وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4282 - 2013 / 11 / 21 - 11:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
(الكعبة والقبلة تجسدان في الانسان,لانه القران الناطق)
الباحث د.ابراهيم الداقوقي
( الشخصية العلوية ليست صيرورة النسل والعمامة السوداء, بل الكينونة النموذجية لفردانية الاقتراب من معنى الحق الشامل)
البروفيسور ميثم الجنابي – استاذ العلوم الفلسفية في الجامعة الروسية بموسكو, من كتابه (الامام علي – القوة والمثال ).
(1):لما كان العلويون من الفرق الباطنية فانهم لايسمحون لغير العلوي بالاطلاع على جميع عقائدهم , لانهم لايقبلونهم في بيت الجمع الا اذا حلف يمين المصاحبة والاخاء والوفاء للعهد.ومن هنا فانهم يقراون النصوص بشكليه الظاهري والباطني معا ,لانهم يؤمنون بالحلول .وتعني الباطنية عندهم (الوهية المولى ).فكلمة ( الحق ) تعني عندهم ظاهريا (الباري )(الله), اما باطنيا ,فانها تعني علي بن ابي طالب او (الباب ) , او شيخ المشايخ (ده ده بابا)العلوي ,لان المؤمن عندهم يجب ان يمر من اربعة ابواب وان يمارس اربعين شعيرة من شعائر العلويين لكي يرتقي الى مرتبة (الواصل)الى الذات الالهية ويتحد بها . ومن هنا فانهم يحتفلون بالمتوفي احتفالا كبيرا اكثر من احتفالهم بالميلاد,لان الوفاة تمثل عندهم حياة جديدة للروح (كذلك هي في المسيحية ). ويشيعون الجنائز بما يليق بها من احترام وتقدير ومصاحبة لرحلته الاخيرة في الحياة الدنيا ,وصولا الى الحياة الارقى .
يرى العلويون ان الموت هو قيام الروح بتغيير مكان وجودها من الجسد المرئي الى الوجود غير المرئي, لتستقر في حالات واطوار جديدة من الحياة الاخرى ( اي تكرار للولادات على نسق الولادات في الطبيعة – الكاتب ) لانها خالدة .ومن هنا فان العلويين لايستعملون كلمة (الموت ) في احاديثهم الاعتيالدية ,بل يستخدمون عبارة (سار نحو الحق )او (امتزجت روحه بروح الحق الاعلى ) او ( امتزج بالحقائق العظمى )او (اصبح سرا)او(حقق الوصال بالجمال), او (قام بتسليم الامانة الى صاحبه)او (غير شكله).
هذه الالفاظ كلها تعني ان الروح قد تخلصت من شكلها الكائن وامتزجت بالذات العليا ,او هي ( الفناء في الله ) التي يرددها المتصوفة .
يعتقد العلويون الاناضوليون بان ثمة نوعين من الموت , الموت الواقعي ,وهو الارتحال من هذه الدنيا الى الاخرى بشكل طبيعي . ولذا فانهم لايعدونه موتا ( وفي المسيحية يقال :رقد على رجاء القيامة) .
اما النوع الثاني من الموت فهو الموت الرمزي , اي الموت قبل الموت الطبيعي الذي لايتم الا من خلال ممارسة الطريقة وفق اصولها المرعية , حيث يذهب ( المريد)مع افراد عائلته والاضحية الى شيخ الطريقة في بيت الجمع , ويجلس امامه على قطعة الكفن الابيض المفروشة على الارض فيساله الشيخ:
هل لديك خصومة مع احد؟ او انك زعلان من احد ؟.فاذا كانت لديه خصومات مع الاخرين او زعلانا مع احد ,فان الشيخ ينادي عليهم ويصالح بينهم .اما اذا لم يكن لديه خصومات فان الشيخ ينتقل الى السؤال الثاني :
هل لديك ديون للاخرين ..او على الاخرين ؟فاذا كان عليه او له ديون فيقوم بتسويتها مع الاخرين ( وهذه اخلاق الفلاحين ),ثم يؤدي القسم :
(اقسم بان لااكذب وان لااخون الامانة واراعي حقوق الجار , وان لااقوم بالاساءة الى الافراد,والايمان بما اعتقده صدقا وحقا وعدلا , وعدم انكار سبيل الرشاد من خلال ترك العادات الضارة والتمسك بفضائل الاخلاق ).
هذا القسم – الالتزام لايتحقق الا بالموت قبل الموت ,اي بتجرد الانسان من ذاته ونفسه الامارة بالسوء و صولا للحق , اي ( الفناء في الله)كما يقول الصوفيون . ولهذا فان شيوخ العلويين – البكتاشيين لايتزوجون عادة لان انفسهم تكون قد ماتت قبل موت جسدهم بتجريدها من الملذات . ومن هنا يعتقد الكاكائيون ان روح الامام علي بن ابي طالب تحل في جسد شيخ مشايخ الطريقة( البير اوالباوة)او (بابا ده ده )عند العلويين في تركيا , او (العقل ) عند الدروز .
يعتقد المستشرق الروسي مينورسكي , بان( العلي – الهية ) او الكاكائية هو دين كردي بحت ).
ويعتقد العلويون بوجود بعض مظاهر حلول الموت الطبيعي بالافراد والعوائل ,من خلال وقوف (البوم )على دارهم ,او بعواء ابن اوى قرب منزلهم , فيقومون بطردهما فورا . ايمانا منهم بانهم بذلك يطردون شبح الموت عن العائلة .في حين يؤمن علويو (تاختاجيلر ) بتركيا ان صياح الدجاجة مثل الديك نهارا ,دليلا على قرب رحيل احد افراد العائلة من تلك الدار , فيقومون بقطع راسها وطبخها فورا للاكل ( وربما كانت هذه المعتقدات جزء من ظاهرة ومفهوم (التزامنية ) كما شرحها العالم كارل غوستاف يونج ) .
في مراسيم الجنازة والدفن يقوم العلويون بقراءة اية الكرسي وسورة يس ,ثم ترديد كلمة الشهادة و ( لااله الا الله, محمد رسول الله , علي ولي الله) بعد غسل الميت . ثم ياتي افراد العائلة لتوديع الراحل الى الحياة الاخرى .فيقوم الصغاربقبيل اياديه والكبار جبهته المسجى وعيونه وخدوده( وفي المسيحية بعض الشعائر المشابهة , ومنها ان يلبس المتوفى وخصوصا الرجل افضل ثيابه قبل دفنه تعبيرا عن العبور الى العالم الجديد- الكاتب). واذا كان المتوفى قد اجرى مراسيم المصاحبة ,فان اهله يذبحون له الاضحية لتناولها بعد اداء مراسيم الدفن .
ويسرع العلويون في دفن موتاهم . واذا صادف ان تاجل الدفن الى صباح اليوم التالي ,يسهر شعراء الانفاس وعازفوا الة ( الساز ), بوجبات,لترديد تلك الانفاس على انغام الساز . وعند الفجر تبدا مراسيم الدفن بصلاة الفجر حيث يمشي شيخ الطريقة في المقدمة يتبعه اقارب المتوفى , ثم ضاربي الدفوف والصنوج ومرددي الانفاس البكتاشية ,في اغاني شعبية شجية . ويكون الدفن وتلقين الميت وفق التقاليد الاسلامية .
ومن تقاليد العلويين اقامة وليمة غداء كبرى في العاشر من عاشوراء بذبح الاضحية لطبخ اكلة عاشوراء في قدور كبيرة , في بيوت الجمع , او الزوايا اوالتكايا العلوية . وتتالف من الحبية (الحنطة المطبوخة )واللحم والحمص , لتطبخ جميعها على شكل حساء ثخين , يوزع على جميع سكان القرية او المحلة بعد صلاة الظهر ( وهي تشبه الى حد ما ( الهريسة ), او الحساء ( البرمة )التي تقدم في يوم جمعة الالام عند المسيحيين ولكن بدون وجود اللحوم ,مع العدس الاسود-الكاتب ) .
(2 ) :الاخلاق العلوية:
يعتقد العلويون ان نظرتهم الى الكون والانسان تختلف عن نظرة الاخرين اليها,لانهم يؤمنون بالاقانيم الثلاثة (الحق – محمد – علي )التي يمكن لاي واحد منهم ان يحل في الاخر ,لان هذا الثلاثي المقدس كل لايتجزا , ويتجلى على شكل نور ازلي كان موجودا قبل الخليقة وبعده في كل زمان ومكان .
ومن هنا فقد تجلى الله في ادم كصورة للبشر , ولذلك رفض ابليس السجود له.
كما انه تجلى في النبي محمد والامام علي والشيخ بكتاشي ولي , والعديد من الاولياء الصلحين .لذا يؤمن العلويون ان الله موجود في قلب الانسان الذي يستطيع الوصول اليه عن طريق العقل بالمعرفة والعمل الصالح ونظافة اليد واللسان , وايلاء العلم والتعليم اهمية قصوى في الحياة , لان الله قد خلق الانسان على صورته من الجمال ليكون مخيرا في الحياة لامسير ا . لاسيما وان الانسان لايعيش حياة واحدة وانما حيوات متعددة من خلال التقمص ضمن فكرة وحدة الوجود (الله – الانسان – الطبيعة)القائمة على المحبة (العشق الالهي )وليس الخوف من العقاب , لان الله هو اله المحبة والخير والجمال والحق الموجود في الانسان والطبيعة معا.
قال شاعرهم المعاصر اديب خرابي(1858 – 1926 ) الذي تتلمذ على يد لشيخ محمد علي حلمي ده ده بابا في حدى رباعياته :
(عندما لم يكن الكون موجودا , نحن خلقناهما واعلناهما للعالمين , وعندما لم يكن ثمة ماوى جديرا بالحق ,جعلناه ضيفا مكرما في دارنا) . انها حالة شعرية صوفية ترى الذات الالهية ضيفا في الروح البشرية .
تتجلى فكرة وحدة الوجود وحلول الاله في الروح الانسانية بشكل اوضح في (المقابلة )التي يعدها العلويون بديلا عن الصلاة التي يجرونها ايام الخميس عادة , لانهم يؤمنون :
( بان الكعبة والقبلة تجسدان في الانسان , لانه القران الناطق ).
ان العلويين ينظمون حلقة الرقص (رقصة المقابلة )من خلال التشابك بالايدي بحيث يشاهد كل واحد منهم وجوه الاخرين, ويوضع الكف الايمن على القلب (لاحظوا صورة الرئيس جلال الطالباني ) دليلا على الثقة بالنفس واحتراما للاخر وايمانا بالمباديء العلوية ..ثم يدورون لاداء الصلاة والواحد منهم ينظر في وجه الاخر ,لان سورة الفاتحة واسم علي مكتوب على وجه الانسان الجميل ( كما يؤمن الحروفيون) الذي يمثل جمال الحق . ولذلك فانهم يعدون صلاة المقابلة الدائرية صلاة الجمال مقابل الجمال , لان الله قال ( ونفخنا فيه من روحنا وهو في الارحام ). ومن هنا ترتبط العلوية بالفكرة الحروفية , لان كليهما يؤمنان بوحدة الوجود وبالاقانيم الثلاثة ( الحق – محمد – علي ). او لم يسلخ جلد الشاعرالحروفي عماد الدين نسيمي البغدادي (1344 – 1418 م )في حلب عندما قال ( انا الحق )في احدى قصائده؟اضافة الى ان الحروفيين يؤمنون بان صورة علي تجلى في وجه الانسان .ولهذا يرى معظم الباحثين العلويين بان الحروفية من المذاهب العلوية ,لاسيما وانهما يمارسان الشعائر نفسها. لذا يعتقد الباحث التركي طاشقين , بان العلويين مسلمون ايضا ويؤدون فرائضه .
يطوف العلويون على البيوت في القرى وعلى بيوت المنطقة في المدينة لجمع ( لقمة موسى الجوال ). ثم يذبحون القربان في اليوم التالي لتوزيعه على الفقراءالمعوزين , ويشاركونهم في الاكل اعتقادا منهم بان تلك القرابين تزيد من بركة المحاصيل الزراعية (عيد بركة العذراء مريم على الزروع في المسيحة – الكاتب)ومن ارباح اهل الحرف لصناعات الشعبية المنتشرة في القرى والارياف في مختلف انحاء بلاد الاناضول .
المصدر :
كتاب (العلويون: اصحاب دن جديد؟ام طريقة تصوف او مذهب سياسي لعصر العولمة؟ )- ط2- 2010 م – مطبعة اراس – اربيل- العراق .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟