سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 1220 - 2005 / 6 / 6 - 10:32
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
قبلي كتب أكثر من كاتب عراقي مستشرفا المستقبل السياسي الذي يسير اليه الحكم في العراق ، وقد تضمنت أغلب تلك الكتابات تحذيرا بينا ، وواضحا من أن هناك جهودا جمة تبذل ، وخطى وئيدة تسير بأصحابها نحو محطتها الأخيرة المتمثلة بولاية الفقيه ، تلك التجربة التي أثبت فشلها في إيران الإسلام ! .
لقد ازدادت هذه الخطى ، وتصاعد سيرها بوتائر أشد خطورة ، وذلك بعد أن تسلمت حكومة النيابة الأمريكية بقيادة الجعفري مقاليد السلطة الشكلية في عراق اليوم ، تلك الحكومة التي اعتمد أركانها في الدفاع عن نهجهم السياسي على ركيزتين اثنتين صارتا تُشهران بوجه كل من يوجه نقدا ، أو يبدي معارضة لتصرفاتهم ، وما تتخذه حكومتهم من إجراءات غير صحيحة ، وهاتان الركيزتان هما : نتائج الانتخابات التي جرت مؤخرا في العراق التي حققت فيها قائمة السستاني نتائج جيدة لكنها ليس حاسمة ، ومع هذا فقد صارت تلك النتيجة سيفا بتارا ، يشهره فرسان تلك القائمة المؤيَدين من إيران بوجه أي عراقي يرى أن الوضع في العراق يسير تحت رايات تلك القائمة السستانية من تدهور الى تدهور، ليس على الصعيد الأمني وحسب ، وإنما على صعيد التعامل بفظاظة مع العراقيين الخارجين لتوهم من فظاظة أخرى أيام تسلط صدام الساقط ، حتى صار قولة : نحن الفائزون ! هي الحجة التي يطلقها رجال القائمة السستانية بمناسبة أو دون مناسبة .
أما الركيزة الثانية فهي استغلالهم لموقف المرجعية الشيعية في النجف ، وعلى وجه الخصوص ، موقف السستاني من تلك القائمة التي منحها بركاته مقدما ، فصوتت أغلبية كبيرة من شيعة العراق لتلك القائمة بناء على تلك المباركة ، وليس على أساس دراية أكيدة بالبرامج الانتخابية لأحزاب الإسلام السياسي ، أو الأحزاب الطائفية ، كحزب الجلبي على صغره ، تلك الأحزاب التي تشكلت منها القائمة السستانية ، إذ أن المعروف للجميع أن برامج تلك الأحزاب ظلت مجهولة لعموم من صوت لتلك القائمة ، وفي مسار مخالف لروح العملية الديمقراطية التي تجري في بلدان عديدة من عالمنا اليوم .
ولهذا العلل الانتخابية المصحوبة بالنيات المسبقة لأتباع تلك القائمة في قيام حكم ولاية فقيه في العراق ، يعتمد على أساليب القمع المتبعة في إيران ، بدأت تظهر في العراق الآن حالات خطيرة ، وعديدة ، تشير بوضوح الى أن العراق مقبل على حكم قمعي ، لا يختلف عن قمع صدام في شيء إلا في مسوغات اقترافه ، فإذا كان صدام يبرر قتل الناس في العراق على أنهم خونة ، ومعادون للثورة والحزب القائد ! فإن هؤلاء سيبررون قمعهم للناس أنفسهم على أنهم نواب الله على أرض العراق ، وباسمه سيبطشون بكل عراقي حر ، يرفض جور هؤلاء على سجية العراقيين الأباة في دفع العدوان ، ورد الظلم . ألم يقل قبل أيام ممثل لمقتدى الصدر في البصرة حين اعتدى بعض من عناصره على طلاب وطالبات كلية الهندسة من جامعتها بأن تصرفهم المشين ذاك هو : تكليف إلهي !!
والآن ها هو صولاغ ، وزير داخليتهم ، وزمره ، يصول ويجول ، ويدوس على حرمات العراقيات والعراقيين ، فقد جاء في الأخبار القادمة من العراق أن شرطته في النجف قامت بإطلاق النار على مجموعة متظاهرة من أفراد تلك الشرطة التي حرمت من رواتبها الشهرية التي تطوعوا من أجلها بالدرجة الأولى لخصاصة في بطونهم ، وبطون أسرهم ، وليس من أجل صولاغ والدفاع عنه . لقد قام هؤلاء بتجمع سلمي أمام محافظة النجف ، ومن دون أن يشهروا سلاحا ، ويمضي نص الخبر ، فيقول الآتي : ( أطلق شرطة ورجال أمن النار على متظاهرين أمام مبنى محافظة النجف. ولم تتوفر معلومات عن تفاصيل الإصابات وبقية الخسائر. وأبلغت مصادر كانت في موقع الحادث إن المتظاهرين كانوا حشداً كبيراً من رجال الشرطة طالبوا بصرف رواتبهم المتأخرة . و قد أثار إسلوب اللجوء إلى إطلاق النار على المتظاهرين إستهجان أبناء المحافظة ، و في الوقت نفسه تساؤلهم عما ستؤول له الحال في حالة تظاهر مواطنين إعتياديين للمطالبة بإجراءات لتعديل صيغ تعامل السلطات المحلية في إدارة شؤون المجتمع المدني في المحافظة؟!. )
وهاكم هذا الخبر الثاني الذي يعكس التوجه الحثيث نحو قيام حكم ولاية الفقيه في العراق ، وبذات الأساليب الرخيصة من القمع الذي عرفه العراقيون زمن صدام الساقط ، والذي تعيشه إيران زمن ولاية الفقيه ، يقول الخبر : ( فضيحة في كربلاء : قامت حماية كربلاء في محافظة كربلاء بالاعتداء على منتسبي مستشفى الأطفال في كربلاء بالضرب والتجاوز على موظفي المستشفى في الساعة السابعة مساء بتاريخ 3/5/2005 .
بدأت الحالة بزيارة قام بها شقيق المحافظ دون أن يحمل أي صفة قانونية ، حاول المسؤولون عن حماية المستشفى اتباع الإجراءات الأمنية التي تتبع مع جميع المراجعين، لكن شقيق المحافظ لم يكتف بالرفض بل قام بسب واهانة المسؤولين والمنتسبين، مما أثار الذعر والفوضى في المستشفى ، ثم استدعى هو قوات حماية المحافظة وفي النهاية تم اعتقال عدد من منتسبي المستشفى وتوجيه تهمة سب المحافظ وايداعهم السجن . لذلك نطالب الجهات المعنية باطلاق سراح السجناء ومقاضاة المسؤولين عن الفوضى في المستشفى . عدد من منتسبي المستشفى الحسيني للاطفال ـ كربلاء . )
ثم يأتي الخبر الثالث الذي يقول أن وزراء قائمة السستاني قد قاموا في وزاراتهم بحملة إقصاء ، ونقل ، وإحالة على التقاعد لعدد كبير من موظفي الوزارات تلك، وبسبب من عدم انتمائهم الى أحزاب تلك القائمة ، وقد جرى هذا بشكل جلي ، وواضح في وزارتي الصحة والداخلية ، وفي مقالة سابقة لي ، وقبيل أن يتسلم صولاغ حقيبة وزارة الداخلية ، كتبت أنا أن أقصى ما يستطيع أن يفعله صولاغ هو طرد بعض العناصر من وزارة الداخلية ، ومن أهل السنة ، ولهذا السبب وذاك ، وها هو الخبر الثالث يقول : ( أكد مصدر مطلع في وزارة الصحة إن قراراً صدر بإعفاء عدد من المدراء العامين في وزارة الصحة, في خطوة ربما تشير الى تشديد قبضة التحالف الشيعي على الحكومة الحالية. و كان وزير الداخلية بيان باقر جبر صولاغ قد أحال عدد من كبار ضباط الشرطة ، بينهم ثلاثة وكلاء ومساعدو وكلاء للوزارة، الى التقاعد في اطار خطة لاعادة هيكلة وتقليص ملاك وزارة الداخلية ! " انظروا العذر هو من ذات الأعذار التي كان يطلقها نظام صدام القمعي من قبل " وقد بدأت أوساط الموظفين والمواطنين تتساءل عما إذا كانت هذه الإجراءات تأتي على خلفية المصلحة العامة ، أم إنها ضمن توجه خطير يعتمد منهج الإقصاء والمحسوبية؟!. )
وضمن تساؤلات المواطنين العراقيين المشروعة تلك أضع أنا تساؤلا آخر هو: هل يكون من الجائز لحكومة عراقية قادمة ، تتشكل من مجموعة أحزاب عراقية من غير قائمة السستاني ، ونتيجة لانتخابات حرة ونزية ، أن تقوم باقصاء ونقل وإحالة على التقاعد كل موظف قام وزراء قائمة السستاني بتعينهم في وزارتي الصحة والداخلية ، ولنفس الاسباب والحجة ؟ وإذا كان الجواب بالايجاب ، فمعنى هذا هو أن العراقيين يعيشون في دويلات طائفية تنكل الواحدة بالاخرى ، كلما تستلم الواحدة منها مفاتيح السلطة الشكلية من جند بوش الغيارى !
ويأتي الخبر الرابع الذي يقول : إن محافظ البصرة المحسوب على القائمة السستانية قد قام بقطع خط الاتصال الهاتفي بينه وبين وزارة المحافظات في بغداد ، تلك الوزارة التي تتكلف المسؤولة عن ادارة شؤون المحافظات العراقية ، وبدلا من ذلك قام بربط هاتفه بدوائر الحكومة الإيرانية في الجهة الثانية من شط العرب ، وتحت صمت مطبق من قوات تون بلير التي اشترت أمن جنودها برضا إيران ، وعملائها الذين استولوا على مدينة البصرة العراقية التي تحولت الى مدينة إيرانية .
إن نهجا استبداديا كنهج جند ولاية الفقيه ، الذي تلوح تباشيره في الأفق العراقي، ليس لمده حدود ، وسيطال رجال الدين العراقيين ممن يغايرون هؤلاء في التفكير والرؤيا ، تماما مثلما سيطال العلمانيين ، وكل عراقي ، وطني ، حر ، شريف ، يعز عليه أن يرى وطنه محكوما بولاية الفقيه الإيرانية . وإذا كان هناك أحد في شك مما أقول ، فلينظر كيف ذبح أتباع ولاية الفقيه الإيرانية في العراق السيد عبد المجيد الخوئي ، ابن المرجع الشيعي ، أبو القاسم الخوئي ، وفي مكان مقدس عند الشيعة ، هو ضريح الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، أو لينظر الى مصير أية الله العظمى ، حسين علي منتظري ، وكيف وضعه أصحاب هذا النهج تحت الإقامة الجبرية لسنوات طويلة في بيته من مدينة قم الايرانية .
إن نهج الموت هذا سيأتي على العراق كله ، وسيحرق كورده قبل عربه ، فليس في عرف ولاية الفقيه حكم ديمقراطي ، فيدرالي ، تداولي ، تعددي ، فهذا من وجهة نظر هؤلاء بدعة ما عرفها الإسلام من قبل ، ولهذا السبب بالذات بدأت تركيا تستقبل جند ولاية الفقيه في العراق بالأحضان هذه الأيام .
إن نهج الموت هذا سيضع الوطنية العراقية في مهب ريح هوجاء ، مثلما يصعد من الاحتراب الطائفي ، والتنافس الحزبي المريض ، ويقود البلاد الى عنف متواصل ، لا تقوى على اخماده أية عمليات قمع منظمة ، سواء أطال أمد هذا القمع أم قصر !!
#سهر_العامري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟