صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1221 - 2005 / 6 / 7 - 10:12
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
تقاس الديمقراطية, بمختلف نظمها, بدرجة مشاركة الشعب في اتخاذ القرار السياسي, فهي ليست حالة محددة نصل اليها او لانصل, بل تبنى تدريجيا وتنمو كأي كائن حي. وكأي كائن حي ايضا, فهي معرضة للمرض والموت, خاصة في مرحلة الولادة. لذا توجب حماية هذا الرضيع الذي يولد اليوم في ظروف عسيرة موبوءة.
لاتوجد بالطبع اية قواعد, تضمن سلامة الدستور اوسلامة الديمقراطية التي يحميها. لكن القواعد الصحيحة يمكن ان تعرقل التامر عليهما وتساعد على عبور فترة الرضاعة الخطرة, وهذه اقتراحاتي بصدد ذلك:
(الاقتراحات ليست مأخوذة او مشتقة من اي دستور ولا توجد في نظام حكم اي بلد حسب علمي, لذا تحتمل الخطأ والحاجة الى دراسة تفصيلية لايجاد الصيغة الانسب للاستفادة من فكرتها, واكون ممنونا لمن يساعد على نقدها وتطويرها وتنقيتها من الاخطاء او تبيان بطلانها اساسا ( [email protected] ))
1- لايسمح بتعيين او انتخاب الرئيس او رئيس الوزراء لاكثر من دورتين متتاليتين, حتى ان كانت الانتخابات برلمانية. وقد يبدوا هذا الاقتراح غريبا, ففي مثل هذا النظام, يمكن عادة ان يبقى رئيس الحكومة مادام حزبه يفوز باصوات تؤهله للاستمرار. لكن السلطة تجد دائما طريقها للتأثير على ممارسة الناس لديمقراطيتها. ان بلادا فيها 25 مليون انسان لن تعجز عن ايجاد بديل جديد لرئاسة الحكومة والبلاد وباكثر بكثير مما يحتاج النظام. ان اي اتجاه لتكرار فكرة "القائد الضرورة", يجب ان يثير القلق والشك.
2- لايبقى وزير الدفاع والداخلية, واي ذي منصب امني اوعسكري عال, في مكانه اكثر من دورة انتخابية واحدة. من الممكن المحاججة ضد ذلك بخسارة الخبرة المتراكمة, وهي محاججة صحيحة, لكن تلك الخسارة تبقى اقل بكثير من الخسائر المدمرة التي يسببها بقاء اشخاص محددين في مراكز السلطة لفترة طويلة, تتيح لهم نسج العلاقات والتآمر على البلاد.
3- لايسمح لرئيس الحكومة او الرئيس او ذو اي منصب امني او عسكري هام التقاء الاجانب بشكل منفرد, بل يصاحبه دائما فرد او اكثر من لجنة برلمانية منتخبة, ومتغيرة, وينتخب هذا المرافق من اعضاء تلك اللجنة بالاقتراع في كل مرة. كذلك يفهم كل ذي منصب خطير بأن من واجبه تقديم تقرير (الى لجنة منتخبة من قبل البرلمان, ومتغيرة هي الاخرى) عن جميع الاشخاص الذين يلتقيهم او يتصل بهم وما دار خلال الاتصال. لايجب اعتبار هذا الاجراء اهانة لصاحب المنصب, ويجب ان يتفهم دواعيه ويحترمها مسبقا. ان تجارب الشعوب المتأخرة خاصة, اثبتت ان اشد ما يتهددها هو الجهاز الذي تبنيه لحمايتها, وما عودة الشعوب الى استلام مقدراتها بنفسها من خلال الديمقراطية الا برهانا ساطعا على فشل تسليمها الثقة والسلطة لاشخاص محددين للقيادة بلا مراقبة. لايفترض ان نخجل من تعبيرنا عن عدم ثقتنا برئيس وزرائنا وهو يسافر دوما مع مرافقيه, بل ان نفتخر اننا تمكنا قبل غيرنا من ازالة التظاهر بتلك الثقة المزيفة. صحيح ان رئيس الحكومة المنتخبة هو بالنتيجة اكثر شخص يثق الشعب به, بدليل انتخابه لاخطر منصب في البلاد, لكننا لايجب ان نتردد في التعبير عن ان غيرتنا على الديمقراطية, وقلقنا من عودة الدكتاتورية, يطال حتى اكثر من نثق به من الناس.
4- يجب على اعضاء الحكومة تقديم تقرير بممتلكاتهم المالية عند استلامهم لمناصبهم, واخرى عند تركهم لها, وان يجري تدقيق الاثنين وقت تقديمها ومقارنتها, وتفسير اية ظواهر تدعو للشك بوجود استغلال للمنصب للاثراء الشخصي. كذلك يمنع صاحب المنصب من القيام باية اعمال تجارية او مالية او مشابهة كما يمنع من استلام اي منصب يهدد بتعارض مصالح مع منصبه في الحكومة. هذه الاجراءات تعرقل السرقات الكبرى, وتقلل حماس طلاب الثروة البالغة, الى المناصب الحكومية, وهذا خير.
5- خلال الانتخابات البرلمانية, يتم التصويت على مستوى اداء الحكومة السابقة من قبل الشعب. وان فازت الحكومة السابقة بتقدير اداء جيد (تحدد نسبته لاحقا), يتعلق خاصة بادارة الديمقراطية والفساد, يقدم لاعضائها "وسام امتنان الشعب" مع تكريم مجز لايقل عن مجموع الرواتب التي استلموها خلال الفترة (كأقتراح للدراسة). و تخصص لذوي المناصب الخطيرة (بعد تعريف ذلك قانونيا) مبالغ اكبر تعويضا عن المضايقات التي تطلبتها حماية الديمقراطية. ان تكاليف تلك التكريمات لايمكن ان تقارن بالخسائر الهائلة التي يسببها الفساد.
6- ان تعتبر جرائم "عرقلة الديمقراطية" من الجرائم الخطيرة التي تصل احكامها الى اشد العقوبات التي يسمح بها الدستور, على ان توضع شروط لعرقلة اساءة استخدامها.
7- انشاء وزارة "حماية وتطوير الديمقراطية" (مثلا), تشرف على التثقيف الديمقراطي والانتخابات ودراسة السبل الهادفة الى زيادة المشاركة المباشرة والفعالة للشعب باتخاذ القرار السياسي للحكومة, وتمول وتشرف على ادراة الاستفتاءات الشعبية بشأن القرارات الهامة. وان يكون الاداء في التطوير الديمقراطي من اهم ما تقيم به الحكومة لاحقا.
8- انشاء لجنة برلمانية متغيرة باسم " لجنة مراقبة تركيز السلطة" (مثلا) تحرص الا يمتلك اي شخص او جهة محددة صلاحيات خطيرة قد تهدد الديمقراطية وحرية ابداء الرأي.
9- انشاء لجنة برلمانية متغيرة لمراقبة "تركز السلطة الاعلامية" (مثلا), والتي لاتقل خطورة في الديمقراطيات عن السلطة العسكرية, والحرص على تنوع وصدق ما ينشر في الاعلام الحكومي (وهو ضروري جدا عكس ما هو شائع حاليا) والخاص, وابتداع الافكار اللازمة لتنفيذ ذلك باقل عرقلة ممكنة لحرية الرأي.
10- البرلمان هو السلطة المخولة باعلان الحرب, وبأغلبية عالية مناسبة, ولايحق للبرلمان التخلي عن ذلك الحق لجهة اخرى ( اي ان يتحمل البرلمانيون القرار كاملا امام التأريخ). كذلك لايسمح بالغاء الانتخابات او تأجيلها بسبب الحرب (او ربما تأجيلها لفترة قصيرة يحددها الدستور ولمرة واحدة), لكي لاتتخذ الحروب حجة للبقاء في السلطة.
اضافة الى ذلك, يتوجب مراعات ان تكون عملية كتابة الدستور نفسها نظيفة خالية من اي شائبة يمكن ان يستند اليها او يتحجج بها متآمر في المستقبل, حتى لو كانت تلك حجة واهية, وخاصة اذا كانت تدق على وتر حساس لدى نسبة عالية من الناس. اقترح مثلا, وعلى العكس من كل الاراء التي قرأتها لحد الان, رفض كل مساعدة اجنبية لكتابة الدستور! وان كان لابد من ذلك لاسباب خارقة, فان تكون من الامم المتحدة فقط وبشكل استشاري خارجي, وان يحرص على عدم استشارتها فعليا ان امكن. اما السماح لدول الاحتلال بلعب دور في كتابة الدستور فلا يختلف عن وضع قنبلة موقوتة تحت ديمقراطيتنا, ستنفجر عاجلا ام اجلا.
ليس في الدستور من العجائب ما لايستطيعه دارسوا القانون العراقيون, والامثلة كثيرة ومفتوحة, وان كان لابد من تفصيل الدستور على البلد وشعبه, فليس الاجانب هم من يجب ان يستشارون لذلك.
كذلك ليس في التأكيد على الاستناد الى قانون ادارة الدولة لكتابة الدستور اي ذكاء سياسي او رؤية مستقبلية لموقف الناس من الدستور. صحيح ان ذلك القانون يحتوي موادا جيدة, لكنها مواد عامة يمكننا اضافتها الى الدستور دون الحاجة الى الاشارة الى ان القانون المذكور هو مصدرها. فالمفروض ان المواد استحقت ادخالها الدستور لجودتها دون ان يكون لوجودها في قانون ادارة الدولة او غيره من الاسباب دور في ذلك.
فالدستور يجب ان يقدم نفسه على انه القانون الاعلى الذي اختيرت مواده من قبل الشعب العراقي وحده دون اي تأثير خارجي (قدر الامكان) سواء من قبل دولة خارجية او قانون اخر, واية صورة اخرى للدستور لن تكون في صالح استمراره على قيد الحياة.
لست انطلق من موقع الغرور او الانعزال عن خبرات وتجارب بقية البشر, لكننا نثبت نقطة شك ليس لها اي مبرر. وان كان المثقفون غير حساسين لاستشارة اجنبية, فغالبية الشعب لاتشبههم في ذلك. يجب عدم تكرار الحماقة السابقة حين قبل قانون الحكم كتبه يهودي امريكي! لست ضد الامريكان كأمريكان, ولا اليهود كيهود, وكاتبي المفضل على كل كتاب الارض كاتب يهودي امريكي (جومسكي), لكن هذه الاستفزازات المجانية لمشاعر غالبية سكان العراق مشكوكة النوايا ولا يمكن وصفها الا بالبحث عن المشاكل, ولغم المستقبل,ويجب عدم التعامل معها مستقبلا بالاستخفاف المعتاد حاليا.
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟