جوان ديبو
الحوار المتمدن-العدد: 4279 - 2013 / 11 / 18 - 18:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اثارت الزيارة الاخيرة لرئيس اقليم كوردستان ( العراق ) السيد مسعود البارزاني الى كبرى مدن كوردستان ( تركيا ) آمد ( دياربكر ) , بدعوة رسمية من رئيس الوزراء التركي , الكثير من الجدل السياسي الساخن وردود الافعال المتفاوتة في الاوساط السياسية والثقافية الكوردية في مختلف اجزاء كوردستان وعلى وجه الخصوص في الجزأين الشمالي ( تركيا ) والغربي ( سوريا ) منه.
وكالعادة المعهودة المتجذرة في العقل والسلوك الثقافي والسياسي الكوردي , وكعرف وتقليد يخصان ويميزان الحياة السياسية والحزبية في كوردستان عموما , انقسم العوام والخواص من ابناء الشعب الكوردي وبطريقة دراماتيكية مخزية ووفقا للطريقة الكوردية المفضوحة , الى مؤيد حتى نقي العظام ومعارض بالفطرة دون عناء انتظار عما ستسفر عن الزيارة من نتائج , في مهزلة جديدة تعكس المستويات المتردية التي تقبع فيها السياسة الكوردية اجمالا".
لم يدخر المعسكران اي جهد في الدفاع المستميت عن وجهة نظرهما متجاوزين الخطوط الحمراء والمحظورات في سباق ماراتوني محموم بين التيارين المتنافسين الرئيسيين الاكثر نفوذا" على الساحة الكوردستانية ( البارزانية والاوجلانية ) كل لاعلاء شأن كلمته وتعزيز مكانته كوردستانيا والاستحواذ على القدر الاكبر من التأييد الجماهيري على حساب محنة الوطن والقضية والشعب الذي يكابد الامرين في بعض الاجزاء كغرب كوردستان جوعا وحصارا ومعاناة , وكأننا نعيش اجواء مهرجانات انتخابية في دولة كوردستان الموحدة الافتراضية .
ولم يتورعا عن الاستعانة بالتأليب والتجييش والتوتير وكهربة الاجواء المشحونة اصلا , عن طريق الابواق والازلام والمريدين والمعتاشين على فتات القادة والمتسكعين على ابوابهم , والذين يبدعون بغزارة قل نظيرها في خضم الخلافات الكوردية – الكوردية , وتنطفئ جذوتهم وتجف احبار اقلامهم عندما تكون العلاقات الكوردية – الكوردية طبيعية وعلى المسار الصحيح , وللاسف الشديد هم البضاعة الاكثر وفرة والاقل ثمنا"في كوردستان هذه الايام .
الزيارة اختلفت عن سابقاتها جذريا"من حيث المكان والزمان والدلالات , فهذه المرة جاءت في آمد ( دياربكر ) الخزان البشري الاكبر في كوردستان الشمالية ( تركيا ) , وفي وقت حرج تعيشه عملية السلام التركية – الكوردية المتعثرة , الذي اطلقها الزعيم الكوردي المعتقل عبدالله اوجلان منذ ما يقارب السنة , ويعزو ذلك الى عدم تنفيذ حكومة العدالة والتنمية لالتزاماتها تجاه الاستحقاقات والاجراءات الديمقراطية المترتبة على العملية , وعدم ايفائها بالوعود التي تعهدت بها حيال الانفتاح على القضية الكوردية في تركيا , ومسألة تنامي نفوذ حليف العمال الكوردستاني في المناطق الكوردية في سوريا حزب الاتحاد الديمقراطي واعلانه المدوي الاخير مشروع الادارة الذاتية الانتقالية المؤقتة الذي يزيد من ارق تركيا ويثقل كاهلها ويضيف اعباء" وتعقيدات جديدة الى ( عقدتها ) الكوردية التي اضحت بالنسبة لها مثل ( الفوبيا ) , كما ان الانتخابات الرئاسية والمحلية التركية باتت وشيكة وعلى الابواب , لذلك طفا الجانب البراغماتي النفعي على الزيارة وبدا طاغيا" لصالح الحزب الحاكم في تركيا وزعيمه المتأهب للولوج الى سدة الرئاسة في الانتخابات المرتقبة القادمة , وكأن زيارة رئيس اقليم كوردستان اتت اسعافية استباقية عاجلة لانقاذ رجل تركيا الحديث والعاشق المخضرم والمولع بالسلطة ابتداء" من رئاسة بلدية استنبول مرورا بتولي رئاسة الوزراء لدورتين متتاليتين وتأهبا لتبوأ كرسي الرئاسة العام المقبل , خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار اهمية وحيوية المناطق الكوردية في الانتخابات البرلمانية والمحلية بالنسبة لاردوغان وحزبه ذي التوجه الاسلامي , واستغلال المشاعر والتوجهات الدينية الطاغية لدى اغلب الكورد في تركيا , واستمالتهم لصالح حزبه , بعد اللعب مؤخرا" على الوتر القومي الكوردي ايضا في حلته وخصوصيته الاردوغانية الفريدة , ولتشتييت الصوت الكوردي ولجم كباح التيار القومي الديمقراطي العلماني والمتمثل في الجناح السياسي لحزب العمال الكوردستاني حزب السلام والديمقراطية , خاصة وان الكورد في تركيا بمثابة بيض القبان في الانتخابات بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الاسلامي , باعتبار انه ليس لغالبية الاحزاب التركية القومية والعلمانية الاخرى موطئ قدم يذكر في مناطق كوردستان ( تركيا ) , باستثناء خصمه الفكري والقومي اللدود حزب السلام والديمقراطية الكوردي .
كما ان رئيس الاقليم استبق الزيارة بتصريحات من هولير , اتهم فيها علنا ولاول مرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكوردي في سوريا والمقرب جدا من حزب العمال الكوردستاني , بالتواطؤ مع النظام السوري والعمل على خدمة اجنداته في مناطق كوردستان ( سوريا ) , ووصف ما يجري هناك بأنها ليست بثورة , مبددا كل الشكوك التي كانت تساور البعض حول مواقفه الشخصية مما يجري في غرب كوردستان , الامر الذي احدث تباينا واضحا بين مؤيد ومتفائل بنتائج الزيارة بين انصار حزب السلام والديمقراطية , ومحبط ومتشائم من نتائجها استنادا" الى المقولة العامية القائلة ( المكتوب باين من عنوانه ) , وكان ذلك ايذانا" بنهاية دور الاقليم التوافقي بين الكورد في سوريا على الاقل مرحليا", علما ان مجلس غربي كوردستان كان يستقبل على مدى العامين المنصرمين في هولير على اساس انه جزء من الثورة السورية ومن مجمل الحراك السياسي الفاعل في المناطق الكوردية في سوريا , ويعزو السبب في التغيير المفاجئ لموقف قيادة الاقليم او الحزب الديمقراطي الكوردستاني الى اعلان مجلس غربي كوردستان مؤخرا مع بعض حلفاءه المحليين مشروع الادارة الذاتية الانتقالية المؤقتة بمنأى عن مشاركة حلفاء الديمقراطي الكوردستاني فيه , الذين فضلوا بدورهم الانضمام الى الائتلاف الوطني السوري المعارض في اسطنبول , في عملية شد وجذب بين الاخوة الاعداء وكتجل فاضح لمستوى الهبوط والانحدار والانحطاط في الفكر والتفكير السياسي الكوردي بعمومه وفي روج آفا خصيصا" .
حرصت الدولة التركية منذ بداية عملية السلام الهشة بينها وبين العمال الكوردستاني على محاولة لعب قيادة اقليم كوردستان ( العراق ) دور ما يشبه المشرف او الوسيط في المباحثات والاتصالات التي كانت تجري على قدم وساق بين الجانبين , ما يعكس مستوى العلاقات المتميزة بينها وبين قيادة الاقليم , ومحاولة الاستفادة بما يحظى به شخص رئيس الاقليم وسلالته من مكانة مرموقة عند الكثير من الكورد في تركيا على التأثير الايجابي في مسيرة السلام بما يخدم اولا السياسات التركية وثانيا الكورد في تركيا مع ما كان وما يزال يثار من شكوك واشارات استفهام تحوم حول هذا الجانب , ونظرا" لنفوذ ومكانة رئيس الاقليم اقليميا" ودوليا", ويعتقد ان قيادة العمال الكوردستاني وجناحه السياسي يحاولان جاهدين الى تعزيز هذا الدور للاقليم كونهم لا يملكون بديلا" افضل او اخر على المدى المنظور وان فكرة تدويل المفاوضات على الاقل من جهة الاشراف والمراقبة مرفوضة قطعيا" لدى الجانب التركي الذي يرفض اضفاء اية صبغة دولية او اقليمية على المفاوضات والحرص الشديد على ابقائها ضمن النطاق الداخلي التركي , وهذا ما قبل به العمال الكوردستاني في اطار تنازلات مؤلمة في سبيل وقف نزيف الدم والقبول بحلول مراحلية وفي سياق زمني غير محدد المعالم .
يبدو ان عملية السلام التركية – الكوردية ستكون طويلة الامد وسيتخللها المزيد من التعقيدات والتداخلات الاقليمية المتربصة بها , وستكون على العموم اصعب من الحرب بالتشعبات والتفاصيل التي يكمن فيها الشيطان غالبا , كما انه لا مناص من الاستعانة باقليم كوردستان ( العراق ) من كلا الجانبين في هذه الفترة الحرجة من حياة مسيرة السلام الكوردية – التركية , بصرف النظر فيما اذا ستتكلل زيارة الرئيس البارزاني بالنجاح او بالفشل على المستوى الكوردستاني العام , والى تاريخ انتظار نتائج الزيارة ينتظر من الدولة التركية والحزب الحاكم الى تبني السلام كخيار استراتيجي مستقبلي حاسم , وترجمة ذلك من خلال الدستور وحزمة من القرارات والاجراءات الفعلية والجدية التي من شأنها اقناع الرأي العام الكوردستاني بصوابية اختيار خيار السلام , واظهار حسن النوايا كالكف عن وصم حزب العمال الكوردستاني الطرف الاساسي في عملية السلام بالارهاب , ووقف بناء جدار الفصل العنصري بين شمال كوردستان وغربه , وعدم معاداة حقوق الكورد في سوريا او تصدير القلاقل لهم عن طريق الجماعات الارهابية المتطرفة كجبهة النصرة وداعش , لتلاشي وذوبان حواجز عدم الثقة وفقدان المصداقية التاريخي بالجانب التركي الذي يسعى جاهدا الى استبعاد اية صبغة قومية جيوسياسية عن الموضوع الكوردي في تركيا والاكتفاء على تصور المسألة برمتها على انها قضايا تنمية اقتصادية واجتماعية فقط .
الكرة الان في الملعب التركي الرسمي , كونه الطرف الاقوى في اللعبة والاجدر على دور لعب الحاسم والذي يقطع الشك باليقين من خلال المزيد من حسن اظهار النوايا , والى ذلك الحين ستبقى الانظار مشدودة الى ما ستظهره قادم الايام في جعبتها , وسيبقى عين على عملية السلام ومآلاته واخرى على البديل القديم الجديد المقيت , وهو اعادة تدوير دوامة العنف من جديد الامر الذي لا يستسيغه اي عاقل من الطرفين .
#جوان_ديبو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟