طرق الرجل باب المنزل وكان أعمى فأذن له بالدخول فروفق نحو الصالون الرئيسي يخطو متثاقلا. سأل عالم الرياضيات قريبته عن أحوالها فشرعت تشكو من ضعف ابنها اليافع "جوناتان" في تعلم الرياضيات. دعا "أولير" الشاب اليافع للجلوس وسأله عن أحواله فاستطرد قائلا: "آه يا عالم الرياضيات! سامحني إن قلت لك إني لا أحب الرياضيات وأكره أستاذي في الرياضيات حتى النخاع!".

استغرب "أولير" هذه العبارات الساخطة قبل أن يسأل: "لماذا تكره الرياضيات وأستاذ الرياضيات يا جوناتان، وأنت معروف بذكائك وفطنتك منذ صغرك؟ أليست الرياضيات مفتاحا للتقدم والرقي؟ أليس أستاذ الرياضيات جديرا بالاحترام كسائر الأساتذة الآخرين؟". قال "جوناتان" معقبا: "تبّاً للرياضيات وأهل الرياضيات! لقد دكوا عقولنا دكا برموزهم وطلاسمهم وصيغهم الخيالية ومعادلاتهم الجهنمية وأتعبونا بكثير من الحشو والشحن حتى سئمنا أهل الرياضيات ومن تبعهم إلى يوم الدين".

تساءل "أولير" مندهشا: "ياله من سخط على الرياضيات وأهل الرياضيات! ألا تفهمون ما يلقن لكم؟ ألا تفهمون أهمية الرياضيات في الحياة؟ أوصل النظام التربوي إلى هذا المستوى من الانحطاط حتى يتبرم منه شبابنا الأغر وهو أساس مستقبل الأمة؟". رد "جوناتان" بكثير من الحسرة: "آه يا عالم! لقد وصلت الوقاحة بأستاذنا المحترم أن حاول حشو عقولنا الصغيرة بعدد جديد اختار له من الأسماء "العدد e" مضيفا أن قيمة ذلك العدد هي (2,71828…) وأنه قاعدة هامة للوغاريتم النيبيري؛ ولما سألناه عن أصل وفصل هذا العدد، أردف قائلا إنه عدد مختار عشوائيا ولا يهم أصله ولا فصله في شيء!".

حاول "أولير" دفع تلميذه إلى نسيان تبرمه وتدمره من أستاذه وطريقة تعليمه للرياضيات فتوجه إليه قائلا: "تخيل يا بني أنك عثرت على كنز عظيم بقيمة "X" فنزل عليك المال مدرارا، وقررت أن تودع هذا المال كله في بنك. تخيل يا بني أن البنك اقترح عليك معدل فائدة سنوي قدره 100 في المائة، فكم سيكون المبلغ الإجمالي الذي ستحصل عليه بعد عام بما في ذلك الفوائد؟".

أجاب "جوناتان" بسرعة: "بالطبع سأحصل على (2X)، أي أن المبلغ سيتضاعف". بعد التهنئة على الجواب السريع، طرح "أولير" السؤال الموالي: "لنفرض يا بني أنك أعملت عقلك ولم تطلقه في إجازات طويلة جدا فاقترحت على مدير البنك إيداع مالك لأسدسين كاملين مع استعمال طريقة الفوائد المركبة، فكيف ستكون النتيجة؟".

أخذ "جوناتان" ورقة وقلما ثم كتب: "في حالة الأسدس، سيكون معدل الفائدة نصف سنوي، أي أنه سيساوي 50 في المائة. وبما أن الفوائد مركبة، أي أن الفوائد تولد الفوائد، فإن المبلغ الذي سأحصل عليه بعد أسدسين كاملين، أي بعد عام، هو X(1+1/2)^2، أي 2,25X، مما يعني أن المبلغ الأصلي لوديعتي (X) سيتضاعف أكثر".

قرأ "جوناتان" محتوى الورقة على "أولير" الأعمى فرد عليه هذا الأخير:"أحسنت يا جوناتان، يالك من تلميذ نجيب!". بعد ذلك أردف "جوناتان" معقبا بذكاء: "أما في حالة فصول السنة الأربعة يا عالم الرياضيات، فسيكون المبلغ الإجمالي هو X(1+1/4)^4، أي ما يناهز 2,4414X، مما يشير إلى أن وديعتي ستتضاعف أكثر فأكثر".

أدرك "أولير" أن الشاب اليافع بدأ يفهم بسرعة فعالجه بملاحظة شيطانية: "جزيء الزمن كما تريد يا بني: فصول، أشهر، أسابيع، أيام، ساعات، دقائق، ثواني، أجزاء من الثانية، الخ... فسينمو مبلغك المالي أكثر فأكثر، ففي حالة الشهور مثلا، نعرف أن المبلغ الإجمالي سيكون هو X(1+1/12)^12، أي ما يقارب 2,613X؛ ثم، ثم، ثم...يا بني، وفي الأخير...".

فقد "جوناتان" تركيزه المعهود فرد بكل تلقائية: "وفي الأخير، سأجزئ الزمن إلى أجزاء وأجزاء أجزاء الثانية وسينمو رأسمالي يا عالمي الجليل، حتى يصل إلى النجوم!". ضحك "أولير" حتى ظهرت نواجده واستلقى على ظهره ثم عقب قائلا: "لا يا بني، بل لن يتضاعف رأسمالك في أحسن الأحوال بأكثر من "e" مرة، أي أنه لن يتضاعف أكثر مما يقارب (2,71828…)، وهذا هو العدد الجذري المعروف بالعدد الأسي. إنه بكل بساطة يا بني، نهائية الكمية "(1 + معكوس n ) أس n " عندما تؤول n إلى اللانهائي".

أردف "جوناتان" معقبا وتقاسيم وجهه توحي بأنه فهم الدرس جيدا: "الآن فهمت أيها العالم الجليل؛ ولكن، ألست أنت الذي أطلقت اسم ‘e’ على هذا العدد العجيب لأن اسمك يبدأ بالحرف ‘e’؟ ". رد "أولير" مبتسما: "أنا أول من أطلق على هذا العدد اسم ‘e’؛ ولكن، ألا تلاحظ يا جوناتان أن العدد الأسي ‘exponentiel’ يبدأ أيضا بالحرف ‘e’؟".

وفي الأخير، طلب "جوناتان" الكلمة فقال: "أشكرك جزيل الشكر يا عالم، فبهذا الشرح المستفيض أخرجتني من الظلمات إلى النور وعلمتني كيف أعمل عقلي وأتجنب حشوه بما لا يسمن ولا يغني من جهل، وسأحاول إلقاء عرض في الموضوع في فصلي إذا قبل بذلك أستاذي المحترم". ختم "أولير" الحوار مضيفا: "في المرة القادمة يا جوناتان، سنناقش سويا لماذا نعتبر دالة اللوغاريتم النيبيري أو الطبيعي، أي دالة اللوغاريتم ذي الأساس ‘e’، دالة أصلية للدالة المعكوسة "1-^x".

#إبراهيم_منصوري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات