|
ماركس..ومفهوم البروليتاريا(1-3)
ماجد الشمري
الحوار المتمدن-العدد: 4286 - 2013 / 11 / 25 - 17:05
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
لم يبدأ ماركس نشاطه الفكري والسياسي،شيوعيا ثوريا صرفا،هكذا،وفجأة!.فوصوله لتلك القناعات،استغرقت مدى زمنيا،واحتاجت لتراكم،وتحول،وتطور فكري،وارتقاء في الوعي،من خلال :القراءة العميقة والمكثفة،والهضم والتمثل،ومعايشة الواقع،وانعكاساته على صفحة العقل المنفتح والنقدي،للتزود بالمعرفة،والنقد للظواهر الاجتماعية من:سياسة واقتصاد وتاريخ..الخ.وهذا الامر هو طبيعي،ويشمل كل المفكرين ماديين ومثاليين ،مع التفاوت بينهم والاختلاف في الوعي المطابق للواقع والوعي الزائف.لقد كانت رحلة ماركس الفلسفية والنظرية،وممارساته السياسية العملية،خاضعة لصيرورة من التحول والتطور المتدرج كما ونوعا.ففي مراهقته،وبداية شبابه،كان متعلقا بالادب،وهاويا للكتابة،في مجال الشعر والرواية،فقد كان رومانسيا حالما،مع نزعة للرفض والتمرد.ومن الناحية السياسية كان متأثرا جدا بوالده،الذي تخلى عن دينه مضطرا،من اجل البقاء في ترير،ومزاولة مهنته كمحامي،بسبب التشريعات البروسية الظالمة والمعادية للسامية.اي كان كوالده،ليبراليا علمانيا،ومعاديا للاستبداد البروسي الملكي المطلق.وكانت تربطه بوالده علاقة حميمة جدا،فكرية وعاطفية متبادلة.درس ماركس القانون في جامعة بون لفصل واحد،ثم تحول الى جامعة برلين الجادة والاكثر اكاديمية.واسوة بكثير من طلاب تلك الجامعة،كان توجهه الفلسفي هيجيليا مثاليا-الفلسفة التي عشقها اكثر من اي شيء اخر-وانضم الى لمجموعة"الهيجيليين اليساريين"او الشباب،بزعامة الفيلسوف الالماني فيورباخ،واستاذه الشاب برونو باور.ورغم اثر هيجل على تطوره الفكري،الا انه اتخذ موقفا سياسيا يساريا،بأتجاه الديمقراطية الثورية،ونبذ دراسة الحقوق بالضد من رغبة والده.واستمر بقراءة هيجل وفيورباخ،وكان يحلم ويتطلع ليكون استاذا للفلسفة،مثل معلمه"برونو باور".الا انه غير رأيه،عندما طرد فيورباخ من التدريس،لالحاده وموقفه المناويء للحكم البروسي والكنيسة.واستقال ايضا برونو باور من عمادة الجامعة.اتجه ماركس للعمل في الصحافة-تلك المهنة التي سيزاولها طيلة حياته-عمل في صحيفة"الراينش تسايتونغ"الليبرالية،واندفع في الكتابة السياسية ناقدا ومحرضا على الثورة.اصطدم ماركس بفلسفة هيجل،المحافظة والرجعية،في جانبها السياسي،وتناقضها بين:اطروحاتها المثالية الميتافيزيقية،والواقع الفعلي المادي للعلاقات الاجتماعية.اخذ ماركس المنهج الجدلي من فلسفة هيجل المقلوبة على رأسها،ووظفه في نقد المجتمع والسياسة والدين.اما مفهوم البروليتاريا لديه،فلم يكن في بدايته واضحا ودقيقا،وحتى مجهولا.فقد اتخذ فهمه للبروليتاريا بعدا وسياقا متعرجا،ولكن متصاعدا،ليصل في النهاية الى المفهوم الطبقي العلمي الكامل لتحديد البروليتاريا،اجتماعيا واقتصاديا،كطبقة اجتماعية رئيسية،تصارع البرجوازية من اجل تحررها.فماركس في شبابه لم يعتنق اي عقيدة ،او يتبنى اي نظرية اشتراكية او ثورية،وحتى قبل بدئه بدراسة الاقتصاد السياسي،عندما اقترب من الحركة العمالية.لذا يمكن التساؤل،ونحن نرى اهمية هذه المعتقدات والدراسات في كتاباته،عن السبب الذي قاده لان يجعل من قضية البروليتاريا،قضيته المركزية بالذات؟.انه من الضروري ان نتابع الوقائع التي سبقت نشره"مدخل الى نقد فلسفة الحق عند هيجل"في عام1844،وبتسلسلها التاريخي،لنتمكن من الفهم.فبعد استقالة صديقه برونو باور من الجامعة كعميد،تخلى ماركس عن مشروعه في الحصول على وظيفة اكاديمية،ومن ثمة ترك العمل الصحفي في الراينش تسايتونغ،ليعتزل في كروزناخ عام1842،وشرع في تكوين نفسه،كمؤرخ نظري لتاريخ الثورات،بالدراسة الجادة والمكثفة،لتاريخ الثورات الانكليزية والفرنسية،وقراءته العميقة للاشتراكيات الطوباوية المتنوعة،وروادها،مثل:"سان سيمون"و"شارل فورييه"وغيرهم،وليكتشف تحليلا اوليا لتركز رأس المال،وافقار البروليتاريا،ويبدأبقراءة الاقتصاد السياسي:"لسمث،وفيرغسون،وريكاردو،وكنباي"وغيرهم،واكتشافه لمصطلحي:القيمة الفضلى،والقيمة المضافة،لدى" سيسموندي".وتوصل الى فكرة :ان الاقتصاد هو اساس كل العلوم الاجتماعية،ولا يفلت منه ومن قوانين المادية اي شيء.الا ان تلك الدراسات،وهذا الانهماك الموسوعي،لم تظهر تحمسا او اهتماما او ارهاصا لديه،بالقضية العمالية،وبهذا الشكل السافر فيمابعد!.الا انه ثمة وثيقة،هي التي شكلت قطيعته مع تاريخه الليبرالي،وماضيه الديمقراطي البرجوازي،او تخليه عن وهمه السابق والمطلق بالديمقراطية الليبرالية.تلك الوثيقة هي البحث او المقال الذي كتبه حول المسألة اليهودية،والتي استلهمها من قراءته لبحثين،كتبهما برونو باور،حول التحرر السياسي لليهود،وبالرغم من ان نصه ذاك،لاصلة له لابالاشتراكية،ولا بالبروليتاريا.الا اننا نلمس توجهه الجديد،والطاريء لديه،وكأنه انبثاق مفاجيء!.فقد اكد في بحثه في المسألة اليهودية،على ان:الدين ما هو الا انعكاس مشوه للظروف الاجتماعية لبني الانسان(ان الدين هو تأوه المخلوق المضطهد،ومشاعر عالم بلا روح،انه افيون الشعب ).فبرونو باور في بحثه عن التحرر السياسي لليهود،كان اصلاحيا،ولم يكن يهدف الا لاثارة اليهود الالمان لقضية تحررهم،ولم يدعو سوى لاصلاحات في النظام القانوني وحريات اليهود الدينية،والتي يجب ان تقوم بها الدولة البروسية.اما ماركس في"المسألة اليهودية"فعلى العكس،فلم تكن دراسته نظرية لموضوع اليهود،بل كانت هجوما ضاريا،واتهاما واضحا،للآفتين الاساسيتين امام تحرر الانسانية وهما:الدولة،والمال،والقاعدة القانونية لهما،وهي:حق الملكية.ذلك النقد لم يكن يتضمن شيئا من" العلمية"مع انه ناتج عن تحليل مركز لفلسفة هيجل السياسية،والتي واضب عليها ماركس في كروزناخ،وحملها معه الى باريس.ما الذي دفع ماركس لهذه الكراهية العاطفية،لا الفكرية،للدولة والمال؟هي على الاغلب،وان لم تكن السبب الوحيد،هو:تجربته الحياتية المرة،ومعركته مع الاستبداد البروسي المطلق،ووضعه كمنفي،ومنبوذ،ومهمش من المجتمع الرسمي.ترك ماركس مخطوطه ضد الهيجلية غير مكتملا،فقد كان ينوي النضال النظري والعملي على صعيد عام وشامل:نقد السياسة والاقتصاد السياسي،-وهو عنوان كتاب كان عازما على تأليفه-وبناء تنظيم سياسي يشرع في النشاط ضد البرجوازية.فماركس كرجل حزب،حارب بلا هوادة اثناء حياته،تلك الاشكال الثلاثة التي عاصرها،لظاهرة استبدادية الدولة وطغيانها،وهي:الرجعية البروسية،والقيصرية،والبونابرتية.لذلك نجده يهاجم عبادة المال عن طريق تطوير نظريته في الرأسمال-الكتاب الذي كان قرره،واختار فكرته بعد عشرين عاما!والذي نشهد فيه ظهور القوة الاجتماعية الضد،والمطالبة بأستئصال عاهتي المجتمع الانساني،والتي هاجمها منذ عام1844.هذه القوة،هي:البروليتاريا،ضد الدولة وضد رأس المال.ان فكرة القوة الاجتماعية المكلفة بمهمتها التحريرية،هي في تصوره،تسبق المفهوم السسيولوجي للطبقة العاملة،كما رسمها وحددها في كتابه العمدة"رأس المال"والمرتبط دون انفصام الى كل نظام الانتاج الرأسمالي،وبنفس الدرجة من الارتباط،مفهوم البرجوازية،غير انها لاتخلو من تلك المسحة الاخلاقية لمفهوم البروليتاريا،اي فكرة :المهمة البروليتارية التي رصدها ماركس قبل دراساته الاقتصادية،والتي ستتبين بجلاء في كتابه الارأس"رأس المال"،وستوضح بدون فكرة مسبقة"القانون الافتصادي لحركة المجتمع المعاصر".والسؤال الذي طرحه ماركس على نفسه هنا هو:كيف يمكن لهذا القانون ان يتطابق مع فكرة الطبقة التي تقيم"دعوتها التاريخية"على الغاء اسلوب الانتاج الرأسمالي،والطبقات الاجتماعية نفسها؟.وهو سؤال يعبر عن مشروعية اكثر من الاكتفاء بأنشاء نظرية اجتماعية،والقيام بنقد الموسسات البرجوازية عن بعد!.وقد استجاب ماركس للسؤال،وتفرغ بأندفاع وحماس،للنشاط والممارسة السياسي لدرجة انه وصل في تحمل مسؤولياته كرئيسا لحزب....................................................ز ............................................................................................... يتبع.. وعلى الاخاء نلتقي............ز
#ماجد_الشمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الماركسيون..واشكالية الموقف من الطقوس وحضور ذاكرة التاريخ ال
...
-
هزل(انهيار الرأسمالية)السفيه!!-تأملات في الليبرالية الجديدة(
...
-
هزل(انهيار الرأسمالية)السفيه!!-تأملات في الليبرالية الجديدة(
...
-
هزل(انهيار الرأسمالية)السفيه!!-تأملات في الليبرالية الجديدة(
...
-
لينين-تروتسكي...العلاقة والخلاف/الارشيف الملعون!!!(الاخير)
-
لينين-تروتسكي...العلاقة والخلاف/الارشيف الملعون!!!(17)
-
لينين-تروتسكي...العلاقة والخلاف/الارشيف الملعون!!!(16)
-
لينين-تروتسكي...العلاقة والخلاف/ الارشيف الملعون!!!(15)
-
فؤاد النمري/ حوار الدم...مطاردة الساحرات!!!
-
لينين-تروتسكي ...العلاقة والخلاف/ الارشيف الملعون!!!(14)
-
لينين-تروتسكي...العلاقة والخلاف/ الارشيف الملعون!!!(13)
-
لينين-تروتسكي...العلاقة والخلاف/ الارشيف الملعون!!!(12)
-
لينين-تروتسكي...العلاقة والخلاف/ الارشيف الملعون!!!(11)
-
كرنفال الديالكتيك،وصياح الديك!!!
-
لينين-تروتسكي...العلاقة والخلاف/ الارشيف الملعون!!!(10)
-
لينين-تروتسكي...العلاقة والخلاف/ الارشيف الملعون!!!(9)
-
لينين-تروتسكي...العلاقة والخلاف/الارشيف الملعون!!!(8)
-
لينين-تروتسكي...العلاقة والخلاف/الارشيف الملعون!!!(7)
-
لينين-تروتسكي...العلاقة والخلاف/الارشيف الملعون!!!(6)
-
لينين-تروتسكي...العلاقة والخلاف/ الارشيف الملعون!!!(5)
المزيد.....
-
النهج الديمقراطي العمالي يدين الهجوم على النضالات العمالية و
...
-
الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب تدين التصعيد ا
...
-
-الحلم الجورجي-: حوالي 30% من المتظاهرين جنسياتهم أجنبية
-
تايمز: رقم قياسي للمهاجرين إلى بريطانيا منذ تولي حزب العمال
...
-
المغرب يحذر من تكرار حوادث التسمم والوفاة من تعاطي -كحول الف
...
-
أردوغان: سنتخذ خطوات لمنع حزب العمال من استغلال تطورات سوريا
...
-
لم تستثن -سمك الفقراء-.. موجة غلاء غير مسبوقة لأسعار الأسماك
...
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
المزيد.....
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|