|
الحراك العربي و الارهاب : بين فرص الاقصاء و خطر الانتعاش
مصطفى الديماني
الحوار المتمدن-العدد: 4278 - 2013 / 11 / 17 - 22:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شهدت الأقطار العربية تحولات سياسية كبرى متسارعة ، إختلفت تسمياتها من ربيع عربي و إنتفاضات شعبية و ثوراث ...، كانت وراءها العديد من الأسباب و الخلفيات ، لتفتح الطريق نحو الإنتقال الديمقراطي المبني على عقد إجتماعي جديد يقطع مع سنوات الإستبداد و الشمولية .
إن التحولات العربية يمكن قراءتها من عدة زوايا مختلفة و متعددة ، كما أن تداعياتها كذلك يطبعها التنوع و الاختلاف ، سواء على المستوى السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي و الثقافي ، أو في ما يتعلق بالجانب الأمني خاصة ظاهرة الإرهاب . فالمنطقة العربية كغيرها من بقاع العالم لم تسلم من أخطار ظاهرة الإرهاب ، إلا أن إندلاع سلسة الإحتجاجات الشعبية ساهمت في البحث عن العلاقة بين الإرهاب و الإنتقال الديمقراطي ، و طرح السؤال : هل شكلت تحولات العربية مدخلا لتنامي الظاهرة أم إقصاء لها ؟
يعد الإرهاب إحدى الظواهر المجتمعية القديمة فهو ليس و ليد أحداث 11 شتنبر ، غير أن الظاهرة عرفت تزايدا ملحوظا خلال العقود الاخيرة و بصورة لم يعرف المجتمع الانساني سابقة لها ، تزامنا مع التقدم الحاصل في مجال التكنولوجية و المعلوماتية و تآكل سيادة الدول التي أصبح العالم معها قرية صغيرة .
عند قيام الاحتجاجات العفوية بالمنطقة العربية ، و رفع الشعوب العديد من المطالب من قبيل المطالبة بالديمقراطية و الحرية و إسقاط الاستبداد و الفساد... كانت هذه المطالبة بصورة سلمية مشروعة و علنية عن طريق الخروج للشارع ، و هنا كانت ضربة قوية لتلك التنظيمات المتطرفة التي غالبا ما تشتغل في الخفاء و تعتمد على عنصر المفاجأة ، علاوة على الأساليب العنيفة و الغير الانسانية التي تتبعها و بصورة تثير الرعب و الخوف داخل المجتمع .
كما أن المطالبة بالديمقراطية بمختلف تجلياتها شكلت إتجاها مغايرا للتوجه الفكري للتنظيمات المطترفة ، فهذه الأخيرة تتبنى حسب إيديولوجيتها و تصورها فكرا أحاديا لا يقبل الانتقاد و النقاش ، الشيء الذي يتنافى مع حرية الاختلاف و القدرة على تدبيرها باعتبارها من مقومات الديمقراطية المعاصرة .
تعد العلاقة بين الديمقراطية و الإرهاب وطيدة ( علاقة عكسية ) ، فغياب الديمقراطية غالبا ما يولد الإنطواء على الذات و الإحساس بالظلم ، الأمر الذي قد يجعل من الإستبداد بشتى مظاهره مدخلا للتطرف و الإرهاب داخل المجتمع . فالشعب العربي بالفعل كان يعاني من ويلات الإستبداد الممارس عليه من طرف أنظمة شمولية لا تؤمن بمبادئ الديمقراطية و الحرية , حيث مارست القمع ضد كل من يعارض سياساتها مما يجعل مفهوم المواطنة يكتنفه الغموض و الإلتباس من ناحية ، و الشيء الذي ساهم في تنامي ظاهرة التطرف و العنف داخل الوطن العربي من ناحية اخرى .
إن ظاهرة الإرهاب غالبا ما تنتعش في مناطق سمتها النزاعات و الأزمات و الإستبداد ، كما هو الشأن في العراق ، أفغانستان ، اليمن و الصومال ... نفس الشئ ينطبق على البلدان العربية الجديدة اليوم ، فحقيقة الأمر يعد قيام الحراك المجتمعي تهديدا للتنظيمات المتطرفة من حيث المبدأ و الأفكار فقط ، في حين يتضح بشكل جلي إنتعاش الظاهرة في الممارسة بسب ذاك الفراغ الامني الذي نتج عن المرحلة الانتقالية.
عند إحساس الأنظمة السابقة بأن الشعوب العربية لم تعد تؤمن بمنطق المؤامرات الخارجية ، و أن مطلب الإصلاح و التغير هو هدف لا رجعة فيه ، قامت تلك الأنظمة السياسية بممارسة الإرهاب في حق الأفراد بدءاً بالإعتقالات و التعنيف الى القتل ، و لعل ليبيا و سوريا أكثر البلدان التي عرفت خروقات و إنتهاكات جسيمة لحقوق الانسان بصورة خطيرة .
تميزت الأزمتين السورية و الليبية في كونهما سلكتا مسارا أكثر دمويا ، بسب تعنت النظامين و تسليح المعارضة مما أدخل البلدين و المنطقة برمتها في فوضى التسليح و إنتعاش الخلايا النائمة ، فرغم سقوط نظام معمر القذافي فليبيا لازالت تعيش فوضى أمنية خطيرة تجلت في تفجير السفرات الأجنبية و بروز مليشيات مسلحة... مما دفع السلطات إلى دعوة هذه الجماعات المسلحة إلى الإنضمام للجيش ، أما في ما يخص الصراع في سوريا فيمكن قراءة تراجع القوى الدولية الكبرى عن تسليح المعارضة تخوفها الشديد من وقوع الأسلحة في أيدي التنظيمات الراديكالية ، خاصة أمام ما تشهده المعارضة من إنقسام و تشرذم ، علاوة على تعاظم دور القوى الاقليمية و الدولية بالمنطقة خاصة تركيا و إيران إضافة الى حزب الله و الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الدولي ، الأمر الذي سيجعل حل الأزمة السورية يخضع للمصالح الجيوسياسية و الإقتصادية لتلك القوى .
في ما يخص مصر ، فقد أدى عزل الرئيس مرسي إلى خروج مؤيديه الى الشارع للإحتجاج على هذا الأمر ، الشيء الذي أسفر عن وقوع العديد من القتلى و الجرحى ، هذه الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان ستزيد من دائرة الشك و إنعدام الثقة لدى الأفراد تجاه مؤسسات الدولة ، فمصادرة الحقوق و الحريات بشموليتها عن طريق العنف تشكل إحدى أوجه الإرهاب .
إن أهم التحديات المطروحة أمام الدول العربية الجديدة تلك المتعلقة بالجانب الأمني ، فحين تستوطن الفوضى داخل الدول ، يتدفق اللاجئون عبر الحدود هربا من العنف ، وتنتعش التنظيمات المتطرفة و تجارة المخدرات و البشر … وعليه سيكون من الخطأ الإعتقاد أن تفكك دولة ما حدث داخلي بالكامل ، بل على العكس ، يحمل هذا الأمر معه إنعكاسات و تداعيات إقليمية و أحيانا دولية .
شكلت محاربة الإرهاب بإعتباره النقيض الحتمي للسلام و الآمن ، مطلبا ملحا للمجتمع الدولي في العقود الاخيرة ، حيث لم يعد معها سيادة الدول حصنا منيعا للاحتماء من تحديات الظاهرة و مخاطرها ، التي أصبحت تلقي بظلالها و إشكالاتها على مستقبل السلم و الأمن الدوليين ... ومنه فمقاربتها يجب أن تكون جماعية وشمولية ، و لا يجادل إثنان في كون أن تحقيق الديمقراطية في جميع المجالات يعد أهم المداخل لمعالجة آفة التطرف و التعصب داخل المجتمعات الإنسانية .
#مصطفى_الديماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحكومة المغربية و أزمة الإصلاح
-
الحرب الإلكترونية على إسرائيل : الأبعاد و الدلالات
-
الدبلوماسية الدولية في عالم يتغير
-
الحراك العربي وتحديات العدالة الإنتقالية
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|