|
دراكولا الإعلام العربي
هدى سليم المحيثاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4286 - 2013 / 11 / 25 - 03:31
المحور:
الصحافة والاعلام
كونتيسة الدم، لقبُ اليزابيث باثوري بعد أن قامت بقتل وتقطيع ستمائة جسد فتاة بريئة. سيدة مجرية ذات أصولٍ نبيلة، وجدت في نفسها شهوة للفتيات، فأخذت تلهو مع الخادمات الصغيرات وبعد أن تمارس معهن الجنس تقوم بتعذيبهن وتمزيق لحمهن وفي النهاية ذبحهن .وكان يساعدها في التعذيب والتقاط الفتيات من الريف خادمها الأعرج وسيدة سوداوية اسمها آنا دارفوليا. وكانت الكونتيسه تستمتع بتجويع الفتيات أسبوعاً كاملاً ثم غرز الدبابيس في الشفتين وتحت الأظافر وحرق مناطقهن الخاصة، وبعدها قتلهن والاستحمام في حمامٍ من دمائهن. ظناً أنه سيحفظ لها نظارة جلدها وسيعيد لها شبابها المتآكل ... لم يكن القتل هو جريمتها الوحيدة، وإنما التلذذ بضحيتها بعد قتلها وخلق طقوسٍ وأساليب جديدة لتزيد المتعة في جرائمها . لم يتوان التلفزيون السوري عن تجرع كؤوس دماء اليافعين رغبةً بإعادة شبابه المتآكل، حتى اعتاده غذاءً أو وصفةً سحرية يُعيد به صباه بعد إنحناء ظهره . مازلنا إلى الآن أمام حيرةٍ من عرضه مجموعة من اليافعين وقد تنوعت التهم الملصقة بهم، ابتداءً من حمزة الخطيب والقصاص منه بعد ارتكابه لجرائم لطالما ارتكبها من هم أكثر قدرةً منه وعلى مرآى من المحكمة العادلة، دون أن يُنظر بأمر هؤلاء. ومؤخراً وليس آخراً فاجأنا التلفزيون نفسه بتهمٍ ليست على مقاس المتهمين ,من أميرة لجبهة لا تتخذ من النساء أكثر من مجرد سبايا. ثم يأتي سوء الحظ وبراءة الوجه حليفا طفلةٍ بامتياز لينصبها التلفزيون أميرةً لنوع آخر من الجهاد. ورغم كل مايثير الاستغراب والتعجب إلا أن التلفزيون السوري سار بنا بعيداً حتى وجدنا أنفسنا أمام أصغر إرهابيٍ في العالم ...استطاع فعل مايعجز عنه عشرة رجالٍ مجتمعين. مجموعة من عصارة الثوابت الإنسانية حاول الإعلام عبثاً تسخيرها لضخ الحياة في عروقه من جديد من خلال هذه فيديوهات كان الأطفال صانعو فيلمها. ولم تكن النتيجة سوى المزيد من الضحايا والكثير من إشارات الاستفهام ,وصورةٍ جديدة لدراكولا يمكن وصفها ... بـ (دراكولا المؤسسات). لم تخلُ مؤسسةٌ في سوريا من نظامٍ يعتاش على دماء من يخضعون له، ليحيا الدراكولا الأكبر فيه، حتى بتنا في منظومةٍ دراكولية هرمية توصلنا في نهاية المطاف إلى الدراكولا الأكبر، حتى المؤسسة الأكبر من مؤسسات الدولة والعمود الفقري لبقية المؤسسات لم يخلُ نظامها من نظامٍ دراكولي، يتخذ من الأطفال وقوداً ليخلًد الأب بعد موته، ويولد أب آخر في فترة شهرٍ واحد وبنفس الصفات المجيدة . إذا عدنا إلى موضوعنا وهو الإعلام فعلينا أن نسأل، من ينتقي الأطفال لهذا الإعلام ؟! وهل فعلاً تنسج هكذا حالة لإقناع من هم مصدقين أصلاً طهارة الإعلام السوري ؟! عمل التلفزيون السوري خلال مسيرته على تفنيد كل طاقاته لإقناع الجمهور بما يراه حتى ولو كانت نصائح طبية، لا تعطي نتيجة أكثر مما تعطيه (خمسة نصائح لتجعلي حياتك أجمل ). فهل أخطأ الآن في مثل هذه المرحلة باختيار الروايات التي تقدم وجهة نظره وتبرز حقيقة الطرف المقابل ؟! . إذا أردنا تشريح استديو التلفزيون السوري فسوف نرى أن بطله هو الطفل نفسه وليس القصة بحد ذاتها. فهو لايحتار باختيار التهمة ولكنه يصر أن تكون ضحيته بريئةً ونقية لتعلق في الذهن وتُنسى قضيتها، أو تبقى في أطار الإجرام بحقوق الأطفال الذي قد يحشد آلاف الآراء والمواقف من أفرادٍ ومنظماتٍ تندد وتدين حقوق هؤلاء الضحايا وتطالب بالقصاص من مرتكبيها. إلى جانب الضحايا ظهر في الإعلام الرسمي أطفالٌ مجرمين وليس هم الضحايا. هل يريد أن يقول لنا أن العنف ينتقل لنا بالوراثة ؟! ويحذر بأن البيئة السورية باتت تربةً صالحة لولادة العنف وليس فقط لممارسته ؟ إن كان كذلك، فالتلفزيون السوري لايصنع حملةً دفاعية هدفها تبرئة نفسه ليس إلا، بل إنه يؤسس ماضٍ لمستقبلٍ يُخشى أن تكبر فيه النفس الدراكولية لتصبح بحاجة لجرعةٍ أكبر من الدماء. عندها لن يتعب في انتقاء ضحاياه، فهو قد صور لنا الجيل القادم جيلاً مجرماً تغذى على العدوان ولا يرسم مستقبله إلا بالعدوان. هذا الإعلام هو فرد في أسرة كبيرة. والعدوان من وجهة نظرٍ سيكولوجيةٍ ينتقل بالعدوى أو حتى بالوراثة، فليس من المستغرب أن يسير أحد هؤلاء الأخوة على نفس الخطا، وكل ذلك إن لم يكن لإطالة عمره فمن الممكن أن يقيه بعض التجاعيد لفترةٍ معينة . انتهى التاريخ من الكونتيسة، ولم تحمها دماء 600 ضحية من الفناء. أرادت أن تكون أجمل وأصغر رغم أنها لم تستطع أن ترى أحداً، ولا أحد رآها سوى خادمتها وخادمها الأعرج . لا تفكروا في دراكولا، بل فكروا بالسيدة السوداوية خادمها الأعرج ...
#هدى_سليم_المحيثاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دفاعاً عن الأسد دفاعاً عن طوطم
-
وفائي ليلا ..نعم ,بالشعر وحده يحيا الإنسان
-
الشعب السوري بين عنوسة النظام واغتراب النعارضة
المزيد.....
-
وسائل إعلام إسرائيلية تتحدث عن تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار
...
-
مصر.. بيان لهيئة السكك الحديد تنفي معلومات متداولة بشأن حادث
...
-
فوائد اللوز للقلب والأوعية الدموية
-
-بينها استهداف معسكر في الجولان لأول مرة-.. -حزب الله- ينفذ
...
-
منظمة دنماركية: الأسلحة المتفجرة تهدد سكان غزة لفترة طويلة ب
...
-
منظمة دانماركية تحذر من خطر داهم يهدد سكان غزة بعد الحرب
-
-وعد بوقف الدعم لأوكرانيا-.. يميني مغمور يفجّر مفاجأة في انت
...
-
مصادر توضح لـCNN سبب زيارة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط إلى
...
-
البنتاغون يرفض الكشف عن موعد تسليم شحنات الألغام المضادة للأ
...
-
مصادر لبنانية: بايدن وماكرون بصدد إعلان اتفاق هدنة بين حزب ا
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|