|
الإخوان وأردوغان والأزهر
رياض حسن محرم
الحوار المتمدن-العدد: 4286 - 2013 / 11 / 25 - 21:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
السبب الرئيسى لترحيب المصريين بطرد السفير التركى هو تطاول أردوغان على شيخ الأزهر والذى ترك أثرا شديد السوء على جميع المصريين بما فى ذلك المسيحيين والعلمانيين الذين يعتبرون الأزهر هوممثل الإتجاه الوسطى فى مواجهة موجات التطرف، ورغم أن العثمانيون لم يدخلوا فى صراع مباشر مع الأزهر تاريخيا مثلما فعل "جمال باشا السفاح" فى سوريا الاّ أنهم إتخذوا مواقف تعنتية ضد مشايخ الأزهر الذين إعترضوا على سياساتهم مثل عزلهم للشيخ أحمد العروسى وذلك لإعتراضه على إساءة الوالى العثمانى "أحمد أغا" لأهالى الحسينية، كما عانى الازهر من الجمود الدينى والتخلف العلمى طوال فترة الإحتلال العثمانى لما يقرب من 6 قرون وشهد نفى كثير من علمائه الى الأستانة وسرقة العديد من الكتب الدينية الأزهرية، ونذكر هنا موقف الأزهر من المذابح التركية للأرمن فى بيان أصدره شيخ الأزهر "عبد الوهاب البشرى" فى 1909 حينما أدان بشدة قتل 30 ألف من الأرمن فى مدينة "أضنه" أكبر مدن الإمبراطورية العثمانية. لقد وقف الأزهر كذلك حصنا منيعا ضد محاولات تتريك اللغة العربية واحتضن كثير من علماء المسلمين طوال تاريخه وسمح لهم بالتدريس فى قاعاته وحول أعمدة المسجد العريق من أبرزهم القاضى العادل العز بن عبد السلام وابن خلدون وأبو حامد الغزالى الهارب من بطش السلطة العباسية وغيرهم الكثيرين، وفى العصر الحديث وبعد أن تمكن محمد على من حكم مصر بضغط من مشايخ الأزهر على الخليفة العثمانى فقد أصر على أن يتولى مشيخة الازهر عالم دين مستنير هو الشيخ "حسن العطار" الذى لعب دورا كبيرا فى تحديث وتطوير الازهر وهو الذى رشّح رفاعة الطهطاوى ليكون إماما للبعثة الأولى الى فرنسا، وبعدها بسنوات يصل الى مقعد الإمام الأكبر علامة أخرى وقامة شامخة هو الشيخ محمد عبده . منذ نشأة تنظيم الاخوان المسلمين عام 1928 وصراعهم ضد الأزهر لم يتوقف ودار صراعهم معه حول مسألتين رئيستين هما لمن المرجعية الدينية؟ ومسألة الخلافة والدولة الدينية، وحاولو طويلا السيطرة على الأزهر من خلال زرع بعض تلاميذهم ليدرسوا العلوم الأزهرية ولم ينبغ منهم الاّ مجموعة قليلة أشهرها الشيوخ محمد الغزالى وأحمد حسن الباقورى وسيد سابق وجميعهم إنضموا لاحقا لمكتب إرشاد الجماعة، وقد حاول البنا وخلفاؤه أن يظهرون إحتراما شكليا للأزهر كى يمنح الجماعة نوعا من المشروعية والتقرب من الشعب المصرى الذى يحمل احتراما كبيرا للجامع الشريف، وإن كانت علاقة البنا بالازهر إنتقائية حسب مدى قرب أو بعد الجالس على كرسى المشيخة من أفكاره، ويذكر فى هذا الصدد الاحتفال الكبير الذى أقامه الاخوان بمناسبة تولى الشيخ "مرتضى المراغى" منصب شيخ الازهر لتلقى خلال هذا الحفل قصائد المديح والتقريظ للشيخ الجديد، وجاء الرد سريعا بإستضافة حسن البنا خطيبا على منبر الأزهر، ولكن الإخوان كانوا دائما يوجهون سهامهم السامة الى الأزهر بذريعة أنه يلعب دور المحلل للأنظمة الإستبدادية دائما. إحتدم الصراع بين الإخوان والأزهر خلال الثلاث عقود الأخيرة خاصة فى عهدى الشيخان محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر السابق والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الحالى وذلك بالرغم من التباين الكبير بين الرجلين، ولا ينسى الإخوان أن الشيخ الطيب كان رئيسا لجامعة الأزهر عام 2008 حينما نظّم شباب الإخوان مظاهرة شبه عسكرية بجامعة الازهر، حينها أبدى الرجل إعتراضه الشديد على ذلك وإعتبره عملا مجرّما لا يجب السكوت عليه، وقد حاولوا الكيد له بمجرد وصولهم للسلطة فى حفل الحلف باليمين فى جامعة القاهرة حيث تمت محاولة إهانته بروتوكوليا بعدم جلوسه فى الصف الأول بينما تم شغل هذا الصف بقيادات إخوانية ليست لهم صفة رسمية كالكتاتنى وغيره، ثم كانت محاولات إحداث شغب طلابى ضد الشيخ باعتباره مسئولا عن حالات إشتباه التسمم الغذائى فى المدن الجامعية، وهجوم طلاب الإخوان على مبنى المشيخة ومطالبتهم بإقصاء شيخ الازهر، ومزيدا فى المكايدة قام مرسى بنفسه بزيارة الطلبة المصابين من الاخوان فى المستشفى. لقد تسلل عدد متنامى من الأساتذة داخل جامعة الأزهر منهم عبد الرحمن عبد البر مفتى الجماعة وعضو مكتب الارشاد كأستاذ للحديث بالجامعة وعدد آخر على رأسهم الدكتور محمد عمارة وعلى لبن وسيد عسكر وآخرين، وقاموا بتأسيس العديد من الأسر الطلابية تعمل على تقديم الخدمات للطلاب المغتربين منها على سبيل المثال أسرة "جيل النصر المنشود" والتى إتخذت إسم عنوان كتاب للشيخ يوسف القرضاوى الاخوانى، وتم تأسيسها عام 1993 بعضوية تزيد على 2000 طالب إخوانى، وأسرة "التيار الإسلامى" وغيرها مما مكنّهم من السيطرة تقريبا على الإتحادات الطلابية بجامعة الأزهر مستغلين الفقر النسبى لطلاب هذه الجامعة وعوزهم المادى وإستثمار الخلفية الدينية البسيطة لهؤلاء الطلاب. كما لجأت جماعة الاخوان المسلمين الى إسلوب آخر لإستقطاب الطلاب المتفوقين من خلال تعيينهم بمراكز أبحاث مقربة من الجماعة بهدف ضمان ولاؤهم وتوسيع انتشار الجماعة داخل هيئة التدريس كما قاموا بتأسيس ما يعرف ب"النقابة المستقلة للدعاة" كوسيلة لسيطرتهم على خريجى الأزهر وتسويق أفكارهم فى المساجد التابعة لوزارة الأوقاف، ومن هنا كان إصرارهم فى دستور 2012 الإخوانى على إدراج الأزهر كمرجعية للقوانين وذلك تمهيدا للإستيلاء النهائى عليه. فى محاولة للشيخ الطيب للتصدى لتغلغل الإخوان والسلفيين على الأزهر الشريف أعلن فى 2011 "أن عقيدة الأزهر الشريف هى عقيدة الأزهرى والماتريدى وفقه الأئمة الأربعة وتصوف الامام الجنيد، وان السلفيين الجدد هم خوارج العصر"، وحذّر من وجود مخطط لإختطاف الفكر والمنهج الوسطى للأزهر الذى حافظ عليه لأكثر من 1000 عام، وكان على رأس السلفيين بالازهر الدكتور "طلعت عفيفى" عميد كلية الدعوة ووزير الأوقاف السابق والذى ساهم بشكل ملحوظ فى نشر الفكر السلفى بالازهر، وتدور الآن معارك يومية شرسة داخل أروقة الجامعات الأزهرية بين طلاب الإخوان " وهم قلة عالية الصوت" وبين الطلاب الذين يريدون إستمرار الدراسة وتلقى العلم فى هدوء، ويستمر طلاب الإخوان فى تصعيدهم بألفاظ نابية ضد شيخ الأزهر لإنحيازه لمطالب ثورة 30 يناير ومشاركته مع بابا الأقباط فى اجتماع 3 يوليو الذى تمخض عنه عزل مرسى وإعلان خارطة المستقبل. من الجانب الآخر البعيد على ضفة الدردنيل يأتى موقف لا يختلف عن الصوت الاخوانى من السيد "رجب طيب أردوغان" رئيس وزراء تركيا والذى أعلن عداؤه لثورة 30 يونيو منذ اليوم الأول، والداعم الرئيسى للتنظيم الدولى للإخوان المسلمين صابا حقده وغليله على شيخ الأزهر، ناعتا إياه بالملعون، وقد نقلت صحيفة "زمان" التركية عن أردوغان قوله " إنه شعر بالإحباط حينما رأى شيخ الأزهر يؤيد الانقلاب العسكرى فى مصر"، وتساءل "كيف يمكنك القيام بذلك؟"، مضيفا "إن ذلك قد إنتهى من العالم، إن التاريخ سيلعن الرجال أمثاله كما لعن رجال أشباهه فى تركيا من قبل"، ويدل ضراوة هذا الهجوم وغباؤه معا الى مقدار الإحساس بالهزيمة لفقده مشروعه لإعادة أمجاد الخلافة العثمانية كما أوضحها وزير خارجيته فى كتابه " العثمانيون الجدد" متخذا من سيطرة الإخوان وحلفائهم من تيارات الإسلام السياسى على السلطة فى البلدان العربية وتكوين ما يعرف بالولايات الإسلامية تحت سيطرة النظام التركى بغطاء من حلف الناتو والعلاقات التاريخية مع إسرائيل والتى إعترفت بها تركيا بعد قيامها مباشرة وظلت على إرتباط وثيق بها رغم إختلاف الأنظمة المتتابعة.
#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مساهمة فى تجديد الفكر الماركسى – 2
-
مساهمة فى تجديد الفكر الماركسى
-
علاقة الإنقلاب الثورى بالجيوش الوطنية
-
الإرهاب فى سوريا يعيد تلميع وجه الأسد
-
محمد عبد السلام فرج..مهندس تنظيم الجهاد
-
أيمن الظواهرى ومصر التى فى خاطره
-
على نويجى .. الحكيم الذى لم أعرفه كثيرا
-
مصر والسيناريو الجزائرى ..هل تتكرر العشرية السوداء فى مصر؟
-
اليسار المصرى ..الوحدة ولا سبيل آخر
-
الإختلاط..أقصر طريق للفضيلة
-
بين الولىّ الفقيه ومرشد الإخوان
-
القضية الوطنية فى مصر الحديثة
-
كوم أمبو .. مستوطنة صهيونية على أرض مصر
-
الدكتور خالد مساعد ..مؤسس أول تنظيم جهادى فى سيناء
-
جين شارب .. الإمبريالية فى أحدث أشكالها
-
المرشد السرى
-
الإخوان والعنف .. صراع وجود
-
السلفية الجهادية فى سيناء
-
إشكالية المادة الثانية
-
متلازمة الإخوان -Ekhwan Syndrome-
المزيد.....
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
-
ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير
...
-
المجلس المركزي لليهود في ألمانيا يوجه رسالة تحذير إلى 103 من
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|