|
أنانا لا يساوي ذاتنا
محمد طه حسين
أكاديمي وكاتب
(Mohammad Taha Hussein)
الحوار المتمدن-العدد: 4279 - 2013 / 11 / 18 - 21:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أنانا لا يساوي ذاتنا! محمد طه حسين أنانا لا يساوي ذاتنا ، المشكلة عبر التأريخ تكمن هنا، الانا هو وليد اللحظة المعاشة ولكن الذات هي وليدة التأريخ، في اللحظات التي نحن على وعي فيها الأنا يكون كائنا و موجودا غير الكائن المحبوس داخل الذات، هو الذي لا يضاهيه احد في الاقدام على الخير و الاحجام عن الباطل، يعلو على الآخرين في الصياح باسم الامة و القومية و المدنية و الالتزام الحضاري، هو صاحب الحق و هو الاحسن و الآخرين ادنى مرتبة و هم السيوؤن.الانا من هذا النوع لا يتوازن مع الحقيقة المختفية في اغوار ذاته حيث التنصل هذا بين الانا و الذات تعبير صريح لضعف و هشاشة الذات، فالذات القوية يتولد منها دائما أنا قوية، و الذات الضعيفة يظهر الى الوجود أنا هشة و هزيلة لا يعبر في اللحظة الزمنية المتاحة له عن الذات التي خرج منها فهو يبدأ بأظهار صورة اخرى غير الصورة الحقيقية له. الأنا كهذا منتفخة و ملتهبة لايخرج منه سوى الاصوات غير الهارمونية مع الافعال و الوجود النفسي للشخص، و لا يصدر منه سوى علامات التظاهر الماكر و الخادع. من المسوؤل عن تربية انا من هذا النوع بيننا؟ عندما لا يأتي اطوار الانا مع جوهر الذات، فالكائن ينفصم الى نصفين نصف يتحدث بلغة غير اللغة التأريخية التي كبرت معها الذات التراثية اذا صح التعبير، الانا اللحظوية تلك هو الاقوى و الاذكى و الاشجع و الاقدم و الاصيل و الاعقل و الانشط فكريا و علميا وووووالخ من افراد الشعوب و الاقوام الاخرى! ، يحاكى جنون التورانيين من حيث اصالته اللغوية و العرقية و يقلد نغمات النازيين في اصالة اللغة الالمانية و العرق الجرماني، و يتباهى كالشعوبيين في دنيوية و اخروية اللغة العربية، و يضرب على اوتار اليهوديين في كونهم شعب الله المختار. و لكن عندما تتيقظ الذات الفقيرة لديه تراها بانها كائن خجول و خواف و قلق ، يخجل من ماضيه الفقير من حيث البناء المعرفي و العقلي و المساهمات الدنيوية في التطور الحضاري، و يخاف من الآخرين حيث غير قادر على اثبات ذاته كذات متوازنة و متكيفة مع الغير و مع البيئة و لهذا لجأ على طول تأريخه الى الاختفاء عن الانظار أو الاختباء وراء الاخرين المختلفين عنها لغويا و دينيا و عرقيا، و هي ذات قلقة حيث لا تعرف الى اية شيئ تنتمي؟، هل هي منتمية الى الدين او المذهب ؟ أو منتمية الى القومية و العرق؟ أو منتمية الى الارض أو السماء؟!. الأنا الكردي لن يكون مختلفا عن الانا الشرقي الذي نحن بصدده، من المفروض ان يكون الانا مصقولا بالعقلانية حسب النظرية الفرويدية ، فهو الذي يجيز لنا الحركة و اظهار السلوك و الاقدام على الافعال التي مندفعين نحوها، هو الحاكم الشرعي التي يتربع على العرش حيث يرضي النزعات و الميول الغريزية للذات و لا يخرج من الاداب و المعايير الاجتماعية. نحن نعانى الامرين فالانا اما ان يوجد بين المتاهات و الدهاليز المظلمة حيث يرضي ميوله و غرائزه اما ان يتأمل و يغرق في احلامه بالمستقبل أو بالاحرى يستسلم للزمن التائه و التي لم يأتي لحد الآن حيث يأمل ان يأتي و يتخلد فيها و يصل الى مبتغاه. الانا الكردي متلهف وراء غرائزه في متاهات الزمن حيث يبحث لحد الآن عن الشيئ الذي يفقده بطنه و غرائزه الجنسية، يراوغ المعايير الاخلاقية و يزايد على من حوله و في النهاية يريد الوصول الى مبتغاه البيولوجي او الاولي، التركيز على الاساسيات يحجب الحاجات الراقية الانسانية من الانظار و من العقل و يشغل الفرد بالمشتركات الغريزية الحيوانية. الانا عندما يصدر الاصوات فقط بمعنى ان الذات لا يكلف نفسها عناء تشغيل الذاكرة و التفكير بما حولها، ان الذات الكردية كالذوات الشرقية المحيطة بها اصيبت بالكسل الذهني جراء عدم تصريفها للقوى الكامنة في الداخل و التفكير المتفاعل مع البيئة لغرض التكيف معها و من ثم تكييف المحيط معها وفق الشروط التي اعلنها جان بياجى للنمو المعرفي، بمعنى انها اي الذات الكردية هي ذات منفعلة باستمرار و ليست فاعلة ، فالتصنيف الفرومي هذا يطبق على ذواتنا حيث ان الذات الفاعلة هي التي لا تنسى نفسها و هي ذاتها في كل اللحظات الحياتية، اما الذات المنفعلة هي كالرضيع فمه مفتوح ينتظر من يضع اي شيئ فيه حتى يمصه. ان الشرط الرئيسي وفق تصورات بياجى للمعرفة هو الاسس السليمة البايولوجية و الشرط هذا متوفر كما توفر للآخرين، ولكن الكسل الذهني الذي اصاب به مجتمعنا منذ بداية التأريخ جعل من افراد هذا المجتمع المسكين ان لا يأخذ على عاتقه عناء التفكير و حتى التخيل في التحول من الحالة الحياتية الثابتة تلك الى الحالات الاخرى كون الحياة وفق هذا المنظور البياجوي هي ابداع مستمر للاشكال أكثر فأكثر تعقدا من التكيف مع المحيط، العمليات العقلية العليا لم تكن جارية وفق الدايناميكية التحولية بل كانت ضمن السيرورة التقليدية حول الحلقات الفارغة و التي تنتج من خلالها نفس الانتاج الذهني و الفكري القديم. هذه هي الكارثة العقلية التي جعلت من الذات الكردية ان لا تتفاعل مع المعطيات الخارجية المادية و تتصارع معها لاجل اثبات سيطرة العقل على الموجودات التي توجد خارجها. بقاء الذات بهذه النمطية في التفكير و العمل يحول الانا العاقلة الى كائن معزول عن المساحات القبلية و البعدية له و يعوض البدائية تلك بالغلو في التعبير عن ذاته و نفسه و يبدأ بالانتفاخ في كينونته ليصبح في النهاية سابح في الهوامات و الاوهام لا يخرج منه سوى الاصوات و الحركات البهلوانية السحرية التي لا تتناسق مع كينونة الذات الحقيقية الراكدة في الثقوب الداكنة لللاشعور الفردي للشخص و اللاشعور الجمعي للامة. قراءة سايكولوجية لانا منتفخة من هذا النوع و التي نراه و نلاحظه بشكل واضح و ادق في الايام التي نعيشها يزيد قناعتنا رصانة بان الشعور التقليدي و التأريخي بالنقص في اكثر من مجال في الشخصية صاحبة هذا الانا جعل منها تلتجئ دائما الى الظهور المزيف الذي سبق و ان اشرنا اليه في البداية، حيث التظاهر ببهلوانيات عرقية و قومية و راسيستية و اصالوية. اختيار بديل الغلو و العلو من شأن الانا و الذات بقدر ماهو سير في طريق عقدة التفوق الادلرية ليس السير على الطريق الصحيح حيث المطابقة مع الذات و الاظهار بالذات الاصيلة و ليست المزيفة. الحالة الفصامية هذه تشعرنا بأن الاغتراب عميق في بنية الشخصية الكردية، وان الذات توحدت مع أشياء اخرى مثل الايقونات الدينية و العشائرية و القومية و ....الخ حيث انصهرت ذات المحب في ذات المحبوب كما يشير اليها اريك فروم في نظريته عن الاغتراب. انصهار او بالاحرى توحد الذات مع الايقونات تلك يفقد الشخص شعوره بنفسه و يكون في هذه الحالة اقرب الى ذات مزيفة تدور في فلك الآخرين و لا تحس و تشعر باستقلاليتها كذات لها سماتها الخاصة بها بل انها تفكر مع الحشد و تحس مع الحشد و تنام و تستيقظ على ايقاع و نغمات الحشد، بمعنى انها سلمت حريتها باياديها الى الآخرين و تحصل على الطمانينة الزائفة بهذا الشكل. الذات التي نحن بصددها الآن تارة هي المختفية داخل الحشد كما يقول كيركيكارد حيث لا تبتعد مثقال ذرة من الآخرين و تختبئ وراء جموع المصلين أو وراء الحشد في الشوارع و تتنصل من الجماعة و لا تدري الى اى شيئ تنتمي هل تنتمي الى الحشد أو الى نفسها تارة اخرى، و في الحالتين هي تهرب من المسؤولية انها تقول ما يقوله الحشد و تعتنق ما يعتنقه الحشد انه صواب و بهذا يذوب الفرد في المجموع معتمدا على ان الحقيقة تكون في السير مع القطيع كما يفعل اي حيوان. و في الحالة الثانية ايضا يغترب الفرد من ذاته حيث يفقد العنصر الاساسي لاثبات نفسه الا و هو ايجاد الذات و التعرف عليها و من ثم البدأ بالحوار معها . هذه النظرة النقدية الكيركيكاردية لاختفاء الذات اتجاه معاكس للفردانية التي كانت و لحد الآن يتجه نحوها الغرب ، ولكن غياب الذات الاصيلة في الشخصية الكردية بصورة خاصة و الشرق اوسطية بصورة عامة مرتبط مباشرة بالفوضى الفكرية التي انبنت عليها التأريخ السياسي و الاجتماعي و الديني و المجتمعي بشكل عام، حيث الاهتزازات الفكرية الناشئة من اضطراب العلاقة مع المكان من ناحية و عدم كفائة هذه الذات في ايجاد نوع آخر من العلاقة مع الطبيعة تتحولها الى مصارعة شرسة معها وليست مسيرة بارادة المناخ و الطوبوغرافيا و الحالات البيئية الاخرى من ناحية اخرى. الذات الكسولة تلك بقت تتحرك لا بارادتها بل بارادة العوامل الخارجية عنها و هذه الحالة جعلتها على مر الزمن ذاتا مزيفا و مغتربا عن نفسها و تشيئت و لم تبقى لها قيمة وجودية تذكر، و تحولت العدوى الوجودية هذا الى ستراتيجية للسلطات السياسية و الدينية و الاجتماعية و حتى القانونية باتجاه صنع الشخصيات المضطربة المغتربة عن ذاتها و المنفصلة عن اناها المنصاعة المطيعة ، فهم يعملون و يشتغلون على تكوين و بناء تلك الشخصيات و يتفاخرون بها حتى في المحافل الدولية حيث يصفون الشخصية الكردية بانها مطيعة لاوليائها و خاضعة لارادة السلطات تلك. متجاهلين بأن النعوت تلك تقلل من كينونة الشخصية الكردية و تعبير للتوجه الشمولي و الطاغوتي لادارة المجتمع . الذات المزيفة هي التي تنفخ في نفسها مرة امام الآخرين المختلفون عنها و من ثم تقلل من شأنها امام اسيادها من السلطوين، حيث تفقد رؤية الصورة الحقيقية لها و بهذا تصاب بالتسمم الذهني و ترى مالا تراها الاعين العادية و تتحدث بلغة هذيانية لا يتطابق مع الوقائع الموجودة، و يسمع اصوات الاجداد في عمق الماضي حيث يناشدونها باحضارهم دوما الى محافلهم سواء من خلال حالة استحضار الارواح التقليدية ام من خلال الادب و الفن او الادبيات المختلفة السياسية و الاجتماعية الاخرى، و هذه هي النزعة الماضوية التي تدق على ابواب الخلود و تضرب على اوتار الضياع القيمي. الانحطاط و الانهيار القيمي يهدد ذاتنا، فالانفصام الظاهر في الذات الكردية بفعل التمسك المتشنج بالتقليد و عدم قدرتها في التكيف مع القيم المتحركة و النسبوية الجديدة اولا ،و الانسلاخ تارة اخرى من بعض القيم الاصيلة الدالة على وجودنا كافراد و كمجموعات ثقافية و عرقية مختلفة ثانيا، كذلك ايضا عدم وجود القدرة على التكيف مع المستجدات الفكرية و التكنولوجية ثالثا، و من خلال موت السياسة الحقيقية و فقدان لغة الحوار العصري بين النخب و الاحزاب و المنظمات السياسية و عدم وجود الحوار الفكري و الثقافي البناء بين النخب الثقافية و الفكرية لغرض ايجاد نوع من الاستثمار الثقافي رابعا، وظهور حيتان الاقتصاد العالمي من بيننا و التي تتمثل في الشركات العابرة للقارات من خلال سيطرة الاقتصاد الطفيلي على السوق و المجتمع خامسا، و كذلك من خلال خلط الايمان التراثي بالدين و الايمان السياسي به سادسا، نرى نوعا من الضياع القيمي تودي في النهاية الى فقدان السيطرة على مفاصل المجتمع و رؤيته ككائن يتحرك عفويا و لايدري الاتجاهات التي يصوب و يتجه نحوها. * كاتب و باحث /أربيل -كردستان العراق
#محمد_طه_حسين (هاشتاغ)
Mohammad_Taha_Hussein#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذاتنا و القلق الاخلاقي
-
نحن كائنات المآزق
-
مجتمع من الجماجم...مقبرة للتماثيل....حديث عن الديموقراطية و
...
-
اطلاق التسميات في العراق ...هلاوس ام جهل معرفي؟.
-
لماذا فشلت الديموقراطية كسابقتها الشيوعية في الشرق؟!!
-
قلق الجغرافية....جغرافية القلق
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|