أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - صلاح حسن رفو - اوراق من المهجر 14















المزيد.....

اوراق من المهجر 14


صلاح حسن رفو
(Salah)


الحوار المتمدن-العدد: 4285 - 2013 / 11 / 24 - 12:25
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    



" اخويه بالسويد "...!

"اخويه بالسويد "...عبارة رددتُها كأي عراقي يحب التباهي بشيء ليس له فيه نصيب ، فالعبارة كانت جواز عبور للبدء بمسك زمام الحديث مع الاصدقاء والصديقات الجدد في الدراسة ، ورغم ان الاخر يعرف بأن " الاخ " لم يغادر البلد كمترفٍ او كـنابغ دراسي بل غادرها هارباً لاجئاً الى اية بقعة تغفوا فيه جفونه بأمان ، لكن المحصلة انه تخلصَ من القلق والخوف الذي يساور الجميع في هذا المكان ،وبعد وداعي للوطن وتركي حق التباهي لغيري ان اراد ، زارني اخي من السويد مؤخراً ومن بين الكلام ذكرني هو بتقرير تلفزيوني عرضه تلفزيون العراق بعد حرب الخليج الثانية سنة 1991 والذي كان يتحدث عن مرض جديد على مداركنا انذاك هو عبارة عن مجموعة اضطرابات نفسية يعانيها الجنود البريطانيين بعد مغادرتهم الى بلادهم بعد الحرب بالرغم من خرجوهم منها منتصرين وبسهولة على الجيش العراقي في حربٍ غير متكافئة ، المرض المسمى "اضطرابات ما بعد الصدمة " والذي يـُعرف بالاعراض التي يعانيها المريض كرد فعل عنيف لحادث مروع كحالات الدهس او الحروق او الحروب الطاحنة ، ولـلمرض تفاصيل كثيرة والذي كان محور حديثي مع اخي الذي يعمل في دوائر الهجرة السويدية ووصف لي الاعداد الهائلة من العراقيين والافغان والبوسنيين واخرين الذين عاشوا الحروب وهم يخضعون للعلاج النفسي بسبب هذه الحالة والتي من اهم اثارها الاكتئاب والقلق والغضب والشعور بالذنب في بعض الاحيان ، ويتلخص المرض في حالات ثلاثة هو الشعور بالتيقظ الدائم وتجنب مواقف ومناطق معينة تذكر المريض بذكريات اليمة وعودة الكوابيس بحصول التجربة مرة اخرى ، اطال اخي في الوصف والحالات الى ان ارهقني لأخبره بأنه ليس من الضروري ان تكون كل الحالات منطقية ومدروسة بالوصف الذي تقوله ، بل انني اجد مبالغة في حجم المرض ، الا ان اخي كان مصراً بأننا جميعا كعراقيين مصابين وبدرجات متفاوتة بهذا المرض ، والمهاجرين كلهم بحاجة الى اطباء نفسيين لكن الخجل والكبرياء يمنعانهم من المراجعة ! ،غادرتُ اخي ساخراً الى غرفتي لأخبره بموعد نومي الا ان كلماته كانت ترن في اذني ، فأنا اعلم علم اليقين بأني في معظم الليالي انهض واظن نفسي مازلت في وسط تلك المعمعة ، الاف الصور ومئات المواقف تطاردني كل ليلة ، ارى مرة اخرى شاحنة تركية حديثة محترقة والدخان الاسود ينبعث منها :
_ ليس هناك حاجة لتوقفك ... فالوضع مربك ...ارجو ان تستمر في السياقة ، ليس هناك داعي للتوقف .

_ فقط سنسأل عن الحادثة وسبب احتراقها...، السلامة عليكم ياشباب : ماهذه الشاحنة المحترقة (النيران تندلع منه بعد ).

_ انها شاحنة تركية ،اوقفها " المجاهدين " واحرقوها، وكما ترى الناس تسرق المواد التي كانت تحملها.

_ وماذا حدث للسائق ، هل احترق هو الاخر؟!.

_ لا... لا... المجاهدين اخرجوه من السيارة .

_ ( السائق متفائلا ) الحمدلله .

_ لكن بعد ذلك قاموا بنحره .!

_ ( بتشائم لم تستطيع عيناه اخفاه ) ...الله يرحمه .

التفتُ الى السائق العجوز بعد تخبط واضح : هل شُبعَ فضولك الان ؟!...فلنتحرك الان بسرعة .

يطلق السائق منبه سيارته بعصبية مفرطة قائلا للناس التي تحتشد شيء فشيء في وسط الشارع : اعطونا طريقا لنعبر بالسيارة ... (طيططططط )... آلم تروا في حياتكم سيارة محترقة ؟!.
بجزع وخوف لا ارادي تبكي الفتاة التي معنا في المقاعد الخلفية ، صديقتها المحجبة تُخرج كوفية من حقيبتها تلفها على راس صديقتها بسرعة البرق ، الاولى تحاول السيطرة على دموع الثانية ،السائق العجوز يقاطع خوفهنَ : ابنتي لا داعي لبكائكِ ، وهل انتِ " تركية " لتخافي !...انتم معي بأمان ، ثقوا انتم معي بأماااان!.

قد اكون تمددت على الجنب الخاطىء كالعادة لذا فتتكرر الصور لدي ، لكن مع مرور الدقائق اتيقن انني لو نمتُ على الجانب الايمن لا يختلف الوضع كثيرا عن نومي على الجانب الايسر:
_اين كنت يارجل ...لقد كنت بانتظارك...لماذا تاخرت؟ اني انتظرك منذ اكثر من نصف ساعة في المكتبة ، هل قمت بحل اسئلة انتقال الحرارة ؟ لاني لم اتمكن من ذلك ليلة امس.
_اعطني فرصة لأرتاح ، انا منهار تماما ، اريد ان اجلس ، جد لي مكان اجلس فيه ، اريدا ماءا ... رجاءا لا تذهب بعيدا ، انا خائف ياصديقي
_اقلقتني عليك ، ما هذا الارتباك ، وجهك مصفر للغاية ، هل حدث انفجار وانت في طريقك لـلكلية ؟!.
_ شبان ٌ مراهقين ..بل اقـُسم لك كانوا اطفال ، نعم اطفال رايتهم الان وهم يضحكون في ساحة اليرموك.
_ماذا بهم الاطفال ؟!...انت تخيفني حقا.
_ كل طفل يحمل بيده راساً مقطوعاً عن الجسد كأنهُ لعبة في يده .. والبعض حمل راسين...والبعض كان يدحرجه كالكرة ويضحكون ويصرخون : " اليوم الباجة ببلاش " ... "اليوم الباجة ببلاش " كانت اشارة الى الرؤوس المقطوعة ، بالتاكيد هذه الرؤوس لها اجساد ...لها اصحاب ...لها ام واب ينتظرها ...انا خائف ، فلنخرج من هنا ...فلنخرج من الكلية ،ثم يستدرك بعد تنهد ونفس عميق...ولكن الى اين نذهب؟ ...،لا.. لا... اعتقد ان نبقى هنا افضل.
اضطر مرة اخرى لان استلقي على الظهر وانظر الى سقف الغرفة محاولاً الاسترخاء لعلي اغفو ، لكنني اسمع من جديد اصوات بساطيل الجنود الامريكان تكسر هدوء المكان ويآمروننا نحن ساكني الطابق الرابع بان نخرج الى الممر الطويل و ندير ظهورنا لهم وان نلتصق بالحائط وايادينا مرفوعة الى الاعلى ، جميعنا طلبة ولا نملك سوى محاضراتنا التي نقرائها ليوم الامتحان غدا ،غير مسموح لأحد الحديث او حتى الاستفسار ...اية همسة تأتي بعدها ركلة قوية وكلمة " اخرس " ، اسمع صوت صندوق حديدي يسحل، اعرف انه الصندوق الثقيل لمحاضرات ازاد ...كل خوفي ان نسحل مثله ، صوت انكسار الزجاج وبعثرة ماء...انها زجاجة الزيتون التي جلبها برزان اول امس ...كل خوفي ان يكسر عظم احدنا مثلها ، بسمان وحسن ينصبان عرقا من الحر اوالخوف ....اتامل لنفسي اجد نفسي كحالهما...سعيد كان قد اكل بصلا ورائحة فمه تزعجني ، فنحن متكاتفان ببعضنا البعض مع الحائط ، متيقن سأسامحه لو تخلصنا من هذا الموقف رغم كرهي الشديد لرائحة البصل ، بكر كان اكثر الخاسرين ، فهو اول من رائهم واول من استفسر واول من ضربَ بشدة واول من وقف في الطابور مقابلا للحائط ، بعض الاصدقاء كانوا محظوظين فـأسامة ونجم وبشار امتحنوا اليوم وتواجدوا في الكلية في وقت نحن كنا معلقين بين الف خيط وخيط ، اكثر من ربع ساعة مرت دون حركة او همسة ولم نسمع صوتا من الطرف الاخر الى ان نطق احد الاصدقاء : هل غادروا المكان ياترى ؟!...لا احد منا رد عليه.....مرت دقائق عصيبة لنلتفت ولم نرى سوى بعثرة كل مستلزماتنا الدراسية ،اسم اسامة (وهو احد الطلبة الموجودين في نفس الطابق ) المكتوب بالانكليزية بالصبغ البخاخ في ممر الحائط اغاض الجنود في لحظة المداهمة بعد تفجير احدى سياراتهم من مرصد عالي ظنوا انها قد تكون من بنايتنا (كما ادركنا فيما بعد ) .
الصور لا تتوانى في الظهور واحدة تلو الاخرى ،زجاج مهشم لمحل حلاقة ودماء على الارض تسيل ورقعة صغيرة مكتوبة : " نعتذر عن حلاقة الحفر او السكسوكة او الحف اوالخيط ".!، اوراق على كل جدران الجامعة لم يتجرا احد في ازالتها الا المطر، مكتوب فيها باختصار : انذار اخير لمن يلبس بناطيل الجينز " الكاوبوي " الامريكية... فالقصاص جاهز ، اقراص لعمليات قطع الرؤوس تباع على الارصفة و شاشة التلفاز تعرض للمارة معظم العمليات والويل لمن يبدي حتى امتعاضه من الحالة ، جثة مجهولة الهوية مرمية قبل مدخل المدينة ،يقول "سائقي الخط " انها لمنحوسٍ جاء من خارج البلاد لينام مع الحوريات في الجنة فأصبح من نصيب الغربان كما ترون ، وصور اخرى واخرى وكل هذا ومازلت اكابر بان (الاضطرابات ما بعد الصدمة ) ماهي الا زوبعة في فناجين اخصائيي الحالات النفسية .
اكملت فكرة المقالة وبعثتها لأحد الاصدقاء في داخل الوطن لأخذ بملاحظاته قبل النشر ، فكان رده مختصرا بعبارة : دعنا نخرج في البدء من الصدمة وسنعالج الاضطرابات فيما بعد كيفما شاءات !.


Post-Traumatic Stress Disorder (PTSD)اضطراب ما بعد الصدمة


صلاح حسن رفو



#صلاح_حسن_رفو (هاشتاغ)       Salah#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اوراق من المهجر 13
- اوراق من المهجر 12
- حكايات من كري عزير


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - صلاح حسن رفو - اوراق من المهجر 14