|
دولة في تضاد مع الوطن والشعب
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 4281 - 2013 / 11 / 20 - 21:24
المحور:
القضية الفلسطينية
الشعب ، الوطن ، الدولة ، مفردات تتداخل مع بعضها البعض ويُحيل كل منها للآخر ،وكلها تُحيل لموضوع واحد أو تشكل أهم مكوناته،إنه المشروع الوطني . في الوضع الطبيعي للشعوب المستقلة فإن الدولة تتضمن الوطن والشعب، أما في الحالة الفلسطينية يبدو أن تباعدا وانفصالا،إن لم يكن تعارضا يحدث بين هذه المفردات الثلاثة، فالشعب مشتت وكأنه شاهد زور على ما يجري ويحدث باسمه، والوطن انتماء يحمله الفلسطيني أينما حل وارتحل بوجود الدولة أو بدونها، والدولة بعد خمس وعشرين سنة من الإعلان عن قيامها – 1988- أصبحت حلما يبحث عن لحظة تَحَقُقِه واقعا ضمن حدود وشروط يتم التفاوض عليها من وراء ظهر الشعب أو على الأقل بدون إرادته . يتم الاشتغال والصراع على الدولة والسلطة بدون استحضار استحقاقات الوطن والوطنية وبتجاهل للشعب الفلسطيني وقدرته على الفعل ولو كقوة كامنة يمكن توظيفها على طاولة المفاوضات. السعي المحموم للحفاظ على سلطة في ظل الاحتلال ، أو السعي لدولة (المنحة) من واشنطن او الشرعية الدولية ،أية دولة، بات يسئ للشعب والوطن لأنها جهود واستحقاقات تنحت كل يوم من الأرض الفلسطينية أكثر مما تحافظ عليها وتشوه صورة الوطن أكثر مما تُعظم من شانه . عمل النخبة السياسية للحفاظ على السلطة أو السعي لقيام دولة من خلال المفاوضات الجارية والمراهنة على الشرعية الدولية فقط يجب أن لا يكون على حساب الشعب الفلسطيني بتاريخه الذي يعود لأكثر من أربعة آلاف سنة وتعدداه الذي يصل لاثني عشر مليونا، والسعي للدولة يجب أن لا يكون على حساب الوطن . الدولة قد تكون جزء من الوطن ، ولكن الوطن اكبر وأهم من دولة منحة من الأعداء أو تفرزها تواضعات وتفاهمات وموازين قوى لا تعمل لصالحنا ، ويجب أن لا يؤدي العمل الدبلوماسي ومناوراته واستحقاقاته إلى تضييع الوطن بما هو انتماء وهوية وكرامة وسيادة . الوطن يبقى حتى بدون دولة ، والفلسطيني حمل ويحمل معه الوطن أينما حل وارتحل ، والحفاظ على الوطن :الثقافة والهوية والانتماء هو ضمان الحفاظ على القضية الوطنية حية حتى بدون وجود دولة، ولنتذكر جميعا أن الدولة لم تكن هدفا من أهداف المشروع الوطني عند انطلاقته منتصف الستينيات، و لم تكن غزة والضفة أراضي محتلة آنذاك، بل كان الهدف استنهاض الهوية والوطنية والحفاظ عليها وتهيئة الشعب لخوض معركة التحرير . في حالة قيام الدولة بالمواصفات المشار إليها فلن تتطابق مع الشعب الفلسطيني ولا مع فكرة الوطن، إن دولة قزمة وبالشروط الإسرائيلية ستفقدنا الوطن وستسيء للشعب . ومع ذلك ولو من باب المراهنة على المستحيل ، فإن الحكم على دولة تسوية (حل الدولتين ) سيكون من خلال قدرتها على تمثيل كل الشعب وعدم تضييع حقوق من لا يسكن فيها أو يحمل مواطنتها من الفلسطينيين ، وقدرتها على تجسيد الفكرة الوطنية كهوية وثقافة وانتماء وتاريخ. تكمن الخطورة في تمركز الجهد الرسمي الفلسطيني على الحفاظ على سلطة الحكم الذاتي والسعي لقيام دولة حسب موازين القوى الراهنة وفي ظل الانقسام ، في عدم الحفاظ على خط الرجعة في حالة فشل التسوية وفشل حل الدولتين ، وخط الرجعة هو الحفاظ على وحدة الشعب وفكرة الوطن وثبات الهوية الوطنية . ماذا سيكون مصير الشعب الفلسطيني في حالة عدم قيام الدولة الفلسطينية في ظل التسوية القائمة؟ إن الشعب والوطن والهوية والانتماء أمور سابقة على الدولة ،وسيستمر وجودهم حتى بدون الدولة ، إنهم شرط وضمان قيام الدولة، ولكن الدولة بالمقاييس التي يتم تداولها في أروقة التسوية ، ليست شرط بقاء واستمرار الشعب والوطن. القيادة وظيفة ، والوطن تاريخ وهوية ومصير شعب ، وبالتالي فإن عمر القضية الوطنية لا يرتهن بعمر قادتها، ونخب لا تثق بشعبها وترهن القضية بذاتها وكأنها تقول ما قاله الملك الفرنسي لويس الخامس عشر : ( فليأت بعدي الطوفان ) هذه النخب السياسية لا يمكنها أن تنتصر على العدو ،والأسوأ من عدم الانتصار ترك الشعب للمجهول . إن أسوأ قيادة لشعب - خصوصا عندما يكون الشعب في مرحلة التحرر الوطني - هي القيادة التي لا تثق بشعبها وقدرته على مواجهة التحديات وخوض غمار المواجهة مع العدو، فلا شعب بدون قدرات وإمكانيات ، ومهمة القيادة توظيف هذه القدرات أو استنهاضها إن كانت معطلة ، وليس الانطلاق من حكم مسبق بأن الشعب جاهل وعاجز ولا يمكن الاعتماد عليه ، ثم الاستعاضة عن الشعب بنخب مصالح تُحقِر الشعب، وتُعَظِم من شان ذاتها ،وتُوهِم الزعيم بأن المقاومة الشعبية بكل أشكالها أكذوبة ووهم ، وبأن قدرات الزعيم الخارقة لا تحتاج إلى الشعب الفوضوي المتخلف الذي لا يبحث إلا عن لقمة العيش، ولقمة العيش يمكن تأمينها بقدرات الزعيم الخارقة وعلاقاته مع العالم الخارجي ومن خلال التفاوض مع الأعداء!. القيادة التي لا تثق بشعبها وبالعمل الجماهيري وبقدرة الشعب على المقاومة وعلى إبداع وسائل نضالية لمواجهة الاحتلال لن تقود الشعب إلا إلى الكارثة . عندما لا تثق القيادة بالشعب أو تعجز عن توحيده من خلفها تبحث عن حلول وتسويات من خارج العمل النضالي الوطني، إما اعتمادا على ذاتها وعلى نخب المصالح المحيطة بها ، أو تراهن على تحالفات مع أطراف خارجية ، وفي جميع الحالات ستصبح القيادة والشعب والوطن رهينة التوازنات والمصالح والحسابات السياسية الخارجية. إذا استمرت القيادة ونخبة المصالح المحيطة بها غارقة بمتاهات المفاوضات ، والجري وراء سراب الدولة، والحديث عن انتصارات دبلوماسية بها من التضليل والوهم ما لا يقل عن تضليل ووهم المفاوضات ، متجاهلة الشعب والوطن، فإنها ستكتشف بعد فشل مراهناتها على خيار دولة التسوية الأمريكية أنها خسرت أيضا الشعب والوطن. فشل أو عدم قدرة القيادة – أية قيادة - على تحقيق آمال الشعب ومطالبه الأساسية، أمر وارد ويمكن تفهمه إذا تَلمس الشعب مصداقية عند قادته،ولكن أن يُصاحَب هذا الفشل بفشل في إدارة الأزمة والصراع و فشل في وضع إستراتيجية للحفاظ على الذات الوطنية،وفشل في الحفاظ على ما تم انجازه سابقا،وفشل في إبقاء جذوة الأمل متقدة في قلب وعقل الشعب ،... فهذا هو الفشل المُعمم الذي لا يقبله عقل عاقل ، حتى ممن ما زالوا يحترمون قيادتهم ويلتزمون بشرعيتها . 20/11/2013 [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المشاركة السياسية في منظمة التحرير على قاعدة الالتزام بالوطن
...
-
الواقعيون الفلسطينيون الجدد
-
(تنظيم) فتح كعائق أمام استنهاض (حركة) فتح
-
التمويل الخارجي ودوره التخريبي في فلسطين
-
الكل يريد من غزة ولا أحد يريدها
-
الانتفاضة حتمية وضرورية وممكنة
-
ضرورة تحرير الإسلام من جماعات الإسلام السياسي
-
صفقة الكيماوي تفضح الحرب على سوريا
-
اتفاق أوسلو والبحث عن السلام المستحيل
-
فضائية الجزيرة والتطاول على الكبار
-
حتى لا ندفع الثمن مرتين
-
من أكذوبة النووي العراقي إلى ذريعة الكيماوي السوري
-
رهانات حماس بعد سقوط المراهنات
-
وهل كانت المشكلة في إدارة قطاع غزة ؟
-
في الوطنية الفلسطينية متسع للجميع
-
ليتهم يتعظون
-
محنة المثقفون الفلسطينيون
-
المشكلة ليست في المفاوضات بل فيمن يفاوض
-
ثورة 30 يونيو التصحيحية تخلط الأوراق عربيا وفلسطينيا
-
تحالفات غير مقدسة في الحرب على وفي سوريا
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|