|
الخلافة وولاية الفقيه
منعم زيدان صويص
الحوار المتمدن-العدد: 4282 - 2013 / 11 / 21 - 23:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قبل أيام إن التوتر بين الشيعة والسنة ربما يشكّل التهديد الأكثر خطورة للأمن الدولي، ودعا ظريف في تصريح خاص ل (BBC) "كل الأطراف" إلى تناسي خلافاتها حيال سوريا من أجل الوقوف في وجه الطائفية، وقال: "إن الطائفية في العالم الإسلامي تشكل تهديدا لنا جميعا" و"إن الصراع الطائفي يمكن أن يلحق أضرارا بكل دولنا."
يجدر بظريف قبل أن يدلي بتصريحات كهذه أن يسأل نفسه: من كان المسؤول الأول عن بدء النزاعات الطائفية في المنطقة؟ أليس هو الإمام الخميني الذي صفق له العالم العربي والإسلامي أكثر مما صفق له الشعب الإيراني؟ لقد كان تأسيس الحكم الثيوقراطي في إيران سبب نشوب الحرب العراقية الإيرانية والمصائب والكوارث التي تلتها. لم يكن صدام حسين يفكر بمحاربة النظام الإيراني لولا أن الخميني بدأ بتصدير ثورتة الطائفية للعراق على شكل تفجيرات داخل الجامعات العراقية. عندما عاد الخميني منتصرا إلى إيران من منفاه في باريس عام 1979 بعث له الرئيس صدام حسين ببرقية تهنئة يعبّر فيها عن أمله في أن تبدأ علاقة صداقة وتعاون بين البلدين، ولكن جواب الخميني كان مُعاديا ومُهينا لصدام، واختتمه بالقول: والسلام على من إتبع الهدى، وهي جملة لا تقال إلا للأعداء ولغير المسلمين. و قال مستشار الخميني آنذاك موسى الموسوي بأن الخميني قال له بعد قراءة الرسالة بأن صدام خائف لان هناك نسبة كبيرة من الشعب العراقي سيؤيده، أي الخميني، حالما ينادي بإسقاط النظام العراقي باعتباره عاش في العراق ثلاث عشرة سنه. وما إن تاسست الجمهورية الإسلامية الشيعية حتى بدأ عملاء وجواسيس إيران بإثارة القلاقل في العراق وتنفيذ التفجيرات في الجامعات العراقية، واستمرت وتصاعدت لغة التهديد والإحتقار للنظام العراقي في الإعلام الإيراني.
لقد بدا واضحا أن الخميني كان مزمعا على تصدير ثورته ومبدأ ولاية الفقية إلى العراق ودول خليجية أخرى، وهذا المبدأ يقابل مطالبة الإخوان المسلمين السنة بإحياء الخلافة. ومبدأ إحياء الخلافة، على عِلاته، أكثر تقدمية من مبدأ ولاية الفقيه لأن بإمكان الخليفة أن يكون مسلما عاديا وليس إماما أو رجل دين، فقلما كان بين الخلفاء الأمويين أو العباسيين أو العثمانيين رجال دين أو فقهاء بل كان معظمهم سياسيين مستنيرين وعلماء ومجددين. ونتيجة لتصميم الخميني على تصدير الثورة، انتشر الرعب في دول الخليج ولم يبق هناك مفرّ من إعلان الحرب على إيران، ولكن بالنيابة، لأن أحدا لا يملك ترسانة الأسلحة الضرورية لذلك إللا العراق. فقد أوعز زعماء الخليج لصدام حسين أن يفعل ذلك وأعطوه الضوء الأخضر، بتأييد من الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية، لأنها كانت تعلم أن حربا كهذه ستنتهي بإضعاف إيران والعراق معا، وعندما انتهت الحرب التي إستغرقت ثماني سنوات كان العراق منهكا، و تخلّت عنه دول الخليج وبدأت تطالبه بالأموال التي إقترضها أثناء حربه مع إيران، وخفّضت هذه الدول سعر النفط وغمرت به الأسواق لكي تتراجع واردات العراق من العملة الصعبة، ومن هنا رفع صدام حسين شعاره المعروف "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق،" وبدأت قصة غزو العراق للكويت التي كانت فخ نُصب لصدام حسين، بعد أن قالت له السفيرة الأمريكية أبريل غلاسبي: "إن ما يحدث بينك وبين جيرانك هي أمور خاصة بكم."
صحيح أن الدولة السعودية بقيادة عبد العزيز كانت دولة دينية، طبقت أفكار محمد بن عبد الوهاب السلفية، ولكن حكام السعودية لم يحاولوا أن ينشروأ مبادئهم خارج بلادهم كما حاول نظام الخميني، الذي ذهب إلى حد "التبشير" بالتشيع فى مصر وغيرها من البلاد العربية، ونتج عن ذلك غضب وكره شعبي للشيعة . صحيح أن السعودية إنضمت إلى الولايات المتحدة في دعم الثوار الأفغان ضد الإحتلال السوفيتي، وضخت حوالى 19 مليون دولار في هذا الجهد المعادي للشيوعية، ولكنها لم تحاول أن تصدّر الوهابية إلى أفغانستان. والسعوديون في الحقيقة لم يحاولوا أن يتدخلوا في الشؤون السياسية لأية دولة واكتفوا دائما بالدعوة إلى الأسلام وتوزيع نسخ من القرآن الكريم في العالم الإسلامي، وأحيانا كانوا يشترطون على بعض الحكومات الإسلامية فتح مدارس دينية أو تخصيص برامج دينية عامة على محطات الأذاعة والتلفزيون مقابل مساعدات إقتصادية. أما إيران فقد صدّرت ثورتها إلى لبنان عندما خلقت كيانا شيعيا أصبح دولة داخل دولة، ويلعب الآن دورا مهما في إطالة حكم بشار الأسد، وخلق الأسس التي أدت للحرب الطائفية الحالية في سوريا. لقد خلق وجود حزب الله في سوريا وحربه إلى جانب النظام السوري إنقساما دينيا وسياسيا حادا في الشرق الأوسط.
وقبل أن تبدأ الحرب في سوريا، حقق حكم ولاية الفقيه ودويلته في جنوب لبنان شعبية كبيرة بين الفلسطينيين والشعوب العربية بعد أن تبنى قضية فلسطين ورفع شعار "إزالة أسرائيل من الخارطة،" ولكن هذه االشعارات لم تخدم قضية فلسطين بل جمدتها، وهي الآن مهدده بالتصفية، فلا أحد يسمع إستغاثات الفلسطينيين لأن العرب مشغولين بنزاعاتهم والعالم أجمع يخصص كل جهده لحماية إسرائيل من "تهديدات" إيران وحزب الله وللسيطرة على البرنامج النووي الإيراني. والغريب أن بعض المثقفين والمحللين السياسيين العرب لا يزالون يستعملون اللغة الخشبية ذاتها ويعتقدون أن كل ما تريده إيرن وحزب الله هو محاربة إسرائيل، مع أن الحقيقة هي أن البرنامج النووي الإيراني يهدف لسيطرة إيران على الخليج كقوة إقليمية كبرى. وعندما شعرت إيران أن شعبيتها قد خفتت نتيجة لضلوعها في الحرب السورية ولمفاوضاتها الحالية حول برنامجها النووي وخضوعها للغرب، خرج المرشد خامينيئي ليصرح بأن "إيران لن تحيد قيد أنملة عن حقوقها النووية" وسمى إسرائيل "الكلب المسعور في المنطقة."
وقد بلغ خوف السعودية من إيران حدا كبيرا حتى أنها إتجهت لتأييد الثورة على النظام السوري، حليف إيران، ودعم الثوار بالمال والسلاح، فلأول مرة في تاريخها تتدخل السعودية بفعالية في شؤون دولة أخرى. لم تؤيد السعودية أي من الإنتفاضات العربيه الأخرى، ولم تؤيد الإخوان في مصر أو في إي مكان آخر، بل على العكس أيدت حكم العسكر. هذا التناقض في سياسة السعوديه يدل على أنها لا تؤيد حكم الدين ولا الإسلام السياسي في البلدان العربية ولا تويد تصدير الوهابية، وإنما تؤيد مقاومة أي شيء يمت بصلة إلى إيران والشيعة. برهان آخر على الخوف من إيران والمذهب الشيعي، هو أن السعودية سارعت في نشر قوى درع الخليج في البحرين ذات الأغلبية الشيعية لحماية النظام من السقوط. وكلنا رأينا كيف تصرفت السعودية بعصبية تجاه الولايات المتحدة عندما حصلت الإتصالات بين الأخيرة وإيران.
لولا ظهور الخمينية في إيران لما قامت الحرب العراقية الإيرانية، ولما إنتشرت النزاعات الطائفية في العراق، ولما أُسس حزب الله في جنوب لبنان، ولما ثار الشيعة في البحرين، ولما حصل الذي يحصل الآن في سوريا والعراق، ولتجنب العرب الإنهيار الحالي الذي يستحيل إيقافه. إن من مصلحة إيران وحزب الله أن ينسوا الطائفية لأنهم لن يستطيعوا التغلب على السنة، وكما قال القرضاوي، الذي يرفع لواء السنة في الحرب الطائفية الحالية: "إن 100 مليون شيعي لا يستطيعون أن ينتصروا على 1700 مليون سني."
#منعم_زيدان_صويص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإبحار إلى الهلاك
-
عصْرُ البرابرة
-
الضجّة حول البرنامج النووي الإيراني جَمّدتْ قضية فلسطين لمصل
...
-
-الجزيرة- الأمريكية
-
الإقتراح الروسي طوق نجاة للإدارة الأمريكية وللنظام السوري
-
دروس الربيع العربي
-
الجزيرة تُخضِع سياسات قطر للبحث والتمحيص !!
-
التغيير في قطر وحُكْمُ العجائز
-
هل حسّن التقدم العلمي وثورة المعلومات والإتصالات الحديثة من
...
-
هل سيتقرر مصير حزب الله في الحرب السورية؟
-
الجمود ومقاومة التغيير وغياب المرونة أهم أسباب الفشل في حل ا
...
-
أين وصل الإسلام السياسي؟
-
كيف إستُخدمت قضية فلسطين أداة لفرقة العرب
-
المصالحة الحقيقية الحلّ الوحيد لسوريا والعراق
-
يا أسود يا أبيض
-
من الغزو اللغوي إلى الغزو الثقافي
-
أوقفوا تسليح المعارضة السورية
-
هل قَتلُ الإرهابيين يقضي على الإرهاب؟
-
هل بإمكاننا أن نكون أقل تشاؤما؟
-
من قتل محمد سعيد البوطي؟
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|